شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
غدق تكشف المستور في الخليج

غدق تكشف المستور في الخليج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 12 نوفمبر 201812:43 م
وفيّات وبيوت مدمرة وسيارات محتجزة ومحطمة، شوارع غارقة بالمياه، مشاهد تكرّرتْ في الكويت والسعودية وقطر والبحرين خلال الأيام الماضية، جرّاء موجة الأمطار المسماة "غدق" والتي تعرّضتْ لها المنطقة، ويُتوقع أن تستمرَّ لعدّة أيام، أمطارٌ غزيرةٌ كشفتْ ضعف البنية التحتية لدول الخليج التي تصنفُ من أغنى دول العالم. لمْ تعتدْ دولُ الخليج ذات البيئة الصحراوية هطول أمطار مماثلاً بهذا الشكل، ولم تحتمل بنيتها التحتية أمطاراً غزيرةً استمرّت لعدّة ساعات. في الكويت، تعتبر مناطق السالمية والأحمدي ومدينة صباح الأحمد السكنية الأكثر تضرّراً، وفي السعودية،تضررت جدّة ومكة والرياض والباحة، وفي قطر كانت العاصمة الدوحة الأكثر تضرراً، وهذا ما حدث مع المنامة في البحرين ولكنه لا يعني أن الضرر اقتصرَ على المناطق المذكورة. خلال الأيام الثلاثة الماضية، عجت وسائل التواصل الاجتماعي بمشاهد مروِّعة، لسيارات وبيوتٍ غارقة، وشوارع تحوّلتْ لبحيرات، تضرّر منها آلاف المواطنين، كانت البداية في قطر، قبل أن تمرّ الكارثة إلى الكويت والسعودية والبحرين. في الكويت بلغت الكارثة ذروتها مع إعلان حالة وفاة و13 حالةِ اختفاءٍ أعلنتها الشرطة. فداحة ما حدث دفعت الحكومة لإعلان حالةَ الطوارئ، ودعوة الجيش لمساعدة الدفاع المدني والشرطة لإنقاذ العالقين في الشوارع والمنازل، واعترف مجلسُ الوزراء بخطورة الوضع، مشدّداً في بيانٍ على أن الأضرار الجسيمة التي تعرّضتْ لها ممتلكات المواطنين جرّاء الأمطار الغزيرة التي تشهدها البلاد يستوجب تدارسَ آلية مناسبةٍ للمساهمة في دعم المتضرّرين من أجل تخفيف معاناتهم.

المشهد في السعودية

في السعودية، التي شهدتْ حالة وفاةٍ في مكة وحالات غرقٍ في مناطق مختلفة خارج المدن، كانت الصورة مشابهة لحدّ كبير، لم تسلم حتى حاويات النفايات من السيول الجارفة التي اجتاحتْ شوارع مدن عدّة، أكثرها تضرّراً العاصمة الرياض، وجدّة ومكة والطائف والباحة، ومدن وبلدات في الوسط والغرب والجنوب. وقد سجلت العاصمة الرياض أعلى كمية هطول للأمطار بمقدار 36.8 ملم، بحسب ما رصدته محطة الهيئة الأوتوماتيكية، تسببت في شلّ العاصمة التي يسكنها نحو 6.5 مليون نسمة، بعد أن تسبّبتْ بإغلاق الطرق الرئيسية نتيجة ارتفاع منسوب المياه فيها، إضافةً إلى احتجاز مئات السيارات ودهمتْ المياه مرافق حكومية وخاصة وسطَ حالة استنفار بين الأجهزة الأمنية والطبية، واستعانتْ أمانة الرياض بأكثر من 2200 مهندس ومراقب وعامل، و700 آلية لسحب المياه من الشوارع والأنفاق والأحياء السكنية، ودفعت هذه الأمطار وزارة التعليم في السعودية ونظيرتها في الكويت لتعطيل الدراسة في مدارس عدة.

المزيد والمزيد من الأمطار

لم تنتهِ الأزمة، لا تزال المنطقة عرضةً للمزيد من الأمطار في الأيام المقبلة، وهو ما دفع وزارة الداخلية الكويتية لمناشدة المواطنين والمقيمين عدم الخروج إلا للضرورة، التحذير ذاته تكرّر في مناطق سعودية عدة، خاصّة الغربية والجنوبية منها. وتوقع خبراء في الطقس أن تسوء الأحوال الجوية مع استمرار أمطار "غدق"، وأكد المختصّ في المناخ عبدالله الراضي لرصيف 22 أن الأمطار ستستمرّ حتّى نهاية الأسبوع، وستشمل مناطق مكة وجدة وشرق المدينة المنوّرة وجنوبها والرياض والقصيم والصمان والشمالية والجوف وحائل والشرقية والباحة وعسير وجازان وتبوك والكويت والبحرين. ويؤكد الراضي أن كمية الأمطار التي تساقطت في مناطق الجزيرة العربية في الأيام الأخيرة تجاوزتْ المعدّل خاصة في الكويت حيث سجلت بين 85-111 ملم. وأوضح الخبير الفلكي الكويتي عبدالعزيز الخضيري أن الأمطار الغزيرة كانت نتيجةً تكوّن جبهة هوائية متمركزة في منطقة شمال شرق الجزيرة العربية في ظلّ وجود منخفضٍ جوّي عميق. وقال لرصيف22: "تأثرت المنطقة بمنخفضٍ جوّي، كان امتداداً لمنخفض الهند الموسمي الذي امتدّ إلى شبه الجزيرة العربية ويتمدّد من المنخفض السوداني في في البحر الأحمر إلى منطقة شمال شرقي الجزيرة العربية، مع رياحٍ بلغتْ سرعتها 60 كيلومتراً في الساعة". توقعات الراضي والخضيري تتوافقُ مع تصريحات مراقب التوقعات الجوية الكويتي عبد العزيز القراوي الذي أكد أن الأمطار التي تعرّضت لها المنطقة خلال اليومين الماضيين تجاوزت المعدل العام السنوي، معتبراً أنها غير مسبوقة في تاريخ الكويت.

أكثر من فساد

اتهم كويتيون جهات كثيرة بالفساد وبالتسبّب في ما وصفوه بالكارثة لأنهم قصّروا في متابعة مشاريع تصريف المياه التي لم تكن وفق المواصفات اللازمة. "أكبر من فساد"، هكذا وصف وزيرُ الأشغال العامة الكويتي المستقيل حسام الرومي ما حدث، معللاً الكارثة بتجمع الطين والأوساخ في شباك الصرف، وهذا ما تسبب بتوقفها عن العمل، غير أن هذا التصريح لم يكن كافياً لتهدئة الغضب، الأمر الذي أجبره في نهاية المطاف على تقديم استقالته، وعبّر الرومي في خطاب الاستقالة عن "أسفه" للأضرار الكبيرة التي لحقت بممتلكات المواطنين والمقيمين جرّاء الأمطار الكثيفة. لم تخفّف استقالة الرومي من حالة الغضب الشعبي، فطالب النائب في مجلس الأمة الكويتي شعيب المويزري باستقالة جماعية للحكومة، وقال عبر حسابه الشخصي في تويتر: إن لم تتقدّم الحكومة كاملةً برئيسها وأعضائها باستقالة جماعية بعد أن فشلت وزارات ومؤسسات الدولة بتنفيذ خطة الطوارئ وإدارة الكوارث فسأتقدّم باستجواب لرئيس الوزراء الاسبوع القادم، وأضاف: "من غير المعقول وفِي ظلّ هذه الكوارث أن يهدّد رئيس الوزراء بتصريحاته المسؤولين بالمحاسبة والشعب يعاني ويخسر أملاكه وكأنه غير معني بتحمل المسؤولية". من جهته اعتبر النائب محمد براك المطير أن السبب الرئيسي لغرق بعض المدن هو الفساد وعدم التخطيط السليم، وأضاف في سلسلة تغريدات له: "أصبح الفساد ديدن الحكومات، يجب على الجيش والحرس الوطني استخدام الطائرات العمودية لمساعدة المواطنين الله يستر على أرواحهم وعلى الحكومة تقديم استقالتها فلم نعد نثق بها".
ما حدث في الكويت قد يكون غير معتاد، أما في جدّة والرياض في السعودية، فهي ليست المرّة الأولى التي تغرق فيها الشوارع جرّاء الأمطار. يذكر سكان جدّة كارثة 2009 التي تسببت بوفاة العشرات عقب غرق الشوارع وتدمير مئات البيوت، بعد نحو عشر سنوات لم يتحسن الحال كثيراً..
وفيّات وبيوت مدمرة وسيارات محتجزة ومحطمة، شوارع غارقة بالمياه، مشاهد تكرّرتْ في الكويت والسعودية وقطر والبحرين خلال الأيام الماضية، جرّاء موجة الأمطار المسماة "غدق" والتي تعرّضتْ لها المنطقة
في الكويت بلغت الكارثة ذروتها مع إعلان حالة وفاة و13 حالةِ اختفاءٍ أعلنتها الشرطة. فداحة ما حدث دفعت الحكومة لإعلان حالةَ الطوارئ، ودعوة الجيش لمساعدة الدفاع المدني والشرطة لإنقاذ العالقين في الشوارع والمنازل.

مشهد متكرر

ما حدث في الكويت قد يكون غير معتاد، أما في جدّة والرياض في السعودية، فهي ليست المرّة الأولى التي تغرق فيها الشوارع جرّاء الأمطار. يذكر سكان جدّة كارثة 2009 التي تسببت بوفاة العشرات عقب غرق الشوارع وتدمير مئات البيوت، بعد نحو عشر سنوات لم يتحسن الحال كثيراً، ففي كلّ مرّة تهطل الأمطار على المدينة الواقعة على شاطئ البحر الأحمر، تغرق شوارعها التي يقطنها أكثر من 3.5 مليون نسمة وتتضرر السيارات بشكل كبير، ومنذ شباط/فبراير 2009 تحاول وزارة الشؤون البلدية معالجة المشكلة لكنها تفشل لعجز مشاريع التصريف عن استيعاب الأمطار التي تتجمّع في شرق المدينة بسبب بنائها في مجاري السيول. "نحن نعيش في مجاري السيول"، هذا ما يؤكده المهندس ماجد المغيري، وهو مهندس في تخطيط المدن، مشيراً إلى أخطاء في تنفيذ مشاريع الإسكان، ويقول لرصيف22 قد تغرق بعض الشوارع بسبب المياه، ولكنها لا تدمر السيارات والبيوت بهذا الشكل. ما حدث يعيدنا لما شهدته مدينة جدّة في عام 2009 وتكرّر أكثر من مرّة وسيتكرّر مستقبلاً مهما كانت مشاريع تصريف مياه، لأن المشكلة لا تكمن في ضعف شبكات التصريف بل في المخططات السكنية التي بنيت بشكل خاطئ في مجاري السيول، لهذا في كلّ مرّة تتعرّض فيها المنطقة لأمطار غزيرة سيتكرّر المشهد. قبل عامين، أرجع تقرير رسمي لأمانة مدينة جدة أسبابَ تكرار الفياضانات التي تتعرّض لها شوارع المدينة لعدة عوامل، منها ارتفاع منسوب مياه البحر، الذي أسهم بحسب التقرير في خفض قدرة تصريف المياه، ويتفق التقرير مع ما أكده الخبير العقاري علي الكاشف لرصيف22 أن طبيعة مدينة جدّة هي سبب مأساتها، ويقول: جغرافية مدينة جدّة تتسع شمالاً وجنوباً لكن من الشرق تحدّها الجبال ومن الغرب يحدّها البحر الأحمر. فالمدينة عبارة عن مجموعة أودية وعند نزول الأمطار من أقصى الشرق أي من الجبال كمنطقة مرتفعة تنقل هذه السيول إلى المناطق لتأخذ مجراها الطبيعي إلى أقصى الغرب مروراً بالأودية المنخفضة التي تتوسط ما بينهما وصولاً إلى البحر الأحمر. لا يمكن فعل شيء أمام قوة الطبيعية إذا كانت الأمطار غزيرة، ومهما حاولنا تمتين الشوارع، فإن طبيعة تربة المدينة لا تساعد على الإطلاق، وقد كان من الخطأ تجاهل طبيعية المدينة عند منح تراخيص البناء فيها. كلام الكاشف والمغيري لا يعفي البلديات من مسؤولية ما تتعرّض له المدن، إذ تمّ رصد 38 مليار لجدّة وحدها منذ عام 2009، لكن تنفيذ المشاريع لا يجري بالصورة المأمولة. ويختم المغيري: أمور كثيرة تراكمت لتقود للنتيجة ذاتها، منها تزايد المستنقعات والبرك التي تعطّل حركة المرور، وتوقف المدارس والأشغال وتدمير البيوت عند نزول الأمطار.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image