شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
العنف في الجامعات الفلسطينية... انسداد الأفق وغياب القانون والتعليم التلقيني

العنف في الجامعات الفلسطينية... انسداد الأفق وغياب القانون والتعليم التلقيني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 18 يناير 202202:01 م

سمعنا في الأشهر الأخيرة عن العديد من الأزمات والأحداث في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية، من إغلاق أبوابها، وتعليق الدوام في العديد منها، نتيجة ظروف متعددة ومتشابهة في الوقت نفسه.

رأينا في جامعة بيرزيت، تصاعد الاحتقان بين الأطر الطلابية وإدارة الجامعة، عقب قرار إغلاق أبواب الجامعة بعد عقد لجنة نظام خاصة بحق منسق القطب الطلابي. طالبت الكتل الطلابية بإلغاء أي إجراءات اتُخذت بحق الطلبة، وبالتدخل الفوري للإفراج عن الطلبة المعتقلين لدى أجهزة السلطة، هذا بالإضافة إلى المطالبة بإقالة عميد شؤون الطلبة، الدكتور عنان الأتيرة. وأعقب ذلك اعتقال قوات الاحتلال عدداً من ممثلي الأطر الطلابية عند بوابة الجامعة، في 10 كانون الثاني/ يناير 2022.

وقبل ذلك، في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2021، صُعقت الضفة الغربية بخبر مقتل طالبٍ، بعد تعرّضه للطعن خلال شجار بين الطلبة في محيط الجامعة الأمريكية في جنين، وإصابة ثلاثة آخرين.

الجامعات الفلسطينية تعاني من العديد من المشكلات، أهمها تدنّي مستوى وعي الطلاب وثقافتهم وأدائهم الأكاديمي.

أسباب العنف

يعزو الدكتور جورج جقمان، الذي يُدرّس في جامعة بيرزيت، العنف المتفجر في الجامعات، إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

أولاً، انسداد الأفق السياسي، وأفول حلّ الدولتين، وغياب أي مشروع وطني متجدد للقيادة الفلسطينية والفلسطينيين ككل، وتحوّلها إلى "بلدية كبرى"، لإدارة السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، وإدارة أخرى في غزة، مع عدد من الفوارق.

وتالياً، حسب جقمان، لم يعد هناك هدف جامع للفلسطينيين يوحّدهم في مضمونٍ نضالي، وازدهرت في هذه الأجواء المشاريع الفردية والشخصية، أي "الخلاص" الفردي في أجواء عالمية نيوليبرالية تعزز هذا التوجه.

ويؤكد د. جورج، على وجود أعمال مقاومة مستمرة للاحتلال، ولكنه يرى أنها غير جماعية، أو منسَّقة، وتأتي كرد فعل على تعسف الاحتلال، وجرائمه، بما في ذلك سرقة الأرض وبناء المستعمرات. "أحياناً توجد استثناءات مشرقة توفر أملاً لما يمكن أن يكون، كما في هبّة الشيخ جرّاح الأخيرة، أي أن الإمكانية موجودة، ولكن غياب القيادة عامل مهم، إذ إن السلطة الفلسطينية لا دور لها هنا"، يضيف.

ثانياً، يشير جقمان إلى غياب قانون نافذ في الضفة الغربية، وقضاء مستقل، وتحول السلطة الفلسطينية إلى حكم ذاتي محدود الصلاحيات أولويته البقاء، لما في ذلك من منافع له، وامتيازات ومصالح، وإيجاد امتداد له خاصةً بين الشباب وفي الجامعات، من خلال "الاستزلام" والاستتباع ضمن إطار النظام الزبائني القائم حالياً، واختراق الجامعات بعملائه وموظفيه بين الطلبة والشباب، كقاعدة، أو كإحدى ركائز الحكم في الضفة الغربية.

لم يعد هناك هدف جامع للفلسطينيين يوحّدهم في مضمونٍ نضالي، وازدهرت في هذه الأجواء المشاريع الفردية والشخصية، أي "الخلاص" الفردي في أجواء عالمية نيوليبرالية تعزز هذا التوجه

"ثالثاً، يمكن أن نرى ما أشار إليه فانون، في ‘المعذبون في الأرض’، وكتب أخرى، وكيف أن عنف المستعِمر ووكلائه يمكن في بعض الظروف أن يتحول إلى عنف داخلي، في ظل فقدان البوصلة الوطنية، وغياب المشروع الوطني المشترك"، يختم.

مشكلات عديدة

من جهتها، الأستاذة ه. ح.، المُحاضرة في جامعة النجاح، التي فضلت استعمال الأحرف الأولى من اسمها، لكيلا تتعرض لمشكلات في العمل، قالت لرصيف22، إن الجامعات الفلسطينية تعاني من العديد من المشكلات، أهمها تدنّي مستوى وعي الطلاب وثقافتهم وأدائهم الأكاديمي بشكل عام، الذي جاء نتيجةً لنظام تعليمي مدرسي قائم على التلقين والحفظ، بدل أن يعتمد على مهارات التفكير النقدي والبحث والكتابة.

وترى الأستاذة أن طلبة الجامعات اليوم، يعزفون عن التعبير عن آرائهم في الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية، أو محاولة إيجاد حلول لها، بالإضافة إلى عدم وجود ثقافة التقبل والتسامح مع الآراء المختلفة، مما يؤدي إلى مشاحنات وتوتر مستمر بين الطلبة.

من جهته، بيّن الدكتور مازن قمصية، مدير معهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة في جامعة بيت لحم، أن الجامعات في فلسطين تعاني من أنظمة إدارية ضعيفة، إذ يُعيَّن كثيرون من مسؤولي الجامعات لحسابات أخرى غير قدراتهم الإدارية، بالإضافة إلى ضعف القدرات المالية، مدفوعاً جزئياً بنقص الابتكار، ونقص التدريب على أفضل الإستراتيجيات لتوظيف الموارد.

وأشار قمصية في حديثه إلى رصيف22، إلى ضعف البحث العلمي كمّاً ونوعاً، فهو الأدنى في المنطقة حسب قوله، إذ إن 15% من الدراسات، تُنشر في مجلات مقرصنة، و25% منها في مجلات ذات مستوى متدنٍ للغاية، وأشار إلى ضعف الصلة بين هذه الأبحاث والدراسات، وبين المجالات التي يحتاج إليها المجتمع، مثل البيئة والزراعة والرعاية الصحية العامة والتحول الاجتماعي والتراث الثقافي.

طلبة الجامعات اليوم، يعزفون عن التعبير عن آرائهم في الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية، أو محاولة إيجاد حلول لها، بالإضافة إلى عدم وجود ثقافة التقبل والتسامح مع الآراء المختلفة، مما يؤدي إلى مشاحنات وتوتر مستمر بين الطلبة

بطالة وفقدان للأمن

تواجه الطالب الجامعي في فلسطين، العديد من التحديات والمشكلات، أهمها حسب طالبة العلاقات العامة في جامعة النجاح، دانا نابلسي، الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولات عرقلة العملية التعليمية، سواء عبر الاعتقالات المستمرة للطلبة، أو الحواجز ونقاط التفتيش التي تعيق وصولهم إلى جامعاتهم.

كما يعاني الطالب الفلسطيني مؤخراً، من فقدان الأمن والأمان، بوجود تجاوزات قانونية متكررة في الجامعات. وحول هذا الموضوع، قالت ميرنا سمارة، طالبة العلاقات العامة في جامعة النجاح، إن لديها هاجساً بالتفكير في الطريقة الأفضل لحماية نفسها، إذا تعرضت لموقف فيه طعن أو إطلاق نار في الجامعة.

أما طالبة الصيدلية في الجامعة العربية الأمريكية، نارا معين، فأشارت إلى غلاء أقساط الجامعات والمصاريف اليومية للجامعة، من مواصلات وشراء مقررات دراسية، وما إلى ذلك.

وفي هذا الشأن، يقول د. جورج: "لعل أهم مشكلة تواجه خريجي الجامعات، هي البطالة بعد التخرج، ذلك أن نسبة البطالة لخريجي الجامعات في الضفة الغربية، تبلغ 35%، وفي غزة 78%، حسب أرقام جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني. بلا شك، الرقم الأخير لغزة لا يوجد مثيل له إلا ربما في بعض الدول الأخرى المنكوبة!".

تواجه الطالب الجامعي في فلسطين، العديد من التحديات، أهمها الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولات عرقلة العملية التعليمية.

من جهتها، أشارت الأستاذة ه. ح.، إلى قلة فرص التدريب وتطوير المهارات، والقدرات المتاحة للطلبة الجامعيين، مثل فرص التبادل الطلابي، وأشارت أيضاً إلى أن هذه الفرص القليلة عادةً ما يأخذها أصحاب المعدلات العالية، وهو ما تجده غير عادل، ويظلم بعض الطلبة أصحاب المعدلات الجيدة، خاصةً من لديهم مهارات حوارية وتفكير نقدي مميز. وحول هذا أوضحت أنه يصعب على فرد من الهيئة الأكاديمية تغيير المنظومة التعليمية الراهنة بمفرده.

حاجة ماسة إلى التطوير

أشار د. مازن، إلى أن قلةً من الأساتذة في الجامعات الفلسطينية يعنون بتنمية القدرات البحثية والنقدية لطلابهم. كما أن هناك عدداً قليلاً جداً من المساقات التي تتعلق بالابتكار، أو التي تتطلب مناهجها الدراسية تفكيراً مهماً وقراءةً وكتابةً نقديتين.

وحول ذلك يقول د. جورج: "يوجد مجال واسع لتطوير المهارات النقدية والتحليلية، ومن ثم البحثية، لدى طلبة الجامعات الفلسطينية، آخذين بعين الاعتبار النقص الحاصل في هذا المجال في المرحلة السابقة للجامعة. الوضع الأمثل هو تخصيص عام كامل لتطوير هذه المهارات، وتعويض النقص عند الالتحاق بالجامعات، ولكن هذا غير حاصل لأسباب عدة، منها مالية، وأخرى تتعلق بعدم القدرة على إطالة فترة الدراسة في الجامعات. ما يتم هو جهود متواضعة غير منسقة تختلف من مدرس إلى آخر، أو بين التخصصات، وتطوير جزئي لكن غير كافٍ. وأحياناً ينجح بعض الطلبة بتخطّي النقص الحاصل بمجهود فردي، ولكن هذا لا ينطبق على الجميع".

وأشار المتحدث إلى وجود اهتمام بتطوير جودة التعليم، خاصةً في مرحلة البكالوريوس، لكن، وبفعل العجز المالي المزمن، دفع هذا عدداً من الجامعات، كانت آخرها جامعة بيرزيت، لقبول أعداد أكبر من الطلبة، والنزول في معدلات التوجيهية، أي الامتحان الذي يقدَّم في آخر عام من الدراسة الثانوية، والذي يشكل العنصر الأساسي في القبول للجامعات. "دفع هذا إلى زيادة مضطردة في أعداد الطلبة، الأمر الذي أدى إلى تدنٍ نسبي في مستويات التعليم، خاصةً مع قبول طلبة غير مؤهلين حقيقةً للدراسة الجامعية".

ولا ينفي ذلك وجود طلبة مميزين، قُبل عدد كبير منهم في أفضل جامعات العالم لغرض الدراسات العليا. ويعتقد د. جورج، ضمن هذا السياق، بأن "الدراسة الجامعية عموماً تعتمد على الطالب الذي يمكنه التعلم والإفادة، على الرغم من أي معوقات موجودة، خاصةً بوجود مدرّسين أكفّاء".

من جهته، أعرب د. مازن، عن أن دور الإدارة مهم بالفعل في تطوير جودة التعليم. "بعض الجامعات لديها مراكز لتحسين التعليم، وتحاول تشجيع البحث، وتعزيز ارتباطه بالتعليم. مع ذلك، وبقدر ما تستحق هذه المشاريع من الثناء، يمكننا القول إنه لا توجد دراسات حتى الآن توضح تأثيرها، ولا تكاد توجد أي حوافز لأعضاء هيئة التدريس والموظفين لتحسين التعليم والبحث، فالترقية من محاضِرٍ إلى أستاذ مساعد، إلى أستاذ مشارك، ثم كامل، تتم بشكل غير مضبوط في كثير من الأحيان".

"هناك حاجة إلى إعادة الهيكلة على المستويات العليا للجامعات، أو على الأقل في معظمها، ويجب أن تكون للتعيينات فترات زمنية محدودة، مثلاً أربعة أعوام قابلة للتجديد، وصولاً حتى ثمانية كحد أقصى، بناءً على الأداء"، يقترح المتحدث.

بعض الجامعات لديها مراكز لتحسين التعليم، وتحاول تشجيع البحث، وتعزيز ارتباطه بالتعليم. مع ذلك، وبقدر ما تستحق هذه المشاريع من الثناء، يمكننا القول إنه لا توجد دراسات حتى الآن توضح تأثيرها

وأخيراً، يرى د. جورج، أن إحدى أهم ميزات الفترة الجامعية، هي أنها توفر فرصةً للشباب لإعادة اكتشاف أنفسهم، باستقلال نسبي عن العائلة والمحيط الاجتماعي المباشر. "هذا يتم بالتفاعل المستمر مع آخرين في أعمار متقاربة، سواء أكان ذلك على مقاعد الدراسة، أو من خلال الأنشطة المختلفة، أو في كافتيريات الجامعة، ومحيطها، شباناً وشابات. ولا عجب أن الكثيرين بعد تخرجهم يرون أن سنوات الجامعة كانت من أفضل سنوات حياتهم".

لكن ما يؤثر على ذلك، من وجهة نظره، الأجواء المسيسة بفعل تنافس الكتل الطلابية المختلفة المؤيدة لهذا الحزب، أو ذاك، وظاهرة العنف في الجامعات، "لكن معظم الطلبة يشجبون العنف، ويعرفون أن أحد أسبابه هو أثر الخارج على الداخل"، حسب رأيه.

الحقيقة التي يعرفها معظم من يقطنون في الضفة الغربية، هي أن المشكلات التي تعاني منها الجامعات الفلسطينية ليست جديدةً، والأحداث الأخيرة ليست سوى سلسلة تراكمات لمشكلات أخطر وأعمق يعاني منها المجتمع الفلسطيني، فنرى نتائجها في الجامعات.

وعبر إجراء العديد من المقابلات والمناقشات مع طلبة وأساتذة من جامعات مختلفة في الضفة، وجدت، على الرغم من التشابه، أن الوضع يختلف من جامعة إلى أخرى، فللإدارات دور مؤثر في تطوير جودة التعليم، وفي ترسيخ الحرية الأكاديمية للأساتذة والطلبة على حد سواء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image