توصلت مجموعة من علماء المناخ والاقتصاد من أوروبا والصين إلى دلائل تفيد بأن التقلبات المناخية تزيد بشكل فعلي من أعداد المهاجرين حول العالم، ما يذكر بأخطر التحذيرات التي أطلقها البنك الدولي قبل نحو عامٍ من أن 140 مليون شخص سيضطرون إلى الهجرة المناخية بحلول العام 2050.
وتوضح مجلة Global Environmental Change التي نشرت نتائج دراسة أجراها معهد البحوث الاقتصادية في فيينا، أن العلماء استندوا في استنتاجاتهم إلى الإحصاءات الخاصة بالهجرة والمهاجرين على مدار السنوات العشر الأخيرة.
كيف يسبب المناخ الهجرة؟
ويلفت خيسوس كواريجما من المعهد إلى أن الاحتباس الحراري يسبب الحروب وما يترتب عنها من موجات الهجرة لكن ليس في كل مكان. "لقد ثبت لنا أن التغيرات المناخية الحادة تسبب النزاعات وما يتبعها من هجرة الناس في حال سوء إدارة الدولة وتدني الديمقراطية".
ويربط بعض علماء المناخ بين الصراع القائم في الشرق الأوسط الذي اندلع منذ عام 2009، وتكرار مواسم الجفاف، مرجحين أن تكون الحرب في أمريكا اللاتينية أدت إلى ظاهرة النينيو المتمثلة في انخفاض المحاصيل الزراعية.
المناخ أسقط بيزنطة
وكشفت دراسة مناخ أوروبا وتحليله أن ارتفاع حرارة الجو وانخفاضها في السابق تسببا بسقوط بيزنطة في القرنين السابع والثامن ميلادي. ومن المرجح أن تكون التغيرات المناخية وراء انهيار حضارة المايا والهند كذلك.
ويعتقد علماء أن الهجرة تحدث بفعل الظروف الديموغرافية وليس التغيرات المناخية، غير أن كوارجيما وأفراد فريقه العلمي سعوا للتأكد من هذا الأمر بتحليل عدد طلبات هجرة بين عامي (2006-2015)، المقدمة إلى دوائر الهجرة من 150 دولة.
ودرس الفريق علاقة هذه الطلبات بـ "النقاط الساخنة" ومناطق النزاعات الحربية، وقارنوها بالتقلبات المناخية في هذه المناطق باستخدام أنموذج إحصائي معقد، ليتضح لهم وجود علاقة بين العمليات الثلاث، لكن بصورة خاصة في البلدان التي فيها مستوى الديمقراطية دون المتوسط أو متوسط وسوء إدارة الدولة.
اتضح للعلماء أيضاً أن استمرار الجفاف وغيرها من التغيرات المناخية في هذه الدول رفعت مخاطر حدوث نزاعات جديدة من أجل الوصول إلى الموارد المائية. وخير مثال على ذلك، ما حدث وسط وجنوب إفريقيا وثورات "الربيع العربي" عامي 2011 و2012 وأحداث سوريا التي تلتها.
النتائج بينت أن الحروب زادت أعدادَ المهاجرين بحثاً عن حياة هادئة في مناطق أخرى على الأرض، لكن في المتوسط ، كان انخفاض هطول الأمطار بمقدار وحدة قياسية واحدة عاملاً مؤثراً في زيادة تدفق اللاجئين بنسبة 3% تقريباً. كل هذا دفع بالعلماء للتأكيد على وجود لاجئين فعليين بسبب المناخ وأن الاحتباس الحراري يسرّع وتيرةَ الهجرة وإن كان ذلك يحدث بشكل غير مباشر.
من هم لاجئو المناخ؟
تعترف المنظمة الدولية للهجرة صراحةً بأن التغير المناخي قد يكون سبباً للهجرة منذ عشرات السنين، ووافقت الدول الأعضاء في المنظمة في عام 2007 على تعريف مصطلح "المهاجرين البيئيين".
واعتبرت المنظمة أن الأسباب الأكثر شيوعاً للهجرة البيئية أو المناخية حدوث الفيضانات والجفاف والتغيرات في فصول هطول الأمطار، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية الحادة والتدهور التدريجي في الظروف البيئية، مثل تدهور حالة التربة، ومن هم معرضون لحوادث مماثلة محتملة. لكن لم يكن هناك وعي أو اعتراف عالمي حقيقي باللاجئين المناخيين.
وفي مايو 2016، توقع جوس ليلفيلد مدير معهد ماكس بلانك للكيمياء والبروفيسور في معهد قبرص، بداية عهد الهجرة بسبب التغيرات المناخية، مشيراً إلى أن منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تصبحان غير صالحتين لسكن الإنسان في القرن 21، متوقعاً وفريقه البحثي تزايد عدد الأشخاص الذين يلجؤون لبلدان أخرى نتيجة تغيرات مناخية حادة في وطنهم الأصلي مع زيادة درجات الحرارة بشكل كبير في المنطقة.
تحذيرات عالمية متكررة
وتتعدد الإحصاءات والتنبؤات بشأن تقديرات أعداد لاجئي المناخ، وتؤكد مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة نزوح شخص واحد كل ثانية بسبب الكوارث منذ عام 2009، وأن قرابة 22.5 مليون شخص نزحوا بسبب أحداث مرتبطة بالمناخ أو الطقس منذ عام 2008 حتى 2015.
كما تتوقّع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي المجلس الاستشاري العلمي التابع للأمم المتحدة، زيادة عدد النازحين خلال القرن الحالي. وتلفت إلى أن غالبية الأشخاص المحتملين لهذا النوع من النزوح يوجدون بأكثر المناطق ضعفاً حول العالم، ما يعني أن تغيّر المناخ سيزيد معاناة الناس من حيث الفقرُ والنزوح، ما من شأنه أن يفاقم العوامل المؤدية إلى الصراع ويزيد من تعقيد الاحتياجات والاستجابات الإنسانية في مثل هذه الحالات.
وفي مارس/آذار 2018، أصدر البنك الدولي تقريراً توقع أن "أزمة إنسانية تلوح في الأفق" مشدداً على أن مشكلات متنامية مثل ندرة المياه وفشل المحاصيل وارتفاع مستوى سطح البحر وكذلك العواصف المرتبطة بالمناخ المتغير تدفع بالعديد من الأشخاص في العالم النامي نحو النزوح الداخلي.
وتوقع البنك الدولي "سيناريو أسوأ الحالات” يضع فرضيات باحتمال هجرة أكثر من 143 مليون شخص من منازلهم داخل حدود بلادهم بحلول عام 2050، نتيجة آثار التغير المناخي.
تقرير البنك الدولي اقتصر على ثلاث مناطق فقط: جنوب الصحراء الإفريقية وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية، ما يعني أن الأعداد في جميع أنحاء العالم ربما تكون أكبر بكثير.
وتؤكد الدراسات أن الدول الفقيرة أكثر تضرراً من التغير المناخي، لكنها لا تنفي تأثر البلدان الغنية في الوقت نفسه، ما يؤكد احتمال حدوث هجرة مناخية في البلدان الغنية كذلك.
ويشير العلماء إلى ثلاثة سيناريوهات للتغير المناخي وللتكيف مع ظاهرة التغير المناخي والتكيف أو الهجرة أو الفناء.
تشير دراسة مناخ أوروبا وتحليله إلى أن ارتفاع حرارة الجو وانخفاضها في السابق تسببا بسقوط بيزنطة في القرنين السابع والثامن ميلادي. ومن المرجح أن تكون التغيرات المناخية وراء انهيار حضارة المايا والهند كذلك. وتغير المناخ سبب الهجرات التي يعيشها العالم اليوم.
النزاعات المسلحة وانعدام الديمقراطية يسببان الهجرة، لكن التغيرات المناخية لها دور كبير بذلك. دراسة لافتة تحلل البعد الأخير.
وقع البنك الدولي "سيناريو أسوأ الحالات” يضع فرضيات باحتمال هجرة أكثر من 143 مليون شخص من منازلهم داخل حدود بلادهم بحلول عام 2050، نتيجة آثار التغير المناخي.
القضية الحاسمة
وتشدد الأمم المتحدة على أن تغير المناخ هي "القضية الحاسمة في عصرنا"، لأن آثاره العالمية واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، وتغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد خطرَ الفيضانات الكارثية. لافتةً إلى أن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة ومكلفاً في المستقبل ما لم تتخذ إجراءات جذرية بشأنه في الوقت الراهن.
وبدأ الاهتمام العالمي بقضية التغير المناخي في تسعينيات القرن العشرين، لكن في ديسمبر/كانون الأول 2015، أقر في باريس اتفاقٌ وُصف بـ"التاريخي وغير المسبوق" بشأن إنقاذ الأرض من التغير المناخي ومكافحة الاحتباس الحراري وقعت عليه 195 دولة.
لكن الاتفاق الذي يهدف إلى تحويل الاقتصاد العالمي من الاعتماد على الوقود الأحفوري خلال عقود، وإبطاء سرعة ارتفاع درجة حرارة الأرض سرعان ما انقلبت عليه الولايات المتحدة وخرجت منه بعد تولي الرئيس الحالي دونالد ترامب الحكم.
كما اعتبر بعض علماء المناخ أن اتفاق باريس لم يعد "صالحاً" نظراً للسرعة غير المتوقعة للجليد الأزلي ما يزيد من تراكم غازات الاحتباس الحراري في جو الأرض، الأمر الذي يصعب تنفيذ الاتفاق المقرر في 2020.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...