"آخر كلمة هقولها/إحساس الخوف مريب/ماتخوفنيش في بلدي/أنا مصري مش غريب"؛ بتلك الكلمات عبر شباب باند "المس إيدينا" عن إحساس شباب الأقباط عند ثورة 2011 في مصر، عبر تراك أغنيتهم "إسلامية إسلامية".
كنا شباباً صغاراً وقت الثورة المصرية (2011)، نتعطش للتجديد في كنيستنا، فتصدر شباب فرقة "المس إيدينا" لتلك المهمة وتحدثوا عن همومنا وتكلموا بلساننا وعبروا عن رؤيتنا للوطن والإيمان وتخوفاتنا، فلم تكن فرقة "المس إيدينا" مُسيَّساً أو ذراعاً موسيقياً للقيادات الكنسية، مثل كثير من فرق الكورال الكنسية، بل مجرد "باند" شبابي قبطي مستقل يصنع موسيقى مختلفة عما تقدمه الكورالات القبطية الكنسية التقليدية. لم تكن تلك الفكرة معروفة أو شائعة قبل "المس إيدينا" أن يؤلف مجموعة شباب فريقاً موسيقياً مسيحياً خارجَ الكنيسة.
كيف بدأت ثقافة الباند؟
ترجع نشأة الفرق الموسيقية إلى نشأة الموسيقى ذاتها. الموسيقى هي فن يعتمد بالأساس على المشاركة والعمل الجماعي لإخراج معزوفة. في القرن التاسع عشر انتشرت الفرق الموسيقية التي كانت تسمى بـ"التخت الشرقي"، وتطور الغناء الجماعى إلى أن تبلور في صورته الأخيرة بمصر عبر الفرق الموسيقية الشبابية التي تأسست في منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى منتصف الثمانينيات، مثل "فرقة المصريين" التي أنشأها هاني شنودة، و"فرقة فور إم" التي أسستها عائلة أبو عوف، وتعتبر تلك الحقبة الزمنية هي الأب الروحي لثقافة الباندات المصرية.
لكن ومع مطلع الألفينيات، تأثر شباب الجامعات بالثقافة الموسيقية الغربية، فتطورت الموسيقى المصرية، وخرج الشباب بفكرة "الباند" وهي المعادل الإنكليزي لكلمة "فرقة" أو "فريق" في الموسيقى، مثل "فريق MTM" و"فريق WAMA".
"آخر كلمة هقولها/إحساس الخوف مريب/ماتخوفنيش في بلدي/أنا مصري مش غريب"؛ بتلك الكلمات عبر شباب باند "المس إيدينا" عن إحساس شباب الأقباط عند ثورة 2011 في مصر، عبر تراك أغنيتهم "إسلامية إسلامية"
الموسيقى القبطية
ترتبط المسيحية المصرية (القبطية) بالموسيقى منذ اللحظة الأولى لولادتها؛ فقد ورث القبط المسيحيون موسيقى مصر القديمة الشعائرية إلى جانب الموسيقى اليهودية الأورشليمية الشعائرية، فأقدم ترتيلة مسيحية معروفة في العالم قد خرجت من صعيد مصر، حيث حمل عام 1918 كشفاً أثرياً عظيماً حملته أرض البهنسا، القرية التي كانت قديماً مدينة مصرية عظيمة تعرف بأوكسيرنخوس. والكشف هو البردية P. Oxy. XV 1786 والتي يرجح الباحثون أنها ترجع إلى القرن الثالث الميلادي، وهي عبارة عن شظية من البردي تحتوي نص ترتيلة مكتوبة باللغة اليونانية. وليس ذلك فقط، بل إنها مكتوبة بنظام النوتة الموسيقية، أي إنها جزء من مخطوط يحمل ترانيم تعبدية كانت تنشد داخل كنائس الصعيد. ليس هذا وحسب، بل اهتم الأقباط بتخليد ذكرى المرتلين الكنسيين المميزين على جدران الكنائس مثل جدارية الثلاث مرتلين التي اكتشفت بدير باويط، والتي تعود إلى القرن السادس/السابع الميلادي، وتظهر ثلاثة رجال يضعون أصابعهم على أفواههم واليد الاخرى على مفصل الكوع، وهي حركة موسيقية كانت تصور قديماً للدلالة على الترتيل الموسيقي، كما في نقش "دندرة" الخاص بالإله إهي، إله الموسيقى.
هكذا كانت الموسيقى جزءاً أساسياً من العبادة المسيحية منذ البداية، وفي القرن الثاني عشر الميلادي وبقرار بطريركى من البطريرك غبريال بن تريك تم تحديد عدد التراتيل التعبدية أو ما يعرف لدى المسيحيين بالقداس، مما ساهم في ضياع كثير من التراث الموسيقي التعبدى الشعبي، وبالأخص الصعيدى المسيحي. لكن الوضع لم يبق كما كان عليه، إذ بعد انتشار الحركة الصوفية في مصر، وخاصة بعد القرن الرابع عشر، قام الأقباط بتأليف ما يعرف بالمدائح المسيحية، وهي موسيقى شعبية قام بتأليفها عدد من الأقباط العلمانيين، مثل أبو السعد الأبوتيجي. وتتميز موسيقى المدائح بالكلمات الشعبية وتقليد موسيقى المدائح والأغاني الصوفية، ولا غرابة في ذلك فهي منتج شعبى متأثر بالسياق السائد وقتذاك؛ فالموسيقى كانت مهمة في العبادة الكنسية لدرجة أن أصبح لزاماً أن يكون في كل كنيسة مرتل خاص بها مسؤول عن ضبط موسيقى العبادة وقيادة الترتيل.
التطور الآخر حدث في الآلات الموسيقية في الكنيسة؛ فكانت الكنيسة قديماً تعتمد فقط على أصوات المرتلين دون استخدام آلات موسيقية لنفي التشبه بالعبادة الوثنية. من ثم دخلت الآلات الإيقاعية مثل الدف النحاسي. لكن مع تطور الموسيقى المصرية أدخل المرتلون الكنسيون آلاتٍ موسيقية غربية وشرقية إلى الكنيسة في أربعينيات القرن الماضي، واستمر هذا الوضع في بعض الكنائس حتى السبعينيات، فالبعض كان يستخدم الناي وآخرون عزفوا العود والبعض استخدم الكمان.
مع وصول الإرساليات البروتستانتية الأوروبية والتي تعتمد في عبادتها الأساسية على الترتيل، تنبهت الكنيسة القبطية إلى ضرورة مواكبة حركة تلك الإرساليات، فقام حبيب جرجس، مؤسس "حركة مدارس الأحد" بتأليف ترانيم قبطية وأناشيد، ومن تلك المحطة انتشرت حركة تأليف الترانيم القبطية خارج الموسيقى الكنسية الرسمية.
في عهد الأنبا شنودة، البطريرك السابق للكنيسة القبطية وأحد رواد حركة مدارس الأحد، والذي كان شاعراً وتحولت قصائده إلى ترانيم تنشدها الكورالات الكنسية مثل قصيدة "كم قسى الظلم عليكي"، تم إعطاء الضوء الأخضر لتوسع انتشار النشاط الفني في الكنائس القبطية، حيث تم تأسيس عدد من الكورالات الكنسية المنظمة، والتي كانت تقدم موسيقى مسيحية رسمية تمثل ذراعاً شعبياً للكنيسة. ثم فكر قادتها، مثل كورال شباب الأنبا رويس، في عمل شيء جديد، فقام المهندس جورج كيرلس بتأسيس فرقة دافيد للموسيقى القبطية، والتي سعت لنشر الموسيقى القبطية في المحافل الموسيقية الدولية، ولكنه كان معنياً بشكل رئيسي بالموسيقى الكنسية الشعائرية الرسمية.
وبحلول الألفية الجديدة ومع انتشار شرائط الكاسيت والسي دي ظهرت أعمال تلك الكورالات الكنسية، والتي كانت تقدم محتوى موسيقياً مسيحياً يدور في فلك بعض الموضوعات التعليمية والروحية الثابتة، مما أفقدها التميز وأصبحت كلمات الترانيم مشابهة لبعضها بعضاً، وتنتمي للخطاب الرسمي للمؤسسة الكنسية. فشعر بعض شباب الأقباط أن محتوى تلك الكورالات بعيد عن همومهم وبلغة متكلفة جداً، بل من القليل أن تجد ترانيم مكتوبة بالدارجة المصرية، لذا ومن بطن كل تلك الظروف وبعد قيام ثورة يناير سطع نجم باند "المس ايدينا".
المسْ ايدينا
تأسس الفريق في 2008، وتكون من 4 شباب، هم بيتر بديع وبيمن بديع وميشيل طلعت وباسم فوزى. في 2009، قاموا بإصدار أول ألبوم لهم بعنوان "مع ربنا"، يحتوى على أكثر من 13 ترنيمة مسيحية. كانت موضوعات ترانيم هذا الألبوم عن علاقة الأقباط بقديسيهم الراحلين، مثل العذراء مريم (ترنيمة أم النور تدبر الأمور)، والأسقف الراحل مكسيموس مطران القليوبية، الذي توفي في أيار/مايو 1992 (ترنيمة قوسة جيد). لكنهم كانوا يقدمون تلك الترانيم بشكل جديد عبر كلمات بالدارجة المصرية يشعر سامعوها أنها خطاب مباشر ما بين المرنّم والمستمع والقديس.
انتشر البوم "مع ربنا" واقتداءً بالفرق الموسيقية الشابة المصرية، أقام فريق "المس ايدينا" أول حفل موسيقى له في شباط/فبراير 2010 في الإسكندرية، موطن الفرق الموسيقية المستقلة. ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف حفلات "المس ايدينا" حتى اليوم.
أما شهرة "المس ايدينا" فقد بدأت عقب أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية، فكان ينتمي أربعة أفراد من الباند لتلك الكنيسة، ونجوا من التواجد أثناء التفجير بسبب حفل الفريق بالقاهرة، وقاموا بتأليف أول ترنيمة تتحدث عن هموم الأقباط ومعاناتهم وهي ترنيمة "سيب ضحكته". وتعبر كلمات الترنيمة التي قام بكتابتها ميشيل وهيب، عن تطلعات الأقباط إلى أن يعيشوا بسلام وأمن، وأن تتحقق العدالة لهم: "يا رب يجي اليوم ما يكونش فيه مظلوم/ويكون في عدل بينا ونحب بعضنا".
وانتقد باند "المس ايدينا" عدمَ عدالة نظام مبارك آنذاك: "تبقي دي نهاية الظلم وقوته/ميبقاش في فوارق ولا حتى فارق/دا لونه إيه ودا شكله إيه". كما عبروا أخيراً عن إحساس المرارة الذي يشعر به الأقباط تجاه جيرانهم المسلمين الشامتين في موت أبنائهم عبر فرض تساؤلات منطقية: "سيب ضحكته/بتموت فينا ليه؟/ فرحان في اللي احنا فيه؟!/لو ابنك دا اللي مات إحساسك يبقي إيه؟!".
انطلق باند "المس ايدينا" في شراكات مع عدة مرنمات، أشهرهن فيفيان السودانية والمرنمة اللبنانية الأصل فاديا بزي. وفي ظل حالة غليان الشارع المصري ضد نظام مبارك، وبالأخص وضع الأقباط بعد حادث كنيسة القديسين، قام الفريق بإصدار ترنيمة "بننده عليك" قبل ثورة 25 يناير بأيام قليلة، مناجين فيها الإله: "بننده عليك/ ده اللي في إيدينا نعمله/بنصلي ليك/كل اللي حاصل فينا إنت شفته بعينيك"، وبنفس المرارة التي غلفت ترنيمة "سيب ضحكته"، يقول إميل يوسف كاتب الترنيمة: "صابرين يارب ومنتظرين الشدة تزول" و"انت اللي هتجيب حقنا/ إنت الوحيد".
انتفض الشعب المصري وثار على النظام الحاكم وسارع فريق "المس ايدينا" في أول شباط/فبراير 2011، وقبل تنحي مبارك، بإصدار "تراك" موسيقي هو عبارة عن إعادة توزيع ترتيلة كنسية (ارحمنا يا الله)، وهي ترتيلة تعبدية يرددها المسيحيون أثناء القداس، استمطاراً لمراحم الرب، خاصة وقت الأزمات والحروب والأوبئة. ثم أتبعها بأول تراك مسيحي مصري عن الثورة وأحداثها وهو تراك "مصر بحبها"، والذي عبروا فيه عن الحراك الثوري الذي دفع المصريين للتحرك: "ناس حبتها وناس عشقتها/وناس علشانها موافقة تموت/هي بلادي بلد أجدادي/يعني العادي أحبها موت".
وعبّر إميل يوسف، كاتب التراك، عن سخط الشارع المصري ككل على نظام مبارك: "ضايعة حقوقنا/وفعلاً دوقنا/مرّ وذل/سنين وسنين". وعلى عكس حالة الخنوع ورفع المظلمة للرب في ترنيمة "بننده عليك"، صاح شباب "المس ايدينا" في تراك "مصر بحبها": "وأنا دلوقتي هو ده وقتي/حبي مايبقاش بُكي وسكوت". وبرغم الحالة الثورية، إلا أن شباب "المس ايدينا" انتبهوا أيضاً إلى أعمال الحرق المتنوعة، مما جعلهم يوجهون رسالة في ذلك التراك: "واحنا ولادها/يعني سندها/لو أذيناها هاتقوى بمين؟!/ قبل ماتحرق،افهمْ فَرِّق/مصر بلد مش بني آدمين".
ويشير المقطع الأخير في التراك إلى التغير الذي سببته الثورة في نفوس شباب الأقباط لتخرجهم من مجموعة إثنية منغلقة على ذاتها إلى مواطنين كاملين برغم كل الحوادث التي حدثت ضدهم: "لو جرحتني/ لو دبحتني/سامحت، وجرحها ليَّ نسيت/دي بتستنجد وأنا مش هارفض/مصر دي وطني، هاقوم وأحميه".
شارك شباب "المس ايدينا" في الحراك السياسي وقتها عبر دعوتهم على الصفحة الرسمية للفريق بالمشاركة في استفتاء آذار/مارس 2011، وأصبح شعارهم "هنتغير كلنا"، مما انعكس في التراكات التي أصبحوا يقدمونها مثل تراك "عسكري"، وتراك "ميكروفونات". وفي تراك "ميكروفونات"، دعا الباند للتغيير الشخصي: "لازم نتغير جوانا/نعمل ثورة/ولو في شرور مانعانا/في خير أقوى"، و"إيه يمنع تبقى شخص جميل/فيها إيه يعني/أصل التغيير، مش مستحيل/وخيال علمي".
بالرغم من أن "المس ايدينا" قدم تجربة فريدة من نوعها بالتراكات الوطنية المسيحية وانخراط موسيقاهم في هموم الوطن والدعوة للتغيير وحب مصر، لكن لم يتحول الباند عن هدفه الأساسي، وهو إصدار ترانيم مسيحية بفكر شبابي وبلغة عامية تعبر عن شباب الأقباط. لذا قاموا بتلحين شعار ثابت يضاف كمقدمة لكل تراك مسيحي يقومون بإنتاجه وهو "مش هنبطل يوم نتكلم عن يسوع المسيح".
لكن مع صعود التيارات الإسلامية،أطلق "المس ايدينا"، في أيار/مايو 2011، تراك "إسلامية إسلامية"، ليعبروا عن تخوفات الأقباط من صعود الإسلام الراديكالي مفتتحين التراك بالشعار المعروف الذي ردده الإسلاميون في تظاهراتهم بعد ثورة يناير وتنحي مبارك (لا مدنية ولا علمانية، الشعب يريد مصر إسلامية)، ويبدأ التراك بالشعار ويتابع: "إسلامية إسلامية/عايزنها إسلامية/طب قولي أنا فين أعيش/ماتقولش أقلية".
كان تراك "إسلامية"، أجرأ ما قدمه شباب الأقباط في ذلك الوقت، ومعبراً في وقت مبكر عن تخوفهم من الحكم الإسلامى وإرجاعهم إلى الخانة صفر، ولوقت أسوأ حتى من أيام نظام مبارك. فكان الكثير من الأقباط لم يزالوا يحتفظون بصورة عن وقت سطوة الجماعات الإسلامية على الشارع في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وعن حوادث استهدافهم وقتلهم.
قدم الباند في تلك الفترة مجموعة ترانيم شبابية مختلفة تناقش أسئلة شبابية عن جدوى الحياة واتساق أحلام الشباب مع التقوى المسيحية، وخاصة في ظل ظروف صعبة. واتبع الفريق في كتابة تلك الترانيم أسلوبَ الحوار الداخلي ما بين المرنّم ونفسه، مثل ترنيمة "بخسر كرامتي"، والذي يتساءل فيها شباب الباند: "أنا ليه بخسر كرامتي وحياتي كلها؟/ولا عارف أعيش حقيقتي أو أقرب منها". وترنيمة "هعيش وياك على طول"، فقد افتتحها ميشيل بهذه الأسئلة: "أنا ليه بخاف؟ ليه في اختلاف/ ما بين حياتي اللي بعيشها/ وبين طموحى ومبدأي؟".
من جهة أخرى قدم "المس ايدينا" أيضاً تياراً ثورياً كاملاً في موسيقاهم، من حيث المحتوى والكلمات، لم يسبقهم فيه أحد؛ مثل انحيازهم للطبقات الفقيرة والأشخاص الذين يمرون بضيق في العيش، وتقديمهم ترانيم مسيحية تتحدث عنهم، مثل ترنيمة "حبيبة أي حد"، حيث أصدروا فيديو كليب للترنيمة وهو عبارة عن مشاهد من طبقات كادحة، مع افتتاحية الترنيمة: "في ناس كتير عايشة يادوب على القد"، وترنيمة "الناس المنسيين"، وفيها يشير الفريق إلى طبقات من الناس الفقيرة والتي تعاني: "لو بصيت حواليا/هلاقي ناس بتبات ضهرها مكشوف/ناس تعبانة وناس محتاجة/ ناس دبلت من كتر الخوف". ولم يكن من المعتاد أبداً أن يشير أي مرنم لتلك الطبقات الكادحة حتى وإن قال مثل ما قالوا: "كل الناس المنسيين انت يارب فاكرهم".
ومن الترانيم التي قدمها الفريق في تلك الفترة، تراك "شاب كان عمره 23"، وفيها يتحدثون عن شاب قعيد ومدى أثر حديثه الطيب عن المسيح في نفوسهم. ويعد التراك غير مسبوق من حيث المحتوى، حيث يقدم "المس ايدينا" هذا الشابَّ الغير قادر على المشي كنموذج وصورة للشباب وعلاقتهم مع الله.
تحدث "المس ايدينا" أيضاً عن مشاكل الاكتئاب التي يعاني منها الشباب مثل تراك "ساعات بضحك"، حيث عبروا عن أحاسيس الشباب المضطربة والتي يضطرون لإخفائها أحيانا: "ساعات بضحك/بقصد عشان أحسس نفسي أن انا فرحان/وعشان منساش شكل الفرحة/ومخدش على وجود الأحزان/وساعات من خنقة الإحساس/أنا ببعد عن عيون الناس/وابكي ودمعة تجيب دمعة/علشان محتاج أبكي وخلاص". وفي تراك "من بلكونة الدور العاشر" قاموا بالتحدث عن الاكتئاب الذي يدفع للانتحار أحياناً.
وفي ظل مناخ الحرية الدينية بعد الثورة، قدم "المس ايدينا" ترنيمتين تعبران عن أحلامهم كمسيحيين؛ ترنيمة "بحلم بمصر جديدة"، والتي أصدرها الفريق في تموز/يوليو 2011، ويعبر فيها الشباب عن رؤيتهم أن الحل في إصلاح مصر بيد يسوع المسيح: "بحلم بمصر جديدة/عارفة يسوع/والحلم مش ممنوع"، "بنده عليك دايماً/ومستنيك تيجى تمد إيديك/وكل المايل تعدله وتبدله/والكل يرجع ليك". وتواكب تلك النظرةُ نظرةَ الإسلام السياسي، والتي تجلت في الشعار المعروف "الإسلام هو الحل"، وترنيمة "الشوارع والميادين"، التي يترنم فيها الباند بانتشار اسم المسيح في كل مكان.
كما أنهم الفرقة الموسيقية المصرية الوحيدة التي تحدثت عما يتعرض له من يريدون تغيير ديانتهم، وبالأخص المصريون، من صعاب وتحديات، عبر تراك "مستشفى المجانين"، وفيه يحكون قصة مسيحي من خلفية إسلامية تم الزجّ به في مستشفى المجانين بسبب إعلانه عن اعتناقه الإيمانَ المسيحي.
مع صعود التيارات الإسلامية،أطلق "المس ايدينا"، في أيار/مايو 2011، تراك "إسلامية إسلامية"، ليعبروا عن تخوفات الأقباط من صعود الإسلام الراديكالي، وجاء في التراك: "إسلامية إسلامية/عايزنها إسلامية/طب قولي أنا فين أعيش/ماتقولش أقلية"
قبل نهاية عام 2011، شارك الباند منشوراً على صفحته الرسمية على "فيسبوك" وباللغة الإنكليزية، يعبر عن هويتهم التي قرروا تقديمها في تلك الفترة معرفين أنفسهم أنهم فريق شباب مصري أتوا من مناطق مصرية مختلفة، وكل ما يقدرون على المساهمة به هو كلماتهم وأصواتهم وموسيقاهم لتقديم أغانٍ مختلفة، ويحلمون أن يقوموا بالغناء في كل العالم. وتابعوا: "نحن نقوم بالغناء في كل مصر في الكنائس والأديرة والشوارع ومازلنا. إن أغانينا ليست للمسيحيين أو المسلمين، إنما هي مقدمة للكل مع احترامنا لاختلاف خلفياتهم الدينية والثقافية".
افتتح الباند عام 2012 بتراك "خايف أسيبك"، من كلمات ليلى فرج، وهو تراك يعبر عن محاولات إقصاء الأقباط والشباب عن مصر. تفتتح ليلى كلمات التراك عبر صوت أفراد الباند مرددين: "أنا خايف أسيبك يا حتة مني/ولو هما قسيوا ابقي انتي حني/لو شدوا إيدي من طرف توبك/حاولوا يحوشوني علشان أسيبك/ همسك بإيدي في جلابيتك/واصرخ واقولك أنا في عرضك/بصرخ يابلدي أوعي تسبيني/لو هما خانوا أوعي تخونيني". وفي امتداد لقصة سنوهي، الفلاح المصري الذي رغم اعتلائه أعلى المناصب إلا أنه يشعر بالحنين إلى تراب مصر المقدس، تغنى الفريق بكلمات ليلى فرج أيضاً وأنشد: "يا مصر أرضك غالية عليّا/لما في مرة غبت وفارقتك/حسيت بغربة، بكيت عينيا/لملمت حالي وبسرعة جيتلك/يا رب لما فيوم خلقني/خد من ترابك وبإيده صاغني". وهي تعبر عن حال كثير من مغتربي مصر في ذلك الوقت، إذ شهدت مصر بعد ثورة 2011 رجوع كثير من الشباب المصريين المولودين في الخارج أو الذين سافروا لأسباب متعددة، إذ إن مناخ الحرية والتغيير والأمل كان مغرياً بشدة ومحفزاً للحنين المصري.
المحتوى الموسيقي الذي قدمه الفريق فقط خلال عامين عن قضايا وهموم شباب الأقباط وعلاقتهم بمصر، وخاصة "التراكات" الثورية التي تتحدث عن مصر مثل "إسلامية إسلامية"، و"مصر بحبها"، و"مصر جديدة"، و"خايف أسيبك"، وأخيراً تراك "اللي بيني وبين بلادي"، غير مسبوق في نوعه، ولم يقم أي فريق آخر بمثله بعدهم؛ فبعد وفاة البابا شنودة مثلاً، قاموا بإصدار ثلاثة تراكات مهمة، هي "كبير العيلة"، "خالد خلود النيل"، و"كان بيحب البلد دي". وتعمد الباند أن يبرز وطنية البابا شنودة وارتباطه بمصر في خضم مشروعهم الفكري والموسيقى، للتعبير عن حب وارتباط شباب الأقباط بمصر رغم كل شيء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
KHALIL FADEL -
منذ ساعةراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ 20 ساعةعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 4 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري