استهدفت عملية اغتيال مسلحة ثلاثةً من القضاة في المحكمة الإيرانية العليا صباح يوم السبت الماضي، 18 كانون الثاني/يناير 2025، وأسفر الهجوم عن مقتل قاضيين رفيعين، بينما أصيب الثالث بجروح، وفقاً للتقارير الرسمية والإعلامية الإيرانية.
ما زاد من أهمية وحساسية الموضوع، الحديث عن هشاشة الوضع الأمني في إيران، ومن ناحية أخرى شخصيات القاضيَين المقتولَين في الهجوم، وهما القاضي علي رازيني (72 عاماً) رئيس الفرع 39 في المحكمة العليا الإيرانية، والقاضي محمد مقيسه (68 عاماً)، رئيس الفرع 53 من هذه المحكمة، اللذان يعتبران من أشهر القضاة في إيران، لكلّ منهما ملف مليء بإدانة العديد من الشخصيات السياسية في محاكم وصفت بـ"الشكلية"، وقد أصدروا العديد من أحكام الإعدام بحق أعضاء الجماعات المعارضة للنظام الإيراني منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
تلقت عملية الاغتيال، ردود فعل إيرانية واسعة من الناشطين والسجناء السياسيين الذين استذكروا أحكاماً صارمة صدرت لهم من جانب رازيني ومقيسه، كما تلقت العملية إشادات من جانب المعارضة؛ حيث اعتبر البعض أن العملية عقاب يستحقه رازيني ومقيسه، بسبب ما قاما به ضد السياسيين في البلاد، بغضّ النظر عن هوية وأهداف المهاجم.
وبحسب السلطات القضائية الإيرانية فإن المهاجم هو عامل ضيافة كان يعمل في المحكمة العليا منذ 10 سنوات، وقام بتنفيذ الهجوم باستخدام مسدس كان يحمله، بعد التأكد من وجود القضاة الثلاثة في مكتب واحد. وبعد تنفيذ الهجوم غادر الغرفة على الفور وهرب إلى الطابق الثالث حاملاً نفس السلاح، وفي تلك الأثناء، سُمع صوت طلقة أخرى من الطابق الثالث، فتبيّن أن المهاجم أقدم على الانتحار.
كما أكدت السلطات الإيرانية أنه وفقاً للتحقيقات لم يكن للمهاجم أيُّ خلافات سابقة مع القاضيين، ولم يكن لديه ملف في المحكمة.
وصفت السلطات الإيرانية الحادث بـ "الإرهابي" والقاضيَين بـ"الشهداء" أو "الشهيدَين"، وقام المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بإقامة صلاة الميت على جثمانهما. واتهم عدد من المسؤولين الإيرانيين منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة بالوقوف وراء الهجوم، مشيرين إلى إصدار القاضيين أحكامَ إعدام ضد العديد من أعضاء المنظمة.
وصفت السلطات الإيرانية الحادث بـ "الإرهابي" والقاضيين بـ"الشهداء"، وقام خامنئي بإقامة صلاة الميت على جثمانهما. واتهم عدد من المسؤولين الإيرانيين منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة بالوقوف وراء الهجوم
أشارت صحيفة "هَمشَهري" الأصولية إلى مقتل القاضيين، وقالت إن الذين يقفون وراء الحادث أرادوا توجيه رسالة إلى الرأي العام الإيراني، وأن المستهدفين كانوا رموزاً تمثل النظام وسلطته، وكانا "شجاعيَن ووقفا ضد معارضي الثورة طوال 40 سنة".
وقالت صحيفة "فَرهيخْتِكان" إن بصمات "مجاهدي خلق" واضحة في عملية الاغتيال، وهو نهج معروف لها طبّقته بشكل واسع بعد ثورة 1979، وقتلت خلاله العديد من الشخصيات الإيرانية.
من هما رازيني ومقيسه؟
شغل رازيني، مناصب قضائية رفيعة في السلطة القضائية والمحكمة الخاصة برجال الدين منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتعرض لمحاولة اغتيال فاشلة عام 1998.
ووفقاً لمؤسسة "العدالة لإيران" التي ترصد حقوق الإنسان في إيران، قد صدرت جميع أحكام الإعدام الصادرة ضد السجينات السياسيات، عام 1989، في مدينة مشهد الإيرانية، والتي تعتبر معقل منظمة مجاهدي خلق المعارضة، بتوقيع وتأييد القاضي رازيني.
أما محمد مقيسه، فقد بدأ عمله في القضاء الإيراني منذ الثمانينيات وكان قاضياً موثوقاً به من قبل النظام الإيراني، حيث كان معتمداً لمحاكمة المعارضين الإيرانيين، وأدان العديد من النشطاء السياسيين الإيرانيين في محاكمات وصفت بالـ"مسيّسة"، وهو على لائحة العقوبات الأمريكية والأوروبية بتهمة انتهاك حقوق الإنسان في إيران.
كما كان القاضيان المستهدفان عضوَين في اللجنة القضائية التي توصف بـ"لجنة الموت"، والتي أصدرت عام 1988 أحكامَ إعدام بحق العديد من السجناء، بما في ذلك أعضاء منظمة مجاهدي خلق وكثير من الشيوعيين. وكان له دور بارز في محاكمة المحتجين الإيرانيين في 2009 و 2022، وإصدار أحكام بالسجن لعدد من أتباع التيار الإصلاحي في إيران.
تأسست هذه اللجنة عام 1988 وقامت بإصدار أحكام إعدام لمئات المعارضين الإيرانيين وتنفيذ أحكام الإعدام بشكل جماعي، ورغم تكتم السلطات الإيرانية على أسماء القضاة الأعضاء في تلك اللجنة، إلا أن المعارضة الإيرانية قد أعلنت بأن القضاة رازيني ومقيسه ونيّري كانوا أعضاءَ فيها.
ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة التي اتهمها مسؤولون في النظام الإيراني بالوقوف وراء الهجوم، لديها أذرع أمنية واستخبارية تنشط في الداخل الإيراني، وقامت من قبل باغتيال العديد من شخصيات النظام الإيراني منذ ثمانينيات القرن المنصرم.
أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية الايرانية، أصغر جهانغير، تحديد هوية بعض الأفراد واستدعاذهم واعتقالهم، وما زالت التحقيقات مستمرة معهم، وتابع أن "عمليات الاغتيال التي حصلت هذه الأيام تشير إلى أن العدو شعر بالعجز أمام المقاومة الشرسة للنظام في كافة المجالات، ولذلك قام بارتكاب أعمال عمياء عبر عملائه".
أحداث مماثلة
شهدت إيران خلال السنوات الماضية حوادث إطلاق نار عديدة استهدفت شخصيات رفيعة المستوى، رغم إن الهجمات على صاحبي المناصب القضائية نادرة الحدوث في إيران. أهم هذه الاغتيالات هي:
* اغتيال أسد الله لاجَوردي، صاحب مشروع "التوبة"، الذي كان عضواً في حزب المؤتلفة الإسلامية قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، واعتقل بعد اغتيال حسن علي منصور، رئيس وزراء محمد رضا شاه البهلوي آنذاك.
بعد انتصار الثورة الإسلامية، كان للاجوردي دور مهم في احتجاز الموظفين الحكوميين السابقين، ولذلك بعد عامين، أي عام 1981، تم تعيينه رئيساً لمجلس القضاء، وبعد ذلك أصبح النائب العام لمدينة طهران.
كان لاجوردي معروفاً بصرامته مع السجناء السياسيين، ووفقاً للعديد من السجناء السياسيين في ذلك الوقت، كان يعذبهم لإرغامهم على الاعتراف أو التوبة عن أفعالهم، إذ كان يشاد به من قبل داعمي الجمهورية الإسلامية، بسبب مشروع "التوبة"، الذي كان يجبر فيه المعارضين أن يتوبوا عن أفعالهم.
وبحسب تقارير منظمات حقوقية إيرانية، فقد تم إعدام مئات السجناء السياسيين في عهد لاجوردي، حيث كان يوصف بالمتطرف من قبل منتقدي ومعارضي الجمهورية الإسلامية، وحتى بعض المسؤولين الإيرانيين وقتذاك.
كانت لدى لاجوردي خلافات مع مجلس القضاء الأعلى، وقد أدت هذه المشاكل إلى إقالته من منصب النيابة العامة في طهران عام 1984. وعن خلافاته مع ذلك المجلس قال إن "خلافي معهم هو على أنني أقول لهم: يا سيدي لا يمكن أن نوافق على أن يذهب هذا الكلب الشيوعي المنافق (عضو مجاهدي خلق) إلى الجامعة، ما دمت أنا المدعي العام".
ولم يشغر لاجوردي أي منصب بعد إقالته من النيابة العامة حتى عام 1989، إذ عينه رئيس السلطة القضائية آنذاك، محمد يزدي، رئيساً لمنظمة السجون، وبقي في هذا المنصب حتى 1997. وفي عام 1998، اغتيل لاجوردي في سوق طهران الكبير.
* يعتبر محمد كجوئي، أول سجّان مغتال في إيران، واعتُبر أول رئيس سيئ السمعة لسجن إيفين، بعد انتصار الثورة الإسلامية 1979. وقبل ذلك كان من بين مسؤولي مؤسسة قضائية، حيث احتجز خلال عمله هناك بعض مسؤولي حكومة بهلوي الساقطة.
وكان كجوئي عضواً في حزب المؤتلفة الإسلامية، كما كان مسجوناً قبل ثورة 1979، وكان على خلاف مع أعضاء حركة مجاهدي خلق في السجن. وبعد الثورة اتهمه بعض أعضاء هذه الحركة بتعذيب السجناء.
وحسب وكالة "ميزان"، التابعة للقوة القضائية، فإنه منذ شباط/فبراير 1979، ومن خلال معرفته بأسد الله لاجوردي، توظف في مكتب النائب العام لمدينة طهران، وقام بمحاكمة السجناء الذين كان من بينهم أعضاء من حركة مجاهدي خلق وجماعة "الفرقان" المعارضة وعدد من المسؤولين في عهد النظام البهلوي، حتى تموز/يوليو 1979، بعد ذلك، تم تعيينه رئيساً لسجن إيفين، وأدار السجن لأكثر من عامين، حتى لحظة اغتياله.
تلقت عملية اغتيال رازيني ومقيسه، ردود فعل واسعة من الناشطين والسجناء السياسيين الذين استذكروا أحكاماً صارمة صدرت ضدهم من جانبهما، كما تلقت العملية إشادات من جانب المعارضة، حيث اعتبر البعض أن العملية عقاب يستحقه القاضيان
* حسن أحمدي مقدّس، والمعروف بـ"قاضي الكتّاب والصحافيين"، كان نائب المدعي العام في طهران، وقاضي محكمة الثورة الإسلامية (محكمة طهران). في الثاني من آب/أغسطس 2005، وبعد انتهاء ساعات العمل في المحكمة، عندما كان عائداً إلى منزله بسيارته الخاصة، تم إطلاق النار عليه، وقتل.
وعندما كان نائباً في مكتب نائب عام طهران، وقبل ذلك قاضياً بالفرع الثالث لمحكمة الثورة الإسلامية بطهران، كان قد حكمَ مقدّس على عدد من الكتاب والصحافيين الإيرانيين؛ منهم أكبر كَنجي، الذي حكم عليه بالسجن لعشر سنوات والنفي لخمس سنوات.
كما كان إلى جانب بعض الشخصيات القضائية الأخرى، ومن بينهم سعيد مرتضوي، ضمن قائمة الشهود الذين طالب محامو عائلة المصورة الإيرانية الكندية زهرا كاظمي، التي قُتلت في السجن، باستدعائهم للمحكمة، ولم يتم قبول هذا الطلب من قبل السلطة القضائية آنذاك.
كما يمكن الإشارة إلى أحداث مماثلة أخرى في إيران، لم تستهدف المسؤولين العاملين في القضايا الأمنية؛ منها تعرض قاضي محكمة مدينة قَرجَك، القریبة من طهران، جواد جعفر بور، للطعن بالسكين، بعد ثلاث سنوات من مقتل القاضي مقدس، وتعرض إبراهيم كريمي، أحد القضاة الجنائيين في مدينة سَراوان، جنوب شرق إيران، لهجومٍ وقتل على يد اثنين راكبَي دراجة نارية، باستخدام أسلحة الكلاشينكوف، في 16 حزيران/يونيو 2008. وبعد ذلك، أطلق النار على نائب المدعي العام ورئيس موظفي الحماية الاجتماعية بالسلطة القضائية ورئيس مكتب المدعي العام في محافظة أصفهان أحمد رضا تولايي، عندما دخل مبنى مكتب المدعي العام. وفي 13 كانون الثاني/يناير 2009، قُتل القاضي أمر الله شريفي بالرصاص على يد أشخاص مجهولين في مدينة الأهواز جنوب غرب إيران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
KHALIL FADEL -
منذ يومراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ يومينعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 6 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري