في 7 كانون الثاني/ يناير الحالي، أُعلن عن تشكيل تحالف سُنّي جديد باسم "ائتلاف القيادة السُنّية الموحّدة"، ويضمّ مجموعةً من النخب السياسية السُنّية، ومنها رئيس البرلمان الحالي محمود المشهداني، وزعيم "تحالف العزم" مثنى السامرائي، بالإضافة إلى رئيس "حزب السيادة" خميس الخنجر، و"حزب الجماهير الوطنية" أحمد الجبوري المعروف باسم "أبو مازن"، ورئيس "كتلة المبادرة" زياد الجنابي.
الإعلان عن هذا التحالف أتى عقب اجتماع مغلق جمع قيادته، بالإضافة إلى تشعبات سياسية كثيرة، ويدفع إلى تساؤلات مشروعة حول توقيت الإعلان عن مثل هذا التكتل السياسي، باعتباره أول تحالف سُنّي يحمل المسمى الطائفي الصريح.
انشقاقات وتحالفات
دخل المكوّن السُنّي إلى الساحة السياسية منذ عام 2005، عبر الحزب الإسلامي العراقي، الذي تحالف وقتها مع قوى سياسية أخرى تحت مظلّة جبهة التوافق، التي تُعدّ النواة الأولى للتحالفات السنّية اللاحقة، والتي أصبحت في ما بعد جزءاً من المشهد السياسي السُنّي التقليدي، ولكن توافق المجتمعين في هذه التحالفات لم يستمر طويلاً أيضاً، وانشقّت جميع قياداتها عنها، لتؤسس أحزاباً جديدةً.
الإعلان عن "ائتلاف القيادة السُنّية الموحّدة" أتى عقب اجتماع مغلق جمع قيادته، بالإضافة إلى تشعبات سياسية كثيرة، ما يدفع إلى تساؤلات مشروعة حول توقيت الإعلان عن مثل هذا التكتل السياسي، باعتباره أول تحالف سُنّي يحمل المسمى الطائفي الصريح
وخلال صراعهما الأخير، حاول كل جانب جذب حلفاء خصومه، وتالياً انشقّ عن الحلبوسي بعض النواب المقرّبين منه، ومنهم النائب زياد الجنابي الذي أسس كتلةً جديدةً باسم "المبادرة"، مبرراً خطوته بحالة الجمود السياسي وعدم انتخاب رئيس جديد للبرلمان، وقد انضمّ مؤخراً إلى التحالف السُنّي الجديد.
كما انشقّ حزب الصرح الوطني، الذي أُسس مؤخراً بقيادة مصطفى عياش، عن تحالف الخنجر، وأظهر تقارباً مع محمد الحلبوسي، برغم اختلاف وجهات نظرهما والتوترات السابقة بينهما. واستمرت الانشقاقات والتحالفات وصولاً إلى تشكيل تكتلين سياسيين سُنّيين فقط، أحدهما يقوده رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، والآخر يمثّله الائتلاف السياسي السُنّي الجديد.
يرجع سبب هذه المنعطفات، إلى إدراك قادة هذه الأحزاب ضعف موقفهم الفردي داخل البرلمان، ليس أمام القوى الشيعية والكردية فحسب، ولكن أمام تفرّقهم الذي يعيق وصولهم إلى طموحاتهم، لذا يتجهون إلى التحالف معاً، بغضّ النظر عن خلافاتهم، مدفوعين بالرغبة في تحقيق نوع من المركزية في القرار السياسي وتشكيل أغلبية برلمانية تدعم تمرير القوانين التي تصبّ في صالحهم أو في صالح تحقيقهم أجندات معيّنةً، بالإضافة إلى تسهيل تقاسم المناصب الحكومية والتشريعية أيضاً، ومع ذلك تبقى هذه التكتلات السياسية الحاصلة، هشّةً وتنتهي معظمها بانقسامات وصراعات جديدة.
توقيت مبهم
في خضم هذه الإشكالات، أُعلن عن ائتلاف القيادة السنّية الموحدة، في محاولة لتوحيد الصف السنّي وسط حالة الانقسام، فبحسب تغريدة نشرها رئيس البرلمان الحالي محمود المشهداني، على صفحته الشخصية في موقع إكس، فإنّ قادة الائتلاف السياسي الجديد، يأخذون على عاتقهم المضي في إنجاز الملفات الإنسانية والحقوقية والقانونية والسياسية وتحصيلها لأبناء البلد عامةً، والمكوّن السنّي في عموم العراق والمحافظات الشمالية والغربية على وجه التحديد.
هناك اعتقاد واسع بأن الغرض الرئيسي من تشكيل هذا التحالف، ينبع من رغبة هؤلاء القادة في التوافق من أجل تحقيق سلاسة في تنفيذ أجنداتهم الشخصية وطموحاتهم السياسية، وقد لجأوا وللمرة الأولى منذ عام 2003، إلى اختيار العنوان المذهبي من أجل تحقيق ذلك.
فبحسب مصدر سياسي سُنّي بارز، رفض الكشف عن اسمه، من المستبعد أن يكون للدافع المذهبي دور في اجتماع هذه القيادات داخل كُتلة واحدة، والغرض من توافقهم المؤقت بحسب اعتقاده، يرجع إلى رغبتهم في تمرير بعض القوانين المعيّنة التي تخصّ المجتمع السُنّي، من أجل تحشيد الناخبين، وهو أمر صعب للغاية إذا ما قرروا تمريره منفردين في كيانات مستقلة.
هناك اعتقاد واسع بأن الغرض الرئيسي من تشكيل هذا التحالف، ينبع من رغبة هؤلاء القادة في التوافق من أجل تحقيق سلاسة في تنفيذ أجنداتهم الشخصية وطموحاتهم السياسية، وقد لجأوا وللمرة الأولى منذ عام 2003، إلى اختيار العنوان المذهبي من أجل تحقيق ذلك
ولكن الباحث السياسي علي البيدر، يعتقد أن السبب الأول في تشكيل هذا التحالف هو وجود رؤية سياسية نخبوية وشعبية داخل المكون السنّي، تتعلّق بأنّ هنالك توجهاً من بعض الأطراف للذهاب إلى الدكتاتورية والهيمنه على القرار والتفرد به، واحتكار السلطة لجهة واحدة أو لتيار واحد، والتربح على حسابه، ودفع ذلك إلى تبلور فكرة خلق تكتل كمّي ونوعي يمثل أغلبيةً شعبيةً وسياسيةً داخل المكوّن السنّي لمعارضة ذلك.
ويتفق الباحث السياسي عثمان الموصلي، مع البيدر، في أن "هذا التحالف يأتي في هذا الوقت ليعبّر عن حاجة السُنّة إلى قيادة سياسية موحدة"، ولكنه يستدرك بأنّ كُثراً كانوا يأملون في أن تتمكن هذه القوى من طيّ خلافاتها، عادّاً أن اتحادهم جميعاً سيشكل قوةً موازيةً لتلك التي تمثلها أربيل بالنسبة إلى إقليم كردستان، وهذا يحرج الكثير من القوى السياسية، ومن ضمنها القوى الشيعية.
يد الإطار التنسيقي
من المرجح أن يكون للإطار التنسيقي الشيعي دور في توقيت تأسيس التحالف السنّي الجديد، والسبب الأول هو الرغبة في إبراز الوجود السياسي السنّي ضمن حكومة توصف بأنها تشاركية، وتأكيد مشاركة السنّة في السلطة على غرار الشيعة، ولذلك اعتمد الائتلاف الجديد على تسمية القيادة السُنّية، ويُعدّ رديفاً سياسياً للبيت الشيعي الذي يمثله الإطار التنسيقي، ومتّسقاً مع توجهات ما يُعرف بـ"الشرق الأوسط الجديد".
والهدف من ذلك هو إبعاد الحكومة عن شبح التغيرات الإقليمية الجارية، خاصةً بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، وهي التي كان يُنظر إليها على أنها حكومة سياسية انفرادية.
هذا التوقيت، يدفع الموصلي إلى الاعتقاد بأن قوى الإطار التنسيقي استغلت رغبة القادة المتحالفين، في تأسيس مرجعية سياسية سُنّية، من أجل تجنّب تكرار سيناريو تحالف الحلبوسي والخنجر مع مقتدى الصدر قبل انسحابه من البرلمان.
والجدير بالذكر أن الإطار التنسيقي عقد اجتماعاً مغلقاً في 6 كانون الثاني/ يناير الجاري، وأعقبه بيوم واحد الإعلان عن تأسيس التحالف السنّي الجديد، وغاب عن الاجتماع الذي عُقد في منزل حيدر العبادي، كلّ من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وزعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي.
غياب هذين الطرفين يعزز الاعتقاد بأن دعم الإطار التنسيقي لهذا التحالف ينبع من الخلاف الحاصل داخله، فبحسب مصدر في الإطار التنسيقي، فإنّ مخاوف الإطار لا تقتصر على احتمال تحالف السُنّة مع الصدر فحسب، ولكن تنبع من احتمال تحالفهم مع خصومهم في الإطار التنسيقي أيضاً وخاصةً الخزعلي، الذي يبدي مساعي متزايدةً من أجل فرض سطوته السياسية.
وجدير بالذكر أن القوى السُنّية المتحالفة، مقربة من رئيس الوزراء الأسبق وزعيم دولة القانون نوري المالكي، ويُعدّ الأخير من أبرز خصوم الخزعلي الذي اجتمع مع الحلبوسي مؤخراً في تحالف أدى إلى فوز حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بمنصب محافظ كركوك.
أذرع إقليمية
لا يقتصر تأسيس التحالف السنّي الجديد على الاعتبارات السياسية الداخلية فحسب، إذ أثار توقيت إعلان التحالف السنّي، بعد ساعات من مغادرة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني، العراق، تساؤلات عدة.
لا يقتصر تأسيس التحالف السنّي الجديد على الاعتبارات السياسية الداخلية فحسب، إذ أثار توقيت إعلان التحالف السنّي، بعد ساعات من مغادرة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني، العراق، تساؤلات عدة... فما هو الرابط بين الإعلان والزيارة؟
فبرغم أنّ زيارة قآني، ركزت على الأجندات التي سيناقشها رئيس الوزراء العراقي مع مستشار الثورة الإيرانية علي خامنئي، خلال زيارته إلى طهران، إلا أنّ مصادر مقربةً من الإطار التنسيقي تشير إلى أنه ناقش أيضاً سبل تقليل الأخطاء السياسية وإبراز العراق كدولة مستقرة سياسياً والتأكيد على إتمام هذه الخطوات بعيداً عن سيناريو حلّ الحشد الشعبي.
وترغب طهران في ضمان وجود دعم تشريعي سُنّي مؤيّد للحفاظ على الحشد الشعبي، وتجنّب أي محاولات لحلّه، خاصةً في حال قررت الولايات المتحدة الضغط في سبيل ذلك، عبر حلفائها في البرلمان العراقي.
وكان خامنئي، قد شدد خلال لقائه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على أهمية دور الحشد الشعبي في العراق.
وتسعى إيران جاهدةً من أجل الحفاظ على نفوذها الإقليمي، عبر دعم قادة سياسيين من مختلف المكونات، وهو تكتيك نجحت فيه إلى حد كبير، فهي كانت إلى وقت قريب، قبيل الحرب الإسرائيلية على لبنان، لا تزال تحتفظ بنفوذ سياسي قوي في تلك الدولة، عبر تحالفات ضمّت قادةً من السنّة والمسيحيين إلى جانب حزب الله، ما مكّنها من التحكم في الكثير من القرارات، عبر آلية الثلث المعطل.
من هذا المنطلق، تسعى إيران إلى تطبيق نموذج مشابه في العراق، حيث تعمل على تأمين نفوذها السياسي من خلال دعم مكونات سياسية مختلفة، بما يّضمن استمرارية سياساتها في المنطقة. ولكن وجود الخنجر والنجيفي، في مثل هذه التحالفات، يثير الريبة، إذ يُعرف عن كليهما القرب من تركيا التي تناكف إيران في مساعيها، ومن المستبعد أن يتحرك هذان القياديان من دون حصولهما على ضوء أخضر من أنقرة.
مصدر سياسي في تحالف السيادة، يؤكد أن تركيا وافقت على هذا التحالف، وتعدّه بدايةً لنواة سياسية سُنّية جديدة، تمكّنها من تنفيذ أجندتها تدريجياً وتحجيم النفوذ الإيراني، ولكنها تدرك أن نفوذ طهران قوي جداً في العراق وقد تؤدي أي محاولة لتحجيمه إلى هدم العملية السياسية ودخول واشنطن على خط الأزمة، وهو ما لا ترغب فيه، لذا فهي تسير بمحاذاة مثل هذه التحالفات بهدوء حتى تحقيق هدفها.
مستقبل التحالف
لم تكن التحالفات السُنّية مستقرةً على مدى السنوات الماضية، فمثلاً، تحالف الحلبوسي، في عام 2018، مع كُتلة "المحور الوطني"، التي تضمّ الخنجر وأسامة النجيفي وغيرهما من القيادات السُنّية، ودعمت هذه صعوده إلى عرش البرلمان، ولكن تحالفهما انهار بسبب خلافات شخصية، والحال ذاته ينطبق على انشقاق الخنجر، عن ائتلاف "المحور الوطني"، وتأسيسه لاحقاً "تحالف العزم"، قبل أن ينشقّ عنه ويتحالف مع محمد الحلبوسي، ليعود لاحقاً إلى الانفصال عنه.
هناك حاجةً ملحةً لدى الشارع السنّي، إلى وجود قيادة سياسية. هذا التحالف يمتلك أفضليةً لأنّ لديه عمقاً إقليمياً بفضل علاقات خميس الخنجر، وقوةً سياسيةً تمثلها شخوصه.
وبسبب ذلك، يُعتقد أن هذا التحالف سيكون وقتياً، ولغاية تحقيق مصالح معيّنة، وينتهي حال انتهائها أو دخول قياداته في صراع على الزعامة والمناصب، ما سيؤدي إلى توزع القوى السُنّية في كتل وتحالفات صغيرة ومنفردة في الانتخابات النيابية القادمة خلال العام الحالي.
وضمن هذه الديناميكيات، يعتقد الباحث السياسي علي البيدر، أن "استمرارية هذا التحالف أو انهياره يعتمدان على عوامل عدة، منها تراكمات المراحل السابقة التي تُعدّ سبباً في انعدام الثقة بين السياسيين السنّة"، ولكنه يستدرك أن هذا الجانب قد يدفعها هذه المرة إلى التمسك ببعضها، وتعزيز دور تحالفها باعتباره نواةً لمرجعية سياسية سنّية وقاعدة انتخابية جديدة.
فبرغم غياب برنامج واضح للتحالف الجديد حتى هذه اللحظة، يعتقد البيدر في تصريحه لرصيف22، أنّ هناك حاجةً ملحةً لدى الشارع السنّي، إلى وجود قيادة سياسية، مشيراً إلى أن هذا التحالف يمتلك أفضليةً لأنّ لديه عمقاً إقليمياً بفضل علاقات خميس الخنجر، وقوةً سياسيةً تمثلها شخوصه، وقد يؤهله ذلك إلى جذب المزيد من القيادات السنّية، التي تمنحه تالياً الشرعية الجماهيرية في تمثيل المكون السنّي، الذي عانى الكثير، بسبب الانقسامات وتشظي القرارات. وأضاف أنّ وجود هذه الشخصيات والعوامل في تحالف واحد، قد يُسهم في ترميم البيت السنّي وفق رؤية تلبّي تطلعات الجمهور وتستجيب لرغبات الشارع السنّي.
وعلى النقيض من ذلك، وبرغم وجود اتفاق على ضرورة وجود قيادات سياسية متمرسة، يعتقد الموصلي، بأن نجاح واستمرار هذا التحالف سيعتمدان بشكل أساسي على قدرته على جذب الوجوه السياسية الجديدة، خاصةً أنّ المُجتمع السُنّي فقد إيمانه بهذه الشخصيات التقليدية، وكثر منه يبدون رغبةً في تجاوز المسميات الطائفية أيضاً، التي أسست لمحاصصة سياسية لم يُشهد لها نفع في الواقع الاجتماعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
astor totor -
منذ 15 ساعةاسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ يومفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ أسبوعوحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ أسبوعالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته