شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
فلسطين تبحث عن أرشيفها

فلسطين تبحث عن أرشيفها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 18 أكتوبر 201811:25 ص
تشتيت الأرشيف الفلسطيني وإخفاء آلاف الوثائق منه على يد إسرائيل منذ احتلالها فلسطين، كانا محاولة لمحو الذاكرة الجماعية ووأد التاريخ الفلسطيني المكتوب والمصور قبل 1948. أرادت إسرائيل بذلك إعادة كتابة تاريخ أرض فلسطين وشعبها وفق روايتها الخاصة من منظور احتلالي يختزل فلسطين في تاريخ اليهود. "سرقة التراث الفلسطيني لا تقل خطورة عن سرقة الأرض". هذا ما أكده الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في كلمته، الأربعاء، التي ألقاها نيابة عنه السفير بدر الدين علالي، الأمين العام المساعد، في الاحتفال السنوي بـ "يوم الوثيقة العربية" تحت شعار "القدس عاصمة فلسطين". يوم الوثيقة الفلسطينية يتزامن مع الاحتفال بيوم التراث الفلسطيني ويمثل "فرصة سانحة للتذكير بأهمية الحفاظ على الإرث التاريخي الفلسطيني الذي يمثل جزءاً من تاريخ الشعب الفلسطيني". الوثائق الفلسطينية التي نهبت على مدار العقود الماضية والحروب التي شنت على الشعب الفلسطيني، هي بمثابة الدليل الحيوي الذي يثبت أصالة الشعب الفلسطيني، هذا ما لفت إليه وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو.

سطو المحتل على الذاكرة

“الأرشيف المنهوب والمخفي"، فيلم عرض في 2017 وهو من إخراج رونا سيلا، وهي أكاديمية إسرائيلية محاضرة في جامعة تل ابيب، تناولت فيه الأرشيف الفلسطيني المنهوب والمخزن في الأرشيفات الإسرائيلية. تقول الكاتبة رولا شهوان في مقال عن الفيلم بعد مشاهدته: "كان اعترافاً صريحاً بسرقة الاحتلال للوثائق والارشيفات الفلسطينية، إنه يسلط الضوء على موضوع الأرشيف الفلسطيني المنهوب من خلال شهادات حية تثبت ذلك، وتؤكد أن سرقة هذه الارشيفات تمت بطريقة ممنهجة ومنظمة من قبل الحركات الصهيونية. تؤكد المخرجة أن عمليات النهب والجمع كانت تهدف إلى محو كل ما يثبت الوجود الفلسطيني ويعزز روايته".

ما أهمية فيلم وثائقي إسرائيلي عن نهب الوثائق الفلسطينية؟

بداية، هو اعتراف إسرائيلي موثق بعمليات النهب التي طالت البيوت الفلسطينية وجثث الشهداء في الحارات الفلسطينية عند هجوم الهاجانا. كما أن الفيلم الوثائقيّ سطر خط سير عمليات النهب، إذ استعرض صوراً ومقاطع فيديو نادرة، مأخوذة من أرشيف الصور والأفلام التي وثّقت لمرحلة 1948، ووثائق أخرى اختلسها جيش الاحتلال من مكاتب منظمة التحرير، بعد احتلال بيروت، عام 1982. صحيفة هآرتس، بدورها كتبت عام 2017، مقالاً بعنوان: "لماذا دُفنت صور وأفلام فلسطينية لا تُحصى في الأرشيفات الإسرائيلية؟" بيّنت فيه أن الباحثة الإسرائيلية رونا سيلا (مخرجة الفيلم الوثائقي المذكور) أكدت وجود 38 ألف فيلم (بكرة)، و2.7 مليون صورة، و96 ألف تسجيل صوتي، و46 ألف خريطة وصور جوية تمت سرقتها منذ عام 1948 حتى اجتياح بيروت عام 1982. وجاء في المقال أن "بين مايو 1948 ولغاية نهاية فبراير 1949 تمكن عاملو المكتبة الوطنية من جمع 30 ألف كتاب، وصحيفة ومجلة من ممتلكات سكان القدس العرب الذين تركوا المدينة. كما تم جمع آلاف الكتب التي كانت في المؤسسات التعليمية والكنائس، وتناولت مواضيع مختلفة: قانون، شريعة، تفسيرات للقرآن، أدب، ترجمات، أدبيات علمية، تاريخ وفلسفة". بدوره يقول المخرج الهولندي الإسرائيلي بني برونير في وثائقي أعده بعنوان "أعظم سرقات الكتب" إن إسرائيل سرقت عشرات الآلاف من الكتب في فلسطين من بينها 30 ألف كتاب من القدس وحدها. في ذلك الفيلم يتحدث كيف تمت السرقة برعاية الجيش الإسرائيلي وبمساعدة أمناء "المكتبة الوطنية الإسرائيلية في القدس" والجامعة العبرية. ويؤكد أن عملية النهب شملت مكتبة محمد إسعاف، النشاشيبي، المكتبة الخاصة لخليل السكاكيني، مكتبة المدرسة العمرية. أما المخرج الفلسطيني بشار حمدان فيقول إن أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني الذي تأسس عام 1965 قصفته إسرائيل عدة مرات وحاولت اغتيال رئيسه أنيس صايغ عام 1972. ويبيّن أن قوات الاحتلال استولت عليه عام 1982 ثم أعادت جزءاً منه في 113 صندوقاً في عملية تبادل للأسرى جرت عام 1983.

شتات الأرشيف

في يونيو الماضي دعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى ضرورة الحفاظ على المكنون الوثائقي الفلسطيني المحفوظ في دور ومراكز الأرشيف العربية وغيرها "لما تمثله هذه الثروة من هوية للأمة الفلسطينية أرضاً وشعباً". وقالت الجامعة العربية حينذاك إن إسرائيل "قامت مؤخراً بسرقة وثائق مهمة من المسجد الأقصى تتعلق بأملاك وأوقاف القدس المحتلة وأراضيها، الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على الأوقاف الملكية الفلسطينية التي تمثل العمود الفقري في القدس المحتلة، مما يزيد من حجم الخطر عند استخدامها من قبل القوات الصهيونية ويؤدي إلى إلحاق الضرر بالأوقاف الفلسطينية". نهاية الأسبوع الماضي حدث أمر غريب لا في الأراضي المحتلة بل في باريس. سفيرة إسرائيل في فرنسا وجهت بياناً للتلفزيون الفرنسي تطالب فيه بمنع بث تحقيق وثائقي عن جرحى غزة الذين بترت أطرافهم في عمليات قصف إسرائيلي. السفيرة كتبت صراحة "الوثائقي يرسل رسالة سلبية عن إسرائيل"، وتذرعت بخشيتها من أن "يتسبب الوثائقي في تنفيذ عمليات إرهابية ضد يهود في فرنسا". هذا دليل حديث يشرح ببساطة وفي الزمن الحقيقي طريقة إسرائيل في نهب الذاكرة الجماعية، إنها تريد محو حتى الصور الحديثة لجرائمها، صور ضحاياها، لتبث في المقابل صياغتها الذاتية لما يسمى "الصراع العربي الإسرائيلي". السفيرة بذلك الخطاب كانت بدورها تنهب الارشيف لا الفلسطيني بل العالمي.

ذاكرة الشعوب من يمحوها؟

إسرائيل بمكوناتها العسكرية والدبلوماسية والسياسية حاولت على امتداد سبعين عاماً إعادة كتابة تاريخ فلسطين بروايتها هي مختزلة الحق في الأرض في "شعب إسرائيل"، ولتنفيذ ذلك كان عليها أن تطمس علامات وجود الفلسطينيين على أراضيهم منذ القدم. طمس ذلك لا يتم دون نهب الوثائق والمخطوطات والخرائط... كل تفصيلة عربية تشكل خطراً على امتداد دولة الاحتلال. ولأن التاريخ حاوية لذاكرة الشعوب، كان على إسرائيل أن تحاول محو ذاكرة شعوب العالم بكتابة تاريخ الأراضي المحتلة من منظورها هي بشكل يقصي تماماً الوجود الفلسطيني، وحتى تنجح في ذلك نهبت الأرشيف الفلسطيني الخاص في البيوت (بطاقات الهوية، الصور العائلية، وثائق عثمانية لمالكي الأرض...) والعالم كذلك.
تشتيت الأرشيف الفلسطيني وإخفاء آلاف الوثائق منه على يد إسرائيل منذ احتلالها فلسطين، كانا محاولة لمحو الذاكرة الجماعية ووأد التاريخ الفلسطيني المكتوب والمصور قبل 1948.
لأن التاريخ حاوية لذاكرة الشعوب، كان على إسرائيل أن تحاول محو ذاكرة شعوب العالم بكتابة تاريخ الأراضي المحتلة من منظورها هي بشكل يقصي تماماً الوجود الفلسطيني، وحتى تنجح في ذلك نهبت الأرشيف الفلسطيني الخاص في البيوت، والعالم كذلك.
"بين مايو 1948 ولغاية نهاية فبراير 1949 تمكن عاملو المكتبة الوطنية من جمع 30 ألف كتاب، وصحيفة ومجلة من ممتلكات سكان القدس العرب الذين تركوا المدينة. كما تم جمع آلاف الكتب التي كانت في المؤسسات التعليمية والكنائس"... فلسطين تبحث عن أرشيفها
التصدي للحملات الإسرائيلية لتزييف وتزوير وسرقة الأرشيف الوثائقي الفلسطيني ليس منوطاً بعهدة الفلسطينيين وحدهم بل يتطلب جهدًا دولياً. فمن ينتفض لمنع محو الهوية الفلسطينية؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image