شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"جاك الواوي وجاك الذيب"… بين السيستاني والسوداني، هل يُحل الحشد الشعبي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 22 ديسمبر 202412:04 م

دخلت الساحة الإقليمية منعطفاً حاسماً هز أركان السياسة الإيرانية بعد انهيار نظام بشار الأسد، إذ كانت سوريا أحد الأعمدة الإقليمية الأساسية التي يستند عليها المحور الإيراني منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.

ارتدادات هذه الهزة ألقت بظلال ثقيلة على العراق، فهو يرتبط أيضاً بشكل وثيق بالإستراتيجية الإيرانية. ثقل هذه الغمام ركز عواصفه بشكل خاص على مصير الفصائل المسلحة والقوى السياسية المحسوبة على "محور المقاومة" الإيراني.

تجد هذه الفصائل تجد نفسها في موقف حساس، بين ولائها لمحورها الإقليمي من جهة، والضغوط الداخلية والخارجية المفروضة عليها من أجل تحييدها وحصر سلاحها، من جهة ثانية.

ضغوط خارجية على الحكومة العراقية

في 11 كانون الأول/ ديسمبر، أجرى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني سلسلة تحركات مفاجئة، شملت زيارته إلى العاهل الأردني في عمان، وتلقى في اليوم نفسه، اتصالاً هاتفياً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما أجرى مباحثات هاتفية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي.

ووفق مصدر في رئاسة الوزراء، فإن هذه المباحثات ركزت على جانبين، الأول هو تمحور على منع تدخل الفصائل المسلحة العراقية في الأزمة السورية. والثاني بحسب تصريح المصدر لرصيف22، هو إيجاد أرضية موحدة تجتمع عليها القوى السياسية من أجل الخروج بسيناريو يهدف إلى تحييد الحشد الشعبي وقطع ارتباطه بطهران. 

تجد الفصائل العراقية الموالية لإيران نفسها في موقف حساس، بين ولائها لمحورها الإقليمي من جهة، والضغوط الداخلية والخارجية المفروضة عليها من أجل تحييدها وحصر سلاحها، من جهة ثانية.

ووفقاً لموقع بلومبيرغ، طلب بلينكن من الحكومة العراقية، أثناء زيارته المفاجئه لبغداد في 13 كانون الأول/ديسمبر، منع إيران من شحن أسلحة أو معدات عبر الأراضي العراقية إلى سوريا، وقُدم الطلب بشكل وقائي لمنع إيران من زعزعة استقرار المنطقة، مقابل إعلان واشنطن عن استعدادها لحماية العراق من أي تهديد قادم من سوريا.

وضغوط داخلية ليست أقل وطأة 

لا تقتصر الدعوات إلى حل الحشد الشعبي أو تحجيم دوره على الأطراف الدولية كواشنطن وحلفائها، بل تشمل مطالب داخلية متكررة من سياسيين أكراد وسنة، الذين يرون أن الاكتفاء بالجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب هو السبيل لضمان أمن وسيادة البلاد.

ويرجع "مركز التفكير السياسي العراقي" هذه المطالب إلى ما قبل الأزمة السورية، حيث طالبت بعض الأحزاب السياسية بسحب الحشد في محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل، ومنع انخراطه ضمن المؤسسة الأمنية.

ويوضح المركز أن المتغيرات الإقليمية التي تشهدها المنطقة منذ بداية الحرب على غزة، ثم فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، قد جعلت من مسألة حل الحشد وحصر السلاح بيد الدولة العراقية، من أبرز أولويات المرحلة المقبلة، وشرطاً رئيسياً تطرحه واشنطن من أجل منع أي تهديدات إسرائيلية تستهدف العراق.

وكانت إسرائيل قد اتهمت فصائل مرتبطة بالحشد الشعبي بـ"تنفيذ هجمات ضد أراضيها"، في رسالة وجّهها الى مجلس الأمن، وهدد باستهداف العراق، ولكن واشنطن تسعى من أجل تجنيب العراق لمثل هذه الضربة.

والجدير بالذكر أن الحكومة العراقية عاجزة عن مواجهة هذه الإشكاليات، فالفصائل المسلحة متغلغلة جذرياً داخل المؤسستين الأمنية والسياسية، كما أنها عاجزة عن حل الحشد الشعبي قانونياً، فوجوده مشرع بقانون رسمي، ولا يُمكن الإلتفاف عليه إلا بقانون آخر يُصوت عليه البرلمان الحالي، وهذا يتطلب توافقاً سياسياً، لا يعتقد مركز التفكير السياسي، بامكانية تحقيقه. 

طلب بلينكن من الحكومة العراقية، أثناء زيارته المفاجئه لبغداد في 13 كانون الأول/ديسمبر، منع إيران من شحن أسلحة أو معدات عبر الأراضي العراقية إلى سوريا، وقُدم الطلب بشكل وقائي لمنع إيران من زعزعة استقرار المنطقة، مقابل إعلان واشنطن عن استعدادها لحماية العراق من أي تهديد قادم من سوريا

ويقول المركز لرصيف22 إن حلفاء إيران السياسيين والعسكريين لن يوافقوا على حل الحشد، ويعتقدوا أن هذه الخطوة هي بداية لاستهدافهم في العراق، وكذلك بالنسبة للحكومة التي أطلق عليها من قبل الإطار التنسيقي، بأنها حكومة المقاومة والفصائل المسلحة. وبالتالي فحل هذه الفصائل تالياً هو رديف لنهاية الحكومة، ويعتقد أن الوضع الحالي بحاجة الى تسوية داخلية.

ويستدرك المركز بأن ‏القضية لا ترتبط بالهيئة الرسمية للحشد الشعبي بقدر تعلقها بالفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلته أو خارجها، وتُصر القيادة الأمريكية على ضرورة حسم هذا الملف، خاصة بعد أن توسع نشاط هذه الفصائل من الداخل العراقي إلى محيطه السوري واللبناني والفلسطيني.

ودعا المرجع الديني الأعلى، علي السيستاني، أثناء لقائه الأول بالمبعوث الأممي، محمد الحسان، في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، بحصر السلاح بيد الدولة، من أجل إبعاد العراق عن المشاكل في إشارة صريحة الى سلاح الفصائل المسلحة.

وكرر موقفه خلال لقائه الثاني بالمبعوث الأممي إلى العراق، محمد الحسان، في 12 كانون الأول/ديسمبر الحالي، عبر تأكيده على أن سيادة الدولة فوق باقي الاعتبارات، ولكن الفصائل المسلحة لم تُفسر بأنها المقصودة من دعوة السيستاني، وقالت إن سلاح المقاومة مدعومة من قبل المرجع الأعلى. واللافت أنه لم يسبق أن تمت زيارة المرجعية مرتين في فترات متقاربة، ما يدفع للشك بوجود تطورات توجب إطلاع المرجعية عليها.

لماذا الفصائل؟

اتسع نشاط الفصائل المسلحة العراقية المنضوية ضمن محور المقاومة المرتبط بإيران من عمليات داخل العراق وسوريا إلى لبنان وفلسطين، وقد أثار هذا النشاط استياء عدّة قوى دولية تراه زيادة لنفوذ طهران وعملياتها.

ويذكر أن الفصائل المسلحة العراقية شاركت في الأزمة السورية منذ بداياتها في عام 2011، لكن تدخلها في تلك المرحلة كان محدوداً، وتمركزت قواتها محيط العاصمة دمشق، تحت شعارات دينية أبرزها الدفاع عن مرقد السيدة زينب.

والسيدة زينب بنت علي، هي الأخت الشقيقة للإمام الحسين بن علي، ثالث الأئمة عند الشيعة الإثني عشرية، ويقع ضريحها في المنطقة التي سميت باسمها بمحافظة ريف دمشق، على بعد حوالي 7 كيلومترات، شرقي العاصمة السورية.

وزاد تدخلهم تدريجياً، فرغم انحسار عدد العمليات العسكرية، بقيت الفصائل محافظة على مراكز وجودها داخل سوريا، بل وعززت تواجدها بقوات جديدة، تحت مظلة الشعارات الدينية نفسها، والحقيقة هي تأمين الطريق البري الإستراتيجي الذي يربط طهران ببغداد فدمشق وصولاً إلى حزب الله في لبنان.

وتشير التقديرات إلى أن عدد العناصر التابعة لهذه الفصائل داخل سوريا كان حوالي 12 ألف مقاتل، وتضاءل هذا العدد في العام الحالي وصولاً الى 2000، يعملون وفقاً لنظام التناوب، ويتم استبدالهم بين الحين والأخر بعناصر أخرى من العراق وبشكل دوري. 

ويتم جذب هؤلاء عبر مكاتب الفصائل المسلحة المنتشرة في محافظاتهم، ويتقاضون رواتب تراوح بين 500 و2000 دولار شهرياً، بحسب أقدمية وموقع مسؤولية العنصر، بحسب تصريح مصادر متعددة من داخل الفصائل المسلحة، ويؤكدون جميعاً أن الغاية الرئيسية كانت الحافز المادي، يليها الواجب الديني بالنسبة للشيعة في حماية المقدسات الشيعية. 

دعا المرجع الديني الأعلى، علي السيستاني، أثناء لقائه الأول بالمبعوث الأممي، محمد الحسان، في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، بحصر السلاح بيد الدولة، من أجل إبعاد العراق عن المشاكل في إشارة صريحة الى سلاح الفصائل المسلحة. 

هذه الأعداد وزيادة نشاط عملياتها تضيف رصيداً إيرانياً إلى حساب باقي القوى الدولية في المنطقة، وهي ترغب حالياً في إعادة تحجيم نفوذ طهران أو زيادة رقع نفوذ دول أخرى بالضد منها مثل تركيا أو روسيا على الأقل.

ولكن هل لهذا علاقة بالانسحاب المفاجئ للفصائل العراقية من الساحة السورية بعد أكثر من عقد على وجودها هناك؟.

قبيل سيطرة المعارضة السورية المسلحة على دمشق، شاركت الفصائل العراقية في عمليات عسكرية متفرقة ضدهم، مثل معركة منطقة إثريا الواقعة على طريق حماة والرقة، كما شهدت منطقة خناصر جنوب محافظة حلب بضعة اشتباكات بينهم.

لكنها سرعان ما وجدت الفصائل العراقية نفسها في وضع حرج مع انهيار قوات نظام بشار الأسد، وبدأت بالانسحاب الكلي من جميع مواقعها.

مصدر من قيادات الصف الثاني في محور المقاومة، أكد لرصيف22 أن انسحاب قواتهم تم بعد انسحاب الفصائل الأفغانية والإيرانية من مواقعها، بسبب قطع طرق الإمداد من قبل الطيران الأمريكي، ومن أجل تجنب وقوعها في الأسر، ولإعادة تنظيم صفوفها تحضيراً لاحتمالات العودة اللاحقة.

من عسكر إلى سياسيين

كان هناك اعتقاد سائد بأن الفصائل لن تحافظ على مواقعها في سوريا إذ اندلعت الحرب فيها، إذ سبق أن أطلقت سابقاً عدّة تهديدات، ولكنها لم تنفذ أي منها، باستثناء بعض الهجمات التي شنتها عبر طيرانها المسير ضد إسرائيل بعد الحرب على قطاع غزة.

فعلى سبيل المثال، سبق أن هدّد الولائي بقتال إسرائيل من نقطة الصفر، إذا شنت حرباً على لبنان وباستخدام كامل الترسانة العسكرية، كما هدد في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، بـ"استهداف القواعد الأمريكية والإسرائيلية في الإمارات والمنطقة إذا اندلعت حرب شاملة ضد إيران أو أذرعها"، ولكن أياً من تهديداته لم يجد مكاناً على أرض الواقع.

فرغم الخلفية العقائدية لبعض قيادات الإطار التنسيقي الموالية لإيران، ومع أن طهران أكدت مراراً تمكسها بأذرعها، بقيت هواجس تحييدهم أو إبعادهم عن مناصبهم هي السائدة بينهم حالياً، خاصة وأن الأخيرة سبق أن تخلت عن أذرعها في لبنان وسوريا.

هذا الأمر يؤكده الباحث السياسي، سلام العزاوي، ويقول إن تصريحاتهم العنيفة هي مجرد استهلاك إعلامي موجّه للجماهير، من أجل الحفاظ على الأصوات أو قاعدتهم الشعبية، فهي لا تزال تحظى بقاعدة ليست بقليلة داخل المجتمع العراقي، وهي التي أهلتها للصعود إلى قبة البرلمان.

فعلى سبيل المثال، تمتلك كتائب حزب الله العراقي تمثيلاً نيابياً عبر حركة حقوق الحاصلة على 6 مقاعد نيابية، كما تمتلك منظمة بدر، حركة فتح 31 مقعداً، من ضمن 130 مقعداً تمتلكه قوى الإطار التنسيقي.

وكان رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض قد قال خلال ملتقى أمني مع وجهاء محافظة الأنبار، في 13 كانون الأول/ديسمبر، إن الحشد أصبح قوة تمثل كل العراق، كما أكّد أن العراق "لم يتدخل في الشؤون السورية أو أي دولة أخرى مؤكداً أن هذه التدخلات ليست من نهج المؤسسة". 

لا تقتصر دعوات حل الحشد الشعبي أو تحجيم دوره على الأطراف الدولية كواشنطن وحلفائها، بل تشمل مطالب داخلية متكررة من سياسيين أكراد وسنة، الذين يرون أن الاكتفاء بالجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب هو السبيل لضمان أمن وسيادة البلاد 

أما المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء، كاظم الفرطوسي، فقد برّر عدم مشاركتهم العسكرية في الدفاع عن نظام الأسد، إلى عدم رغبتهم في إعطاء إسرائيل ذريعة لاستهداف العراق.

رد متوقع

أما عن كيفية تعامل الإدارة الأمريكية مع ملف الفصائل المسلحة، يقول لرصيف22 الباحث السياسي مجاهد الطائي: "هناك ضبابية في موقف إدارة ترامب الجديدة في هذا الملف، إضافة إلى موقف القوى المسلحة التي وقعت في ظرف جديد وغير مسبوق".

ويرى أن من عادة الولايات المتحدة التدرج في الضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ولا تلجأ إلى استخدام القوة إلا بعد نفاذ الحلول الأخرى.

ويؤكد الطائي أن بعض القوى المسلحة المنضوية في الإطار التنسيقي تبدي مرونة كبيرة واستعداداً لتقديم تنازلات مقابل البقاء في السلطة، ويعتقد أن كل الخيارات متاحة حالياً، باستثناء إسقاط النظام السياسي، وستحاول واشنطن تصحيح مساره تالياً وإبعاده عن هيمنة حلفاء طهران.

وما بين كل هذه التصريحات والمواقف، يبدو أن المثل العراقي القائل "جاك الواوي وجاك الذيب، راح يأكلوك" الذي كان يخيف الأطفال أصبح واقعاً يخيف الكبار من واوي طهران وذيب واشنطن، والطُعم عراقي بالطبع. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image