صباح 24 يونيو، كان وكيل نقابة الصحافيين السابق، خالد البلشي، وعدد من الصحافيين الشباب، على موعد مع تجربة صحافية جديدة هي تجربة إطلاق موقع "كاتب"، كأول موقع صحافي حقوقي متخصص في الدفاع عن حرية التعبير وحرية تداول المعلومات، وتسليط الضوء على سجناء الرأي المصريين والعرب.
ولكن السلطات المصرية لم تسمح لهذه التجربة بالاستمرار طويلاً، فالموقع الذي أُطلق، بدعم من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في الواحدة إلا ربع ظهراً، تعرّض للحجب بعد تسع ساعات فقط، ليجد نفسه على رأس قائمة الأسرع حجباً في العالم.
هو فصل جديد مما بات يعيشه الصحافيون المصريون الذين يحملون توجهات معارضة لسلطة باتت تستسهل حجب المواقع المناوئة لها.
المواد الممنوعة
نشر الموقع مواضيع عن الأوضاع الحالية في مصر، منها مقال للكاتب والخبير السياسي عمار علي حسن، انتقد فيه سياسات رفع الدعم عن الوقود، وسبق أن رفضت إحدى الصحف نشره، بدعوى "صدور تعليمات بعدم نشر أية مادة رأي تنتقد قرارات زيادة الأسعار إلا إذا كانت للمدح". في مقاله المذكور، أشار حسن إلى أن الإجراءات الأخيرة "تؤدي بالتتابع إلى تآكل الطبقة الوسطى، ثم انهيارها، وفقدان نسبة معتبرة من الشعب استقلالها المادي، وهذا معناه تراجع طلبها على المشاركة السياسية، وعلى مساءلة السلطة وحسابها، ما يزيد من انفرادها بالقرار، فيتفاقم التسلط". ونشر الموقع أيضاً حواراً مع وزير التضامن الأسبق جودة عبد الخالق، تحدث فيه عن سياسات الاقتراض، واعتبر أنها تعبّر عن جهل بالتاريخ الاقتصادي والسياسي، كما انتقد فيه دخول الجيش في مجالات مدنية. كذلك، نشر الموقع مواضيعاً تحلل مشاريع تنظيم الصحافة والإعلام المثيرة للجدل، إضافة إلى بروفايلات لعدد من سجناء الرأي، منهم عضو حركة الاشتراكيين الثوريين هيثم محمدين، والعضو السابق في ائتلاف شباب الثورة شادي الغزالي حرب، والناشط السابق في حركة 6 أبريل محمد عادل، و"معتقلة المترو" أسماء عبد الحميد، والمدون الجزائري "مرزوق تواتي"."تعطّش لصحافة مختلفة"
خلال الوقت القصير، قبيل حجبه، زار الموقع 10 آلاف شخص، على الرغم من حرص القائمين عليه على إطلاقه دون ترويج، الأمر الذي يُعَدّ إشارة إلى تعطش القارىء المصري لمتابعة صحافة مختلفة، بحسب ما يؤكد البلشي لرصيف22. فريق عمل الموقع الذي لا يزيد عن 12 شخصاً، كان من المفترض أن يزداد بعد الانطلاق الرسمي، إلا أن الإجراء الأخير عطّل هذه الخطوة، والكل ينتظر الآن ما ستسفر عنه، ويتحسّب لإجراءات أخرى قد تتبعها، بحسب ما يحكي لرصيف22 أحمد رمضان، أحد الصحافيين الشباب في الموقع. "لم تمهل الدولة نفسها وقتاً حتى لرؤية محتوى الموقع. هذا قرار لا مبرر له، تماماً مثلما لم تكن هناك مبررات لحجب مواقع أخرى من قبل سوى أن لديها وجهات نظر تختلف مع سياسات السلطة القائمة، والدليل على ذلك أنه لم يتم إنذار أي منها، أو التحقيق مع القائمين عليها، أو اتخاذ إجراءات قضائية بحقها"، يقول البلشي. ويضيف: "نحن نعيش في سياق نظام عام يرفض وجود صوت آخر، أياً كان هذا الصوت، ويرغب في إعلام مسيطَر عليه ويمكنه التحكم في نهجه". ولا يرى مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد في لجوء السلطة إلى سياسة الحجب أمراً غريباً أو جديداً. لكنه يقول لرصيف22 إن استخدام الحجب بهذه السرعة جعل النظام ينتقل من كونه أحد الأنظمة المعادية للإنترنت إلى قمة هذه القائمة، متفوقاً على نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي الذي حجب موقع "يزي أورج"، بعد 18 ساعة من إطلاقه عام 2005، والسعودية التي حجبت موقع "الجمعية المصرية للتغيير" بعد 15 ساعة من انطلاقه في أبريل 2010. ويضيف: "إذا نظرنا إلى عدد المواقع المحجوبة، والتي تخطت 500 موقع حتى الآن، وإلى السجون التي بُنيت في السنوات الأخيرة، وإلى المعاقبين بالحبس الاحتياطى المطول، والسجناء السياسيين، والصحافيين المسجونين، أو غير المرغوب في عملهم، أو الذين تركوا البلاد، سنجد أن مصر باتت تمر بأسود لحظاتها في مجالات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، والسلطة لا تتورع في إبداء أدلة على هذا التوجه يوماً بعد الآخر". وبرأيه، "هذه الإجراءات ستظل مستمرة طالما كان هناك نظام يعادي الديمقراطية ولا يحترم سيادة القانون"."تغوّل" ضد الصحافة
للبلشي تجارب سابقة مع المنع، إذ أجهضت تجربة جريدة "الوادي" التي كان يرأس تحريرها منذ سنوات بعد صدور أعداد قليلة منها، بسبب مواضيعها التي تناولت فساد السلطة والحكومة. وتعرّض موقعه "البداية" للحجب في مطلع العام الماضي بسبب مقال "مفبرك" منسوب إليه نشره موقع "البديل"، الذي نال المصير ذاته. كما تم الحكم عليه وعلى نقيب الصحافيين السابق يحيى قلاش بسنة سجن مع إيقاف التنفيذ بدعوى إيواء صحافيين مطلوبين أمنياً، في قرار اعتبرته منظمات حقوقية ودولية "حملة على حرية التعبير في مصر". وفي نهاية عام 2017، فاز البلشي بجائزة نيلسون مانديلا للمدافعين عن حقوق الإنسان، التي يمنحها تحالف "سيفيكاس" لناشطي ومنظمات المجتمع المدني، تكريماً لـ"سعيه الشجاع والمتواصل لدعم حرية التعبير، على الرغم من المضايقات الشخصية والقضائية والرقمية ضده، ولتسليطه الضوء على الانتهاكات الحكومية"، بحسب بيان المؤسسة. وكان لتأسيسه موقع "البديل الجديد" في نهاية 2010، دور كبير في التمهيد للتظاهرات التي قادت إلى ثورة 25 يناير، من خلال تسليطه الضوء على انتهاكات الرئيس المخلوع حسني مبارك ونظامه.السلطة المصرية تحتل المركز الأول في قائمة سرعة حجب المواقع الإلكترونية متفوقةً على نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي وعلى والسعودية
"مصر باتت تمر بأسود لحظاتها في مجالات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، والسلطة لا تتورع في إبداء أدلة على هذا التوجه يوماً بعد الآخر"يشير رئيس لجنة الحريات السابق في نقابة الصحافيين إلى أنه، على الرغم من "تغوّل السلطات السابقة ضد مهنة الصحافة"، كان هناك هامش من الحرية، كانت الحكومة تعمل على تحجيمه عندما يتوسع، "أما الآن، فلا إعلام مسموح به إلا ذلك المتحكَّم فيه أو المشترى من وسطاء السلطة". وبرأيه، فإن "النظام القائم يرغب في تأميم الصحافة بشكل واضح وإسكات أي صاحب رأي مختلَف معه، بل الأمر يتعدى ذلك إلى ما لا يتوافق مع المنطق، على غرار ما حدث في حجب موقع ‘كورابيا’ الرياضي، أو ‘مصريات’ المتخصص في شؤون المرأة، وكأنه يقول: مفيش صحافة، أنا الصحافة".
قرار بالاستمرار
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، التي يصدر عنها الموقع، أعلنت استمراره رغم إجراءات الحجب، وهذا القرار كان متخذاً من البداية، حسبما أكد رمضان، الذي أشار إلى توقعهم المسبق لقرار الحجب. ولكن رمضان يلفت إلى أن "الاستمرار في ظل هذه الظروف صعب على الجميع، هناك خوف بطبيعة الحال من الوضع العام، ما قد يجعل كل شخص هدفاً للقمع، لكن هذا لن يمنعنا من الاستمرار في قرارنا البقاء على الساحة". بعد أزمة الحجب، يتحرك القائمون على الموقع للبحث عن وسائل تقنية لنشر محتواه للجمهور، لتظل هناك مساحة لـ"المعافرة"، كما يؤكد البلشي. ويبدي عيد ثقته في استمرار الموقع وقدرة القائمين عليه وقرائه على تجاوز هذه العقبة.استكمال نهج الحظر
يؤكد عضو مجلس نقابة الصحافيين الحالي محمد سعد عبد الحفيظ أن نهج الحظر "يتم استكماله الآن عبر قانون تنظيم الصحافة والإعلام. فإذا كان الحجب حتى هذه اللحظة يتم خارج إطار القوانين واللوائح، فإن منع التداول والحظر وسحب الترخيص سيكون منصوصاً عليها تشريعياً، خاصة في المواد رقم 4 و5 و19 من القانون، والتي ستمنح المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام سلطة إدارية لاتخاذ هذه الإجراءات، ما يحوّلها إلى رقيب يمارس سلطاته المطلقة على حرية الرأي والتعبير واستقلال الصحافة". ويشير عبد الحفيظ إلى توافق مجلس نقابة الصحافيين على رفض 12 إلى 16 مادة من القانون الجديد، تتعلق بالحريات واستقلال المؤسسات القومية عن السلطة التنفيذية، فضلاً عن "مواد أخرى شائكة ستصنع طوابير من المتعطلين من أبناء المهنة". رغم كل ما يجري، لا يمكن أن يشكّل تضييق الخناق على العمل الصحافي حلاً للسلطة ينقذها من الانتقادات، برأي البلشي، ويقول: "إذا لم تستطع السلطة السماح بإنتاج محتوى مهني يعبّر عن الواقع، عليها إلغاء المهنة، أو تسريح الصحافيين من أماكنهم وتعيينهم في مؤسساتها بدلاً من الالتفاف على حقيقة الأوضاع".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين