توقّع المؤرخ الإسرائيلي "بني موريس"، والذي يُعَدّ من رواد تيار المؤرخين الجدد، أن يصبح اليهود "أقلية مضطهدة" داخل إسرائيل، وبزوال الدولة العبرية في غضون 30 إلى 50 عاماً، وذلك في حوار موسع أجرته معه صحيفة "هآرتس" ونشرته بتاريخ 15 يناير الجاري.
يشير التقرير إلى أنه في الشهر الماضي، احتفل موريس بعيد ميلاده السبعين. وقبل وقت قصير، كان قد أقام حفل تقاعده من جامعة بن غوريون، منزله الأكاديمي.
مَن هو موريس؟
وُلد موريس في عام تأسيس إسرائيل في كيبوتس عين هحورش لوالدين هاجرا من إنكلترا كصهيونيين. ترعرع في القدس ثم انتقل مع والديه إلى نيويورك حيث تم إرسال والده من قبل وزارة الخارجية. وفي نهاية مرحلة دراسته الثانوية، عاد إلى إسرائيل، وتجنّد في لواء ناحال وقاتل في مرتفعات الجولان خلال حرب الأيام الستة، وفي حرب الاستنزاف أصيب بقذيفة مصرية. بدأ موريس دراسة التاريخ في الجامعة العبرية وتخرج من جامعة كامبريدج. يقول: "يبدو أنني تدحرجت دون أي تخطيط أو نية، إلى المهنة الصحيحة، ولكن من العار أنّي لم أدرس علم الآثار". بدايةً، في نهاية السبعينيات من القرن الماضي عمل كصحافي. لاحقاً اكتشف أنه مهتم بالأبحاث التاريخية أكثر من التحقيقات الصحافية. عندما أجرى بحثاً في أرشيف البلماح (قوات الصاعقة في الجيش غير الرسمي للمستوطنين اليهود أيام الانتداب البريطاني على فلسطين)، تعرّض للمرة الأولى لمواد تتعلق باللاجئين الفلسطينيين. اللحظة الفارقة، التي حوّلته من صحافي إلى لمؤرخ، وقعت هناك، بين رفوف الأرشيف، عندما وجد أمر الطرد الذي أصدره إسحق رابين لسكان اللد والرملة خلال ما يسمّيه الإسرائيليون بـ"حرب الاستقلال" ويسمّيه العرب بـ"نكبة 1948". "أدركت أن هناك مادة مثيرة هنا تقوّض تأريخ الصهيونية بشكل عام وتغيّر الصورة، بحيث لا يوجد هنا فقط طيّبون وأشرار، ولكن هناك جانبين قاما بأشياء خاطئة وغير جميلة"، كما يقول. هكذا وُلد كتابه الأول، الذي مرّ 30 عاماً على نشره، بعنوان "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، والذي رأى النور أولاً باللغة الإنكليزية، اللغة التي يكتب بها جميع كتبه، وتُرجم في ما بعد إلى العبرية وصدر عن دار نشر عم عوفيد. يتذكر قائلاً: "في البداية، تم رفض الكتاب من قبل العديد من الناشرين، وكان من الصعب عليّ نشره بالعبرية، وكان هناك جدل كبير أيضاً في إدارة عم عوفيد حول نشره، واستغرق الأمر وقتاً حتى تلاشت المقاومة". بالتزامن مع ظهور باكورة كتبه، وُلد مصطلح "المؤرخون الجدد" أيضاً، والذي استخدمه موريس لوصف عمل مجموعة من الباحثين الرائدين الذين اقترحوا إعادة قراءة تاريخ النزاع، قراءة "مشاغبة، تصحيحية، تعيد النظر في كل ما حدث عام 1948"، على حد قوله، و"تصف أيضاً الجانب المظلم من الجمال والوسامة، وتضع على الطاولة كلمات مثل مجزرة وطرد". على مدى السنوات الثلاثين التالية، تعمّق في دراسة العلاقات بين إسرائيل وجيرانها وأصبح أحد المؤرخين الإسرائيليين البارزين. "أنا أشعر بتقدم العمر، ولم يعد وصف ‘المؤرخ الجديد’ يناسبني، فكيف يمكنك أن تكون جديداً في عمر السبعين؟"، يتساءل.موريس وانتفاضات الفلسطينيين
كجندي احتياط، رفض موريس الخدمة في الأراضي الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى، وزُج به في السجن. يقول: "فعلت ما اعتبرته صواباً عام 1988، كانت الانتفاضة الأولى عنيفة، لكنها لم تكن فتاكة. كانت انتفاضة شعبية. ألقوا القليل من الحجارة وربما قُتل شخص أو شخصان. لكن بشكل عام قُتل نحو ألف فلسطيني ولم يُقتل يهود، لأنهم (الفلسطينيون) لم يستخدموا أسلحة نارية. قالوا إنهم لا يريدون العيش تحت نظام عسكري وقمع إسرائيلي. رفضت الاستمرار في هذا القمع عندما نشروا كتيبتي في (حي) القصبة بنابلس. وضعوني في السجن لعدة أسابيع. وذلك عقاب هين. في جيوش أخرى يلقون مَن يرفض تنفيذ الأوامر في السجن لسنوات".-
هل كنت لتكرر رفض تنفيذ الأوامر في الانتفاضة الثانية؟
الخروف الأسود
نُشر كتاب موريس "من دير ياسين إلى كامب ديفيد" (دار عم عوفيد)، عام 2018. لا يحوي نصوصاً جديدة، بل مجموعة من المقالات الشخصية والسياسية والتاريخية التي كتبها. هو نوع من ملخص للفصل الإسرائيلي العربي في مسيرة موريس المهنية. اتهمه اليمين في البداية بأنه "يساري" و"خائن"، عندما كشف عمّا يخالف الموقف الرسمي الذي كان مسلماً به حتى ذلك الوقت وقال إن الكثيرين من الفلسطينيين لم يغادروا طوعاً، بل تم طردهم وفرّوا، وبعضهم أيضاً قُتلوا واغتُصبوا على يد جنود الجيش الإسرائيلي. وفي نهاية مسيرته المهنية، تم تتويجه على يد اليسار كـ"يميني" و"رجل بنيامين نتنياهو"، عندما شهد "تحولاً" سياسياً، وألقى باللوم على الفلسطينيين عن الوضع الذي تدهور إليه الصراع. "ملت إلى اليمين في السياق السياسي، وليس في التاريخي. أنا ما زلت مؤرخاً ولست سياسياً"، يوضح ويجيب على المشككين في نزاهته المهنية. "التغيير الذي حل بي يتعلق بمسألة واحدة. الرغبة الفلسطينية في قبول حل الدولتين، والتنازل عن جزء من أرض إسرائيل". على حد قوله، "أدرك في أعقاب الانتفاضة الثانية أن الفلسطينيين لن يوافقوا على التنازل عن مطلبهم الأصلي وهو الحصول على كل أرض إسرائيل لتكون بحيازتهم وتحت سيادتهم. لن يكون هناك حل وسط جغرافي، لن يكون سلام على أساس تقاسم الأرض، خاصة لأن الفلسطينيين مقيّدون برغبتهم في السيطرة على كل أرض إسرائيل والقضاء على الصهيونية".-
لكن ماذا عن دور إسرائيل في فشل المفاوضات؟ يزعم مؤرخون آخرون أن (رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق) إيهود باراك اقترح على (الزعيم الفلسطيني) ياسر عرفات عام 2000 خريطة تقسم الضفة الغربية إلى رقع، بحيث لا يستطيع الموافقة عليها منذ البداية.
-
أنت الخروف الأسود لـ"المؤرخين الجدد". آفي شلايم، توم سيغف وإيلان بابي لم يسيروا في طريقهم يميناً. إذن إما أنك الوحيد الذي رأى النور، أو أنك الوحيد الذي أخطأ.
-
أليس لديك أي انتقاد له؟
-
لكنك نفسك تقول إنه ليس هناك مَن نتحدث معه. إذن لماذا تغضب على نتنياهو بشأن ذلك؟
-
كيف تنظر إلى التقارب بين نتنياهو و(الرئيس الأمريكي) دونالد ترامب؟
-
إنْ كان بإمكانك العودة إلى الوراء، ماذا كنت لتصحح في التاريخ؟
-
هل تقول إنه كان يجب أن يجري تطهير عرقي للعرب في ذلك الوقت؟
-
وهل تعتقد أنه من المؤسف حدوث ذلك؟
المؤرخ الإسرائيلي بني موريس: "أتوقع أن سقوط ترامب والإطاحة به، هذا العام أو عام 2020، سيضعف بالضرورة، إنْ لم يكن من شأنه تقويض، العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب تماهي نتنياهو الكامل مع ذلك الأحمق"
المؤرخ الإسرائيلي بني موريس: "الوضع الذي نسيطر فيه على شعب محتل ليس له حقوق لا يمكن أن يستمر في القرن الحادي والعشرين، في العالم الحديث. وفي اللحظة التي يتمتعون فيها بحقوق، لن تكون الدولة يهودية""يتمتع عرب إسرائيل هنا بحقوق كثيرة تفوق حقوق المواطنين في الدول العربية، لكن وبشكل تلقائي ينجرّون للدعاية المعادية للصهيونية بقيادة عرفات، في أيامه، أو حماس اليوم. شاهدنا قليلاً عام 2000 أعمال شغب، وحجارة على السيارات وإغلاق طرق. حمداً لله أن ذلك لم يتحوّل إلى ثورة حقيقية. فليفكر كل واحد إنْ كان ما فعلوه في 1948 صحيحاً أم لا. أعتقد أنه كان من الأفضل للطرفين لو كنّا انفصلنا وقتها. علينا تشجيع دمج العرب في المجتمع الإسرائيلي وولائهم للدولة... لكن هم أنفسهم لا ينتقدون تصرفاتهم وكلامهم، بل يفعل ذلك اليهود فقط. هذا ما يحدث عندما يُقتل شخص ما في القطاع العربي، يتهمون الشرطة على الفور بعدم القيام بدوريات كافية، لكنهم لا يلومون أنفسهم ويقولون إن العرب يقتلون العرب لأن ذلك أمر طبيعي لديهم. هم يتجاهلون ذلك. كذلك مسألة عدم تعاونهم مع الشرطة في محاولة لتطبيق القانون مع المجرمين العرب".
-
أنت تتحدث عن طبيعة عربية تجعلهم يقتلون كما لو أن ليس لهذه الأشياء سياق: التمييز في الميزانيات الاجتماعية والحرمان والاستبعاد من مواقع القوة.
-
في الخطاب الفلسطيني هناك مَن يتحدث عن "الإبادة الجماعية" التي تقوم بها إسرائيل ضدهم. حتى بين المؤرخين الإسرائيليين، مثل البروفيسور دانييل بلاتمان، هناك مَن يحذّرون من أن إسرائيل تتبنى إيديولوجيا يمكن أن تؤدي في النهاية إلى الإبادة الجماعية.
-
وماذا بالنسبة إلى العنصرية، والتطرف والعنف السياسي؟ هناك مَن يحذّرون من ظهور علامات هنا ظهرت في ألمانيا النازية.
-
في أحد فصول كتابك الأخير، بعنوان "تاريخ دير ياسين"، تحاول أن تصف الجدل المستمر منذ عقود حول ما حدث في قرية غرب القدس في منتصف حرب عام 1948. كيف يحدث أنه حتى بعد مرور عقود، لم يتحدد ما إذا كانت هناك مذبحة؟
-
ماذا يعني ذلك إذن؟ ألا توجد حقيقة واحدة؟
-
أيضاً قضية "مذبحة الطنطورة"، وهي اسم فصل آخر في كتابك الأخير، هي نموذج لصعوبة التأريخ الشفوي. تيدي كيتس ناشط السلام من كيبوتس مغال، أجرى مقابلات مع 135 من لاجئي الطنطورة وجنود الجيش الإسرائيلي، وجزم بأن جنود اللواء ألكسندروني ارتكبوا مذبحة بحق أهل القرية العربية. قدامى المحاربين رفعوا دعاوى قضائية ضده وأثبتوا أنه لفق أدلة.
-
ما لم يقرر أرشيف الجيش الإسرائيلي أو أرشيف الدولة فرض الرقابة عليها...
ندم
يعتزم موريس وهو متزوج، وأب لثلاثة وجد لتسعة، كتابة سيرته الذاتية "حول موضوع لا علاقة له بالنزاع" كما يقول. وعندما سُئل إنْ كان هناك شيء في سيرته يندم عليه أشار إلى بعض تصريحاته في حوار أجراه معه آري شفيت عام 2004. في ذلك الحوار، قال موريس من بين أمور أخرى: "هناك ظروف في التاريخ يكون فيها مبرر للتطهير العرقي"، وأوضح: "أعرف أن هذا المفهوم سلبي تماماً في خطاب القرن الواحد والعشرين. ولكن عندما يكون الاختيار بين التطهير العرقي والإبادة الجماعية، أفضل التطهير العرقي". وقال أيضاً: "علينا أن نقيم شيئاً مثل القفص للفلسطينيين، أعلم أن ذلك يبدو رهيباً، إنه قاس في الحقيقة، لكن ليس هناك بديل، هناك حيوان متوحش يجب أن يُسجن بطريقة أو بأخرى". الحديث مع موريس ينزلق بسرعة إلى مناطق متشائمة جداً. "أنا لا أرى كيف نخرج من ذلك"، يقول، في إشارة إلى استمرار وجود إسرائيل كدولة يهودية. "الآن هناك بين البحر والأردن عرب أكثر من اليهود. المنطقة كلها تتحوّل بشكل لا يمكن منعه إلى دولة واحدة فيها أغلبية عربية وتطلق على نفسها اسم دولة يهودية، لكن الوضع الذي نسيطر فيه على شعب محتل ليس له حقوق لا يمكن أن يستمر في القرن الحادي والعشرين، في العالم الحديث. وفي اللحظة التي يتمتعون فيها بحقوق، لن تكون الدولة يهودية".-
إذن ماذا سيحدث؟
-
متى يمكن أن يحدث ذلك وفق تقديرك؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...