على الرغم من محدودية شُهرة دولة البرتغال، تبقى واحدة من أكثر دول الاتحاد الأوروبي جذباً للمهاجرين من مختلف الجنسيات حول العالم.
فوفقاً لتصريح حكومي قبل بضعة أشهر، يستقبل مكتب الهجرة (AIMA) ما يزيد عن 1000 طلب إقامة يومياً، وهو ما جعل قائمة الانتظار لطالبي الحصول على
لشبونة، البرتغال، عدسة مصطفى ماهر
تعتبر البرتغال حالياً أكثر دول أوروبا ترحيباً بالمهاجرين دون استثناء ودون شروط مُركبة، فما عليك سوى الدخول إلى الاتحاد الأوروبي والوصول إلى البرتغال قاصداً محامياً أو "مكاتب ورق تعديل الوضع"، لتبدأ رحلة طويلة في الحصول على إقامة أوروبية شرعية تمنحك حرية التحرّك داخل 27 دولة في منطقة شنغن لمدة تصل إلى عامين قابلة للتجديد، وصولاً إلى الحصول على جواز سفر برتغالي في السنة الخامسة.
البرتغال لا تفعل ذلك حباً بالمهاجرين ولا رغبة في التنوع الثقافي وإنما هو أمر "حياة أو موت" لهذه الدولة المطلة على المحيط الأطلنطي جنوب غربي أوروبا، فربما بدون هذا التدفق من المهاجرين الذي ازدهر في السنوات الخمس الأخيرة وفقاً للبيانات، لوقعت البرتغال في أزمة اقتصادية واجتماعية طاحنة تقضي على كل ما تبقى من إمبراطورية البرتغال التاريخية.
المهاجرون ينقذون المجتمع والاقتصاد البرتغالي
تقول الأرقام وفقاً لإحصاء أجري في مارس/آذار 2024 إن نسبة السكان تشهد تراجعاً كبيراً ومستمراً في السنوات الأخيرة، إذ يبلغ عدد السكان حالياً 10,347,892 نسمة، وهو أقل بحوالى 214,286 نسمة مقارنة بإحصاء عام 2011، أي أن عدد سكان البرتغال في تناقص مستمر منذ عام 2010، يأتي ذلك مدفوعاً بانخفاض معدل النمو السكاني وهجرة الشباب إلى دول أوروبا ذات الدخل المرتفع مثل ألمانيا وفرنسا.
هذا السبب الرئيسي لتبني الدولة سياسة مفتوحة تجاه المهاجرين، ما يجعلها وجهة مغرية للأفراد الذين يبحثون عن فرص جديدة في أوروبا.
عدد سكان البرتغال في تناقص مستمر، وهذا سبب رئيسي لتبني الدولة سياسة مفتوحة تجاه المهاجرين، ما يجعلها وجهة مغرية للباحثين عن فرص في أوروبا. لكن واقع الأمر يقول عكس ذلك!
لكن واقع الأمر يقول عكس ذلك! أو كما قال أوجو لرصيف22 وهو مدير بنك برتغالي سابق ويشغل منصباً إدارياً في أحد المعاهد المهنية: "إن الوضع في البرتغال عشوائي وبلا رؤية، البرتغال كانت دولة عظيمة في القرون السابقة، أما الآن فلا أعرف ماذا تفعل الحكومات المتعاقبة. أمام الدولة فرصة عظيمة للاستثمار في تدفق المهاجرين لكنها لا تفعل".
ويضيف: "يمكن هذه الدولة أن تكون ضمن كبرى الدولة الاوروبية، فقط بوضع إستراتيجية بشأن المهاجرين الذين يأتون إلى هنا ومعهم تدفقات مالية كبيرة ويعملون في مهن رئيسية عديدة ويدفعون ضرائب، لكن عشوائية وبطء إجراءات دمجهم في المجتمع البرتغالي يخلقان صعوبات وتحديات حالية ومستقبلية".
تعتبر الجالية المغربية والجزائرية من أكثر المهاجرين الوافدين إلى البرتغال سواء ضمن الواصلين بطرق غير شرعية عبر البحر أو عبر مطارات شنغن بطرق قانونية.
تحدثنا إلى محمد الذهبي القادم من المغرب، يقول: "أنا هنا منذ عامين، جئت كسائح بتأشيرة قانونية حصلت عليها من سفارة إسبانيا بالمغرب، قبل مجيئي تأثرت بعشرات الفيديوهات التي شاهدتها عبر يوتيوب من أشخاص جاؤوا إلى البرتغال قبل سنوات ونجحوا في الحصول على إقامة قانونية بعد دفعهم للضرائب من عملهم لأكثر من 18 شهراً، كنت أتوقع أن تسير الأمور بسلاسة، لكن منذ اليوم الأول لي في لشبونة وجدت صعوبة كبيرة في الحصول على غرفة للنوم، هناك نقص شديد في عروض الغرف وبأسعار مبالغ بها تصل إلى 450 يورو للشهر الواحد، وهو ما كان يمثل وقتها 80% من الحد الأدنى للأجور في البرتغال، هذا بالإضافة إلى أسعار المعاملات الورقية، التي
لشبونة، البرتغال، عدسة مصطفى ماهر
يستكمل المهاجر المغربي حديثه موضحاً أنه بعد مرور أكثر من 120 يوماً على تقديم أوراقه ودلائل التزامه بدفع الضرائب والضمان الاجتماعي من أجل الحصول على الإقامة، لم يحصل على أي رد، وهو ما وضعه في حالة نفسية سيئة، فقد كان يخطط لزيارة والدته المريضة في المغرب، لكنه لا يمكن أن يغادر البرتغال ويعود إليها دون تصريح الإقامة، ولا أحد يجيبه من مكتب الهجرة، فأرقام الهواتف مشغولة 24 ساعة، وليس هناك رد عن طريق البريد، سوى أن مكتب الهجرة يطلب منه الانتظار.
عشوائية إجراءات الحكومة وبطئها يطيلان الانتظار ولا يمنعان الاستغلال
الانتظار دون حدود، إنه أسوأ ما يتعرَض له المهاجر في البرتغال، عليه أن ينتظر ليحصل على أفضل عرض من محامٍ أو مكتب معاملات، ليدفع من أجل استكمال أوراق ليس لها سعر، لكن غياب الوعي والمعلومات الحكومية المقلة، يؤديان إلى استغلال الوضع وتسعير إنجاز هذه الأوراق بمبالغ وصلت 5000 يورو في بعض الأحوال.
وبعد الانتهاء من الأوراق ينتظر المهاجر فرصة الحصول على عمل لائق، ثم الحصول على سكن لائق، ثم الحصول على موعد في أحد مكاتب الهجرة وتقديم النسخ الأصلية من أوراقه وبصمات أصابعه للحصول على الإقامة، وربما هذه أصعب المراحل وأكثرها إحباطاً.
إن مكاتب الهجرة في البرتغال كثيرة لكنها تسير بشكلٍ عشوائي، بعض المكاتب تصدر بطاقة الإقامة بعد أسبوع واحد فقط وبعضها بعد 3 أشهر والأسوأ بعد نحو 7 أشهر أو أكثر، وليس هناك سبب واضح لهذه التفاوتات لا سيما أن هذه المكاتب تعمل وفقاً لنظام واحد وهيئة واحدة تُسمى (AIMA) وهي الهيئة المستجدة التي كانت تُسمى بـ (SEF)، وكان أحد أسباب التغيير هو إعادة الهيكلة لتسهيل إجراءات المهاجرين واختصار زمن انتظارحصولهم على الإقامة، وهو ما لم يحدث حتى كتابة هذه السطور.
مكاتب الهجرة في البرتغال كثيرة لكنها تسير بشكلٍ عشوائي، فبعضها تصدر بطاقة الإقامة بعد أسبوع واحد، وبعضها بعد 3 أشهر، والأسوأ بعد نحو 7 أشهر أو أكثر، وليس هناك سبب واضح لهذه التفاوتات.
ولتوضيح حجم الاختلاف بين مكاتب الهجرة، يقول وليد من لبنان، إنه جاء إلى البرتغال رفقة أحد أصدقائه قبل أكثر من عامين بتأشيرة طالب، وبعد انتهاء تأشيرتيهما أصبح وجودهما غير قانوني فذهبا إلى أحد معاهد تدريس اللغة ودفعا مصاريف دورة تعليم اللغة البرتغالية مدة 6 أشهر، فحصل كل منهما على موعد مختلف وفي مكان مختلف لتقديم أوراقهما وبصماتها لهيئة الهجرة.
يوضح وليد: "ذهبت إلى أحد مكاتب الهجرة في مدينة تبعد عن العاصمة بنحو 60 كم، وهناك رفض موظف الهجرة النظر في أوراقي من الأساس معترضاً على مجال الدراسة وأكد أنه لا يمكن أن أحصل على إقامة طالب عن طريق دراسة اللغة لأنها في نظره لا تكفي، وخرجت من المكتب محبطاً لأتصل بصديقي الذي ذهب في اليوم ذاته إلى مكتب آخر في مدينة أخرى ليخبرني أنه قدم أوراقه وبصماته بكل سهولة وترحيب من الموظف، وذلك على الرغم من أنه يرتاد نفس معهد اللغة ونفس مجال الدراسة ولديه نفس الأوراق تقريباً".
لشبونة، البرتغال، عدسة مصطفى ماهر
العودة إلى لبنان وخسارة سنين الانتظار أو الاستسلام
يؤكد وليد أن هذا التخبط أجبره على البقاء داخل الأراضي البرتغالية 27 شهراً متواصلة حتى حصل على بطاقة الإقامة مؤخراً بطريقة أخرى غير الدراسة، وهي "manifestacao de interesse"، وجرب مهناً عديدة لتوفير مصاريف الحياة الأساسية، وما زاد الأمر تعقيداً هو انتهاء صلاحية جواز سفره قبل حصوله على بطاقة الإقامة مما كان سيعرضه لفقدان تعبه على مدار أكثر من عامين، وذلك لعدم وجود قنصلية لدولة لبنان في البرتغال، فتواصل مع القنصلية اللبنانية في إيطاليا وأخبروه أن عليه العودة للبنان لإصدار جواز سفر جديد، وبالطبع هذا يعني انتهاء حلم الإقامة، إذ إنّ الخروج دون تأشيرة ودون بطاقة إقامة تعني صعوبة العودة مجدداً سواء إلى البرتغال أو إلى دول الاتحاد الأوروبي.
بعد محاولات كبيرة استطاع وليد أن يقنع القنصلية في إيطاليا أن يصدر جواز سفر جديداً عن طريق إرسال أوراقه بالبريد.
ببساطة يمكن أن نقيس هذه التناقضات والتحديات في البرتغال على كل شيء وفي معظم المجالات، فمن الممكن أن تذهب لمكتب حكومي لتخليص بعض الأوراق، فتجد رفضاً قاطعاً من الموظف، و بعد عدة أمتار تذهب لفرع آخر من مكتب حكومي آخر تابع لنفس الهيئة لتجد ترحيباً من الموظف وتسهيلاً لأوراقك، ما يؤكد معاناة المهاجرين من غياب الشفافية والمعلومات وطول الانتظار غير المبرر للحصول على حقهم في الإقامة بعد أن نفذوا جميع شروط الدولة التي وعدتهم سهولة الإجراءات.
من الممكن أن تذهب لمكتب حكومي لتخليص بعض الأوراق، فتجد رفضاً قاطعاً من الموظف، و بعد عدة أمتار تذهب لفرع آخر من مكتب حكومي آخر تابع لنفس الهيئة لتجد ترحيباً من الموظف وتسهيلاً لأوراقك
من ناحية أخرى، أعلن رئيس وكالة التكامل والهجرة واللجوء في البرتغال (AIMA) في 24 من مارس/آذار 2024، لويس جويس بينيرو، عن خطة موجهة للمهاجرين في البرتغال الذين لا يتحدثون اللغة البرتغالية كلغتهم الأم، تهدف للتنسيق بين الجهات المعنية وتوفير أدوات التكنولوجيا لتقديم التدريب عن بُعد وتقديم شهادات عبر الإنترنت. تشمل الخطة التعليم في سياق العمل والرياضة، وتعزيز التكامل بالمجتمع.
لشبونة، البرتغال، عدسة مصطفى ماهر
وأكد أن المبادرات لتعليم اللغة البرتغالية للأجانب كانت موجودة بالفعل، ولكنها متناثرة أو غير منسقة بشكل جيد.
وكان بينيرو تحدث مع صحيفة محلية حول أزمات AIMA مطلع العام الجاري أي بعد نحو 3 أشهر من ترؤسه للهيئة المُعاد هيكلتها، فعلق: "لقد ورثت مشكلات وأزمات من الهيئة السابقة وأحتاج لوقت لحلها!". وأشار إلى وجود نحو 350 ألف ملف لطالبي الحصول على الإقامة عالقة بسبب مشكلة في الأرشيف، مما يعكس الضغط الكبير على نظام الهيئة، وصعوبات عملية التحول من نظام إلى آخر، والتي تتسبب في بطء في تقديم الخدمات وارتباك في توزيع الاختصاصات، لكنه أكد على أن توفير الخدمات الرقمية سيساهم في تسريع عمليات معالجة الملفات وتحسين تجربة المستخدم.
وأوضح بينيرو أنه تم تحديد 4 أولويات رئيسية لمعالجة المشكلة، وهي: حل المشكلات الوثائقية، وتعزيز تعلم اللغة البرتغالية، وخلق فرص عمل لائقة، ودعم اللاجئين والمهاجرين في دمجهم في سوق العمل، وهي الأولويات التي لم تظهر بشكلٍ فعلي في حياة قطاع كبير من المهاجرين العرب حتى الآن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه