كان لافتاً احتفال المصريين المعارضين المتواجدين في تركيا، وبشكل خاص الإسلاميين وفي القلب منهم الإخوان، بفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية ثانية، لا بل مبالغتهم في ذلك، حتى أن أحد الناشطين المتابعين للوضع السياسي وصف الحالة بقوله: "عدد المصريين اللي عاملين لايف من تركيا أكتر من عدد الأتراك اللي نازلين يحتفلوا".
وتعددت أساليب الاحتفاء بفوز أردوغان والذي عكسته تغطية القنوات الإخوانية للانتخابات، وظهر في الشوارع عبر مشاركة الكثير من المصريين في التظاهرات الداعمة للرئيس التركي، وقيامهم ببث فيديوهات عبر خاصية البث المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت قيادات إخوانية قد دعت أتباعها لتكثيف الدعاء لأردوغان لكسب معركته الانتخابية قبل ظهور نتيجة الفرز.
ورسمياً، أصدر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير بياناً هنأ فيه أردوغان بفوزه. وقال عبر صفحة المتحدث باسم الإخوان الرسمية: "فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان حفظه الله، رئيس الجمهورية التركية، يطيب لي أن أتقدم إلى فخامتكم بخالص التهنئة بفوزكم الكبير في الانتخابات الرئاسية".
أما الشيخ يوسف القرضاوي الذي يعتبره الإخوان أباً روحياً لهم، فقد هنأ الشعب التركي وأردوغان، وقال، عبر حسابه على موقع تويتر: "نهنئ الشعب التركي بكل أطيافه بنجاح العرس الديمقراطي".
كل هذا يدفع إلى التساؤل: ماذا يكسب الإخوان المسلمون من فوز أردوغان؟
"انتصار للمظلومين"
يعطي القيادي الإخواني، وأمين لجنة العلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة محمد سودان نجاح أردوغان بعداً قيمياً عالمياً ويقول لرصيف22 إنه "يمثل نجاحاً للحق على الباطل، ونصرة للمكلومين والمظلومين في العالم، وإنقاذاً لكثيرين في الأمة الإسلامية من الضياع، وانتصاراً على مؤامرات بعض دول الخليج". هذه الأبعاد العامة والكبيرة لفوز أردوغان يشترك إخوانيون وإسلاميون كثيرون في إضفائها على فوزه في الانتخابات. يعود القيادي في الجماعة الإسلامية أحمد حسني للحديث عن محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة على الرئيس التركي ويرى أن سببها هو وقوف أردوغان بجانب معارضي النظام المصري، واستقبالهم، وتحمّله في سبيل ذلك "ضغوطاً دولية هائلة"، إضافة إلى موقفه من قضايا إقليمية أخرى هامة على رأسها القضية الفلسطينية وإعادة تقسيم المنطقة. ولكل هذه الأسباب، يرى حسني أن فوز أردوغان لم يُفرح المعارضة المصرية المتواجدة في تركيا فقط بل "أفرح كل حر يحترم إرادة الشعوب وكل مخلص وغيور على قضايا الأمة الإسلامية". وفي نفس الإطار، يتحدث الناشط السياسي المعارض عمرو عبد الهادي، ويوقول لرصيف22: "كاذب مَن يقول إن أردوغان يدعم المعارضة المصرية بل هو يدعم الإنسانية وينصر المظلوم، وهو يفتح تركيا للمقهورين من السوريين ومن المتضررين من المليشيات الليبية. وكما أن تركيا مفتوحة للمصريين فهي مفتوحة لغيرهم". دفع فوز أردوغان في الانتخابات النائب المصري السابق والقيادي الإخواني محمود عطية إلى التعبير عن فرحته عبر مقطع فيديو سجّله وهو يقف وسط المحتفلين الأتراك، ويتحدث فيه عن تفاؤله بالحدث مع رئيس المركز العربي للبحوث السياسية والاقتصادية، الدكتور أحمد مطر. وكالسابقين، يرى عطية أن فوز أردوغان "يُعَدّ انتصاراً للأمة العربية والإسلامية بأسرها وللحرية والعدالة"، مشيراً بدوره إلى "أن هذا الرجل هو مَن أوى المستضعفين من شتى بقاع العالم". وقال عطية لرصيف22 إن "انتصار أردوغان يمثل هزيمة ساحقة للأموال الحرام والمؤامرات، وهو يدافع عن قضايا المظلومين ودولته هي الوحيدة التي تدافع عن الإسلام وسقوطها يعني انهيار الأمة الإسلامية"! ولا يختلف القيادى الإخواني البارز أشرف عبد الغفار عن السابقين ولكنه يعبّر عن الفكرة بصورة أكثر عقلانية. وقال لرصيف22 "إن العاطفة فقط هي ما حرّك كل هؤلاء المصريين المتواجدين في تركيا"، وأضاف: "الأمة التائهة تبحث عن رمز وعن زعيم تهلل له". وتابع: "ليس في فوز أردوغان إلا استمرار للرمز الذي يدافع عن الإسلام عامة، ويبقي على اللاجئين وييسر لهم الإقامة".البحث عن ملجأ
يشير الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية سامح عيد إلى أن فوز أردوغان بالرئاسة التركية يضمن بقاء قيادات الإخوان في إسطنبول ويزيد من تواجد أعضاء من الصف الأول للجماعة هناك وبالتالي يدعم استقرارهم وتقوية شوكتهم."العاطفة حرّكتهم. الأمة التائهة تبحث عن رمز وعن زعيم تهلل له"... لماذا احتفل الإخوان المصريون المقيمون في تركيا بفوز أردوغان؟
فوزه أعطاهم دفعة معنوية في إطار "المكايدة السياسية"، على طريقة ما يقوله الفنان المصري محمد فؤاد "والنبي لنكيد العزال، ونقول اللي ما عمره انقال"... لماذا فرح الإخوان المصريون بفوز أردوغان؟هذا السبب يشير إليه أيضاً الإخواني المنشق والباحث في شؤون الحركات الإسلامية خالد الزعفراني، إذ قال لرصيف22 إن "الجماعة ستأمن على مستقبلها في تركيا" التي اعتبرها "البلد الوحيد الباقي على دعمهم بعد تراجع قطر عن دعم قضيتهم نسبياً وطردها قيادات إخوانية عام 2014"، على خلفية المصالحة الخليجية التي قادها ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز، قبل الأزمة الخليجية الأخيرة. وكان هاجس خسارة أردوغان حاضراً في ذهن المصريين المعارضين. وقال الناشط السياسي المعارض عمرو عبد الهادي لرصيف22 إن "الفرح بنجاح أردوغان عادي جداً لأن كل مَن كانوا ضده فاشيون، ولو نجحوا لكانوا سيرحّلون المصريين والسوريين وغيرهم وربما يسلمونهم للسلطات الأمنية في بلادهم لاعتقالهم". وهذا ما يراه أيضاً عبد الغفار الذي يعتبر أنه لو لم يفز أردوغان لكان محرم إينجه وميرال أكشنار قد تخليا عن "القضايا العربية والإسلامية" وأخرجا اللاجئين السوريين أولاً والمصريين ثانياً، حسبما طرحا في برامجهما الانتخابية، على حد قوله. ويرى المحلل والكاتب السياسي خالد الأصور أن مكاسب معارضي النظام المصري في تركيا من فوز أردوغان تنحصر في أمرين لا ثالت لهما، "أولهما شخصي ضيق ويتمثل في الحفاظ على حياتهم وحرياتهم الشخصية واستمرار تحركاتهم المعارضة عبر المنابر الإعلامية التي توفرها لهم تركيا، وكان ذلك كله سيتعرض للخطر وربما يتم إبعادهم أو حتى تسليمهم للنظام المصري إذا فاز منافس أردوغان"؛ وثانيهما إعطائهم دفعة معنوية في إطار "المكايدة السياسية"، على طريقة ما يقوله الفنان المصري محرم فؤاد "والنبي لنكيد العزال، ونقول اللي ما عمره انقال".
دعم مالي لقنوات الإخوان
يتوقع الباحث سامح عيد مضاعفة الدعم التركي المالي للإخوان لاستمرار قنواتهم، واستغلالها في الهجوم على النظام المصري، بما يخدم مصالح تركيا. أما من وجهة نظر الإخوان، فيعبّر سودان عن الفكرة بطريقة أخرى ويقول إن "جهود الاعلام المعارض في تركيا ستستمر ضد الإعلام المصري المسيَّس والمغيِّب للحقائق". من جانبه، يتوقع الزعفراني أن يزيد الإخوان من أدوات معارضتهم للنظام المصري عبر فتح مزيد من وسائل الإعلام التي تبث من إسطنبول وتساهم في زعزعة الاستقرار في القاهرة. أما بحسب تقييم عبد الغفار لتجربة المعارضة في تركيا، بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على إقصاء الإخوان عن الحكم في مصر، في يوليو 2013، والتي يرى أن "لا جديد" فيها، فإن الإخوان يعتبرون "أن وجود قنوات شبه معارضه مكسب" لهم ما يفسّر فرحتهم بفوز أردوغان.دعم "القضية الإخوانية"
يمثل فوز أردوغان "رسالة طمأنة للمعتقلين الإخوان داخل السجون، فهم يتأملون خيراً في مساعدة تركيا لهم على الخروج من أزمتهم"، حسبما قال سامح عيد لرصيف22. كذلك، يرى عيد أن "تركيا تمثل مظلة سياسية للتحرك الدبلوماسي للجماعة، فمن خلال سفرائها في الدول المختلفة توفر ملاذا آمناً للإخوان في دول مختلفة ما يمكّنهم من طلب الدعم لقضيتهم". علاقة فوز أردوغان بوضع الجماعة في مصر يحضر أيضاً في حديث الإخوان، فيرى محمد سودان مثلاً أن "جهود أردوغان ستستمر في الدفاع عن قضية مصر ضد النظام الحالي". وبحسب أحمد حسني، فإن "الرئيس التركي هو الزعيم الوحيد على مستوى العالم الذي أعلن رفضه للانقلاب العسكري في مصر وأصر على ذلك بل ورفض مقابلة (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي حتى لحظتنا هذه". ومن هنا، يرى حسني أن بقاء أردوغان في منصبه ومن خلفه حزب العدالة والتنمية "يمثل سنداً قويا لكل مَن يرفض الانقلاب في مصر وتبعاته الكارثية". ولكن حسني يرى أن تحقيق مكاسب في مصر "يرجع إلى قدرة المعارضة المصرية على استثمار موقف النظام التركي الحالي المعارض لنظيره القاهري"، مشيراً إلى أن "المصريين فقط هم مَن سيخوضون معركة تحررهم، ولن يخوضها أحد بالنيابة عنا". ويحتاج نجاح المعارضة المصرية، بحسب القيادي في الجماعة الإسلامية، إلى "شبكة قوية من العلاقات الدولية، ولا شك في أن وجود دولة بحجم تركيا وبموقف نظامها يعد لبنة قوية للغاية من لبنات هذه الشبكة التي ينبغي أن نعمل للبناء عليها وتوسيع رقعتها". أما عبد الغفار، فيرى أن "تركيا ليست صاحب القضية وإنْ لم يحرّك القضية أصحابها فلن يحركها غيرهم". وبرأيه، "لا تتعامل إسطنبول مع المصريين المقيمين في تركيا على أنهم معارضه بل على أساس أنهم لاجئين"، لافتاً إلى أن المصريين وفي القلب منهم الإخوان "لم يكونوا على مستوي المعارضه الحقيقية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...