هزّة جديدة ضربت الخريطة السياسية العراقية، في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، عقب قرار المحكمة الاتحادية، إعفاء رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، من منصبه، وإقصائه من عضوية المجلس. ويأتي قرارها، على إثر دعوى قضائية رفعها النائب السابق، ليث الدليمي، ضدّه واتهمه فيها بتزوير طلب استقالته من مجلس النواب.
ردّ الحلبوسي سريعاً على قرار المحكمة، واتهمها بعدم استيفاء شروط استبعاده، وفقاً للمادة 52 من الدستور، التي تجيز للمحكمة التحقيق في عضوية النائب حصراً دون استبعاده أو عزله.
وتنص المادة 52، على أنه يحق للمحكمة، البت بصحة عضوية أعضاء البرلمان، خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسجيل الاعتراض، ويجوز الطعن بقرار البرلمان، أمام المحكمة الاتحادية خلال المدة ذاتها.
إقصاء عن عرش البرلمان
الحلبوسي اتهم المحكمة أيضاً، بتضليل الرأي العام، من خلال الدعوى التي رفعها ضده النائب باسم الخشان، واتهمه فيها، بالتعاقد مع شركات أجنبية مقربة من إسرائيل ورئيس وزرائها السابق يائير لابيد، وهو ما عدّه الحلبوسي محاولات لاستقطاب دعوات قضائية أخرى ضده.
بحسب الباحث القانوني علي الموسوي، فإن قرار المحكمة، تضمن مغالطات واضحةً، إذ من غير المنطقي أن تشير إلى عدم صحة استقالة النائب الدليمي، وإعفائه في الوقت نفسه، من دون تبرير كلا القرارين.
وكان الدليمي قد اتهم رئيس البرلمان، بتزوير طلب استقالته، ورفع دعوى قضائية ضده، لكن المحكمة ردت طلبه في كانون الثاني/ يناير الماضي، ثم عادت ووافقت عليه الآن.
ويقول الموسوي لرصيف22، إن "قرار المحكمة، خالف أحكام المادة 49 من قانون استبدال أعضاء مجلس النواب، لعام 2007، والذي حدد صلاحية إقالة أعضاء هيئة الرئاسة من مناصبهم بالتصويت بأغلبية مطلقة لعدد أعضاء المجلس بطلب من ثلث أعضائه، ولم يذكر نص القانون صلاحية المحكمة الاتحادية في ذلك".
ولكنه يستدرك، أن الجدل القانوني الحاصل، مرتبط بمغالطات كثيرة بين القانون والدستور، إذ تتصف قرارات المحكمة الاتحادية، بدرجة القطعية، وهي محصنة، ولا يحق إلغاء قراراتها، وفقاً للمادة 94 من الدستور العراقي، والمادة 5 من قانون المحكمة الاتحادية، وبذلك فهي ملزمة، وإن خالفت المادة 52 من الدستور نفسه.
من هو الحلبوسي؟
الحلبوسي، هو محمد ريكان حديد، وينتمي إلى قبيلة الحلابسة المنتشرة في محافظة الأنبار ومناطق حزام بغداد. وُلد في عام 1981، في قضاء الكرمة، شرق مدينة الرمادي، وتخرّج في عام 2006، من الجامعة المستنصرية، بدرجة الماجستير في الهندسة المدنية.
تدرّج الحلبوسي السياسي السريع، جعل الأنظار تتجه إليه، في وسطٍ تهيمن عليه الوجوه والأحزاب السياسية التقليدية. وفي عام 2018، فاز بمقعده في البرلمان العراقي للمرة الثانية، وتولى رئاسته لأول مرة، بدعم من قوى "تحالف البناء"، وزعيمه هادي العامري، ليكون أصغر من تولّى هذا المنصب عمراً
عمل قبل تخرجه في إدارة أعمال عائلته في تجارة المواد الغذائية، وأسس بعدها شركته المتخصصة في أعمال البناء والمقاولات، كما شارك في برنامج خيري معروف، بثته قناة الشرقية في شهر رمضان، عام 2009، باسم فطوركم علينا، عدّه منطلقاً لحياته السياسية وقتها.
بدأ حياته السياسية، في عام 2014، نائباً في مجلس النواب العراقي، وتم اختياره عضواً في لجنتَي حقوق الإنسان، والمالية، لكنه سرعان ما قدّم استقالته في عام 2017، بعد اختياره، محافظاً للأنبار.
تدرّجه السياسي السريع، جعل الأنظار تتجه إليه، في وسطٍ تهيمن عليه الوجوه والأحزاب السياسية التقليدية. وفي عام 2018، فاز بمقعده في البرلمان العراقي للمرة الثانية، وتولى رئاسته لأول مرة، بدعم من قوى "تحالف البناء"، وزعيمه هادي العامري، ليكون أصغر من تولّى هذا المنصب عمراً.
خاض الحلبوسي، أول صراعاته السياسية، مع حليفه السابق، ورئيس حزب "الحل"، جمال الكربولي، على خلفية اعتراض الأخير على آليه توزيع المناصب، وانتهى صراعهما، بإقصاء الكربولي من تحالف البناء، في نيسان/ أبريل عام 2019.
ولعل انتفاضة تشرين التي اجتاحت مدناً عراقيةً مختلفةً، في عام 2019، كانت من أبرز أزماته السياسية، وهددت منصبه، بعد تعطيله عن عمله لمدة قاربت الشهرين، وبالرغم من خفوت التظاهرات، إلا أن ذلك لم يبعد المشكلات عنه، إذ فارقه حلفاؤه في "تحالف البناء"، بعد اتهامه بالمساعدة في ترشيح مصطفى الكاظمي، لرئاسة الوزراء، ضد حليفهم المستقيل عادل عبد المهدي.
في عام 2021، خاض الحلبوسي انتخاباته البرلمانية الثالثة، وحصد خلالها حزبه، "تقدّم"، المرتبة الثانية من حيث عدد المصوّتين. حينها، سارع إلى التحالف مع تحالف "سائرون"، بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود برزاني، لتشكيل حكومة أغلبية مطلقة.
تحالف الحلبوسي مع مقتدى الصدر، لم يلقَ رضا خصومه، بل ساهم في زيادة أعدائه، خاصةً بعد تشكيلهم الكتلة الأكبر، وانتخابه لرئاسة البرلمان. حينها اتُّهم بمحاولة التفرّد على عرش رئاسة البرلمان، المخصصة للمكون السُنّي.
تسلّط في السلطة
بعد تسلم الحلبوسي رئاسة البرلمان الثانية، تحالفت قيادات سنّية مع أحزاب الإطار التنسيقي ضده، واتهموه وقتها، بالتفرد، وإبعاد باقي أحزاب المكون، ثم تجمعت القيادات السنّية عقب ذلك في "تحالف الأنبار"، من أجل إقصائه.
في الحقيقة، فإن معظم صراعات البيت السنّي السياسية، تأتي على خلفية رغبة كل منهم بالتفرد بالزعامة، ويشير مصدر سياسي في البرلمان العراقي، إلى أن التجمع السياسي السُنّي، طالب الحلبوسي بعدم تفضيل حزبه أو محافظة الأنبار على باقي الأحزاب السُنّية، لكنه تجاهل ذلك، وهو ما دفع بالعديد من حلفائه إلى ترك حزبه، ومنهم رئيس الطائفة الكسنزانية في العراق، نهرو الكسنزان، وعضو اللجنة المالية، النائب هيثم الزهوان.
حدة الانشقاقات عن حزبه، تزايدت بعد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، بحسب تصريح المصدر لرصيف22، والذي يعتقد أن توافق الحلبوسي مع الصدر، كان الهدف منه تثبيته شوكته السياسية في المناطق السنّية كافة والسيطرة عليها.
تحالف الحلبوسي مع مقتدى الصدر، لم يلقَ رضا خصومه، بل ساهم في زيادة أعدائه، خاصةً بعد تشكيلهم الكتلة الأكبر، وانتخابه لرئاسة البرلمان. حينها اتُّهم بمحاولة التفرّد على عرش رئاسة البرلمان، المخصصة للمكون السُنّي
ولكن مصدراً قيادياً غير مخوّل له التصريح باسمه، في تحالف "تقدّم"، يؤكد أن الهدف من تحالف الطرفين لم يكن السيطرة على الحكم، ولكنهما رغبا في تغيير الطابع المتعارف، ضمن سياسة المحاصصة. ويشير في حديثه لرصيف22، إلى أن الطرفين لم يخططا لكسب الأصوات أو تأييد الجماهير، فكلاهما يمتلكان قاعدةً جماهيريةً واسعةً، لكن رغبا في تغيير هيكلية الحكومة وواقع المحاصصة المتعارف.
مدافع أم مستحوذ
الباحث السياسي، محمد العزي، يؤكد أن هناك جوانب أخرى خلف الأزمة الحاصلة حالياً، تتمحور حول عزم قيادات السنّة، وبتأثير من قوى المحور الشيعي، بتزعم الساحة السنّية، وحيث أن قوة قاعدة الحلبوسي الجماهيرية، تعيق ذلك، وجب إقصاؤه، وتالياً لا بد من ظهور متفرد جديد يلقى دعمهم.
ويأتي هذا الرأي بحسب تصريحه لرصيف22، من أن الحلبوسي كتب نهايته السياسية بعد لقائه التلفزيوني الأخير مع الإعلامي مقداد الحميدان، على قناة "الرشيد"، أواخر العام الماضي، والذي اتهم فيه بعض القيادات الشيعية بإثارة الطائفية، بالإضافة إلى تطرقه إلى ملفات حساسة منها ملف المغيّبين السنّة وإعادة أهالي جرف الصخر إلى مناطقهم، كما أكد فيه سيطرة إيران على المنطقة، وهي ملفات لطالما حاول وكلاء طهران إخفاءها أو التشويش عليها إعلامياً.
ولعل الوقت الحالي، هو الأفضل لإقصائه مع قرب الانتخابات المحلية، ومحاولة تأجيج الرأي العام ضده، وتالياً تحجيم نفوذه بين السنّة ورفع رصيد مناوئيه، وهو ما يؤكده المصدر في حزب "تقدّم".
ويقول المصدر لرصيف22، إن "الحلبوسي يقف عائقاً أمام طموحات بعض الكتل السنّية، التي أدركت قوته في أعقاب فوزه وخسارتهم في الانتخابات الماضية، وتالياً وجب إبعاده من أجل وصولهم إلى مناطق النفوذ في المحافظات السنّية أو المواقع الحساسة في بغداد".
من جهته، يعتقد الباحث الموصلي، أن إبعاد الحلبوسي، يرتبط أيضاً، بإيعاز من مؤثر خارجي لصعود الأحزاب السنّية القديمة، ومنها الحزب الإسلامي العراقي على وجه التحديد، حيث بدأت الماكينة الإعلامية بإعادة لفت الأنظار إلى تحركاته، عبر التركيز على أمينه العام، رشيد العزاوي، والذي يعمل مستشاراً لرئيس الوزراء.
ولعل اختيار هذا الحزب على وجه التحديد، مرتبط بأزمة الحرب في غزة، إذ يرتبط الحزب فكرياً وأيديولوجياً، بتنظيم الإخوان المسلمين، برغم تصريحه المستمر باستقلاله عنه، وكذلك بالنسبة إلى حركة حماس المرتبطة بتنظيم الإخوان.
على عرش الفساد
بعيداً عن كل هذه الأسباب، من غير المستبعد فساد الحلبوسي، نتيجةً لصعود نجمه السريع، وأمواله المتضخمة، بالإضافة الى الأصول التي تمتلكها عائلته القريبة، كما يتهمه كثيرون بالتورط في ما سُمّي بسرقة القرن الثانية.
من غير المستبعد فساد الحلبوسي، نتيجةً لصعود نجمه السريع، وأمواله المتضخمة، بالإضافة الى الأصول التي تمتلكها عائلته القريبة، كما يتهمه كثيرون بالتورط في ما سُمّي بسرقة القرن الثانية
ونُسب إلى الحلبوسي توزيع أراضٍ تابعة للدولة، وبيعها بأثمان بخسة، إلى المقربين منه، والمتهم في توزيعها هو محافظ الأنبار، علي فرحان الدليمي، المقرب من محمد الحلبوسي. وأشارت تحقيقات متعددة إلى تورط الأخير، لكن سرعان ما تمّ نسيان هذه الملفات.
وكانت هيئة النزاهة الاتحادية، قد أطاحت في شهر نيسان/ أبريل الماضي، بمدير التسجيل العقاري في محافظة الأنبار و5 موظفين آخرين، بالإضافة إلى استقدام محافظ الأنبار، على خلفية توزيع أراضٍ تابعة لوزارة الدفاع، بصورة غير قانونية، في ناحية الوفاء غرب مدينة الرمادي، حيث يُفترض إقامة مطار الأنبار الدولي، بالإضافة إلى نحو 40 ألف عقار تابع للدولة.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، اعتقلت قوة أمنية، مدير بلديات الأنبار، عماد الدليمي، و6 موظفين آخرين في مديرية تسجيل العقاري، على خلفية الملف نفسه، تلتها وبأمر من رئيس الوزراء محمد السوداني، حملة إعفاءات واسعة، طالت العديد من مسؤولي المحافظة، منهم رئيس صندوق إعادة إعمار المحافظات المتضرّرة من الإرهاب، محمد العاني، ومدير مؤسسة الشهداء والجرحى، عبد العزيز البدري، ومدير التربية، نافع حسين، وقائد الشرطة، هادي رزيج، من مهامهم، فضلاً عن اعتقال مدير هيئة التقاعد في المحافظة، علي عبيد ماطر، بتهمة الفساد.
جميع الشخصيات المعتقلة مقربة من رئيس البرلمان، ولكن تمت الإحاطة بالمسألة، بعد اتفاق بين الحكومة والحلبوسي على تمرير الموازنة العراقية، بحسب مصدر في إعلام مجلس الوزراء، أكد أن ملفات الفساد حقيقية، ومثبتة منذ الدورة النيابية السابقة، ولكن الحكومة أخفتها عن الرأي العام وقتها، واضطرت إلى استخدامها كوسيلة لإنهاء مماطلة الحلبوسي في إحالة الموازنة المالية إلى التصويت.
عقود ووكالات
اتهام الحلبوسي بالفساد لا يقتصر على فساد أتباعه، إذ يتهمه كثيرون بالتلاعب بأموال إعادة إعمار المناطق المحررة، عبر رئيس صندوقه المقرب منه، محمد هاشم العاني، والذي أعفي من منصبه في حزيران/ يونيو الماضي، بعد اتهامه باختلاس الأموال، شخصياً ولمصلحة الحلبوسي ومشاريعه الشخصية والحزبية.
لا يختلف الحلبوسي في حال إثبات فساده، عن الكثير من الوجوه السياسية الحالية أو السابقة، ولكن مصيره لا يزال مجهولاً.
وفي هذا السياق، يقول الناشط الاقتصادي في محافظة الأنبار، علي محمود الفهداوي، إن رئيس البرلمان متورط أيضاً في منح عقود إعمار المحافظة لشركات تابعة له أو مقربة منه، وهي الفئة التي يطلَق عليها محلياً بـ"بالريكانية"، أو بيت ريكان، في إشارة إلى اسم والد رئيس البرلمان.
ويؤكد لرصيف22، أن نسبةً كبيرةً من هذه الشركات وبرغم استلامها أموال الإعمار، اختفت من الوجود، بعد فترة قصيرة من بدء مشاريعها، كما اختفى مسؤولوها وموظفوها، مؤكداً أن عملية الإعمار التي تشهدها المحافظة، لا ترتقي إلى قيمة المبالغ المحددة للمحافظة.
لا يختلف الحلبوسي في حال إثبات فساده، عن الكثير من الوجوه السياسية الحالية أو السابقة، ولكن مصيره لا يزال مجهولاً، إذ يعتقد العزاوي، أن الأمر يحتمل جانبين؛ الأول هو توافقه مع قيادات شيعية من أجل عودته إلى منصبه، وهو بذلك سيقدم تنازلات لا بد منها، والاحتمال الثاني سيكون مصيره مشابهاً لمصير الكاظمي، وتالياً رفع العديد من القضايا ضدّه، وإجباره على مغادرة البلد والحياة السياسية بشكل تام.
وبدأ حلفاء الحلبوسي بحملة استقالات واسعة، شملت وزارتي الصناعة والثقافة، ونائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير التخطيط، محمد علي تميم، بالإضافة إلى رؤساء لجان برلمانية تابعة له، وقد يشهد البلد منحدراً آخر، مشابهاً لسيناريو اضطراب البيت الشيعي في اختيار رئيس الوزراء، ولكن هذه المرة مع اختيار السُنّة رئيس البرلمان الجديد، أو إعادة رئيسه السابق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع