شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لماذا تراجع ماكرون واعتبر معاداة الصهيونية أحدَ أشكال معاداة السامية؟

لماذا تراجع ماكرون واعتبر معاداة الصهيونية أحدَ أشكال معاداة السامية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 21 فبراير 201905:19 م

بعد نحو يومين من إعلان نواب فرنسيين عزمهم التقدم باقتراح لتجريم معاداة الصهيونية، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الأربعاء ليقول إن بلاده ستعتمد في تشريعاتها تعريفاً لمعاداة السامية، يتضمن معاداة الصهيونية، جاء ذلك في خطاب ألقاه في حفل العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا.

تأتي التطورات الفرنسية الجديدة متزامنة مع تصريحات لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتياهو ساوى فيها بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.

اللافت أن ماكرون غيّر رأيه من معارض لتجريم معاداة الصهيونية إلى داعٍ لاعتماد معاداة الصهيونية مرادفاً لمعاداة السامية، ومعاداة السامية هي جريمة في القانون الفرنسي.

غير أن المتأمل في المفردتين L’antisionisme -L'antisémitisme في اللغة الفرنسية يلاحظ بجلاء اختلافهما.

معاداة السامية في اللغة الفرنسية تعني العداء تجاه الشعب اليهودي وهي معاداة ذات بعد ديني تتجلى من خلال سلوك قائم على التمييز، يحط من كل شخص ينتمي للدين اليهودي. ويعاقب القانون الفرنسي معاداة السامية فهي قانونياً جريمة تعادل جريمة التمييز العنصري وكراهية الأجانب.

أما معاداة الصهيونية فهي مفهوم لا يندرج تحت طائلة الجرم حتى الآن، وينضوي تحتها نقد الصهيونية. والصهيونية تعني تلك الأيديولوجية السياسية التي قامت عليها دولة إسرائيل بعد ظهورها كفكرة في القرن التاسع هدفها بالأساس خلق وطن لليهود في فلسطين وكانت فكرة الهنغاري النمساوي اليهودي تيودور هرتزل رأت النور في لندن عام 1896 حين نشر كتابه "دولة اليهود: محاولة لحل عصري للمسألة اليهودية". 

وإلى اليوم الصهيونية قائمة وهي عِماد دولة إسرائيل سياسة ومنهجاً بل حتى الانتهاكات الإنسانية التي تنتهجها إسرائيل في الأراضي المحتلة تستند إلى الفكر الصهيوني فكيف تصبح معاداة الصهيونية تساوي معاداة السامية؟ وكيف يمكن دمج معاداة السامية بمعاداة الصهيونية؟ والحال أن آلاف اليهود في العالم يعارضون الصهيونية فكرة ودولة؟

معاداة الصهيونية وحرية التعبير

ربط معاداة الصهيونية بمعاداة السامية يمس بشكل خطير من حرية التعبير التي تقدسها فرنسا. معاداة الصهيونية تجعل من إسرائيل أو الصهاينة فوق النقد. فمعاداة الصهيونية بالأساس تشير إلى العداء تجاه تأسيس دولة إسرائيل. وهنا يمكن اعتبار اليهود الذين يرفضون الانتماء لدولة إسرائيل ورفضوا الهجرة إليها “معادين للسامية”.

حتى أمس كان الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية اختصاصاً إسرائيلياً في دولة إسرائيل، فرئيس الوزراء الإسرائيلي اعتبر المفهومين واحداً معززاً مشروع “الدولة القومية للشعب اليهودي” القائمة على نبذ كل ما هو غير يهودي وتمارس العنصرية بشتى أشكالها ضد غير اليهود.

الخطورة في فكرة ماكرون أمس تكمن في شيطنة أصحاب الرأي الناقد لإسرائيل أياً كانوا. النائب الفرنسي عن "الجمهورية إلى الأمام" سيلفان مايار صاحب مقترح مشروع القانون المجرم لمعاداة الصهيونية يقول صراحة “لا يمكنك أن تعيد النظر في وجود دولة إسرائيل”. وهذا القول يتعارض كثيراً مع آراء آلاف اليهود في العالم من بينهم حاخامات يرفضون وجود كيان اسمه إسرائيل ويعتبرونه كياناً عنصرياً استعمارياً لا يمثلهم.

وفي كلمته، مساء الأربعاء، ندد ماكرون بقوة بالأعمال العدائية المتزايدة ضد الجالية اليهودية في فرنسا، وتابع: "نحن نشهد صعوداً لمعاداة السامية لم نشهد له مثيل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية".

وشهدت فرنسا يوم الثلاثاء الماضي مسيرات شعبية شاركت فيها الطبقة السياسية والأحزاب من أجل رفض معاداة السامية، وأتت هذه المسيرات على خلفية إقدام مجهولين على تدنيس مقبرة يهودية في منطقة الألزاس شمال شرق البلاد، بالإضافة لقيام أشخاص من السترات الصفراء بتوجيه إهانات للأكاديمي آلان فينكلفروت، بسبب أصوله اليهودية.

والحقيقة أن في فرنسا قوانين تجرم معاداة السامية وتحمي اليهود من أي اعتداء يتعرضون له فلماذا يريد ماكرون إضافة تشريع يجرّم معاداة الصهيونية بدعوى أنه لحماية اليهود؟ حتى ماكرون نفسه كان يعارض فكرة هذا التشريع. فما اللذي غير توجهه مرة واحدة وهو يعي تماماً أن تجريم معاداة الصهيونية أمر مختلف عن معاداة السامية؟

كيف يمكن دمج معاداة السامية بمعاداة الصهيونية؟ والحال أن آلاف اليهود في العالم يعارضون الصهيونية فكرة ودولة؟
معاداة الصهيونية بالأساس تشير إلى العداء تجاه تأسيس دولة إسرائيل. وهنا يمكن اعتبار اليهود الذين يرفضون الانتماء لدولة إسرائيل ورفضوا الهجرة إليها “معادين للسامية”.
في فرنسا قوانين تجرم معاداة السامية وتحمي اليهود من أي اعتداء يتعرضون له فلماذا يريد ماكرون إضافة تشريع يجرّم معاداة الصهيونية بدعوى أنه لحماية اليهود؟ حتى ماكرون نفسه كان يعارض فكرة هذا التشريع. فما اللذي غير توجهه مرة واحدة.

ماكرون ونتنياهو

موقف ماكرون الجديد جاء بعد اتصال مع نتنياهو، وكشف ماكرون أمس عما دار بين الرجلين قائلاً إن "فرنسا ستعتمد في نصوصها ومراجعها "تعريفاً جديداً لمعاداة السامية يشمل أيضا معاداة الصهيونية"، لكنه أضاف أن "معاداة الصهيونية لن تدخل في قانون العقوبات الذي لن يتغير".

وأردف الرئيس الفرنسي أن بلاده "التي دعمت هذه الوجهة شهر ديسمبر الماضي مع شركائها الأوروبيين ستقوم بضم معاداة الصهيونية إلى التعريف الذي يعرف بمعاداة السامية، وهو نفس التعريف الذي اعتمده التحالف الدولي لذاكرة المحرقة اليهودية".

وقال ماكرون بأنه وقبل اتخاذ قراره بشأن معاداة الصهيونية، "اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو وأعلمه بالقرار".

وفي إطار الحملة الفرنسية لمكافحة معاداة السامية، طلب ماكرون أن يتم حل ثلاث جمعيات تابعة لليمين المتطرف في فرنسا، معلناً "طلبت من وزير الداخلية أن يبدأ الإجراءات اللازمة لحل جمعيات يؤدي عملها لتغذية الكراهية والتمييز والدعوة للعنف". وسمى ماكرون هذه الجمعيات التي وبحسبه تعد عنصرية ومعادية للسامية وهي باستيون سوسيال، وبلود آند هونور إيكساغون، وأخيراً كومبا18.

انقسام في الحكومة الفرنسية

وتظهر تصريحات ماكرون وجود انقسام في حكومته بشأن هذه القضية، وزراء في الحكومة الفرنسية أعربوا عن تحفظاتهم بشأن فكرة تجريم معاداة الصهيونية وقالت وزيرة العدل نيكول بيلوبيه لقناة فرانس 2 هذا الأسبوع "يجب الانتباه إلى ما نريد إدانته" معتبرة أن ذلك "يستحق نقاشاً في البرلمان".

أما وزير التربية جان ميشال بلانكيه فاعترض على اقتراح نواب فرنسيين تجريم معاداة الصهيونية قائلاً: "يجب الانتباه كثيراً إلى عدم القيام بأمور ناتجة عن عواطفنا، تسفر عن نتائج عكسية فيما بعد".

الاثنين الماضي ساوى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في كلمته أمام رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية، بين "معاداة الصهيونية" و"معاداة السامية"، زاعماً أن "معاداة الصهيونية هي الطريقة الجديدة لمعاداة السامية".

هذا الدمج بين المصطلحين يغادر فضاءه الإسرائيلي ليستقر في فرنسا. فكيف ستكون ردات الفعل عليه؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image