شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أولويات التسلّح... كيف تقايض حكومات عربية بين ميزانيات الدفاع والتقدم الاجتماعي؟

أولويات التسلّح... كيف تقايض حكومات عربية بين ميزانيات الدفاع والتقدم الاجتماعي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف

الأحد 5 يناير 202511:39 ص

قصص علينا معرفتها

تشكلت صناعة الأسلحة العالمية من قبل عدد قليل من اللاعبين المهيمنين؛ في المقام الأول الولايات المتحدة وروسيا والصين والعديد من الدول الأوروبية، حيث طوّرت كل منها قطاع الأسلحة الخاص بها على أساس دوافع تاريخية وإستراتيجية خاصة وفريدة. وبرزت الولايات المتحدة كقائدة في إنتاج الأسلحة خلال الحرب العالمية الثانية، ووسعت صناعتها الدفاعية من خلال التمويل الفيدرالي المكثف والشراكات مع شركات خاصة مثل "لوكهيد مارتن" و"بوينغ"، ما جعلها أكبر مصدر للأسلحة في العالم اليوم.

وتكشف البيانات التاريخية للإنفاق العسكري العالمي عن اتجاه تصاعدي ثابت في الإنفاق، خاصةً منذ الحرب الباردة، حيث دفعت التوترات الجيو-سياسية والتقدم التكنولوجي الدول إلى الاستثمار بكثافة في قطاعات الدفاع الخاصة بها. ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ارتفع الإنفاق العسكري العالمي بأكثر من 50% منذ عام 2000، حيث سجلت السنوات الأخيرة أعلى مستوى إنفاق منذ عقود.

تُظهر البيانات حول بلدان تصدير واستيراد الأسلحة، كيف يرتبط إنتاج وتجارة الأسلحة ارتباطاً وثيقاً بديناميكيات القوة العالمية، حيث تعمل التوترات الجيو-سياسية غالباً على دفع الطلب. وتستثمر البلدان التي تواجه تهديدات أمنيةً، أو تسعى إلى النفوذ الإقليمي، بكثافة في الأسلحة

تطور الإنفاق العسكري العالمي

كما تسلّط البيانات الأخيرة الضوء على أنه في عام 2022 وحده، بلغ الإنفاق العسكري 2.24 تريليون دولار على مستوى العالم، أيضاً حسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، حيث كانت الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند والمملكة العربية السعودية من أكبر المنفقين.

الإنفاق العسكري العالمي حسب البلدان

ملاحظة: يمثّل رقم الصادرات العالمية من الأسلحة، نحو 110 مليارات دولار، وفق بيانات البنك الدولي لعام 2023، إجمالي الإيرادات السنوية من صادرات الأسلحة والتي تشمل بيع الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية والمعدات.

أما الإنفاق العسكري العالمي (نحو 2.24 تريليون دولار)، وفق بيانات SIPRI لعام 2023، فهو يشمل جميع النفقات المتعلقة بالدفاع الوطني، وليس فقط مشتريات الأسلحة. ويشمل الإنفاق على الأفراد (الرواتب والمزايا)، والمعدّات والبنية الأساسية المحلية، والبحث والتطوير، والعمليات العسكرية، والتدريب، والصيانة. على سبيل المثال، تنفق الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من ميزانيتها الدفاعية محلياً على الرواتب والمعاشات التقاعدية والبحث والتطوير والتكنولوجيا التي قد لا يتم تصديرها.

صناعة الأسلحة في العالم

تؤثر صناعة الأسلحة العالمية بشكل كبير على الاستقرار الاقتصادي والنمو وتوازنات القوى الجيو-سياسية. يدفع اللاعبون الرئيسيون، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا والمنتجين الناشئين مثل تركيا وكوريا الجنوبية، في اتجاه تصدير كبير للأسلحة، ما يؤثر على أنماط التجارة ويعزز التحالفات.

وقد أظهرت المناطق التي تعاني من توترات متزايدة، مثل أوروبا الشرقية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ ومنطقة الشرق الأوسط، زيادةً في ميزانيات الدفاع، حيث تعهدت ألمانيا، على سبيل المثال، بمبلغ 100 مليار يورو للدفاع استجابةً لعدم الاستقرار الإقليمي، وفق بيانات وزارة الدفاع الألمانية لعامي 2022 و2023. ومع ذلك، فإن هذا النمو المدفوع بالأسلحة يأتي مع مقايضات اقتصادية، حيث غالباً ما يحوّل الإنفاق العسكري المرتفع، الموارد عن القطاعات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، خاصةً في الدول النامية.

أكبر الدول المصدرة للأسلحة

يوضح الرسم البياني الدائري أدناه، لأكبر الدول المصدرة للأسلحة حسب البلد، تفصيلاً مرئياً لحصص التصدير العالمية للدول الرئيسية المنتجة للأسلحة، كما يظهر هيمنة الولايات المتحدة على صادرات الأسلحة العالمية والأدوار المهمة التي تلعبها دول أخرى في تغذية تجارة الأسلحة العالمية.

أكبر الدول المصدرة للأسلحة

أكبر الدول المستوردة للأسلحة

يتضمن الرسم البياني الدائري الذي يعرض أكبر مستوردي الأسلحة حسب الدولة، بيانات عن الدول الرئيسية المستوردة للأسلحة، مثل الهند والمملكة العربية السعودية وقطر وأستراليا والصين والإمارات العربية المتحدة. ويسلّط هذا الرسم البياني الضوء على حصة كل دولة في واردات الأسلحة العالمية، مع التركيز على مستويات الاستيراد الكبيرة التي تستوردها الدول في مناطق مثل جنوب آسيا والشرق الأوسط.

أكبر الدول المستوردة للأسلحة

يظهر البيانان أعلاه حول بلدان تصدير واستيراد الأسلحة، كيف يرتبط إنتاج وتجارة الأسلحة ارتباطاً وثيقاً بديناميكيات القوة العالمية، حيث تعمل التوترات الجيو-سياسية غالباً على دفع الطلب. وتستثمر البلدان التي تواجه تهديدات أمنيةً، أو تسعى إلى النفوذ الإقليمي، بكثافة في الأسلحة، ما يجعل الدفاع قطاعاً اقتصادياً بالغ الأهمية للبلدان المصدرة.

في حين تساهم صناعة الأسلحة العالمية بشكل كبير في النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والتأثير الجيو-سياسي للبلدان المصدرة، فإنها غالباً ما تفرض تنازلات كبيرةً على البلدان المستوردة، خاصةً بالنسبة للدول ذات الاحتياجات الاجتماعية الملحة. كيف تأثّرت الدول العربية بالإنفاق العسكري المرتفع؟

التأثير الاقتصادي لإنتاج الأسلحة

عواقب التسلّح الاقتصادية في البلدان المصدرة لها

يمكن رؤية التأثير الاقتصادي لإنتاج الأسلحة وتصديرها بوضوح في دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا، حيث تساهم صادرات الدفاع بشكل كبير في الدخل القومي. في عام 2022، بلغت صادرات الأسلحة الأمريكية ما يقرب من 40% من سوق الأسلحة العالمية، مع مبيعات كبيرة لحلفاء الناتو ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط (SIPRI, 2023). دعمت هذه الصادرات ما يقدَّر بنحو 2.5 ملايين وظيفة، بحسب رابطة صناعات الطيران والفضاء عام 2023، وأضافت قيمةً اقتصاديةً كبيرةً من خلال الأجور وحفزت الصناعات اللاحقة عبر قطاعات مثل التصنيع والهندسة والتكنولوجيا.

في الاتحاد الأوروبي، تُعدّ فرنسا من كبار مصدري الأسلحة، حيث بلغ إجمالي الصادرات ما يقرب من 20 مليار يورو في عام 2022، بزيادة 40% عن العام السابق، وفق وزارة القوات المسلحة الفرنسية عام 2023. تفيد مبيعات الأسلحة الفرنسية في المقام الأول، قطاعَي الفضاء والبحرية الفرنسيين، بما في ذلك شركات مثل Dassault Aviation وNaval Group، التي تنتج طائرات مقاتلةً وغواصات للمشترين الدوليين. لا تولّد صادرات الأسلحة الفرنسية إلى دول مثل مصر والهند وقطر عائدات اقتصاديةً فحسب، بل تعزز أيضاً نفوذ فرنسا على الساحة العالمية، وتعزز تحالفاتها السياسية ونفوذها الاقتصادي.

ألمانيا هي مصدّر آخر بارز في الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت صادرات أسلحتها 8.35 مليار يورو في عام 2022، وفق ما أعلنت وزارة الشؤون الاقتصادية والعمل المناخي الألمانية في 2023، مدفوعةً إلى حد كبير بالمبيعات لحلفاء الاتحاد الأوروبي وشركاء الناتو. توفر شركات ألمانية مثل Rheinmetall وThyssenkrupp Marine Systems الدبابات والغواصات، ما يدعم الوظائف ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي الوطني. وتتجلى الأهمية الاقتصادية لهذه الصادرات في حقيقة أنها تعزز مكانة ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، بينما تعزز العلاقات الاقتصادية العميقة مع الدول المستوردة، خاصةً داخل الناتو.

ما هو أبعد من ميزانيات الدفاع

ويمتد التأثير الاقتصادي لصناعة الأسلحة إلى ما هو أبعد من ميزانيات الدفاع من خلال توفير الوظائف، وتعزيز الابتكارات التكنولوجية، والتأثير على التجارة العالمية. فتأثير القطاع على الدبلوماسية الاقتصادية يسلّط الضوء على الدور الإستراتيجي الذي تلعبه صادرات الأسلحة في تشكيل التحالفات، حيث تستغل الدول المصدّرة مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الكبرى، مبيعات الأسلحة كأداة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية (والعكس صحيح أيضاً، بمعنى أن الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها الدول المصدّرة تؤدي، بحكم خوف السلطات من الأزمات الداخلية والخارجية لديها، إلى استيراد أكبر للأسلحة). ويؤكد هذا التفاعل بين إنتاج الأسلحة والعمالة والتقدم التكنولوجي والتجارة، على الروابط الاقتصادية المعقدة التي تجعل صناعة الأسلحة العالمية مكوناً حيوياً، وإن كان مثيراً للجدال، في الاقتصاد الحديث.

عواقب التسلّح الاقتصادية السلبية على البلدان المستوردة

يُمثل الإنفاق العسكري المرتفع غالباً تكلفة "ضياع" فرص استثمارية كبيرة (Opportunities cost)، خاصةً بالنسبة للدول التي تواجه أيضاً احتياجات إنمائيةً ملحّةً. على سبيل المثال، قد تضحّي الدول التي تستثمر أجزاء كبيرةً من ناتجها المحلي الإجمالي في الدفاع، باستثمارات محتملة في قطاعات مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية الأساسية.

وتواجه الدول التي تعطي الأولوية للدفاع على القطاعات الاجتماعية، تحديات في معالجة الفقر، وتحسين معدلات معرفة القراءة والكتابة، أو تطوير اقتصادات مستدامة. هذه المقايضة صارخة بشكل خاص بالنسبة للدول ذات الدخل المنخفض التي تكافح من أجل تحقيق التوازن بين الاحتياجات الأمنية والمتطلبات العاجلة للرفاهة العامة والتنمية الاقتصادية.

ومن الأمثلة التي تتيح فهم التأثير على كلفة الفرص المتاحة:

  • خفض ميزانية الدفاع الأمريكية بنسبة 10%: يمكن أن يموّل ذلك تعليم مليونَي طالب إضافي في الجامعات، وفق بيانات البنك الدولي 2023.

  • في باكستان، بلغ الإنفاق العسكري نحو 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، بحسب بيانات SIPRI في 2023، في حين ظلت ميزانيات التعليم والرعاية الصحية أقل بكثير. يعني هذا الاختيار في التخصيص، أن الأموال التي يمكن أن تدعم تنمية رأس المال البشري على المدى الطويل موجهة بدلاً من ذلك نحو الدفاع، وهو ما يؤثر على التقدم المجتمعي.

  • في مصر، وهي واحدة من أكبر مستوردي الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ يُنفَق ما يقرب من 1.2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وفق بيانات البنك الدولي 2023، بينما تكافح التحديات الاقتصادية التي تؤثر على الخدمات الأساسية. في السنوات الأخيرة، أعطت مصر الأولوية لتحديث جيشها، وشراء أسلحة متقدمة من دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا. ومع ذلك، لا يزال الإنفاق على التعليم منخفضاً، حيث يبلغ الاستثمار في التعليم نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي. إن هذا التفاوت له تأثيرات مباشرة على نظام التعليم في مصر، الذي يعاني من اكتظاظ الفصول الدراسية، وانخفاض أجور المعلمين، ومحدودية الموارد. وقد أدت التكلفة البديلة للإنفاق الدفاعي، إلى تقييد الاستثمارات في التعليم والرعاية الصحية، ما ترك مصر تواجه تحديات هيكليةً تعيق التنمية في الأمد البعيد.

الإنفاق العسكري مقابل الإنفاق التعليمي والصحي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي

الشرق الأوسط… المخاوف الأمنية والتسلّح الإقليمي

يُعدّ الشرق الأوسط أحد أكثر المناطق عرضةً للصراعات، ما يخلق سوقاً كبيرةً لإنتاج الأسلحة. تحتل دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى بين أكبر مستوردي الأسلحة على مستوى العالم، مع وجود موردين رئيسيين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. تنظر هذه الدول إلى القدرات العسكرية على أنها ضرورية وسط التهديدات المتصورة من المنافسين، مثل إيران والجماعات المتطرفة.

إن تجارة الأسلحة في الشرق الأوسط مدعومة بشكل كبير من قبل الدول المصدرة، التي تدفع مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية إلى إمداد مستمر بالأسلحة المتقدمة للمنطقة. يتنافس المصدرون الرئيسيون مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة، بنشاط لتلبية الطلب على الأسلحة المتطورة، وينظرون إلى العملاء في الشرق الأوسط على أنهم حاسمون لصناعاتهم الدفاعية ونفوذهم السياسي.

على سبيل المثال، لا تعمل صادرات الأسلحة الأمريكية إلى دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على تعزيز هؤلاء الحلفاء فحسب، بل تعزز أيضاً موطئ قدم الإستراتيجية الأمريكية في منطقة حساسة جيو-سياسياً. وعلى نحو مماثل، يرى الموردون الأوروبيون، لا سيما فرنسا والمملكة المتحدة، الشرق الأوسط كسوق مربحة تدعم الوظائف المحلية وتولد مليارات الدولارات من الإيرادات سنوياً. تعمل بيئة التصدير التنافسية هذه على تأجيج التوترات الإقليمية، حيث تنخرط دول الشرق الأوسط، المجهزة بأسلحة متطورة، في صراعات بالوكالة وصراعات على السلطة. في الواقع، تعمل الدوافع الاقتصادية والسياسية للدول المصدرة بنشاط على إدامة عسكرة الشرق الأوسط، ما يجعل مبادرات خفض التصعيد والسلام أكثر تحدياً.

أولوية الدفاع على الاستثمار التعليمي والصحي

للسباق على استيراد الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عواقب اقتصادية كبيرة، وكثيراً ما يفرض ضغوطاً على الميزانيات الوطنية ويفاقم التفاوت الاجتماعي.

وتستثمر دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والإمارات العربية المتحدة، بكثافة في واردات الدفاع لتأمين النفوذ والاستقرار الإقليميين.

إن إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي يحوّل الأموال في كثير من الأحيان بعيداً عن الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم وتطوير البنية التحتية. ونتيجةً لذلك، تشهد البلدان ذات الإنفاق الدفاعي المرتفع، مثل مصر، ارتفاع الدين العام -الذي يصل إلى نحو 91% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 (صندوق النقد الدولي، 2023)- وتضطر إلى تخصيص أجزاء كبيرة من ميزانيتها لخدمة الديون بدلاً من الرعاية العامة.

بالإضافة إلى ذلك، في البلدان ذات الدخل المنخفض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ساهمت النفقات الدفاعية الضخمة في معدلات الفقر من خلال الحدّ من الأموال المتاحة لبرامج التنمية التي يمكن أن تعالج البطالة وتحسن التعليم وتحدّ من التفاوت في الدخل. وفي نهاية المطاف، فإن سباق التسلّح هذا يؤدي إلى ترسيخ الاعتماد على الموردين الأجانب وخنق إمكانات النمو الاقتصادي المستدام، ما يترك الاقتصادات عرضةً لعدم الاستقرار الاجتماعي والمالي.

سباق التسلّح وارتفاع الدين العام

في العديد من البلدان النامية، يمكن أن تؤدي المستويات المرتفعة من الإنفاق العسكري إلى تزايد الديون الوطنية والضغوط المالية. عندما يتجاوز الإنفاق الدفاعي نمو الإيرادات أو المساعدات الخارجية، تلجأ الحكومات غالباً إلى الاقتراض، ما يزيد من أعباء الديون الوطنية. ويخلق هذا الاعتماد على الاقتراض فخ الديون الذي يعقّد الصحة المالية في الأمد البعيد. تترك الديون المتراكمة لتمويل الدفاع للحكومات خيارات أقل للاستجابة للأزمات، والاستثمار في التنمية، أو إدارة الأولويات الاقتصادية الأخرى. بالنسبة لهذه البلدان، فإن الضغط لخدمة الديون يحدّ من المرونة المالية، ما يفرض خيارات صعبةً بين سداد القروض وتلبية الاحتياجات العامة الأساسية.

دراسة حالة… المملكة وجهود التسلّح

ارتفاع الدين العام

تمتلك المملكة العربية السعودية واحدةً من أعلى النفقات العسكرية في العالم، حيث خصصت 8.4% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع في عام 2022، بحسب بيانات البنك الدولي لعام 2023، ويسلط الرسم البياني أدناه الضوء على الإنفاق العسكري وارتفاع الدين العام المرافق له خلال السنوات الخمس الأخيرة.

الإنفاق العسكري والدين العام كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في السعودية

ملاحظة: رقم سنة 2023، هو تقدير يعتمد على اتجاهات متّسقة من السنوات السابقة، حيث لا يتم نشر البيانات الرسمية لعام 2023 من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أو البنك الدولي.

من الأسئلة الملحة: متى نتّبع نهجاً متوازناً في الإنفاق الدفاعي وتنظيم تجارة الأسلحة الدولية، بعد أن بات هذا أكثر من ضروري على ضوء ارتفاع الدين العام وارتفاع الفقر في البلدان الواقعة في مناطق الحروب؟ متى ستعطى الأولوية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بحيث تدعم الحكومات النظم الدفاعية الوطنية دون المساس بالأهداف الاجتماعية والتنموية الأوسع؟
  • ساهم في ارتفاع الدين العام بنسبة 32.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022.

  • كلفة على فرص الإنفاق المتاحة: في عام 2022، خصصت المملكة العربية السعودية ما يقرب من 8.4% من ناتجها المحلي الإجمالي للنفقات العسكرية، والتي بلغت 75.0 مليار دولار (معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام). عند مقارنة الأرقام بدول أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، يتبيّن أن الإنفاق الدفاعي للمملكة العربية السعودية أعلى بشكل ملحوظ. يبلغ متوسط ​​منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للإنفاق العسكري نحو 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي. في المقابل، تخصص دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جزءاً أكبر من ناتجها المحلي الإجمالي للصحة. في المتوسط، تنفق دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نحو 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية (مكتبة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، في حين كان إنفاق المملكة على الصحة أقل بكثير. ووفقاً للبنك الدولي، بلغ الإنفاق الصحي الحالي للمملكة العربية السعودية 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018، وهو أحدث عام تتوفر عنه البيانات (بيانات البنك الدولي). ويختلف الإنفاق على التعليم في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ولكن العديد منها تخصص ما بين 4% إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا القطاع، حيث تتساوى هنا نسب الإنفاق على التعليم بين السعودية وهذه الدول.

مقارنة الإنفاق في السعودية بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

وفي الختام، في حين تساهم صناعة الأسلحة العالمية بشكل كبير في النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والتأثير الجيو-سياسي للبلدان المصدرة، فإنها غالباً ما تفرض تنازلات كبيرةً على البلدان المستوردة، خاصةً بالنسبة للدول ذات الاحتياجات الاجتماعية الملحة. يمكن للإنفاق العسكري المرتفع أن يحوّل الموارد عن القطاعات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، ما يخلق تحديات اجتماعيةً واقتصاديةً طويلة الأجل، خاصةً بالنسبة للدول المستوردة للأسلحة ذات المستويات العالية من الديون وعدم المساواة.

وتبقى بعض الأسئلة مطروحةً بإلحاح: متى نتّبع نهجاً متوازناً في الإنفاق الدفاعي وتنظيم تجارة الأسلحة الدولية، بعد أن بات هذا أكثر من ضروري على ضوء ارتفاع الدين العام وارتفاع الفقر في البلدان الواقعة في مناطق الحروب؟ متى ستعطى الأولوية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، بحيث تدعم الحكومات النظم الدفاعية الوطنية دون المساس بالأهداف الاجتماعية والتنموية الأوسع؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

العدالة الاجتماعية ضرورةٌ ملحّة

بينما يحسب المتطرّفون أنّهم يحملون لواء العدالة، لكنّهم في الواقع، يتحدّون جوهرها، وهو أنّ لكلّ امرئٍ الحق في الشعور بأنّ رأيه وكيانه ووجوده أشياء مُقدَّرة، ولو اختلف مع الآخر.

في رصيف22، نسعى إلى نقل رؤيتنا، لنُظهر للعالم كيف بإمكان العدالة الاجتماعية والمساواة تحسين حياتهم، من دون تطرّفٍ، بل بعقلانيةٍ مُطلقة.

Website by WhiteBeard
Popup Image