"على مدار العام الماضي (2020)، بدءًا في ليبيا ثمّ في ناغورنو كاراباخ، استمر تجنيد تركيا للمرتزقة السوريين من خلال الميليشيات المحليّة والشركات العسكريّة والأمنيّة الخاصة، المُسجلة رسميًا تحت إشراف دقيق من السلطات التركيّة في شمال غربي سوريا حيث تولى قادة الميلشيات في الجيش الوطني السوري مهمة تجنيد مقاتلين، بينما كانوا لا يزالون يتلقون التمويل والتوجيه العام من شركة سادات للاستشارات الدفاعيّة، التي تحتفظ هي نفسها بعلاقات وثيقة مع قادة سابقين وحاليين في الجيش التركي".
"الوسيط الأساسي في تجنيد المرتزقة هو قادة في الجيش الوطني مرتبطون بالقيادات الأمنيّة التركيّة، وهم يحصلون بسبب عمليات التجنيد على نفوذ أكبر عند الأتراك، وهذا معناه سلطات أوسع في المناطق التي يحكمونها في سوريا".
ورد ما سبق في تقرير نشره "المركز السوري للعدالة والمساءلة"، و"سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" تحت عنوان "الارتزاق في سوريا: التجنيد الاستغلالي وإثراء الميليشيات الإجراميّة"، وهو يستند إلى بحث ميداني قامت به المنظمتان حول تجنيد المرتزقة السوريين للقتال في نزاعات خارجيّة خلال العام 2020، ولا سيما في الجمهوريّة الليبيّة خلال فترات النزاع بين قوات خليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني، وفي إقليم ناغورنو كاراباخ خلال الصراع الأذربيجاني الأرميني الذي تدخلت فيه تركيا، ما أثَّر على علاقاتها بروسيا.
يناقش التقرير العلاقة بين اقتصادات الحرب، والنزاعات الخارجيّة، وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا "من خلال توثيق ثلاث ظواهر تتجلى في تجنيد المرتزقة السوريين: التجنيد الاستغلالي، واستغلال اليد العاملة، والاحتيال على العائلات".
يتراوح عدد المرتزقة السوريين في الخارج بين 10 آلاف و15 ألف مقاتل، والقسم الأكبر منهم في ليبيا، وقد تمّ إرسالهم من قبل طرفين رئيسيين هما تركيا وروسيا.
يركّز التقرير على تجنيد الحكومة التركيّة مرتزقة سوريين في ليبيا وناغورنو كاراباخ، كما يشير إلى حكومات سوريا وروسيا وليبيا وأذربيجان، التي شاركت في تجنيد سوريين لمهمات قتاليّة دعمًا لأطراف مختلفة خارج الحدود السوريّة.
اعتمد التقرير على مقابلات كثيرة مع عشرات المقاتلين والشهود، ومع عائلات المقاتلين وقادة في الجيش الوطني، فضلًا عن تحليل الصور البصريّة والفيديوهات الموجودة على الإنترنت، ومتابعة تطبيق flight radar الذي أتاح تتبع تنقلات المقاتلين، حسبما قال بسّام الأحمد لرصيف22، وهو المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
ثمن الارتزاق
يراوح عدد المرتزقة السوريين في الخارج بين 10 آلاف و15 ألفًا، حسب المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبدالله، الذي أضاف في حديثه لرصيف22: "القسم الأكبر منهم في ليبيا، وقد تمّ إرسالهم من قبل طرفين رئيسيين هما تركيا وروسيا. كما يوجد قسم من المقاتلين السوريين بين أذربيجان وأرمينيا (خاصة في إقليم ناغورنو كاراباخ)، لكنّ أولئك المقاتلين كانوا قد جُندوا سابقًا في ليبيا".
وبحسب البحث الميداني، يختلف المقابل المالي الذي يحصل عليه المقاتلون باختلاف المعارك. ويشرح بسّام الأحمد لرصيف22 إنّه "عند اشتداد المعارك، وحين تكون هناك عمليات عسكريّة كبيرة، فقد يبلغ ما يتقاضاه المقاتل الواحد وسطيًا ما بين ألفين وألفين وخمسمئة دولار أمريكي، لكن هذا المبلغ ينقص في كثير من الأحيان لأنّ السمسار (صلة الوصل بين المقاتل والجهة التي يقاتل من أجلها) يقتطع من هذا المبلغ، وأحيانًا يتفق قادة الفصائل مع الجهات الأمنيّة التركيّة أو الشركات التركيّة الخاصة على سعر ما، لكنهم يدفعون للمقاتلين مبالغ أقل من المتفق عليها، على أن يحتفظوا بالباقي لأنفسهم".
ويضيف الأحمد: "الوسيط الأساسي في تجنيد المرتزقة هو قادة في الجيش الوطني مرتبطون بالقيادات الأمنيّة التركيّة، وهم يحصلون بسبب عمليات التجنيد على نفوذ أكبر عند الأتراك فيتمتعون بحمايتهم، وهذا معناه سلطات أوسع في المناطق التي يحكمونها في سوريا، وكذلك يحصلون على مقابل مادي خاص بهم".
في تحقيق نشره موقع "حكاية ما انحكت" السوري عن مصير شباب مدينة درعا، جنوب سوريا، بعد سيطرة النظام السوري عليها، يأتي ذكر تجنيد روسيا لشبان سوريين من درعا من أجل القتال في ليبيا، حيث يوعدون "بالحصول على رواتب مغريّة تراوح بين 800 و1500 دولار أمريكي لكلّ عنصر متعاقد، ترافقها مغريات أخرى كشطب أسماء المطلوبين لدى فروع النظام الأمنيّة وضمان عدم ملاحقتهم مستقبلًا".
يقول محمد العبدالله إنّ عمليات التجنيد تستهدف الأشخاص الأضعف اقتصاديًا واجتماعيًا، وعدا الوعود الماليّة، وُعد بعض المقاتلين بإيصالهم لاحقًا إلى فنزويلا وحصولهم على الجنسية هناك، ولا سيما في محافظة السويداء.
جنسية جديدة
في التقرير الوارد ذكره أعلاه، يقول مسؤول الشرطة الحرّة في عفرين (التي احتلتها قوات الجيش الوطني السوري المدعومة بالقوات التركيّة وقامت بتهجير سكّانها الأصليين من الأكراد) التابعة للجيش الوطني السوري، والذي قابله معدّو التقرير وأوردوا شهادته: "كشرطة (في سوريا) نخضع لسلطة تركيا فيما يتعلق بالرواتب والمهام والتعيينات. وطُلب منّا إرسال وحدات للعمل كشرطة في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، وإرساء الأمن في المدن الخاضعة لسيطرتها. علمًا أنّ الذهاب إلى هناك طوعي، بعقود مدتها ستة أشهر أو سنة أو على أساس دائم، وهذا شرط للحصول علي الجنسيّة الليبيّة. وغادر حوالى 600 عنصر من الشرطة الحرّة (إلى ليبيا) على دفعتين".
وهذا ما يؤكده بسّام الأحمد إذ يقول إنّ بعض المقاتلين حصلوا على الجنسيّة الليبيّة وصاروا يعيشون أو يقاتلون هناك، فيما قتل بعض المقاتلين هناك وجرح آخرون، ومنهم من أصيب بعاهات مستديمة ومنهم من انضم إلى فصائل أخرى في ليبيا، وبعضهم تمّ الاستغناء عنهم بعد انتهاء مدة عقودهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه