شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ملف المرتزقة في ليبيا... بين واشنطن والقاهرة

ملف المرتزقة في ليبيا... بين واشنطن والقاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 11 نوفمبر 202112:00 م

على الرغم من أن مصر لم ترسل قوات عسكرية إلى الأراضي الليبية، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تعوّل على دور ما لمصر، في خروج القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب من ليبيا التي تستعد لدخول مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر، عبر أول انتخابات رئاسية مباشرة في تاريخها، لاختيار رئيسها المقبل.

يعتقد مسؤولون مصريون أن هذا هو "الدور الحتمي لمصر في ما يخص أمنها القريب جداً، عبر حدودها الطويلة المشتركة مع ليبيا، ومصالحها المتشعبة هناك". ومن هذه الزاوية، فإن وجود ليبيا مستقرة وآمنة، من شأنه أن يخفف العبء عن منظومة الأمن القومي المصري، ويسمح للقاهرة بدور إقليمي وعربي أكثر فاعليةً.

هذه الرؤية المصرية، تستوجب في ملف الانتخابات الليبية تجميد حركة المرتزقة الموجودين على الأراضي الليبية، ونشاطهم، لضمان نجاح هذه الانتخابات بمستوياتها الرئاسية والبرلمانية. وعلى الرغم من الشكوك التي تحيط بإمكان إجرائها في الأصل، بفضل التهديدات التي أطلقها المعسكر المناوئ للقائد العام للجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، الذي تقاعد من منصبه مؤقتاً، طواعيةً، استعداداً لخوض الانتخابات الرئاسية.


توافق القاهرة وواشنطن

في البيان المشترك لأحدث جولات الحوار الإستراتيجي الأمريكي المصري، أكدت حكومتا الولايات المتحدة ومصر، التزامهما الراسخ بالأمن القومي للبلدين، واستقرار الشرق الأوسط، كما شددتا على أهمية إجراء الانتخابات في ليبيا، في موعدها في 24 كانون الأول/ ديسمبر المقبل.

لكن أهم ما في هذا البيان، هو إعلان الولايات المتحدة ومصر "تأييدهما لخطة عمل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، لإزالة جميع القوات الأجنبية، والمقاتلين، والمرتزقة".

في الحوار الإستراتيجي الذي جرى في العاصمة الأمريكية واشنطن، بين وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن، ونظيره المصري سامح شكري، لفت بلينكن إلى أن مصر لعبت دوراً رئيسياً في ليبيا، من أجل الدفع من أجل عملية سياسية شاملة، وإجراء الانتخابات في موعدها، مشيراً إلى أنهما عملا معاً لمساعدة الليبيين على حل القضايا الاقتصادية الملحة، بما في ذلك توحيد البنك المركزي الليبي.

وجود ليبيا مستقرة وآمنة، من شأنه أن يخفف العبء عن منظومة الأمن القومي المصري، ويسمح للقاهرة بدور إقليمي وعربي أكثر فاعليةً

وتابع: "ونتفق كثيراً على أهمية الانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية، والمقاتلين، والمرتزقة، من البلاد".

بدوره، استغل شكري المناسبة التي تمثّل أول انعقاد للحوار الإستراتيجي المتوقف بين مصر والولايات المتحدة منذ عام 2015، للتذكير بأن "العقد الماضي كان فترةً من التجارب والمحن في الشرق الأوسط"، في إشارة إلى ما عرف باسم الربيع العربي.

وفى تدشين للدور المصري في المنطقة، تابع شكري قائلاً: "لحسن الحظ، صمدت مصر في وجه العاصفة، وتغلّبت بنجاح على الاضطرابات الأمنية والاقتصادية اللاحقة التي أربكت المنطقة، وهي الآن تقف على أرضية صلبة، وتؤدي دورها التقليدي كقوة استقرار في المنطقة.

وحسب ما قاله المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، فقد توافق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر اتصالهما الهاتفي مؤخراً، على ضرورة خروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، وتقويض التدخلات الأجنبية غير المشروعة التي تساهم في تأجيج الأزمة.

التفاهمات مع أنقرة

وفقاً لتقدير مسؤول في الجيش الوطني المتمركز في الشرق الليبي، فإنه بإمكان مصر الضغط على تركيا، لإخراج قواتها، والتدخل لدى الدول المجاورة التي تملك مقاتلين على الأرض، مثل السودان، وتشاد، والإشراف على ترحيلهم.

ومع ذلك، يعتقد المسؤول نفسه، الذي طلب عدم التعريف به، أن الدور الحقيقي هو ما سيتم الاتفاق عليه مع اللجنة العسكرية المشتركة، بعد اجتماعهم في تركيا وروسيا.

وعلى الرغم مما بين مصر وتركيا من خلافات، يرى المصدر أن مصر في مقدورها الضغط على تركيا عن طريق دول أخرى، ورأى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتمنّع على الرغم من أنه هو الراغب في تصحيح العلاقة مع مصر، والساعي إلى تحقيق نقلة معها.

"الهدف الرئيسي من التأكيد على فكرة الانسحاب على مراحل، هو ضمان عدم الإخلال بموازين القوى على الأرض بين الأطراف المحلية التي تحظى بدعم الجانبين، الروسي والتركي"

وعلى الرغم من إعلان وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة، نجلاء المنقوش، التي أوقفها المجلس الرئاسي عن العمل بسبب ما وصفه بـ"انفرادها في إدارة السياسة الخارجية الليبية"، قد تحدثت غداة مؤتمر برلين في نسخته الثانية والأخيرة، عن إحراز القوى الدولية تقدماً في مسألة إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد، فإن هذا التقدّم لا يزال محدوداً.

خطة الخروج

الانسحاب الكامل للمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، سيتم على مراحل عدة، وفقاً للمعلومات التي يرددها مسؤولون مصريون، وتشير إلى اتفاق بين تركيا وروسيا، لسحب المرتزقة الموالين لهما على دفعات، وبشكل متزامن.

من وجهة نظر مسؤول مصري طلب من رصيف22، حجب هويته، فإن الهدف الرئيسي من التأكيد على فكرة الانسحاب على مراحل، هو ضمان عدم الإخلال بموازين القوى على الأرض بين الأطراف المحلية التي تحظى بدعم الجانبين، الروسي والتركي.

وبينما يجادل الطرفان في شأن أي مجموعة يجب أن تغادر أولاً، يقول مسؤول دبلوماسي غربي، لرصيف22: "الفكرة باختصار هي أن وجود المرتزقة الموالين لتركيا كان بهدف منع قوات الجيش الوطني من فرض سيطرتها على البلاد، عبر وضع يدها على العاصمة طرابلس، والآن الهدف هو ضمان تعادل القوى بين الفريقين، وضمان عدم تكرار الأمر".

التفاهم التركي والروسي على سحب مقاتليهما تدريجياً، لن يتم بين عشية وضحاها، خاصةً أن أنقرة تزعم أن حكومة الوفاق السابقة في ليبيا برئاسة فائز السراج، المعترف بها دولياً، قد دعت الجيش التركي لمساعدتها.

 وترفض تركيا، استناداً إلى اتفاقيتها العسكرية والأمنية المثيرة للجدل مع حكومة السراج، أن توضَع في مرتبة القوات الأجنبية الأخرى نفسها.

أعداد المرتزقة

خلال العام الماضي، أبلغت الرئيسة السابقة للبعثة الأممية، ستيفاني وليامز، ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي رعته في مدينة جنيف السويسرية، بوجود 20 ألفاً من المرتزقة، والقوات الأجنبية، في ليبيا، يتوزعون على عشر قواعد عسكرية، بينما قال تقرير لجنة خبراء من الأمم المتحدة إن الجيش الوطني يتلقى دعماً يشمل مرتزقةً جلبتهم شركة فاجنر الروسية، وكذلك من السودان، وتشاد، وسوريا.

في المقابل، حصلت حكومة طرابلس السابقة، على دعم عسكري رسمي من الجيش التركي، وجيش من المرتزقة السوريين الذين جنّدتهم تركيا.

في تقرير أصدرته مؤخراً عن نشاط المرتزقة في ليبيا، تكشف مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، عن وجود مقاتلين من روسيا، والسودان، وأفغانستان، وأوكرانيا، وبعض دول شرق أوروبا.

