لعبت الصراعات الطبقية أدواراً مؤثرة في تشكيل أهم ملامح التاريخ الإسلامي عبر القرون. في هذا السياق، ظهرت طبقة الموالي باعتبارها طبقة وسيطة فاصلة بين طبقة الأسياد الأحرار من جهة، وطبقة العبيد من جهة أخرى. بحسب المصادر التاريخية، شارك الموالي في مختلف الأنشطة التي عرفتها الحضارة الإسلامية. سواء في مجالات الحكم والإدارة والسياسة، أو في ميادين العلم الديني والفقه.
من هم الموالي؟
وردت كلمة الولاء في القرآن الكريم بمعنى المحبة والنصرة والمساعدة. كما ظهر المعنى نفسه في العديد من الأحاديث النبوية، ومن أشهرها الحديث الشهير الذي قال فيه النبي للمسلمين يوم غدير خم: "من كنت مولاه، فهذا علي مولاه". بالنسبة للمعنى الاصطلاحي لكلمة الموالي، فيذكر المستشرق الهولندي ج. فان فلوتن في كتابه "السيطرة العربية والتشيع والمعتقدات المهدية في ظل خلافة بني أمية" أنه قد شاع استخدام العرب لكلمة الموالي مقترنة بالمعنى الاسترقاقي بوجه عام. من هنا نلاحظ أن العديد من الأحاديث قد أشارت للموالي باعتبارهم طبقة اجتماعية أقل رتبةً ومنزلةً من طبقة الأحرار.
ارتبطت طبقة الموالي بالعديد من الصحابة الذين أسلموا منذ فترة مبكرة، والذين حصلوا على حريتهم بعد أن قضوا أوقاتاً متباينة في أسر العبودية والرق. من أشهر هؤلاء، كلّ من سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي
ارتبطت طبقة الموالي بالعديد من الصحابة الذين أسلموا منذ فترة مبكرة، والذين حصلوا على حريتهم بعد أن قضوا أوقاتاً متباينة في أسر العبودية والرق. من أشهر هؤلاء، كلّ من سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي. في ما بعد، ارتبطت تسمية الموالي بأهل البلاد المغلوبة الذين عاشوا في الأراضي التي تمكن العرب الفاتحون من السيطرة عليها زمن الخلافة الراشدة. بناء على ذلك، دخل الأقباط والسريان والفرس والأمازيغ في دائرة الموالي، وأصبحوا يُعرفون بهذا الاسم في شتى البلاد الإسلامية.
على الرغم من تأكيد الإسلام على روح المساواة والعدالة، فقد ظهرت التفرقة في المعاملة بين طبقة الموالي والطبقات الأخرى في العديد من المواقف التاريخية زمن النبوة وفي عصر الخلفاء الراشدين. من تلك المواقف ما روي عن بعض الإساءات التي وجهها عدد من الصحابة لبلال بن رباح بسبب أصوله العرقية السوداء، وما ورد في بعض الروايات عن رفض العرب تزويج بناتهم من الموالي؛ فعلى سبيل المثال، عندما طلب الصحابي سلمان الفارسي خطبة بنت الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رفض عمر لكونه قد كره أن يزوج ابنته من أعجمي، وهو ما تسبب في غضب سلمان وانفعاله، بحسب ما يذكر ابن عساكر في كتابه "تاريخ دمشق".
الأدوار السياسية للموالي
أشار أحمد ابن تيمية الحراني (ت 728هـ) في كتاب "مجموع الفتاوى" إلى التمييز السلبي الذي تعرض له الموالي، وبيّن ارتباط ذلك التمييز ببعض النواحي العقائدية السائدة في الأوساط السنية، فقال: "الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم، وسريانيهم، رومهم، وفرسهم، وغيرهم". تؤكد القراءة المتفحصة للتاريخ الإسلامي على حقيقة تعرض الموالي للتمييز في العديد من الفترات التاريخية، ولا سيما في ميادين السياسة والحكم.
يذكر فان فلوتن في كتابه سابق الذكر أن الموالي كانوا يشاركون في الجيوش الإسلامية في شكل فِرَق من المشاة، فيما تمتع الأحرار والعرب بخصوصية تشكيل فرق الفرسان. الأمر الذي يوضح حجم التمييز بين الطبقتين.
ازدادت أوضاع الموالي سوءاً مع صعود الحكم الأموي؛ انتهج حكام بني أمية نهجاً صارماً تجاه طبقة الموالي، فتشددوا في معاملتهم وفرضوا عليهم الجزية رغم إسلامهم.
في سنة 63هـ، شارك الموالي للمرة الأولى في أحداث الحرب الأهلية التي اندلعت عقب وفاة الخليفة معاوية بن أبي سفيان؛ أعلن موالي المدينة وقتها تأييدهم لموقف أسيادهم الرافض لبيعة يزيد بن معاوية. وشاركوا في القتال في موقعة الحرة ضد الجيش الأموي. وتسبب ذلك في مقتل المئات منهم. بعد سنوات معدودة، رفع الموالي راية الثورة من جديد عندما انضم العديد منهم لحركة المختار الثقفي في الكوفة. وقد أثارت تلك المشاركة غضب العرب الكوفيين، الذين أعلنوا عن سخطهم بسبب قرار المختار بمشاركة الموالي في الفيء والغنيمة، فقالوا له: "عمدت إلى موالينا، وهم فيء أفاءه الله علينا، وهذه البلاد جميعاً. فأعتقنا رقابهم نأمل الأجر في ذلك والثواب والشكر، فلم ترض بذلك حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا"، وذلك بحسب ما يذكر ابن جرير الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك".
ازدادت أوضاع الموالي سوءاً مع صعود الحكم الأموي؛ انتهج حكام بني أمية قد نهجاً صارماً تجاه طبقة الموالي، فتشددوا في معاملتهم وفرضوا عليهم الجزية رغم إسلامهم. وأدى هذا إلى ثورة الكثير من الموالي مع عبد الرحمن بن الأشعث عندما أعلن الخروج عن الحجاج بن يوسف في مطلع ثمانينيات القرن الأول الهجري.
بحسب ما يذكر المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن في كتابه "تاريخ الدولة العربية من ظهور الاسلام إلى نهاية الدولة الاموية"، فإن ما يقرب من المائة ألف رجل من الموالي قد انضموا إلى صفوف الثوار، وشارك العديد منهم في القتال في موقعة دير الجماجم التي دارت بين ابن الأشعث والحجاج في سنة 83هـ. بعد المعركة، عمل الحجاج بن يوسف على إضعاف تجمعات الموالي خوفاً من عودتهم للثورة مرة أخرى؛ على سبيل المثال، جاء في كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه أن الحجاج لمّا لمس كثرة الموالي في البصرة، فإنه "أحب أن يسقط ديوانهم ويفرق جماعتهم حتى لا يتألفوا ولا يتعاقدوا"، فقال لهم: " أنتم علوج وعجم، وقراكم أولى بكم. ففرقهم وفضّ جمعهم كيف أحب، وصيّرهم كيف شاء، ونقش على يد كل رجل منهم اسم البلدة التي وجهه إليها".
من هنا، وبالتزامن مع تلك الأوضاع العصيبة، سارع الموالي للانضمام للدعوة العباسية في منطقة خراسان (شرقي إيران) في الربع الأول من القرن الثاني الهجري. ولم يمر وقت طويل حتى نجح العديد من قادة الموالي -ومنهم أبو مسلم الخراساني- في إسقاط الدولة الأموية سنة 132هـ. الأمر الذي علق عليه الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين" بقوله إن: "دولة بني العباس أعجمية خراسانية، ودولة بني مروان عربية أعرابية".
أكدت النصوص الدينية الإسلامية على المساواة الكاملة بين المسلمين وبعضهم بعضاً. جاء في بعض الآثار المنسوبة للنبي: "لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلا بالتّقوى"، و"النّاس متساوون كأسنان المشط". الأمر الذي فتح باب التحصيل العلمي أمام الموالي واسعاً
في عهد هارون الرشيد، صعد نفوذ الموالي في الدولة من خلال البرامكة، وهي أسرة فارسية الأصل؛ على سبيل المثال، في سنة 178هـ قوّى الفضل بن يحيى نفوذه في خراسان، "واتخذ بها جنداً من العجم سمّاهم العباسية، وجعل ولاءهم له، وكانوا نحواً من خمسمائة ألف، وبعث منهم نحواً من عشرين ألفاً إلى بغداد، فكانوا يعرفونه بها بالكرمينية"، وذلك بحسب ما يذكر ابن كثير (ت 774هـ) في كتاب "البداية والنهاية".
أفل نجم البرامكة بعدها سريعاً بعد أن نكبهم الرشيد، ولكن قوة الموالي الفرس عادت من جديد في دولة عبد الله المأمون، الذي تعصب لأصول أمّه الفارسية، ونقل الحكم لسنوات إلى مَرو في خراسان قبل أن يعود مرة أخرى إلى بغداد. في عهد الخليفة المعتصم بالله، صعد نجم الموالي الأتراك بدلاً من الموالي الفرس، بسبب تعصب الخليفة لأصول أمّه التركية، ووصل نفوذ الأتراك إلى أوجه عندما قام المعتصم بإسقاط العرب من ديوان الجند، ليفرض قادة الترك سيطرتهم على الدولة العباسية بشكل شبه كامل.
الأدوار الدينية للموالي
أكدت النصوص الدينية الإسلامية على المساواة الكاملة بين المسلمين وبعضهم بعضاً. جاء في بعض الآثار المنسوبة للنبي: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، و"الناس متساوون كأسنان المشط". الأمر الذي فتح باب التحصيل العلمي أمام الموالي واسعاً.
في سنة 12هـ، وأثناء المدّ الإسلامي العسكري في الشام والعراق، انتصر المسلمون على الفرس في معركة عين التمرة الواقعة بالقرب من مدينة الأنبار العراقية. يذكر ابن كثير الدمشقي في كتابه "البداية والنهاية" أن قائد المسلمين خالد بن الوليد لمّا دخل إلى المدينة وجد أن أربعين غلاماً كانوا قد تجمعوا داخل الكنيسة، وأنهم كانوا يعكفون على دراسة الإنجيل، فأُسِر هؤلاء الغلمان وتمّ بيعهم. بعد سنوات، صار أبناء هؤلاء الغلمان من الموالي العلماء الذين برعوا في شؤون الفقه والعلوم الدينية والسير، ومن أشهرهم كل من حمران بن أبان، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن إسحاق. من جهة أخرى، أسهم الكثير من الموالي في نقل علوم الصحابة وكبار التابعين إلى الأجيال اللاحقة. ومن هؤلاء كل من عكرمة مولى عبد الله بن العباس، وأسلم مولى عمر بن الخطاب، ونافع مولى عبد الله بن عمر، وأفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، وحبيب مولى عروة بن الزبير.
بشكل عام، ظهرت سيطرة الموالي على المناصب القيادية في مختلف فروع العلوم الدينية في العديد من الروايات التاريخية المنقولة إلينا؛ على سبيل المثال، روى الحاكم النيسابوري في كتابه "معرفة علوم الحديث" الحوارَ الذي دار بين ابن شهاب الزهري والخليفة عبد الملك بن مروان، عندما وصل الأول إلى الشام قادماً من مكة.
جاء في هذا الحوار إشادة الزهري بعلماء الموالي الذين حازوا قصب السبق في العلوم الدينية في جميع الولايات، ومنهم كلّ من عطاء بن رباح في مكة، وطاووس بن كيسان في اليمن، ويزيد بن أبي حبيب في مصر، ومكحول في الشام، والضحاك بن مزاحم في خراسان، والحسن البصري في البصرة. بحسب الرواية فإن الخليفة قد علق على كثرة علماء الموالي بقوله: "والله لَيسودنّ الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها".
من الأمور الجديرة بالملاحظة، أن تفوق الموالي في العلوم الدينية كان بمثابة الطريق البديل الذي التمسوه لتعويضهم عن إخفاقاتهم المتكررة في ميادين العمل السياسي. ومن هنا، يمكن القول إن وصول هؤلاء العلماء لتلك المكانة قد وقع بعيداً عن رغبة الدولة. في هذا المعنى، وضح المفكر المصري أحمد أمين في كتابه "ضحى الإسلام" أن الدولة الأموية قد حرمت الموالي من تولي مناصب القضاء وإمامة الصلاة وغير ذلك من المناصب التنفيذية المهمة، إذ يقول: "أمر الحجاج أن لا يؤمّ في الصلاة إلا عربي... وكان استخدام الموالي في العهد الأموي نادراً، وكان يقابَل بامتعاض... واستخدم عمر بن عبد العزيز مولًى، وجعله والياً على وادي القُرى، فعوتب على ذلك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةيا بختك يا عم شريف
مستخدم مجهول -
منذ يوممحاوله انقاذ انجلترا من انها تكون اول خلافه اسلاميه في اوروبا
Aisha Bushra -
منذ 3 أيامA nice article,I loved it..
رزان عبدالله -
منذ 5 أيامشكرأ
حكيم القضياوي المسيوي -
منذ أسبوعترامب يحلب أبقار العرب، وهذه الأبقار للأسف تتسابق للعق حذاء المعتوه ومجرم الحرب ترامب!
Naci Georgopoulos -
منذ أسبوعOrangeofferis a convenient platform for finding the latest promo...