منير شاهرودي فرمان فرمائيان، فنانة من أعظم الفنانات الإيرانيات وأبرزهنّ. تُعدّ نظرتها وطريقة تعاملها مع الفن فريدتين، حيث لم يكن أسلوبها الفني مختصاً بها وبزمانها فحسب، إذ تأثر الكثير من الفنانين والفنانات بأسلوبها الفريد إلى يومنا هذا.
وُلدت منير (وهو اسم للبنات في إيران) في الثامن من كانون الأول/ديسمبر عام 1922، في مدينة قزوين شمال غرب إيران، وهاجرت مع أسرتها إلى طهران في سن الثامنة، وذلك بسبب وظيفة والدها الذي أصبح آنذاك عضواً في البرلمان الإيراني.
كان والد منير، محمد باقر شاهرودي، مهتماً بتصميم السجاد، إذ كان يمتلك ورشةً لحياكة السجاد. وبسبب اهتمامات والدها هذه، أصبحت منير مفتونةً بنقوش السجاد، خاصةً تصاميم الزهور والنباتات. في عام 1944، عندما دخلت كلية الفنون الجميلة، تعرفت إلى عالم آثار ومؤرخ أمريكي، ومن خلاله انجذبت إلى الخطوط والزخارف الموجودة على التحف والأعمال الأثرية، حيث بات حبها للزخارف والنقوش هذه مشهوداً في جميع أعمالها الفنية.
السفر إلى نيويورك
في أربعينيات القرن الماضي، عندما سافر معظم الفنانين والمثقفين إلى أوروبا للتعرف على الفن الغربي، سافرت هي أيضاً إلى هناك، حيث ارتبطت بالفنان الأمريكي الإيراني منوتشِهر يِكتاي، وكانت هذه العلاقة في ظل التوترات والصراعات التي شهدتها الدول الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، ما تسبب في تغيير مسار منير تماماً، إذ هاجرت إلى أمريكا في 1945 بعد رحلة طويلة وخطرة، وذلك هرباً من الأوضاع الصعبة في أوروبا.
بعد أن رسّخت طريقتها الفريدة في إبداع الأعمال الفنية، بدأت منير بصنع أعمال المرايا للأماكن العامة. من بين هذه الأعمال، يمكننا أن نذكر اللوحة الكبيرة الموجودة في فندق "لاله" في طهران، والمرآتين الكبيرتين في مركز "نياوَران" الثقافي
درست منير تصميم الملابس والأزياء في نيويورك، أولاً في جامعة باسونز ثم في جامعة كورنيل، وخلال هذه السنوات، تعاونت مع مجلات مرموقة مثل تاون آند كانتري (town & counetry) ومجلة غلامور (Glamour) كمصممة أزياء ومصممة غرافيكية، وخلال السنوات التي قضتها في أمريكا، أتيحت لها الفرصة للقاء فنانين كبار مثل جاكسون بولوك وأندي وارهول. كانت إحدى ثمار هذه اللقاءات، هدية من أندي وارهول، هي عبارة عن لوحة طباعية بأسلوب "سِلك سكرين" (silk screen) من مجموعته الشهيرة "مارلين مونرو".
بعد هذا المشوار الفني الحافل، انفصلت منير عن منوتشِهر يكتاي، ثم عادت إلى إيران عام 1957، بعد أن عاشت في نيويورك لمدة 12 عاماً، وتزوجت من "أبو البشير فرمان فرمائيان"، أحد أبناء الأمير والوزير القاجاري عبد الحسين ميرزا فرمان فَرمائيان، وأخذت اسمها الفني من اسم أسرة زوجها.
العودة إلى إيران
بعد عام من عودتها إلى إيران، أي عام 1958، شاركت في مهرجان بينالي البندقية، وحصلت على الميدالية الذهبية. وفي العام نفسه، عُرضت أعمالها في مهرجان بينالي طهران الأول. بعد ذلك، بدأت بالسفر إلى مناطق مختلفة في إيران بهدف التعرف أكثر على الثقافة والفن الإيرانيَين.
خلال تلك الرحلات، جمعت لنفسها كنزاً من الأعمال التقليدية والمحلية الإيرانية، منها "نحو ستين لوحةً للمقاهي"، و"أكثر من ألف قطعة من اللوحات الزجاجية"، و"المجوهرات الفضية التركمانية"، و"إطارات الأبواب والنوافذ وألواح الجدران"، وأعمال فنية رائعة أخرى.
خلال هذه الرحلات، وتحديداً في أثناء تواجدها في شيراز، فُتنت بأعمال المرايا والزجاج الدقيقة والجميلة لمقام أحمد بن موسى الكاظم، حيث كان تأملها في هذه الأعمال المبهرة هو الذي أشعل فتيل أسلوبها الخاص، وهو أسلوب فريد من نوعه. هذا الأسلوب هو عبارة عن مزيج من الأساليب التقليدية للرّسم على الزجاج مع فنون العمل على المرايا وأعمال الترصيع والهندسة والفن المعماري.
استفادت منير من توجيهات الحرفيين والأساتذة في إنتاج لوحات المرايا، كمحمد نَفيد، الذي تمكّنت بمساعدته من تجميع العديد من زخارف الفسيفساء عن طريق قطع الزجاج والمرايا وبأشكال مختلفة. وخلال رحلاتها إلى إيران، تعرفت على عملية إنتاج الحرف اليدوية وتأثرت بشكل كبير بكل ما شهدته، وعلى أثر ذلك ابتكرت أشكالاً مثلثةً في أعمالها ثلاثية الأبعاد، مستوحاةً من بيوت الشَّعر والخيام للقرويين.
في عام 1964، عُرضت أعمال منير فرمان فرمائيان، في مهرجان بينالي طهران الرابع، وكذلك في بينالي البندقية، كما شاركت في معرض قصر المؤتمرات في مونتي كارلو، وأقامت معرضاً في الجمعية الثقافية لإيران وإيطاليا مع النحات والباحث وجامع الأعمال الإيراني بَرويز تَناوُلي، بالإضافة إلى العديد من المشاركات الفنية الأخرى التي تُعدّ جميعها من بين نشاطاتها في ستينيات القرن الماضي.
بعد أن رسّخت طريقتها الفريدة في إبداع الأعمال الفنية، بدأت منير بصنع أعمال المرايا للأماكن العامة. من بين هذه الأعمال، يمكننا أن نذكر اللوحة الكبيرة الموجودة في فندق "لاله" في طهران، والمرآتين الكبيرتين في مركز "نياوَران" الثقافي، ولوحةً لغرفة النوم في قصر "نياوَران"، ومنحوتةً في حديقة متحف السجاد الإيراني.
انتصار الثورة الإسلامية في إيران
عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، صادرت الحكومة العديد من ممتلكات منير فرمان فرمائيان وأعمالها، ما دفعها للعودة إلى نيويورك للمرة الثانية. هذه الرحلة استمرت ستةً وعشرين عاماً. خلال إقامتها في نيويورك، اتجهت نحو تصميم الأقمشة والسجاد، بالإضافة إلى استخدام الكولاج في أعمالها.
في جميع الأعمال التي صممتها خلال هذه السنوات، يمكن رؤية ارتباطها واهتمامها بالزخارف التقليدية الإيرانية، وقد تركت مجموعةً من الصناديق التي تحتوي على ملصقات وصور بعنوان "صناديق وجع القلب"، يمكن من خلالها رؤية معاناة هذه الفنانة خلال تلك الحقبة.
عادت منير إلى إيران في عام 2005، وبدأت بورشة العمل الخاصة بها، مع التركيز على الأعمال التي أنشأتها في السبعينيات. وفي العام نفسه، ولأول مرة بعد الثورة الإسلامية، عُرضت أعمالها بعنوان "ماء النور" في معرض الحديقة الإيرانية، وكان هذا العمل الحجمي عبارةً عن بركة مياه مصنوعة من الفولاذ، يصبّ فيها الماء من الشكل الهندسي الأول (المثلث)، خطوةً خطوةً وببطء، على الأسطح المضلعة (المربعة، الخماسية، والسداسية... إلخ)، حتى يصل إلى الخطوة الأخيرة، ثم يعود إلى الأعلى وتتكرر العملية.
في عام 2016، عُرضت مجموعة بعنوان "الاحتمال اللانهائي"، لمنير فرمان فرمائيان، في متحف غوغنهايم في نيويورك. وهي أول فنانة إيرانية تمكنت من إقامة معرض فردي في هذا المتحف. في كانون الأول/ ديسمبر 2018، تم افتتاح قاعة دائمة تحمل اسم هذه الفنانة في متحف "نِكارِستان" في طهران.
قد تركت مجموعةً من الصناديق التي تحتوي على ملصقات وصور بعنوان "صناديق وجع القلب"، يمكن من خلالها رؤية معاناة هذه الفنانة خلال تلك الحقبة
توفيت منير فرمان فرمائيان، في 20 نيسان/أبريل 2019، في منزلها، ودُفن جثمانها في قسم الفنانين في مقبرة "بِهِشت فاطمة" في مسقط رأسها، مدينة قزوين.
يمكن عدّ الجرأة في شكل أدوات العمل واستخدامها، فضلاً عن التعقيد الهندسي الغني، من السمات البارزة لأعمال هذه الفنانة، حيث ذكرت في أحد أحاديثها التالي: "أعادتني الهندسة إلى مدينتي؛ إلى مربع ومثلث ودائرة. إلى ملاحظات طفولتي عن تجربة التواجد وسط الجمال الخارج من هذه الحدود والمناظر الطبيعية، فهنا كل شيء له معنى جديد بالنسبة لي؛ المكعب والأسطوانة والمنشور".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.