أثار قرار مفاجئ لرئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، بتشكيل لجنة لبحث مشكلات التجنيس في البلاد، مخاوف من أن يكون ذلك بمثابة تمهيد لمنح الجنسية الليبية لآلاف المرتزقة السوريين، الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا، للقتال إلى جانب القوات المحسوبة على حكومة الوحدة، في مواجهة الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر.
لجنة عليا للدراسة
وكان الدبيبة قد أمر، عقب اجتماع حضره رئيس المخابرات العامة، ووزير الداخلية، ومسؤولو مصلحتَي الجوازات، والأحوال المدنية، في طرابلس، بتشكيل لجنة عليا لبحث التفاصيل الفنية والقانونية كافة، وإحالتها إلى الحكومة، في ما يتعلق بطلبات الحصول على الجنسية الليبية، وإثبات صحة الانتماء إلى الأصل الليبي.
وناقش الاجتماع، وفقاً لبيان حكومي رسمي، الصعوبات التي تواجه الحاصلين على الأرقام الإدارية، وكذلك أبناء الزوجة الليبية من أجنبي، لكنه أثار حفيظة المعسكر المناوئ للدبيبة، في شرق البلاد.
وعلى الرغم من أن مصادر حكومية نفت وجود أي مخطط لتجنيس المرتزقة الموالين لقوات حكومة الوحدة، فقد دعا رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي طلال الميهوب، في رسالة وجّهها إلى النائب العام في العاصمة طرابلس، الصديق الصور، إلى فتح تحقيق مع الدبيبة، في شأن قرار منح الجنسية.
مخاوف من أن يكون قرار رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بتشكيل لجنة لبحث مشاكل التجنس في البلاد, بمثابة تمهيد لمنح الجنسية الليبية لآلاف المرتزقة السوريين الذين جلبتهم تركيا الى ليبيا
وبعدما عدّ أن هذا القرار في غاية الخطورة، ويهدد الأمن القومي للبلاد، وتركيبتها الديمغرافية، ولاحظ أن رئيس حكومة تصريف الأعمال، ليس مخوّلاً، بعد سحب الثقة، بتوقيع مثل هكذا قرارات، طالب الميهوب، بإيقاف اللجنة المشكّلة بخصوص مسألة الجنسية، إلى حين استقرار البلاد.
وطالب الكاتب والمحلل السياسي حسين المسلاتي، بوقف ما وصفه بالعبث، ورأى أن الموضوع حساس وخطير للغاية، ويمس الأمن القومي لليبيا، ولا يخص حكومة مؤقتة.
مخطط قديم
وكانت حكومة الوفاق السابقة، برئاسة فائز السراج، قد استعانت بمرتزقة سوريين، ضمن قوات الأمن المحلية التابعة لوزارة الداخلية، وظهر هؤلاء بالزيّ الرسمي للشرطة الليبية، في مناسبات عدة.
وسعى وزير الداخلية السابق في حكومة السراج، فتحي باش أغا، إلى منح هؤلاء الجنسية الليبية، وعدّهم جزءاً من الجهاز الأمني والشرطي في غرب البلاد، بعدما شاركوا في القتال إلى جانب قوات حكومته، لدحر الهجوم الذي شنّته قوات الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، بدءاً من شهر نيسان/ أبريل عام 2019، بهدف تحرير طرابلس من هيمنة الميليشيات المسلحة، واستعادة السيطرة عليها.
وعلى الرغم من انتهاء القتال، لا يزال المرتزقة السوريون يتواجدون في معسكرات خاضعة لرقابة لصيقة من سلطات طرابلس، والقوات التركية العاملة هناك، خوفاً من تمردهم وإعلانهم العصيان، إذ اعتاد هؤلاء التظاهر، للمطالبة بدفع رواتبهم المتأخرة.
من أين يأتي المرتزقة؟
وطبقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ينتشر قرابة 20 ألفاً من المرتزقة، في غرب ليبيا ووسطها، عبر تركيا، وشركة فاغنر الروسية، علماً أن الرئيسة السابقة للبعثة الأممية، ستيفاني وليامز، قد أكدت وجود عشر قواعد عسكرية تشغلها، بشكل جزئي، أو كلي، قوات أجنبية يقدَّر عددها بنحو 20 ألف مقاتل.
وبينما تعترف تركيا بوجود مقاتلين سوريين مدعومين منها، في ليبيا، لدعم حكومة الوحدة، أكد تقرير ناقشه مجلس الأمن الدولي، العام الماضي، وجود مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية، ومقاتلين سوريين جاؤوا من دمشق، لدعم القائد العام للجيش الوطني، المتمركز في شرق البلاد، المشير خليفة حفتر.
وتحدث التقرير السنوي عن وجود مجموعات مسلحة أجنبية قدِمت من تشاد، والسودان، وأكد وجود عسكريين يتراوح عددهم بين 800 و1200" شخص، تابعين لمجموعة فاغنر الروسية، المعروفة بقربها من الرئيس فلاديمير بوتين، على الرغم من نفي موسكو المتكرر، أي ضلوع لها في وجود مرتزقة روس، في ليبيا.
بينما تعترف تركيا بوجود مقاتلين سوريين مدعومين منها في ليبيا لدعم حكومة الوحدة, أكد تقرير ناقشه مجلس الأمن الدولي العام الماضى, وجود مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية ومقاتلين سوريين جاؤوا من دمشق لدعم المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني المتمركز في شرق البلاد
ويقدّم عناصر الفاغنر، دعماً فنياً لإصلاح مركبات عسكرية، وصيانة طائرات عسكرية وإصلاحها، ومراقبة الحركة الجوية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد تحدث في تقرير عرضه على مجلس الأمن الدولي، مؤخراً، عن معلومات في شأن تورط مرتزقة أجانب، لصالح طرفي النزاع العسكري في ليبيا، على نحو ينتهك الحظر الذي يفرضه مجلس الأمن على إرسال أسلحة إلى هناك، منذ عام 2011.
وأبرمت حكومة الوفاق السابقة، برئاسة فائز السراج، قبل نهاية عام 2019، مذكرة تفاهم حول التعاون الأمني والعسكري، مع تركيا، تسمح بموجبها بإرسال قوات عسكرية تركية إلى طرابلس.
مكافأة من أجل القتال
وتراجعت الحكومة عن مخططٍ لتجنيس المرتزقة السوريين الذين قاتلوا لصالحها، في الحرب الفاشلة التي شنّها الجيش الوطني، لتحرير طرابلس عام 2019، كنوع من المكافأة عن دورهم في القتال المثير للجدل.
ويخشى الكثيرون من أن يكون قرار الدبيبة تشكيل لجنة لدراسة منح الجنسية مجدداً، باباً خلفياً لمنح الجنسية لمئات المرتزقة المتواجدين على الأراضي الليبية.
وكانت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، التي تضم ممثلي قوات حكومة الوحدة، والجيش الوطني، قد توصلت إلى اتفاق برعاية أممية، العام الماضي، في جنيف، يقضي بوقف إطلاق النار الدائم في ليبيا، وخروج القوات الأجنبية، والمرتزقة، منها، في غضون 90 يوماً من تاريخ توقيعه.
وبينما تظل هدنة وقف إطلاق النار صامدة، على طول جبهات القتال التقليدية، بين قوات شرق البلاد، وغربها، فإن المهلة المحددة لتنفيذ الجزء الثاني من الاتفاق، لم يتم القيد بها، وتنفيذها.
وتتوزع هذه القواعد، حول سرت، حيث يقع خط الجبهة، وإلى الجنوب في قواعد جوية رئيسية، لا سيما في الجفرة، على بعد 500 كم جنوب طرابلس، وإلى الغرب في الوطية الموالية لحكومة الوحدة، حيث أكبر قاعدة عسكرية على الحدود التونسية.
وأرسلت تركيا مرتزقة سوريين، ومدربين، ومستشارين عسكريين، وطائرات مسيرة إلى ليبيا، بموجب اتفاق عسكري موقَّع مع حكومة الوفاق السابقة، بينما مدّد البرلمان التركي الإذن بنشر هؤلاء الجنود، لمدة 18 شهراً.
ويخشى الكثيرون من أن يكون قرار الدبيبة تشكيل لجنة لدراسة منح الجنسية مجددا, بابا خلفيا لمنح الجنسية لمئات المرتزقة المتواجدين على الأراضي الليبية
أصل المشكلة
وخضع قانون الجنسية في ليبيا لتغييرات جوهرية متتالية عدة، كان أبرزها قرار ما كانت تُعرف باسم اللجنة الشعبية العامة (الحكومة عام 2010)، قبل عام واحد من سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ويقضي بمنح الجنسية الليبية لأبناء الليبيات والآباء الأجانب، تاركةً التفاصيل للوائح لم تكتمل.
وعرّف هذا القرار، في مادته الثالثة، المواطن الليبي بأنه الشخص المولود لأب ليبي، أو لأم ليبية، وأب بلا جنسية، أو مجهول الجنسية، متجاهلاً بذلك أبناء الليبيات من جنسيات أخرى، على نحو خلق العديد من المشكلات الاجتماعية.
ويعاني أولاد نحو 15 ألف امرأة ليبية على الأقل، من المعاملة كغرباء، إذ لا يتم منحهم أوراقاً ثبوتية رسمية، كما يعاني سكان المناطق الحدودية التي كان متنازعاً عليها مع تشاد، بالإضافة إلى قبائل التبو، والطوارق، في جنوب البلاد، من مشكلات مماثلة.
وساهمت الحالة المتدهورة في البلاد، على مختلف المستويات، في تعاظم المشكلات التي يعانيها هؤلاء، في ظل غياب الاستقرار الأمني، والعسكري، والسياسي، في ليبيا، على مدى السنوات العشر الماضية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.