شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"عشت أيام الرعب في عيد الأضحى"... عن مصابين/ات بـ"رهاب الدم" في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 3 أغسطس 202004:05 م
يرتبط عيد الأضحى في مخيلة الكثيرين بلحظات الفرحة، السعادة والبهجة، لكن رغم أهمية هذا اليوم بالنسبة للمسلمين، فإن بعض الأشخاص يقضون أيام العيد بقلق شديد، لأنهم يخافون رؤية الدم أو اللحم، ويمكن أن يصل هذا الخوف عند البعض إلى مستوى مرضي.

"لا أغادر غرفتي"

تقضي الشابة التونسية يسرى بن عزة (23 عاماً)، دوناً عن إخوتها، يوم العيد حبيسة غرفتها، لا تغادرها إلا بعد انتهاء عائلتها من ذبح خروف العيد، جمع اللحم وغسل الدماء.

تقول يسرى لرصيف22: "أخاف كثيراً رؤية مشاهد الدم والذبح، وأشعر بالغثيان، والدوار عندما أرى أكداس اللحم أمام عيني، صحيح أن عيد الأضحى فرض على المسلمين، لكنه بالنسبة لي هو يوم الخوف، والرعب".

"أخاف كثيراً رؤية مشاهد الدم والذبح، وأشعر بالغثيان والدوار عندما أرى أكداس اللحم أمام عيني، صحيح أن عيد الأضحى فرض على المسلمين لكنه بالنسبة لي هو يوم الخوف والرعب"

لم تعثر يسرى على تفسير واحد لما يحدث معها، وبعد مجهود بحثي استغرق وقتاً طويلاً، تقول: "اكتشفت أنني أعاني أساساً من رهاب الدم، وهو خوف مرضي يصيب الشخص بمجرد رؤيته للدماء، لذلك أحاول جاهدة يوم العيد ألا أغادر غرفتي، كيلا أرى مشاهد الذبح والدم التي تعمّ المكان، فأنا لا آكل اللحوم بجميع أنواعها".

وتضيف يسرى: "عندما يقترب موعد عيد الأضحى، أبدأ بالدعاء بألا يشتري أبي خروف العيد، عكس إخوتي الذين يحبون الحضور أثناء ذبح الخروف وتنظيفه. وبما أنني أختلف عنهم، فإنني أتعرض كل عيد للسخرية والتنمّر بسبب خوفي الشديد من تلك المشاهد القاسية".

منذ بلوغها سن المراهقة، أصبحت يسرى تعتمد في غذائها على الخضر والفاكهة، واقتنعت أنها لا تحب أكل اللحوم بجميع أنواعها، تقول: "أتمنى أن يتوقف أصدقائي وعائلتي عن التعبير عن استغرابهم الشديد عندما يعلمون أنني نباتية أكره رؤية اللحم، ولا أحب رائحته، يعاملونني وكأنني قادمة من كوكب آخر".

تنهي يسرى حديثها لرصيف22 قائلة: "أكره رائحة اللحم في المطبخ، وأتوقف عن فتح الثلاجة كي لا أرى أكياس اللحم... إنه شعور سيء فعلاً".

"ألبس الكمامة ويصيبني الدوار"

"قبل زواجي كنت أحبس نفسي في غرفتي، كيلا أرى مشاهد الدم، وكيلا يجبرني والدي على تناول القليل من اللحم، لكن بعد أن تزوجت وجدت نفسي مضطرة لحضور عملية ذبح الخروف، وسلخه، وتنظيفه"، تقول روضة، 30 عاماً.

"أضطر للبس كمامة كي لا أشم راحة اللحم والدم. إنها رائحة مقززة، تخترق أنفي وتصيبني بالدوار والاضطرابات النفسية، لكنني أحاول جاهدة ألا أظهر هذا الشعور السيئ أمام زوجي وطفلي".

تؤكد روضة أنها تجد صعوبة كبيرة في إقناع الناس أنها لا تحب اللحم ولا تأكله، فهي تعاني كثيراً من "عدم تقبل الآخرين لها، وكثيرون لا يصدقون أنها تعاني من رهاب الدم، ولديها فوبيا من اللحم".

تتابع روضة حديثها لرصيف22: "تزوجت قبل 5 سنوات، ودائماً ما أشعر أنني أظلم زوجي وطفلي وأطفئ فرحتهم بيوم العيد، فقط لأنني لا أشاركهم مأدبة الشواء وأكتفي بتناول بعض الخضر. حاولت جاهدة التغلب على خوفي الشديد من الدم لكنني فشلت في ذلك".

تقول روضة إنها بعد البحث والتقصي، اكتشف أن خوفها الشديد ربما مرتبط بصدمة تعرضت لها في صغرها، وأنها أصبحت تفكر جدياً بزيارة مختص في الصحة النفسية، ليساعدها على التعافي من هذه المشكلة التي حرمتها مشاركة فرحة العيد مع عائلتها وأحبائها.

"لست مستعدا للذبح"

"يسخر الجميع مني بسبب خوفي الشديد من الدم، في كل مرة أرى فيها الدم أشعر بالغثيان والدوار وتتزايد نبضات قلبي، فأهرب بعيداً وأعزل نفسي، إمّا في غرفتي أو على سطح المنزل"، يقول علي (27 عاماً)، عن معاناته مع "الفوبيا" من الدم.

ويضيف علي لرصيف22: "أبي يقول إن عمري أصبح مناسباً لتعلم ذبح الأضحية ليرتاح هو، بعد ما تقدم به العمر، لكنني لست مستعداً لذلك صحياً ونفسياً. أتمنى أن تتفهم عائلتي ذلك".

"يوم العيد لا ألتقي بأصدقائي ولا أزور أقاربي. بعد صلاة العيد أعود مسرعاً إلى المنزل ولا أغادره إلا بعد 24 ساعة، أحاول جاهداً ألا أرى مشاهد الدم والذبح وأكداس اللحم، إنها مشاهد قاسية تؤثر كثيراً على نفسيتي"، يحكي علي عن معاناته كل عام مع عيد الأضحى.

"أحب العيد، وأكره مشاهد الدم، ولا أحب أكل اللحم".

ينهي علي حديثه قائلاً: "أحب العيد وأكره مشاهد الدم ولا أحب أكل اللحم وأشعر بالقرف من رائحته، ما أجمل أن تكون نباتياً".

يعلق المختص في الصحة النفسية، أحمد الأبيض، في تصريح لرصيف22 أن هناك آلاف الأشخاص الذين يعانون من "رهاب الدم"، ويعرفه بأنه "الخوف الشديد من رؤية الدم، والشعور بالقلق والاضطرابات النفسية بعد رؤيته".

ويضيف أحمد الأبيض، أن الخوف من الدم يكون برؤية دم ينزف من شخص ما أو من الحيوانات، مثلما يحدث يوم عيد الأضحى، مشيرا إلى أن "رهاب الدم" يكتسبه الشخص نتيجة تعرضه لصدمات في طفولته.

"أضطر للبس كمامة كي لا أشم راحة اللحم والدم. إنها رائحة مقززة تخترق أنفي وتصيبني بالدوار والاضطرابات النفسية، لكنني أحاول جاهدة ألا أظهر هذا الشعور السيئ أمام زوجي وطفلي"

ويثمن الأبيض مشاعر الخوف أحياناً، يقول: "مثلما ينشأ كثيرون في بيئة يسيطر عليها الخوف والترهيب، فإن هناك من ينشأ في بيئة تقوم على المصارحة والشجاعة، الخوف إحساس يتعلمه الإنسان كما يتعلم الشجاعة بالضبط".

ويفسر الأبيض مشاعر فوبيا الدم قائلاً: "عادة يُصيب هذا الخوف الأشخاص منذ طفولتهم، ويكون نتيجة لصدمة نفسية تعرضوا لها قبل سنوات، وتستمر في العيش داخلهم لفترة طويلة".

ويشير الأبيض إلى أن الشخص المصاب بـ "رهاب الدم" ربما يكون قد تعرض لحادث أو كان حاضراً أثناء وقوع حادث.

يسترجع الطبيب قصة وقعت مع إحدى زميلاته في كلية الطب، قائلاً: "أذكر عندما كنت طالباً بالسنة الأولى، دخلنا غرفة العمليات للتدريب على إجراء عملية جراحية على اليد، وعندما رأت إحدى زميلاتي الدم، أغمي عليها، لكنها اليوم تعمل في قسم الجراحة، وهو ما يعني أنه يمكن التغلب على رهاب الدم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image