"أردتُ دائماً أن أصنع فناً، ولكن انتهى بي المطاف إلى متابعة دروس في الخط العربي مع فتاة كنتُ معجباً بها. بعد ذلك وقعتُ في حب الفتاة والخط العربي معاً". هكذا يصف إفرت باربي Everitte Barbee، المولود في ناشفيل، تينيسي عام 1988، خطواته الأولى، حين كان يدرس اللغة العربية في دمشق لاستكمال متطلبات ماجستير التجارة الدولية واللغة العربية من جامعة أدنبرة.
لا نعلم كيف انتهت قصة حبه للفتاة، ولكن نعرف أين أفضت قصة حبه الأخرى، إذ هو يقيم اليوم- بعد خمس سنواتٍ على درسه الأول- في بيروت، وينجز لوحاتٍ من الخط العربي.
من القرآن إلى تارنتينو
يصف أفرت نفسه بالفنان، ويرفض أن ينعت بالخطاط. جميع لوحاته تستخدم اللغة والخط العربيين، وتختلف عما هو سائد في لوحات الخط العربي المعتادة. من أشهر لوحاته “فرس الدرويش”، التي يرسم فيها فرساً بكلمات قصيدة محمود درويش “خذي فرسي واذبحيها”.
يعمل أفرت منذ بضع سنوات على تخطيط كامل القرآن الكريم، وقد نشر بعض أجزائه، منها لوحة سورة الفيل التي يرسم فيها فيلاً بكلمات السورة، ولوحة سورة الشمس.
حاول إفرت قبل البدء بالمشروع التأكد من أن ما يقوم به لن يستفز مشاعر المسلمين، نظراً لتحريم الإسلام التصوير، فتواصل مع عدد من علماء الدين كي يكون على بيّنة من هذا الأمر.
لا يعتمد إفرت على التراث العربي والإسلامي فقط في أعماله، إذ يظهر بين الحين والآخر إفرت الأمريكي، بالتوازي مع المستشرق فيه. إحدى لوحاته تستعيد مالكوم إكس، عبر تكرار كلماته "إن كان العنف في أمريكا فاسداً، فالعنف فاسدٌ في كل مكان" (1963).يستحضر كذلك السينما الأمريكية، فيرسم المشهد المشهور من فيلم Pulp Fiction لكوينتن تارنتينو Quentin Tarantino، بحروفٍ عربية مقتبسة من "مسار الرجل الصالح" في الفيلم نفسه، أو يرسم شخصية يودا بكلماته في فيلم حرب النجوم Star Wars.
لكن أثر جنسية إفرت الأمريكية لا تقتصر على السينما وحسب. قيم الحرية التي نشأ عليها، وهي في عداد مزايا بلده، حاضرة في لوحته "الحرية أو السلام"، والتي يستخدم فيها كلمات جان جاك روسو "أفضّل الحرية مع الخطر على السلام مع العبودية"، لرسم تمثال الحرية المشهور في مدينة نيويورك. كذلك رسم علم الولايات المتحدة بحروف عربية تحكي عن الولاء الأمريكي.
نارني
لا يتكلم إفرت اللغة العربية بالجودة التي يكتبها بها، فهو رغم تعلّمه بعضاً منها في دمشق، ومتابعته حتى الآن العمل على تحسينها، ما زال يعجز عن إجراء هذا اللقاء- مثلاً- بالعربية. لكنه يتوخى الدقة في النصوص العربية التي يستخدمها. يقول: "قلما أستخدم كلماتي أو ترجمتي في أعمالي، بل أعتمد على ترجماتٍ رسمية أو نصوص عربية موجودة أصلاً". يتحقق من العمل ثلاث أو أربع مرات ليتأكد أن "كل النقاط جاءت في المكان الصحيح. كان الأمر أسوأ في بدايات تعلّمي العربية، فقد اعتدتُ مثلاً أن أكتب اسم عائلتي (نارني) بدلاً من (باربي)".
تتفاوت ردود فعل عائلة إفرت وأصدقائه الأمريكيين في شأن ما يقوم به. الأكثر "محافظة وتديناً يشعرون بالتهديد من الإسلام ومن الشرق الأوسط بشكل عام"، أما الذين كانوا في سلاح مشاة البحرية الأمريكي، فـ"حين يسمعون ببيروت، يتذكرون تفجير الثكنات الأمريكية والفرنسية في الثمانينات من القرن الماضي".يحاول أفرت أن يقاوم هذه الصور النمطية المكونة لدى الكثيرين.
العيش من الفن
منذ ثلاث سنواتٍ ونصف السنة يعتمد إفرت على أعماله لا غير لتأمين دخل مادي، وهو ما يعجز عنه آلاف الفنانين المقيمين في بيروت. "هناك الكثير من العمل الفني الجيد في الشرق الأوسط" يقول إفرت، ولكن "معظم هذا الفن لا يلقى الاعتراف الذي يستحقه، بسبب فهم الفنانين المحدود للسوق". هم يشاهدون ما يعرض ويباع في المعارض، ويعرفون أنهم قادرون على إنجاز شيءٍ مماثل أو أفضل، ولكن الكثير منهم لا يراعون قيمة أعمالهم، "فيبيعون قطعاً فنية ذات قيمة بأسعارٍ منخفضة إن كانوا في مأزق وبحاجة إلى المال".
لا يؤيد إفرت نظرة البعض المتشائمة إلى موقع التراث العربي لدى الوسط الشعبي. يرى أنه من الصعب أن يقدر شخصٌ تقديراً كافياً ما يراه حين ينظر إلى الخط العربي بدون أن ينفق وقتاً كبيراً في دراسة الموضوع. ولكن رغم ذلك، قلة من الفنانين العرب لا يضمنون لوحاتهم الخط العربي، علماً أن معظم الجمهور العربي يحبون هذا النوع من الأعمال، "لذلك سأقول أن الخط العربي يحظى بتقدير كبير في العالم العربي". قبل بيروت، كان إفرت من سكان دمشق وطلابها. وهو يشتاق لدمشق ويتوق للعودة إليها. "لو لم أدرس في دمشق، لما حظيت بفرصة تعلّم الخط العربي".هكذا يضع إيفرت بوضوح النقطة التي بدأت منها مسيرته كفنان خطٍ عربي، فدمشق غيّرت مجرى حياته وفنه، واقتلعته من إدارة الأعمال، لتتركه أسير الحروف العربية وخطوطها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ 20 ساعةتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ يومينلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 5 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه