شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"بقرار من جهة أمنية"... الأمن المصري يتحوّل إلى "الرقيب الأعلى" في السينما؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 28 يونيو 201805:37 م
أظهرت ورقة بحثية أصدرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهي منظمة غير حكومية مقرها القاهرة، يوم 27 يونيو، أن الأجهزة الأمنية المصرية تدخلت أكثر من مرة خلال العقدين الأخيرين، لمنع عرض أعمال سينمائية بدون أسباب واضحة. وتعرّض فيلم "كارما" للمخرج خالد يوسف للمنع من العرض، قبل ساعات قليلة من أول أيام عيد الفطر 2018، قبل أن يتواصل يوسف مع جهات أمنية لتعود وتسمح بعرضه. يركز تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير الذي حمل عنوان "كارما... هل أصبحت الأجهزة الأمنية الرقيب الأعلى؟" على واقعة منع فيلم "كارما"، ثم السماح بعرضه مرة أخرى، رغم أن مخرجه خالد يوسف مقرّب من النظام المصري الحالي. وكان صنّاع "كارما" قد أكدوا أنهم حصلوا على جميع التراخيص اللازمة، لكن قبل يوم واحد من العرض الخاص للفيلم، صدر قرار مكتوب من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، حمل تاريخ 11 يونيو، وقضى بسحب ترخيص عرض الفيلم الذي أنتجته شركة مصر العربية للإنتاج السينمائي. ولم يستطع صنّاع الفيلم الحصول على معلومات بشأن دوافع الرقابة لاتخاذ هذا القرار، حتى أن بطل الفيلم الممثل عمرو سعد أوضح أنه اجتمع بوزيرة الثقافة، والتي بدورها لم توضح أي سبب لسحب ترخيص عرض الفيلم.

امنع الفيلم... اعرض الفيلم

يكشف التقرير عن مكالمة هاتفية بين المخرج خالد يوسف ورئيس جهاز المصنفات الفنية، رفض الأخير فيها الحديث عن السبب الحقيقي لسحب ترخيص عرض الفيلم، مكتفياً بالقول إنها أوامر. "مش عارف، بس هي الأوامر كده"، قال له. وكان يوسف قد قال لبعض وسائل الإعلام إن هناك "جهات سيادية" راجعت معه محتوى الفيلم ووافقت عليه. وزاد من غموض المشهد ردود يوسف على الأسئلة عن الجهة التي منعت عرض الفيلم، فكان يهرب من الإجابة الصريحة، وتمسك بأن السبب هو "شخص في جهة غير معروفة أصدر قراراً بمنع الفيلم"، على حد قوله. المفارقة هنا أن يوسف تجنب اللجوء إلى القضاء لحل أزمة فيلمه، مفضلاً التواصل مع أجهزة أمنية، قامت بإنهاء المشكلة في أقل من 48 ساعة، وأعادت التصريح للفيلم، ما يعني بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن الجهات السيادية صارت وكأنها "الرقيب الأعلى"، وصاحب القول الفصل بشأن ما يمكن عرضه وما يجب منعه.
بعد قرار منع عرض فيلمه "كارما"، اتصل المخرج خالد يوسف برئيس جهاز المصنفات الفنية، وسأله عن السبب فأجابه: "مش عارف، بس هي الأوامر كده"
بعد منع عرض فيلمه "كارما"، لم يلجأ المخرج خالد يوسف إلى القضاء، وفضّل التواصل مع أجهزة أمنية، فقامت الأخيرة بإنهاء المشكلة في أقل من 48 ساعة
وترى المؤسسة أن اللجوء إلى الجهات السيادية يضعف من قدرة المبدعين على الحشد ضد قرارات منع العرض، والتظلم أمام الجهات القضائية.

"الرئيس والمشير"

لم يكن فيلم "كارما" أول فيلم ليوسف تتدخل فيه جهات سيادية، فقد رفضت المصنفات الفنية الترخيص لتصوير فيلمه "الرئيس والمشير"، في نوفمبر 2000، وهو فيلم يتحدث عن علاقة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر مع المشير عبد الحكيم عامر. وكان الرد حينها صريحاً من قبل مديرة إدارة الأفلام العربية والفيديو في الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية وهو رفض معالجة المسألة كما قدّمها مشروع الفيلم. وقتها تقدّم المخرج بتظلم، انتهى بموافقة المصنفات على منح ترخيص بتصوير السيناريو، بشرط الحصول على موافقة كل من المخابرات العامة والمخابرات الحربية. كما أصدر القضاء الإداري وقتها حكماً لصالح يوسف ولصالح حرية التعبير، إذ أمر بإلغاء قرار المصنفات الفنية والسماح بتصوير الفيلم. وأيدت المحكمة الإدارية العليا لاحقاً نفس الحكم. لكن لم يكن الوصول إلى هذا الحكم أمراً سهلاً، فقد استغرقت المحكمة تسع سنوات حتى أصدرت حكمها في نوفمبر 2009. لكن رغم ذلك، لم يتم تصوير الفيلم إذ تخوّف صنّاعه من أن يتكبدوا عناء التصوير وتكاليفه، ثم يتم رفض عرضه العام. فهناك ترخيص آخر يصدر بعد تصوير الفيلم، ويُعطى بعد أن تراجعه لجنة مشاهدة في المصنفات الفنية وتقرر عرضه أو رفض عرضه.

تدخل أمني في الإبداع السينمائي

يظهر التقرير الذي عمل على إعداده كل من المحامي المصري محمود عثمان، ومحمد عبد السلام، مدير الوحدة البحثية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن تدخل الأجهزة اﻷمنية في الأعمال السينمائية يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كشرت الرقابة عن أنيابها بمصادرة فيلم "لاشين"، إنتاج عام 1938، والذي مُنع عرضه بأمر من وكيل وزارة الداخلية، بعدما رأى فيه وقتها مساساً بالذات الملكية وبنظام الحكم.
وتعتبر المؤسسة أن واقعة "لاشين" كانت البداية الحقيقية لتوغل هذه الوزارة كرقيب، على الرغم من أنه تم السماح بعد ذلك بعرض الفيلم، بتدخل من الاقتصادي المصري طلعت حرب. وهناك تجربة مهمة أخرى عام 2016، حين واجه فيلم "آخر أيام المدينة" للمخرج تامر السعيد، رفض الرقابة عرضه العام، بعد أن كانت قد وافقت على تصويره، دون إبداء أسباب. قبل ذلك بسنوات، وبالتحديد في عام 2013، منع فيلم "عن يهود مصر" للمخرج أمير رمسيس من العرض. وقال رمسيس وقتها إنهم تقدموا بسيناريو الفيلم لجهاز الرقابة، للحصول على التصريح بالتصوير، وبالفعل وافق جهاز الرقابة وتم الانتهاء من تنفيذ الفيلم. لكن لم يُسمح بعرض الفيلم تجارياً، وجرت مماطلات عديدة، قبل أن يعترف رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، في ذلك الوقت، عبد الستار فتحي، بأن أجهزة الأمن الوطني، لا توافق على عرض الفيلم، فتقرر وقف التصريح له بالعرض التجاري. ترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن تدخل الأمن في عرض أو منع الأعمال السينمائية يمثل خطراً شديداً على حرية الإبداع، وأن الأجهزة اﻷمنية والسيادية تنصب نفسها جهةً رقابة، في انتهاك للدستور المصري والقوانين المنظمة للإبداع. وترى أيضاً أن الضغط الذي تمارسه الجهات السيادية على السينما سيؤدي في النهاية إلى التأثير سلباً على محتوى اﻷعمال السينمائية، كما سبق وحدث في بعض الأعمال الدرامية، التي عرضت في رمضان 2018، والتي اعتبرها عدد من النقاد مجرد صدى لصوت الأجهزة الأمنية. وكشف تقرير لرصيف22 أن هناك جهات أمنية تدخلت في الإشراف على مسلسل "نسر الصعيد" للممثل المصري محمد رمضان، بهدف تلميع صورة الأمن المصري. كما بيّن تقرير آخر أن النظام المصري في طريقه للاستثمار في مجال الإنتاج السينمائي، وهو ما اعتبره بعض المراقبين، محاولة منه للتحكم الكامل في صناعة الأعمال الفنية بهدف إرسال رسائل سياسية معينة تهدف في الأساس إلى تحسين صورته وصورة مؤسساته الأمنية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image