شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
المحاكم خارج نطاق الخدمة... النظام المصري حين يحاكم متهمين سياسيين داخل مقارّ وزارة الداخلية

المحاكم خارج نطاق الخدمة... النظام المصري حين يحاكم متهمين سياسيين داخل مقارّ وزارة الداخلية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 30 يونيو 201804:08 م
الطبيعي أن المحاكمات تتم داخل المحاكم التابعة لوزارة العدل، لكن الأمر لا يتم في مصر بنفس السهولة التي تمت بها كتابة الجملة السابقة، إذ من الشائع أن يحاكم متهمين في مقارّ تابعة لوزارة الداخلية، سواء كانت سجوناً، معاهد تدريب أمناء الشرطة، أكاديمية الشرطة، أو حتى معسكرات الأمن المركزي. ويؤكد تقرير حديث أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة مجتمع مدني، مقرها القاهرة، أن المحاكمات داخل المقار الشرطية التابعة لوزارة الداخلية تفتقد مبدأ العلانية، الذي هو الضامن، على الأقل شكلياً، لمحاكمات عادلة، بسبب منع الأمن في تلك المقارّ لدخول وسائل الإعلام، والجمهور، وحتى أسر وذوي المتهمين.

مبارك.. البداية

يظهر التقرير الذي حمل عنوان "المحاكمة في الوزارة: عن المحاكمات التي تعقد في مقارّ وزارة الداخلية بدلاً من العدل"، أن بداية هذا النوع من المحاكمات ظهرت بعد ثورة يناير 2011، وبالتحديد مع بداية محاكمة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، حين لم تكن الأوضاع الأمنية في أفضل حال، إضافة إلى أهمية القضية وضخامتها، فكان القرار بعقد المحاكمة في أكاديمية الشرطة، في منطقة القاهرة الجديدة، على أطراف العاصمة. بعد ذلك، وبالتحديد منذ العام 2013، تم نقل أغلب المحاكمات الجنائية ذات الطابع السياسي إلى المقار الشرطية، بدءاً من المحاكمة في القضية المعروفة إعلامياً بأحداث مجلس الشورى، ثم القضية المعروفة إعلامياً بأحداث محكمة عابدين، حيث انعقدت جلسات المحاكمات في القضيتين داخل مقر معهد أمناء الشرطة، بمنطقة طرة بجنوب القاهرة، والحجة وقتها تعدي بعض المواطنين على مقار المحاكم، والتخوف من الاعتداء على رجال القضاء. وفي السنوات الأخيرة تزعم الأجهزة الرسمية والأمنية أن الأوضاع الأمنية في مصر صارت في أفضل حال، لكن رغم ذلك استمرت المحاكمات ذات الطابع السياسي داخل المقار الشرطية حتى الآن، وهو ما تصفه الشبكة في تقريرها "القاعدة هي عقد المحاكمات في مقار تتبع وزارة الداخلية، والاستثناء أن تعقد المحاكمات في المحاكم". الأزمة هنا بحسب تقرير الشبكة هي أن غياب العلانية في المحاكمات التي تتم بالمقار الشرطية، يفقد المحاكمة أركان عدالتها، ويخل بالحقوق الدستورية المكفولة للمتهمين، وفي مقدمتها حقّا التقاضي والدفاع ووجوب عدم التمييز بين المتهمين ومساواتهم. كما يجعل مبدأ علانية المحاكمات الرأي العام رقيباً على أعمال القضاء؛ وهو ما يساهم في احترام القضاء والثقة بنزاهته. وتضمن القوانين المصرية مبدأ علانية الجلسات، وهو الأمر الذي يوفر الحق للجميع لحضور المحاكمة، دون شرط أو قيد أو عائق سوى ما يخل بالنظام العام أو الآداب بهدف تمكين الجمهور من فرصة مشاهدة إجراءات المحاكمة، والاستثناء هنا، بحسب مواد الدستور والقوانين المصرية، هو المحاكمات المتعلقة بخصوصية الأسر والعائلات. على سبيل المثال، يؤكد دستور مصر الذي صدر في العام 2014، مبدأ العلانية في المادة 187منه، والتي تقول "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية". أيضاً ينص قانون المرافعات المدنية والتجارية على المفهوم نفسه في المادة 101منه بقولها "تكون المرافعة علنية إلا إذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم إجراءها سراً محافظةً على النظام العام أو مراعاة للآداب أو لحرمة الأسرة". أما قانون الإجراءات الجنائية فينص في المادة 268 منه "يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها".

هذا ما يحدث في المحاكمات التي تتم داخل المقار الشرطية

يوثق تقرير الشبكة افتقاد المحاكمات المنعقدة في مقار شرطية لمبدأ العلانية، إذ يتم منع دخول كثير من أهالي المتهمين والجمهور والصحفيين واﻻعلام للجلسات من قبل قوات الأمن، كما يتم وضع المتهمين داخل قفص زجاجي وحجبهم عن حق الدفاع والاتصال بمحاميهم، وفي بعض الأحيان يجري وضعهم داخل أقفاص حديدية مزودة بحواجز زجاجية معزولة الصوت تمنع المتهم من التواصل مع محاميه وقد تحجب عنه سماع إجراءات محاكمته. وبحسب الشبكة فإن هذه الطريقة في إجراء المحاكمة تشكل إهداراً كبيراً لحق المتهم في الدفاع عن نفسه بشخصه أو من خلال محاميه وحقه في الإحاطة بإجراءات محاكمته من سماع الشهود وفض الأحراز ومرافعة الدفاع عنه، وهو ما يتناقض مع الدستور والقانون المصري، إضافة إلى ما أكدت عليه العهود والمواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

نماذج من المقار الشرطية التي تعقد بها محاكمات

يظهر التقرير أن هناك عدة أماكن تابعة لوزارة الداخلية تتم بها محاكمات، ومنها سجن الجيزة المركزي، الذي جرت به محاكمات عدة، منها القضية المعروفة إعلامياً بقضية "جمعة اﻻرض"، التي وقعت أحداثها في منطقة الدقي والعجوزة بدرجتيها الأولى واﻻستئناف. وفي تلك القضية تم منع أهالي المتهمين وذويهم ووسائل الإعلام من حضور جلسات المحاكمة ولم يسمح سوى لمحاميي المتهمين من الدخول إلى قاعة المحكمة. ويتم وضع المتهمين داخل سجن الجيزة المركزي في قفص زجاجي، لا يمكن المحامين من التواصل مع المتهمين، وهو الأمر الذي لا يمكن المتهمين من سماع مرافعة محاميهم. أما معهد أمناء الشرطة ومقره طرة، فبات يحوي ثلاث قاعات محاكمة وتعقد أغلب المحاكمات ذات الطابع السياسي بها، ومن ضمن تلك المحاكمات وأشهرها قضية "فض اعتصام ميدان رابعة العدوية" وغيرها من المحاكمات، وفي هذا المعهد لا يسمح بحضور أهالي المتهمين وذويهم والصحفيين إلا بقرار من رئيس المحكمة. كما تتم العديد من المحاكمات داخل مقر أكاديمية الشرطة، على أطراف القاهرة، وغالبيتها ذات طابع سياسي، منها القضية المعروفة اعلامياً بأحداث مجلس الوزراء، وقضية أحداث كرداسة، وغيرهما من القضايا، ودائماً ما تمنع قوات الأمن دخول أهالي المتهمين وذويهم ووسائل الإعلام جميع جلسات المحاكمات. لا تختلف الأمور في سجن 15 مايو، الذي تم افتتاحه في العام 2015، ويضم بجانب غرف السجناء، عدة قاعات لتجديد الحبس، وهناك يتم حرمان الكثير من الأسر من حضور جلسات التحقيق وتجديد حبس أقاربهم. تختلف أسماء المقارّ السابقة، لكنها تتفق جميعاً في نزعها الشعور بالأمان من المتهمين، وهم بحوزة الداخلية، التي تقول تقارير حقوقية عدة إنها تمارس التعذيب بشكل ممنهج.

أرقام من واقع التقرير

حوى تقرير الشبكة العديد من الأرقام، على سبيل المثال لم تشهد المحاكم التابعة لوزارة العدل، سوى نحو 26% فقط من المحاكمات، في حين شهدت المقارّ الشرطية التابعة لوزارة الداخلية نحو 74% من المحاكمات التي رصدها تقرير الشبكة خلال عام واحد، يبدأ من مايو 2017 وينتهي في مايو 2018.
باتت القاعدة هي محاكمة متهمين في قضايا ذات طابع سياسي في مقارّ تتبع وزارة الداخلية المصرية، والاستثناء أن تعقد تلك المحاكمات في المحاكم.
خلال تلك الفترة رصدت الشبكة حوالي 192 قضية ذات طابع سياسي يتم تداولها أمام القضاء، من بينها نحو 118 قضية تم انعقاد جلساتها داخل مقار شرطية، منها على سبيل المثال قضية فض اعتصام رابعة العدوية، قضية اقتحام السجون المصرية، أحداث عنف عين شمس، مظاليم وسط البلد، وقضية معتقلي الدفوف. كما عقدت نحو 32 قضية ذات طابع سياسي، داخل مقار محاكم عسكرية، منها على سبيل المثال، قضية العمليات المتقدمة، قضية خلية العقاب الثوري، وغيرهما، إلى جانب نحو 42 قضية تم انعقاد جلساتها أمام مقارّ محاكم تابعة لوزارة العدل، منها على سبيل المثال قضية وقفة نقابة الصحفيين. تقول الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لرصيف22 إن الأهداف الرئيسية من التقرير هي لفت النظر لما يحدث داخل تلك المحاكمات، بهدف عودة مقارّ المحاكم من المقارّ الشرطية إلى مقارّها الطبيعية، وهي المحاكم التابعة لوزارة العدل. كما توصي السلطات المصرية باحترام حقوق الإنسان، وبإزالة الحواجز الزجاجية من الأقفاص التي يقبع خلفها متهمون، والسماح للأهالي ووسائل الإعلام والرأي العام بحضور جلسات المحاكم. وحاول رصيف22 التواصل مع النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري للحصول على تعليق بخصوص التقرير، لكنه لم يرد على هاتفه أو على رسائلنا إليه.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image