شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
يا رب،

يا رب، "هَبْرَة" لكبار السِّن في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والفئات المهمشة

الثلاثاء 9 أبريل 202411:10 ص

عمري 67 عاماً، أي أنّني من المشمولين، بوصفي مواطناً مصريّاً، بقانون "رعاية حقوق المسنّين" الذي أقرّه مجلس النواب المصري يوم 15 فبراير/ شباط 2024، وإذ يعرّف القانون "المسن" بأنّه من بلغ 65 عاماً، فإنّني مرشح للاستفادة من 16 ميزة يقول القانون إنّها يجب أن تتوفر لكبار السّن، من الخصم الجزئي لتذاكر المواصلات العامة، وتذاكر بعض المتاحف ومراكز الثقافة والمواقع الأثرية المملوكة للدولة، إلى توفير الرعاية الوقائية والعلاجية الجيدة وفقاً لقوانين وقواعد التأمين الصحي.

وإذ تصدر القوانين في مصر، لتبدو بهرجةً مبالغاً فيها، تجاه كبار السّن أو تجاه أي فئةٍ أخرى في المجتمع، فإنّ هذه القوانين ذاتها تتلاشى في المتاهة البيروقراطية لتنفيذها، أو فيما يسمّيه المشرّعون "اللوائح التنفيذية للقوانين"، كأن يكون المسن بدون "عائل"، فتتولى الدولة رعايته مادياً وصحيّاً ومعيشياً، وحسب مركز المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء، فقد بلغ عدد المسنّين في مصر 6.9 مليون مسن، من بينهم 3.7 مسن من الذكور و3.2 مليون من الإناث، وفقاً لتقديرات السكان في يوليو/ تموز عام 2022، وتشير التقديرات ذاتها إلى أنّ العمر المتوقع للحياة لدى الذكور 69.7 سنة للذكور و74.1 سنة للإناث.

وإذ تبدو الأرقام وكأنّها دليل على امتلاك الدولة المصرية لقاعدة بيانات دقيقة وواضحة لكبار السّن في البلد، فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة ولا تلقائياً، أنّ نحو سبعة ملايين مسن في مصر، يحظون بالرعاية التي يتحدث عنها القانون، لأنّه ودائماً بين الكلام الرسمي والواقع فجوة هائلة، ليس في موضوع كبار السن فقط، وإنّما في كل موضوع يخص المواطنين كباراً أو صغاراً في السّن.

تصدر القوانين في مصر، لتبدو بهرجةً مبالغاً فيها، تجاه كبار السّن أو تجاه أي فئةٍ أخرى في المجتمع، فإنّ هذه القوانين ذاتها تتلاشى في المتاهة البيروقراطية لتنفيذها، أو فيما يسمّيه المشرّعون "اللوائح التنفيذية للقوانين"

وتاريخياً في مصر، كما في كلّ بلدٍ في العالم، كان كبار السّن يحظون بالرعاية حتى لحظة موتهم في الأسر الممتدة، غير أنّه ومع تفكك هذا الشكل التاريخي والتقليدي للأسرة، فقد أصبح الكثير من كبار السّن في مهب الريح والعجز، خاصةً وأنّ أحد صفات كبار السّن في مصر أنّهم "بركة"، أي أنّ دورهم قد انتهى في الحياة، وأنّ وجودهم هو من باب "لزوم ما لا يلزم"،

وإن وضعنا قانون كبار السّن في مصر جانباً، ونظرنا إلى الواقع، فبوسعك أن ترى طابوراً طويلاً أمام البنك أو أمام أي مصلحة حكومية، لا يحظى فيها كبار السّن بأي اعتبار، حتى أنّ بعضهم يكاد أن يكون عاجزاً عن الوقوف على قدميه، ومع ذلك يترك "لدوره" الذي قد يأتي بعد ساعتين أو ثلاث من الانتظار.

والأمر في الحقيقة متعلّق بمفهوم "الإنسان" في الدولة المصرية أو في المجتمع المصري، إذ تتحدّد القيمة ليس حسب السن "الأطفال وكبار السّن مثلاً" أو حسب الحالة "المريض والعاجز" وإنّما تتحدّد القيمة حسب "المكانة"، وهنا سيكون طفل الوزير أهم بما لا يقاس من طفل الغفير، وقس على ذلك.

والأصعب من كلّ ما سبق، أنّ النمط الاجتماعي الذي ينشأ ويكبر فيه الإنسان المصري، لا يقيم اعتباراً للحياة أكثر من "الدور في الحياة"، فأنت ما إن تتخطّى عتبة الخمسين من العمر، حتى ينظر إليك بوصفك دوراً منقضياً أو على وشك الانقضاء، وإن حاولت أن تحتفي بنفسك وبحياتك كأن ترتدي وأنت كبير السّن قميصاً مشجّراً أو شورت، فسوف ينظر إليك بازدراء أو بأنّك "عايز تاخد زمنك وزمن غيرك"، أو في الرقابة الاجتماعية العامة، ليس مسموحاً لأحد بالخروج عن الدور المرسوم له، بما في ذلك "كبار السّن" الذين يجب أن يلتزموا بدور "جدّو البركة"، أو الإنسان الذي يتقاتل الآخرون من عائلته على ميراثه وينتظرون موته إن كان لديه ما يورّثه.

وبالمقارنة بين المجتمع والدولة، ستبدو الدولة في الحقيقة أكثر رحمةً من المجتمع، فها هي على الأقل تصدر قانوناً جديداً لحماية كبار السّن ورعايتهم، فيما لا تنشط أي حملات مصاحبة إعلامية أو تعليمية أو إرشادية للتعامل مع كبار السّن وحمايتهم في الخطوط الأولى للمواجهة، أي في الواقع نفسه، حيث يتعرّض كبار السّن لمظالم كثيرة، من بينها الإهمال الإنساني والنفسي والصحي والعائلي.

الأمر كله قد يكون منوطاً بالرئيس، إن ألهمه الله عزّ وجل، وأمر "بهَبْرة" لكبار السّن، كما أمر "بهَبْرة" لذوي الاحتياجات الخاصة، وهؤلاء وهؤلاء والأطفال والنساء والكثير من الفئات الضعيفة أو المستضعفة في مصر

وبوصفي حسب القانون  المصري "كبير السّن"، فإنّني، وعلى المستوى الشخصي، لست بحاجة إلى رعاية وإنّما أنا بحاجة إلى "حقوق"، وهنا أسرد قصة عن "نقابة اتحاد كتّاب مصر" التي رفضت إعطائي "معاشاً" بحجة "القانون"، فقد تقدمت لطلب العضوية في عام 2013 وحينها قيل لي، إنّني أستحق معاشاً بعد مرور 10 سنوات على العضوية، وليس عند بلوغي الستين من العمر، لأنّني تقدمت لطلب العضوية بعد تجاوز سن الخمسين عاماً وهذا صحيح، لكن حين تقدمت بطلب معاش عام 2023 أي بعد مرور عشر سنوات على العضوية، رفضت النقابة منحي معاشاً، استناداً على ما تقول إنّه قانون يقول إنّ من تقدم لطلب العضوية بعد الخامسة والخمسين لا يحق له معاش، علماً بأنّني أسدّد اشتراكاتي السنوية وأجدّد عضويتي بانتظام.

ومن السخرية أنّ معاش نقابة اتحاد كتّاب مصر، لا يتجاوز ثلاثمائة أو أربعمائة جنيه شهرياً، أي إنّه بالنسبة لي على الأقل "لزوم ما لا يلزم"، ولكنّه "حق" تحرمني منه النقابة بحجة القوانين التي يضعها بشر وينفذها بشر. وإذ يحصون مشاكل كثيرة يعاني منها كبار السّن في مصر، فإنّني أودّ أنّ أضيف إلى هذه المشاكل، أنّ نقابة اتحاد كتّاب مصر لا تحترم كبار السّن، ولا تمنحهم حقوقهم في المعاش، أو هذا ما حدث معي أنا على الأقل.

على أنّ الأمر كله قد يكون منوطاً بالرئيس، إن ألهمه الله عزّ وجل، وأمر "بهَبْرة" لكبار السّن، كما أمر "بهَبْرة" لذوي الاحتياجات الخاصة، وهؤلاء وهؤلاء والأطفال والنساء والكثير من الفئات الضعيفة أو المستضعفة في مصر، ليسوا بحاجة إلى "هَبْرة"، إنّهم بحاجةٍ أكثر إلى تنفيذ القانون بصرامة، وإلى النظر إليهم كبشرٍ لهم حقوق دستورية وإنسانية، لا كأعباءٍ على أسرهم أو دولتهم أو مجتمعهم. أمّا الهَبْرة، فهي القطعة الكبيرة من اللحم، يفوز بها الأقوى في بلدٍ يتحدّد فيه وجودك بمستوى قدرتك على "الهَبْر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image