شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أول مطربة غنت دون حجاب في البلد ولُقّبت بـ

أول مطربة غنت دون حجاب في البلد ولُقّبت بـ"أم كلثوم إيران"… قمر الملوك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 8 مارس 202305:44 م

كتبت في وصيتها: "لقد متّ، لكن حياتي الفنية لم تمت. حين تقرأون آلامي، سأكون تحت التراب. لن يعلو صوت من حنجرتي الجافة ودنياي مظلمة، بيد أنني لم أفقد روحي العظيمة ولم أخن فني. متأكدة بأنني لن أُذكر بسوء بعد وفاتي. ليس لديّ ثروة، إلا أنّ لديّ قلوب اليتامى التي ستمتلئ حزناً على فقداني. ولي عيون ستبكي عليه؛ عيون من تربّوا وتزوجوا بثروتي، بدل أن يكون مكانهم مراكز الفساد والسجون، إنهم سعداء."

من هي هذه المرأة التي شهد ويشهد على موهبتها ودورها الاجتماعي والفني جميع باحثي ومختصي الموسيقى الإيرانية٫ وما زال صوتها هو الأكثر احتراماً وبهاءً بين كل الأصوات النسائية في إيران بعد مرور ما يقارب مئة عام من بروزه٫ فكأنها الأم/القديسة/الملكة التي ينحني لها الجميع؟

قمر خانُم سيد حسين خان (1905-1959) المعروفة بــ"قمر الملوك وزيري"، ولدت في مدينة قزوين غرب العاصمة الإيرانية الحالية طهران.

توفي والدها حسن أربعة أشهر قبل ولادتها، وعندما كان عمرها ثمانية أشهر فقدت أمها "طوبى"، وأصبحت تحت رعاية جدتها "خير النساء" الملقبة بِـ"افتخار الذاكرين". كانت الجدة تقرأ المراثي للنساء في مجالس العزاء الحسيني لدى "حريم" ناصر الدين شاه القاجاري الذي حكم إيران لما يقارب خمسين عاماً في القرن التاسع عشر.

رافقت قمر منذ طفولتها جدتها في المجالس؛ إذ كانت جدتها مصابة بالشلل وتحتاج مرافقاً/ة، وقد علّمت قمرَ قراءةَ المراثي لكي تساعدها في الأوقات الحرجة. أتقنت المراهقة التي لا يتخطى عمرها الثالثة عشر عاماً، المراثي وكانت ترتقي المنبر في المجالس النسائية بصورة رسمية في منازل الأميرات وزوجات الحكام. وتقول عن ذلك: "أنا مدانة لتربيتي الأولى، فإنّ قربي من المنبر قد زاد من جرأتي في الغناء".

وتزامناً مع انشادها للمراثي الحسينية وفقاً للطقوس الشيعية، كانت تسعى في غناء أشعار الشعراء المعاصرين أمثال إيرَج ميرزا ومحمد تقي بَهار، بشكل خفي وفي منازل الأقارب.

وعاشت قمر حينما سافرت جدتها إلى العراق لزيارة المراقد الشيعية، عند خالتها، وكان زوج خالتها "مجد الصنايع" أحد الشخصيات البارزة في وقتذاك، ويتردد على منزله الكثير من الشخصيات السياسية والثقافية، فتعرفت الشابة على الشعر والموسيقى هناك وباشرت بالغناء في مجالس زوج خالها.

"لقد متّ٫ لكن حياتي الفنية لم تمت. حين تقرأون آلامي، سأكون تحت التراب. لن يعلو صوت من حنجرتي الجافة ودنياي مظلمة٫ بيد أنّ روحي العظيمة لم أفقدها ولم أخن فني. متأكدة بأنني لن أُذكر بسوء بعد موتي"

توفيت لاحقاً جدة قمر، التي كانت تدعمها في مجال الموسيقى والغناء. بعد ذلك أصبح الداعم والمشجع الأكبر لها فنان اسمه "بحريني" وكان بيته محط الفنانين والفضلاء. من بعده كان لـ"نظام الدين لاجيني" دور مهم في نجاح وشهرة قمر، وكان يجتمع في منزله الفنانين والكتاب أيضاً.

تعرّفت قمر في منزل لاجيني على "محمد علي أمير جاهد" وهو من عّرف قمر لأول مرة بصورة جديدة وعلمية على الموسيقى. خلال هذه الفترة جاء ممثل شركة "بليفون" لتسجيل اسطوانات موسيقى في طهران وبعد مفاوضات مع أمير جاهد تقرر أن يُسجل آسطوانات بصوت قمر وهو أول تسجيل لأغان وأناشيد بصوتها. منذ هذه الأسطوانة لم يعد صوت قمر منحصراً بالمجالس الخاصة، بل قد تجاوز ذلك ووصل إلى الناس.

في عام 1920 غنت قمر بطلب من أحد المدعوين في حفل زواج، أغنية من أشعار الشاعر الإيراني "بيجن بختياري" (تعال يا طير الليل لنصرخ). كان بين الحضور الموسيقي "مرتضى ني داود" وبعد أن أخذ آلة التار رافق قمر في العزف وبعد إنهاء وصلتهما الغنائية طلب منها أن تذهب إلى صفوف تعلم المقامات والغناء. وافقت قمر وبعد سنتين قضتهما عند أستاذ موسيقي تعلمت جيداً المقامات الإيرانية وطرق الغناء.

استطاعت قمر بسرعة أن تغني مع فرقة موسيقية، لكنها واجهت مشاكل عديدة في طريقها، كما أنه قُبض عليها مرات عدّة. صادرت الحكومة أول أسطوانات لها ودمرتها. كان صوتها قوياً واستثنائياً (في الموسيقى الغربية قريب من الكونترالتو٫ وقريب من الميزو سوبرانو في الموسيقى الإيرانية).

في عام 1927 وحين كانت تستلم جنسيتها لقبت نفسها بلقب "وزيري" احتراماً وحرمة لاستادها "علي نقي وزيري"، ولكي لا يعترض عليها الأستاذ ذهبت إليه وقالت له: "من أجل حرمتك ومحبتي لفنك اخترت اسمك لقباً لي، هل ستعاتبني؟" فأجابها وزيري: "لن أعاتبك فقط، بل هو أمر يفرحني وفخر لعائلتي أن تكون فيه فنانة مثلك".

استطاعت قمر الملوك تغيير الجو الذكوري للموسيقى الإيرانية في ذلك الوقت، بينما لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً، وكسرت القاعدة التقليدية في حفلها الأول في فندق "غراند هوتيل" الشهير في طهران، حيث غنت عام 1924 أمام الرجال دون حجاب على رأسها

كانت قمر ضمن الفنانين المتعاونين مع الإذاعة الإيرانية حين تأسيسها. غنت في البداية المقامات ولكن فيما بعد اكتفت بالأغاني فقط. يذكر مرتضى ني داود: "في عام 1955 وهي كانت السنة الأخيرة لتعاوني معها، كان ثمة محطة إذاعية في طهران للتسجيل ولكن بسبب عدم معرفة المسؤلين أو يحتمل بشدة من أثر حسد وضيق نظر بعض المغنيين الجدد وتدخلهم، مُسحت أشرطتها حتى يُعاد التسجيل عليها. لو لم تكن الشركات الألمانية والبريطانية للاسطوانات لما وصل صوتها عن طريق الباعة للناس، وقد لم يكن لدينا تسجيل لأشهر صوت غنائي إيراني. العمل الوحيد الباقي منها في أرشيف الإذاعة آخر برنامج وكانت في حالة ضعف وعجز بعد سكتة خفيفة برفقة تار إسماعيل كمالي من تلامذة مرتضى ني داود ويعزف التار على طريقة أستاذه، وهو مرقم برقم 52 في الأرشيف.

لا يتذكر تاريخ الموسيقى الإيرانية مثل هذا الصوت النسائي، لأنّ الموسيقى التراثية الإيرانية بعد الثورة الدستورية أوجدت تغييرات اجتماعية كبيرة؛ قبل قمر لم يكن للنساء حقّ النشاط فنياً وعقوبة المغنية كانت الرجم. ظهرت بشجاعة في الاجتماعات كفنانة".

أحيت قمر أول حفل لها عام 1924 في صالة غراند هتل الواقع في شارع "لاله زار" برفقة تار مرتضى ني داود وحفلها الثاني كان في سينما "بلازا" الواقعة في شارع إسطنبول في طهران.

كانت قمر تخصص عوائد حفلاتها للأمور الخيرية. أقامت حفلاً أثناء سفرها إلى محافظة خراسان شمال شرق البلاد في مدينة مشهد وصرفت عوائده على مقبرة الشاعر الإيراني أبو القاسم الفردوسي. في غرب البلاد في همدان عام 1931 أقامت حفلاً وغنت أغاني الشاعر والمطرب الإيراني الثوري الشهير آنذاك "عارف القزويني". حين أهداها والي خراسان نيّر الدولة مزهريات فضية، قدمتها قمر لعارف، على الرغم من أنّه كان تحت غضب الوالي وحكومة رضا شاه. في عام 1929 أحيت حفلاً من أجل الأسد والشمس (شعار الملكية) وأهدت عوائده إلى الأيتام.

ارتبطت قمر بشعراء ثوريين ومعارضين مثل ميرزاده عشقي وعارف القزويني. من أشهر مقطوعات قمر الغنائية يمكن الإشارة إلى أغنية من ألحان وكتابة عارف القزويني. وكان كل من يمتلك هذه الأسطوانة يسجن بتهمة المعارضة مع النظام والملكية ودعم الجمهورية.

كان بإمكان قمر أن يكون لديها حياة ثرية ولكنها كانت تساعد الفقراء٫ وقد وزعت مراراً وتكراراً مجوهراتِها المهداة من الأثرياء بين الفقراء والأشخاص الذين كانت تتبناهم، فعاشت مثلهم٫ ورحلت فقيرة.

في سن الخمسين وقبل وفاتها بأيام٫ وحين كانت حالتها صعبة جداً، ذهبت إلى الإذاعة لوداع الفنانين. ماتت في الساعة 10:30 مساء في 6 آب/أغسطس 1959 إثر إصابتها بسكتة قلبية٫ ودفنت في مقبرة ظهير الدولة.

استطاعت قمر الملوك تغيير الجو الذكوري للموسيقى الإيرانية في ذلك الوقت، بينما لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً، وكسرت القاعدة التقليدية في حفلها الأول في فندق "غراند هوتيل" الشهير في طهران، حيث غنت عام 1924 أمام الرجال دون حجاب على رأسها، وفي جوّ بالغ الذكورة. ذكرت قمر الملوك أنها أقامت حفلاً موسيقياً من دون حجاب في وقت كانت فيه كل من لا ترتدي "الشادور" تؤخذ إلى مركز الشرطة.

حسب خبراء الموسيقى الإيرانيين، أزالت قمر الملوك بعملها جدار الخوف من أمام الفنانات الإيرانيات الأخريات، ومهدت الطريق لهن للحضور على خشبة المسرح. صاحبة الصوت الأسطوري سجلت ما يقارب 200 أغنية خلال حياتها، ولُقّبت بـ"أم كلثوم إيران".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image