تعاني المجتمعات المضيفة للاجئين، حول العالم، من مشكلات متعددة، أبرزها يكمن في فجوات التماسك، والاندماج المجتمعي، بين اللاجئين وبينها.
ربّما لا يُعدّ اللاجئون السوريون في لبنان، قادمين من بيئات مختلفة، أو بعيدة، إذ إنّ العادات، والتقاليد المجتمعية، والحياتية، واحدة تقريباً، وحتى طبيعة البلاد الجغرافية، بالإضافة إلى علاقات المصاهرة، والسفر، والعمل، التي تربط الشعبين منذ القدم، فما أسهل انتقال السوري من دمشق إلى بيروت، واللبناني من طرابلس إلى حمص.
لكن، بعد عام 2011، تغيّر الوضع، وانقلبت الأمور رأساً على عقب.
أنشأ طلاب سوريون في لبنان، رابطة الطلاب الجامعيين، بهدف مساعدة الطلاب السوريين واللبنانيين وتحقيق أثر مجتمعي إيجابي.
بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية والاجتماعية، التي وقعت على عاتق لبنان، نتيجة لجوء مئات آلاف السوريين إليه، فارّين من الحرب في بلدهم، وتاركين خلفهم ممتلكاتهم، ومنازلهم، وتعليمهم، ومستقبلهم، كان لا بد لهذا البلد الصغير من تأمين فرص تعليم لآلاف الطلاب السوريين الذين خسروا إمكانية استكمال تعليمهم العالي في سوريا، الأمر الذي احتاج إلى جهود كبيرة من المؤسسات التعليمية، وأيضاً من مؤسسات المجتمع المدني.
رابطة للطلاب والمجتمع
عام 2016، أنشأت مجموعة من الطلاب السوريين في لبنان، رابطة الطلاب الجامعيين، بهدف تأمين المنح الدراسية للطلاب الذين لا يستطيعون إكمال تعليمهم العالي، بالإضافة إلى تمكينهم في مختلف مجالات الحياة الأكاديمية والمهنية، وتفعيل دورهم في المجتمع، ويعمل هؤلاء الطلاب ضمن الرابطة، تطوعاً.
مثلاً، في عام 2020، استفاد 700 طالب من مختلف الجنسيات في لبنان، من منحة "هوبز" التي ساعدتهم الرابطة على التقدم لها، إذ وفرت فريقاً مختصاً لمساعدتهم في الطلبات، وتحضير رسالة الدافع، والسيرة الذاتية، واختيار الجامعة، والاختصاص المناسبين، وتجهيز الخطة الدراسية.
أيضاً، أمّنت الرابطة عشرات الدورات، والتدريبات المهنية، من مختلف المنظمات الدولية، والجمعيات المحلية، لتغطية الاحتياجات الأكاديمية لطلبة التعليم العالي، مثل دورات اللغة الإنكليزية، والبرمجة، والتدريبات المهنية، في مجالات التصوير، والزراعة، واحتراف صيانة الهواتف، وغيرها.
ولم يقتصر عمل الرابطة على ذلك، بل عملت على بناء علاقات اجتماعية، ومهنية، متوازنة بين المجتمعَين، اللاجئ والمضيف، فأطلقت أنشطة مجتمعية، وحملات تطوعية، بدءاً من الجامعات والمعاهد، وصولاً إلى مختلف المناطق، والفئات المجتمعية. وتجلى أثر عملها واضحاً في مساعدة ضحايا انفجار مرفأ بيروت، وإنقاذ العوائل اللاجئة، من عواصف الشتاء القاسية.
"كسرنا الصورة النمطية"
ضمن استطلاع شمل آراء متنوعة للشباب، والطلبة السوريين، واللبنانيين، أشار معظمهم إلى وجود فجوة مجتمعية يعاني منها اللاجئون في لبنان، والمجتمع المضيف في آن واحد، وهي الصورة النمطية التي يعرفها اللبنانيون عن اللاجئين السوريين.يقول رائد، وهو طالب لبناني في الجامعة اللبنانية الدولية في البقاع: "لم نكن نعرف عن السوريين، قبل أن نلتقي بأصدقائنا الطلاب منهم، سوى أنّهم لاجئون يعيشون في خيم، وينجبون الأطفال، ويتلقون المساعدات الشهرية من الأمم المتحدة. آسف على نفسي، وعلى إخوتي السوريين، أنّني لم أبحث يوماً عن صدق ما تصدره بعض وسائل الإعلام في بلدنا".
يكمل رائد حديثه لرصيف22، وقد فضّل استخدام اسم مستعار: "عندما تصدرت أسماء السوريين، لوائح الشرف في الجامعة، تغيّرت نظرتنا، وقبل ذلك، عندما دخلوا الجامعة، بعدد كبير، حاصلين على المنح، تفاجأنا بمثابرتهم على الدراسة، على الرغم من أنّ الواحد منهم يدرس، ويعمل، ويتطوع، وربّما لديه أسرة يعيلها".
هذه النظرة النمطية، بدأت بالتغير فعلياً، كما يشير رائد، حين تعرف إلى أصدقاء من رابطة الطلاب، حين دعوه إلى التطوع معهم. "اكتشفت حرصهم الشديد على مساعدة الآخرين في الحصول على منحة، أو تأمين كتب، أو التبرع بمستلزمات الدراسة، وحتى في شرح الدروس من دون تفرقة. ساعدتنا جلسات الحوار على كسر الحواجز شيئاً فشيئاً، حتى بتنا نذهب لندرس، وننجز واجباتنا معاً".
"ساهمت الرابطة في كسر حاجز الطبقية، بين ‘لبناني وسوري’، وفتحت المجال للاختلاط المجتمعي، مما ساعد على بناء روابط متينة بين الطلاب من مختلف الجنسيات، فكانت فرصة الاجتماع للتقديم على المنح، بوابةً لتمكين هذه الروابط"
ملك قصاص، شابة سورية خريجة علوم الحاسوب من الجامعة ذاتها، انضمت إلى الرابطة منذ تأسيسها، وتحكي لرصيف22 عن تجربتها: "في كلّ فصل دراسي، كنا نعلن عن جمع الكتب لتوزيعها على غير المقتدرين، وفي كلّ مرة يتفاجأ طلاب بما نقوم به، وسرعان ما ينجذبون إلى حملتنا، وينضمون لمساعدتنا، ثمّ نخبرهم عمّا نقوم به، من أنشطة خارج الجامعة، لتتسع دائرتنا. الكثيرون من اللبنانيين لا يعرفون عن المنح الدراسية، ولا حتى عنّا كسوريين. في رابطة الطلاب، عملنا على أن نكون يداً واحدة، من دون النظر إلى هويتنا، والغاية مساعدة الجميع".
مجموعات ونقاش في لبنان كله
عبد الله بكور، طالب سوري يدرس الآن في كندا، بعد حصوله على منحة في الرياضيات الفخرية العام الفائت، وهو أحد مؤسسي الرابطة، يروي لرصيف22 عن بداياتها: "انطلقت الرابطة من البقاع، ثم أنشأنا فريقاً في كل منطقة، لنغطي معظم أنحاء لبنان، وكان همّنا الأساسي، الضغط على المنظمات المانحة، لتأمين أكبر عدد من المنح الدراسية للاجئين واللبنانيين، على حدّ سواء".واليوم، لدى الرابطة مجموعة على فيسبوك، تضمّ أكثر من 25 ألف عضو، وسبع مجموعات على تطبيق واتس آب، تشمل المناطق اللبنانية كافة، وتساعد الشباب على الحصول على فرص عمل، أو تطوع، وتزخر بالنقاشات المفتوحة حول أكثر القضايا التي تشغلهم في لبنان.
ويذكر المتحدث مثالاً عن فرص التعليم التي أمّنتها الرابطة، ويقول: "في عام 2018، توجهنا لمقابلة المانحين لمنظمة سبارك، وقدمنا لهم عرضاً توضيحياً شاملاً عن الوضع التعليمي في عرسال، ما أدى إلى خلق 101 فرصة تعليمية لـ101 من الطلبة المنقطعين عن التعليم، على اختلاف جنسياتهم".يكمل الشاب حديثه: "ساهمت الرابطة في كسر حاجز الطبقية، بين ‘لبناني وسوري’، وفتحت المجال للاختلاط المجتمعي، مما ساعد على بناء روابط متينة بين الطلاب من مختلف الجنسيات، فكانت فرصة الاجتماع للتقديم على المنح، بوابةً لتمكين هذه الروابط. أيضاً، أدت النشاطات التي قامت بها الرابطة من رحلات ترفيهية، إلى النتيجة نفسها".
فائدة للطلاب
تناصر رابطة الطلاب قضايا التعليم في لبنان، وحقّ التعليم العالي للطلاب جميعهم، من الفئات المهمشة، سواء أكانوا لاجئين لا يملكون شهادات رسمية معترف بها، أو لبنانيين لم يتمكنوا من استكمال تعليمهم العالي، كأقرانهم السوريين.عملنا على أن نكون يداً واحدة، من دون النظر إلى هويتنا، والغاية مساعدة الجميع.
صيف عام 2018، تعرّف عبد الكريم عز الدين من بلدة عرسال، على الرابطة، عندما توجه مع أخته وأخيه للتسجيل في منحة سبارك: "كان يوماً رمضانياً حاراً، وكان فريق الرابطة موجوداً في مبنى البلدية، مع حواسبهم وهواتفهم المحمولة، يشرحون للطلاب وأهاليهم عن طريقة التقدم للمنحة، وهو أمر جديد ومعقد بالنسبة إلينا".
لم يحصل عبد الكريم على المنحة، لكن انضمامه إلى مجموعات التواصل في الرابطة، فتح آفاقاً جديدة له، كما يقول لرصيف22، والأثر المجتمعي الذي حظي به، هو من خلال تعرفه إلى أصدقاء جدد، وانخراطه أكثر في فهم عمل الجمعيات والمنظمات، والوصول إلى مستوى جديد من الغنى المعرفي: "صرت بسهولة أجد حلولاً لمشكلات تتعلق بالدراسة، أو التوظيف والتدريبات".
هذا الأمر غيّر في شخصيته أيضاً، فتحول من شخص منغلق، إلى شاب يرغب في مساعدة الآخرين: "صرت أنقل لأصدقائي في البلدة ما يصلني من فرص تعليمية وتدريبية من الرابطة كله، خاصةً أنها تستهدف السوريين واللبنانيين الذين يعانون من المشكلات نفسها".
ولأصحاب العمل أيضاً
تعمل إيمان خليل، وهي ناشطة فلسطينية، مع الشباب المقبلين على سوق العمل، وتقول في لقاء مع رصيف22: "عندما نقلت عملي من البقاع الشمالي إلى الأوسط والغربي، لم تكن لديّ معرفة كافية بالمناطق، والوصول إلى فئات الشباب. من خلال رابطة الطلاب، أصبحت مهمتي أسهل، ووصلنا إلى عدد كبير من المستفيدين. لدى الرابطة شبكة قوية وواسعة، ومن خلالها نصل إلى فئات مهمشة ضمن مناطق لم نستطع الوصول إليها قبلاً، أو هي لا تعرف الطريقة التي تصل بها إلى خدماتنا".تضيف إيمان أن الرابطة وفّرت مساحات آمنة للطلاب، وعلى الرغم من أنها لا تملك دعماً أو تمويلاً خاصين بها، إلا أنها فعّلت وجود مراكز الجمعيات ضمن المناطق التي تعمل فيها، ما زاد الاندماج بين اللبنانيين والسوريين، وساهم في تعرفهم إلى بعضهم أكثر، ومنحهم الوصول إلى الفرص نفسها، سواء فرص العمل، أو الاستشارات الوظيفية، أو المنح، وغيرها من أنشطة التوعية حول القوانين، والشروط الخاصة بالعمل.
"هو عمل يخدم كلي المجتمعين، اللاجئ والمضيف، ويساهم في تبادل الخبرات والثقافات، والاندماج بشكل أفضل. أشعر بالفخر والسعادة في كل مرة نسمع فيها شكراً ودعاء من شخص استفاد من خدماتنا، وبذلك نحصد ثمار جهدنا، ونعلم أننا على الطريق الصحيح"
أثر مجتمعي
أماني عبد الرحمن، لبنانية من مجدل عنجر، تدرس الرياضيات في الجامعة اللبنانية، وتعمل مدربة لليوغا. تعرفت الشابة إلى رابطة الطلاب، قبل عامين، ولم تتردد للحظة في المشاركة في أنشطتها التطوعية: "ذهبنا إلى المطابخ الرمضانية، لتحضير الوجبات، وتوزيعها، بالتعاون مع منظمات أخرى، وشاركنا في حملات لإنقاذ اللاجئين، في أثناء العواصف الشديدة عام 2019".تشعر أماني، كما تخبر رصيف22، بالفخر بعملها، وبالمجموعة التي كسرت فجوة حادة بين اللبنانيين والسوريين، وتضيف: "هذه الأنشطة المشتركة، جعلتني أشعر أنّه لا فرق بين شخص وشخص بسبب الجنسية، لم يسأل أحد عن جنسيتي أو هويتي. همّنا الوحيد إفادة الناس، وأيضاً لم يكن هناك فرق في استهداف الفئات بالأنشطة، أو المساعدات المقدمة".
هذا الأثر بدا واضحاً بعد انفجار بيروت العام الفائت، إذ شارك متطوعو الرابطة، بالتعاون مع جمعيات أخرى، في تنظيف شوارع بيروت، وتوزيع ما يلزم من معونات إغاثية على مئات العائلات المتضررة، وعلى الرغم من أن كثيرين من المتطوعين يقيمون في مناطق بعيدة عن العاصمة اللبنانية، لكنهم تدبروا يومها أمر تأمين المواصلات، مدفوعين بشعورهم بالمسؤولية تجاه بلدهم، أو البلد الذي حضنهم سنواتٍ.
"عملنا لا يقتصر على فئة دون أخرى"، يقول محمد العبار، وهو طالب ماجستير في إدارة الموارد البشرية في الجامعة اللبنانية الدولية، عن طريق منحة من الرابطة، ومتطوع معها أيضاً.ويضيف الشاب السوري في حديثه لرصيف22: "إلى جانب المساعدة في التسجيل على المنح، وتأمين الكتب والدورات، شاركنا في نشاطات اجتماعية مثل طلاء دور الأيتام، وترميمها، وتنظيف الشواطئ. هو عمل إنساني يخدم كلي المجتمعين، اللاجئ والمضيف، ويساهم في تبادل الخبرات والثقافات، والاندماج بشكل أفضل. أشعر بالفخر والسعادة في كل مرة نسمع فيها شكراً ودعاء من شخص استفاد من خدماتنا، وبذلك نحصد ثمار جهدنا، ونعلم أننا على الطريق الصحيح".
تنوعت أشكال ومظاهر العمل المجتمعي الذي تحرص عليه رابطة الطلاب الجامعيين في لبنان، على مدار سنوات، بدءاً من ظروف اللجوء القاهرة التي دفعت الشباب السوريين لتكوينها، امتداداً لخلق مساحات تشاركية متعددة في ميادين الدراسة والتدريب والعمل، وليس انتهاء بحصول الكثير من الشباب عبرها على فرص تنير مشوار حياتهم في لبنان أو إلى بلدان أخرى، دون التمييز بالانتماء.
ورغم عدم وجود أي تمويل مادي لها، فإنّ حفاظها على العشرات من المتطوعين الدائمين معها، يشير إلى بذرة مجتمعية متينة تحاول النمو رغم كلّ العوائق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...