ينتمي قسم من المرتزقة إلى حركات مسلحة سورية، مثل لواء المعتصم، وفرقة السلطان مراد، والفيلق الشامي، وحركة جيش التحرير السوداني، وبعضهم يتبع شركة السادات التركية، أو منظمة قطر الخيرية التي لعبت دوراً في تجنيد المقاتلين والأسلحة، وتهريبهم عبر طرق مختلفة إلى الداخل الليبي.

من دول الجوار يبرز العدد الأكبر من السودان، إذ تشير التقديرات إلى وجود نحو ثلاثة آلاف من المقاتلين في حركة جيش التحرير السوداني بقيادة منى مناوي، والمجلس الانتقالي لتحرير السودان، وحركة العدل والمساواة السودانية، في مناطق الحدود المشتركة في الجنوب.

"وجود تلك الجماعات، يشكل تهديداً لليبيا ودول الجوار، إذ إن استمرار حالة عدم الاستقرار في ليبيا، سيحوّلها إلى قاعدة خلفية لكافة أعمال التمرد ضد الأنظمة السياسية في مصر، وتشاد، ومالي، والنيجر"

ووقّعت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، برعاية أممية، في الـ23 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في جنيف، على اتفاق لوقف إطلاق النار، ينصّ على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، في غضون 90 يوماً من تاريخ توقيعه.

وعقب فشل هجوم حفتر الذي استمر 14 شهراً على طرابلس، تم توقيع هذه الهدنة برعاية أممية وأمريكية، وتم إطلاق عملية سياسية أسفرت عن سلطة انتقالية جديدة ممثلة في المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفى، وحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

يعتقد خبير الشؤون الإستراتيجية والأمن القومي المصري، اللواء محمد عبد الواحد، أن مجاميع المرتزقة في الصحراء، جنوب البلاد، خاصةً المجموعات المسلحة القادمة من السودان وتشاد، قد تشكّل حاضنةً وبيئةً خصبتين للجماعات الإرهابية، وجماعات الجريمة المنظمة، للحصول على دخل لتمويل عملياتهم. كما أنه يشجع الخلايا النائمة المتعاطفة مع الميول الإرهابية، لخلق تحدٍ جديد للسلطات الليبية.

يلفت عبد الواحد هنا، في حديثه إلى رصيف22، إلى أن وجود تلك الجماعات، يشكل تهديداً لليبيا ودول الجوار، إذ إن استمرار حالة عدم الاستقرار في ليبيا، سيحوّلها إلى قاعدة خلفية لكافة أعمال التمرد ضد الأنظمة السياسية في مصر، وتشاد، ومالي، والنيجر.

ويستشهد على ذلك، بأن الجماعات التي قتلت الرئيس التشادي السابق، إدريس ديبي، انطلقت من ليبيا، وعدد من العناصر الإرهابية التي نفّذت عملياتٍ في مصر، انطلقت من ليبيا أيضاً، وكذلك انقلابات مالي المستمرة انطلقت منها.

وفقاً لوجهة نظره، ينبغي الفصل بين ملفَّي المرتزقة والقوات الأجنبية، والميليشيات المسلحة، والأخير ربما يكون الأخطر في أثناء إجراء الانتخابات الليبية، وقد يُستخدَم كورقة ضغط لتغيير مسارها، أو عرقلتها، أو إفسادها، أو إحداث فوضى عقب إعلان النتائج لصالح الخاسرين.

لكن عبد الواحد يلفت الانتباه إلى أن هناك عدم توصل إلى صيغة توافقية بين روسيا وتركيا، ونية لسحب القوات والموالين لهما، وهو ما انعكس على مستوى تمثيلهما في مؤتمر دعم استقرار ليبيا الذي عُقد مؤخراً في العاصمة الليبية طرابلس.

بيد أن التفاهم المصري الأمريكي على خطة خروج المرتزقة من ليبيا، لا يجب أن يجعلنا ننسى أن ثمة دور أمريكي أخضر تم إعطاؤه لتركيا، لجلب مرتزقتها إلى هناك بادئ الأمر، في تكرار لما تم عقب الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، عام 2011، بإرسال مقاتلين من "الثوار الليبيين" (آنذاك)، إلى سوريا، عبر تركيا.

الآن، المطروح هو وقف هذه العجلة عن العودة إلى الدوران مجدداً، وإنهاء الدور الخطير لجيش المرتزقة في رسم الخريطة الإقليمية لتحالفات المنطقة، وتهديد أنظمتها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard