شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أين العيدية؟"... عادة بدأها الفاطميون وينتظرها الكبار والصغار اليوم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 18 يوليو 202101:47 م

فور انتهاء صلاة العيد، ينتظر الكبار والصغار "العيدية" من الأهل والأقارب، وهي، عادةً، تكون على شكل نقود يشتري بها الصغار ما يحلو لهم من ألعاب وحلويات، ويطمع الكبار أيضاً في الحصول عليها، نقديةً أو عينية، من الوالدين، أو الزوج، أو الإخوة.

"العيدية" طقس ليس وليد اليوم، بل لها تاريخ طويل يمتد منذ العصرين الفاطمي والمملوكي، وكانت في كل مرة تأخذ سمة العصر الذي تظهر فيه، وصولاً إلى يومنا هذا.


مفهوم كلمة "عيدية"

قال مدير البحوث والدراسات الأثرية في وزارة السياحة والآثار المصرية، خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، إن العيدية من التقاليد الراسخة في العيد، وتشير إلى العطاء، أو العطف، وهي لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة، أو الأوقاف، من نقود في عيدي الفطر والأضحى، على أرباب الوظائف، وكانت تُعرف في دفاتر الدواوين بالرسوم، ويُطلق عليها في وثائق الوقف "التوسعة".

للعيدية تاريخ طويل يمتد منذ العصرين الفاطمي والمملوكي، وكانت في كل مرة تأخذ سمة العصر الذي تظهر فيه.

وجاء في كتاب "ثقافة العيدية" للكاتب نبيل الكربلائي، الصادر عام 2012: "قال أهل اللغة عن العيدية، إنها نوق من كرام النجائب منسوبة إلى فحل منجب، وهي بهذا تكون منفصلة عن مقصود العيد، ولهذا كان من الأنسب إرجاعها إلى ‘العائدة’، أي المعروف والصلة والمنفعة".


صرّة وطبق

"العيدية تقليد فاطمي"، وفق حديث أستاذ التاريخ في جامعة بني سويف محمد إبراهيم، لرصيف22، فالدولة حينها كانت تمنح زيادة في الرواتب مع دخول العيد، خاصةً بعد ختم القرآن في رمضان، وكلمة "عيدية" من العيد.

أما كسوة العيد، كما يضيف إبراهيم، فابتدعها الفاطميون أيضاً، وأنشأوا لها داراً تُسمّى "دار الكسوة"، تصنع الملابس، وتفرّقها على رجال الدولة والشعب، لذلك سُمّي عيد الفطر بـ"عيد الحلل"، والحلة هي الثياب المكونة من القميص والعمامة والسروال، ومع الملابس كانت توزع العيدية على شكل صرّة من النقود.

وفي كتابها "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون" الصادر عام 1971، أوضحت الدكتورة سعاد ماهر، أن الفاطميين كانوا يريدون استمالة المصريين، مثلما حدث مع الخليفة المعز لدين الله، إذ كان يأمر بتوزيع الحلوى، وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والكسوة، مع حلول كلّ عيد، على رجال الدولة، وعامة الرعيّة، كما كان يهدي بنفسه دراهم فضيّة مخصصة للفقهاء والقرّاء والمؤذّنين، مع انتهاء ختمة القرآن ليلة العيد.

وفي العصر المملوكي، كان يُطلق على العيدية "الجامكية"، كما يقول عبد الرحيم ريحان، وكان السلطان يصرف راتباً بمناسبة العيد، للأتباع من الأمراء وكبار رجال الجيش، وتتفاوت قيمة العيدية تبعاً للرتبة، فكانت تُقدّم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية، ولآخرين دنانير من الفضة، وإلى جانبها المأكولات الفاخرة، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة أثرية لعالم الآثار الإسلامية الدكتور علي أحمد الطايش.

ووفق ريحان، فإن الرعية عندما كانوا يذهبون إلى قصر الخليفة صبيحة يوم العيد، للتهنئة، كان ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من منظرته في أعلى أحد أبواب قصر الخلافة.

أما العيدية بشكلها الحالي، فهي متوارَثة منذ العصر العثماني، حين كانت النقود والهدايا توزَّع كما يحدث اليوم تقريباً.


في العراق دراهم وحلوى ومعجنات

"العيدية سمه أساسية للعيدين الرئيسين عند عموم المسلمين، الفطر والأضحى، وهذا ما درجنا عليه في العراق منذ زمن طويل"، يقول الباحث والصحافي العراقي عادل العرداوي لرصيف22، مضيفاً أن "العيدية، قديماً، كانت خمسة، أو عشرة، أو خمسة وعشرين فلساً، وهكذا صعوداً ونزولاً حسب كرم المُعطي. تُمنح العيدية للأطفال بشكل خاص، من الآباء والأمهات والأجداد والأشقاء الأكبر سنّاً، وبقية أفراد العائلة والأقارب، وأيضاً من الجيران والأصدقاء، حسب مقدرة كل شخص من الناحية المالية، وما تجود به يده في مثل هذه المناسبات".

الباحث في التراث العراقي أضاف: "أحياناً تُمنح العيدية على شكل معجنات تبرع النساء في صناعتها، وتهيئتها، ليلة العيد، وكنا نأكلها مع الشاي والعصائر المختلفة، إلى جانب الزبيب الأسود، والتين المجفف، والجوز، واللوز، والفستق، فضلاً عن أنواع الحلويات المحلية، مثل الشوكولا والمُلبّس والمصقول، وأيضاً التمر أو البلح، حسب القدرة المالية".

تُمنح العيدية للأطفال بشكل خاص، من الآباء والأمهات والأجداد والأشقاء الأكبر سنّاً، وبقية أفراد العائلة والأقارب، وأيضاً من الجيران والأصدقاء، حسب مقدرة كل شخص من الناحية المالية، وما تجود به يده في مثل هذه المناسبات

وعلى الرغم من تطور ظروف الحياة والطفرات التقنية التي شهدتها، فإن طقس العيدية ما زال كما هو في العراق، بنكهته ولذته المحببتين عند الأطفال الذي يذهبون بتلك الهدايا إلى ساحة العيد، أو "فرحته"، للاحتفال.


نقود لشراء الحلوى في المغرب

في المغرب، تختلف طقوس الاحتفال بين عيدي الفطر والأضحى، فالعيدية، أو "الفلوس" باللهجة المحلية، هي خاصة بالفطر، كما تقول أستاذة التراث والثقافة الشعبية المغربية فاطمة الزهراء، وتضيف خلال حديثها مع رصيف22: "أتذكر عندما كنا صغاراً، كنا نقف في مدخل البيت بانتظار درهم، أو اثنين، من أهالينا لنشتري بها الحلوى، وكان هذا الطقس الرمزي للفرحة أهم شيء لدينا. ترتبط العيدية بالأطفال فحسب، في المغرب. فمثلاً لا توجد لدينا عادة أن يمنح الخطيب خطيبته النقود، وإنما الهدايا فحسب".

أما الأضحى، وفق المتحدثة، فهو في المغرب "عيد تجمّع العائلة" بامتياز، وتختار كل عائلة طقوسها لنفسها، فنجد مدن المغرب فارغةً نسبياً خلال أيام العيد، إذ يجتمع أفراد الأسرة في منزل العائلة، ولو بشكل رمزي، إن كان الأهل متوفين، كتعبير عن استمرار الانتماء. وهناك طقوس أخرى تخص كل عائلة، مثل الطبخ مدة ثلاثة أيام، وتحضير أكلات مميزة خاصة بالعيد، وطريقة الذبح، ورشّ الملح في المكان الذي تُذبح فيه الأضحية. "هذا الاختلاف ناجم عن تعدد الثقافات في المغرب، من عربية، وحسامية، وأندلسية، وصحراوية"، تضيف الزهراء.


ذكريات مع "العيدية"

"كنا نحلم بالعيدية قبل العيد بأيام، ونحسُب ما سنحصل عليه، لنتمكن من شراء الألعاب التي نرغب في امتلاكها"، يتحدث الباحث في التراث الشعبي المصري خطاب معوض لرصيف22، مستذكراً أيام طفولته في منتصف السبعينيات من القرن الماضي: "في تلك الفترة، كانت العيدية تتراوح بين خمسة وعشرين، وخمسين قرشاً، وكان من النادر أن يأخذ أحدنا جنيهاً كاملاً".

كنا نحلم بالعيدية قبل العيد بأيام، ونحسُب ما سنحصل عليه، لنتمكن من شراء الألعاب التي نرغب في امتلاكها.

يضيف معوض: "في منتصف الثمانينيات، جمعتُ العيدية التي حصلت عليها، وكانت تقارب العشرين جنيهاً. في اليوم التالي، ذهبت إلى السينما مع أصدقائي، وشاهدنا ثلاثة أفلام هي "الوداع يا بونابرت"، و"شهد الملكة"، و"الأوغاد"، كما تناولنا الإفطار والغداء في محال وسط البلد، وعندما عدت إلى المنزل وجدت أني لا زلت أملك ما زهاء خمسة جنيهات".

محمد تركي (73 سنة)، من محافظة كفر الشيخ، قال لرصيف22: "زمان، كنا بناخد عيدية قرش صاغ، ونص قرش. كنا نشتري ما نريده، أو نحوش القرش على القرش، وأحياناً كان أهلنا يغروننا بشراء الملابس، ويأخذون منا العيدية لهذا الغرض".

الحاج محمد تابع حديثه قائلاً: "اليوم عندما أمنح حفيدي عشرين جنيهاً، لا يكون راضياً، ويقول: هذا فقط يا جدي؟ قليل! الحق معهم، فأقل لعبة يشتريها الطفل اليوم بخمسين جنيهاً، ولا قيمة للعملات البسيطة إلا في المشتريات الصغيرة".

سهير فوزي (63 عاماً) تحدثت عن ذكرياتها مع العيدية، وقالت لرصيف22: "كان والدي يعطيني نصف قرش، أو قرشاً كاملاً، فأفرح وتكاد الدنيا ألا تسعني، وكنا نشتري الكثير من الأشياء، وعلى رأسها الحلوى، وكنت أدّخر البقية مع والدتي".

الآن لم تعد الأمور مثل زمان، كما تقول سهير، وفرحة العيد تناقصت، والظروف الاقتصادية أصبحت صعبة: "أحفادي وأولادي لا تعجبهم أي عيدية، فحفيدي الصغير يطلب مئة جنيه كاملة، ولا يعرف أن زواجي، بتفاصيله كلها، كلّفنا المبلغ نفسه فحسب".

ضحك الحاج سعيد (88 سنة) من محافظة كفر الشيخ، عندما ذكرت له كلمة عيدية، وقال: "عيدية؟ حضرتك أنا كنت باخد أيام زمان عيدية مليم واحد، وكان ربنا بيدّينا كل حاجة، والخير في كل مكان، والناس بتوزع على بعضها. كان فيه التعريفة، والشلن، والبريزة، وكنا نشتري كل ما نريده، ونحوّش أيضاً".


كورونا و"العيدية"

بعد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها معظم البلدان، تأثراً بفيروس كورونا، ويشعر بها الأفراد، وخاصةً أصحاب العمل غير المنتظم منهم، تغيرت بالتأكيد طقوس العيد.

عادل العرداوي أكد أن العيدية تأثرت بظروف كورونا، نتيجة الحظر والتباعد الاجتماعيين، مما قلل الزيارات، بالإضافة إلى تراجع الأحوال الاقتصادية. زيادةً على ذلك، تغيرت عادات لقاءات العائلة، والتمام شملها في المغرب، في مناسبة العيد، كما تشير فاطمة الزهراء، "وكان هذا شاقاً جداً لهم، خاصةً من ينتظرون الأعياد للّقاء". ويشير خطاب معوض إلى أن الزيارات "خفّت" كثيراً خلال فترة كورونا، وعليه "قلّت" العيدية، كما أن الوضع الاقتصادي جعل البعض يحاول التهرب من الأمر، فأحوال الناس أصبحت صعبة.

تأثرت العيدية بظروف كورونا، نتيجة الحظر والتباعد الاجتماعيين، مما قلل الزيارات وغير عادات لقاء العائلة، بالإضافة إلى تراجع الأحوال الاقتصادية، مما جعل البعض يحاول التهرب من إعطاء العيدية، فأحوال الناس أصبحت صعبة

زوج هالة الدسوقي، وهي من محافظة البحيرة، اعتاد كل عام أن يعطيها وأطفالها العيدية في الفطر والأضحى، لكن توقُّف عمله هذا العام جعل الأمر صعباً: "يعمل الآن مياوماً، وبات يكتفي بمنح العيدية للأولاد فحسب"، تقول السيدة العشرونية لرصيف22، مضيفةً أن الأمر أشعرها بالحزن، لأن الظروف الصعبة حرمت عائلتها من هذه العادة الجميلة.

ظروف كورونا، والوضع الاقتصادي الذي فرضته، دفعا أيضاً سعيدة حامد، وهي سيدة في العقد السادس من العمر، وتعمل في بيع الخضار، إلى تقليل قيمة العيدية التي تعطيها في كل مرة لبناتها المتزوجات، وتقول لرصيف22: "نحاول التلاؤم مع الظروف، وأحرص على ألا ننقطع عن هذه العادة مهما اضطررنا إلى تخفيض المبلغ".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image