شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصور الشاه بالأمس... متاحف طهران الیوم

قصور الشاه بالأمس... متاحف طهران الیوم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الخميس 6 يونيو 201905:20 م

عندما تذهب إلی طهران، تجد أن القصور المتبقیّة من العهد الملکي أصبحت اليوم مقاصد للسّیاح؛ وهي القصور التي سكنها محمّد رضا شاه آخر ملوك إيران وأعضاء أسرته. کان الشاه یستخدم هذه القصور حتى آخر أیام حکمِه ومغادرته إيران قبیل انتصار الثورة عام 1979 بسبب تصاعد حدّة الاحتجاجات.

وغادر محمد رضا شاه آخر ملوك إیران قصر "نيافَران" (Niavaran) الواقع شمال شرق طهران یوم 16 ینایر 1979 متّجهًا نحو مطار "مهرآباد" في طهران، ومن هناك غادر البلاد أبدًا. وقبل أيام من مغادرته القصر دعا الشاهُ الصحفيين الأجانب لتفقّد القصر من الداخل والخارج ليُشهدهم على أنه سيترك كلّ شيء، ولن یأخذ معه أيّ شيء من القصر، وقد زار الصحفیّون أماکن خاصة کـداخل خزانات الألبسة، وذلك لأوّل مرة. وبعد انتصار الثورة الإسلامیة عام 1979 بقیادة الخمیني، اقتحم الشعب والثّوار قصور الشاه التي کانت تحت حمایة قوّات الحرس الملکي (غارْد جافیدان). وبما أن هذه القوات کانت تتجنّب مواجهة المحتجّین حتى في الشوارع، فقد حافظ الثّوار على هذه القصور من النهب بعد انتصار الثورة الإسلامیة. وبعد تشکیل اول حکومة بعد الثورة أصبحت مسؤولية الحفاظ على هذه القصور على عاتق منظمة التّراث الثقافي قبل أن تتحوّل إلی متاحف.

والآن عندما تزور طهران یمکنك زیارة هذه القصور المحوّلة إلی متاحف، ورؤیة نوعية الهندسة المعمارية المستخدمة فيها، والمعالم الفنیة والثقافیة الفریدة. وثمة قصور كثيرة في طهران كانت تابعة للأسرة الملکیة من أبرزها قصر "سعْدآباد" و"نیافَران" و"مَرمر" و"کُلِستان"، وکان للأسرة الملکیة قصورٌ أخری خارج العاصمة طهران وفي مدنٍ إیرانیة أخرى منها مدینتا "رامْسَر" شمالي إيران و"کَرَج". مجموعة قصور سعْدآباد تقع مجموعة قصور "سعدآباد" شمال طهران، وهي عبارة عن حديقة شاسعة تضمّ عددًا من القصور التي كان قد شیّدها ملوك القاجار في طهران في القرن التاسع عشر، ثمّ تمّ توسيعها في عهد الحکم البَهلويّ، حیث تمّت إضافة قصور أخری لها.

تقع المجموعة بالقرب من منطقة "دَربَند" الواقعة على سفح الجبل في شمال طهران، وهي مقصد لکثیر من سكّانِ طهران خلال عطلة آخر الأسبوع، حیث يقع الکثیر من المطاعم، وتزيّن المنطقة شلّالات جميلة، جعلت منها إحدی أکبر المتنزهات في العاصمة الإيرانية. "القصر الأبیض"، هو أکبر قصور مجموعة سعدآباد، وکان المقرّ الصیفيّ لـمحمّد رضا شاه البهلوي وزوجته وأبنائه. في مدخل القصر الأبيض کان هناك تمثال معدنيّ ضخم لـرضا شاه (الشاه الأب)، وقد تمّ قصّه بعد الثورة من فوق الجزمة، فلم یتبقّ من التمثال سوی جزمته الکبیرة. وکان یعرف رضا شاه بـ "صاحب الجزمة". وفي القصر الأبیض أيضًا تمّ وضع فاصل زجاجي أمام مداخل الغرف لمنع الزوّار من الدخول، حیث یمکنهم رؤیة داخل الغرف والصّالات من فوق الفاصل الذي لا یتجاوز ارتفاعه المتر الواحد، وتمتلئ هذه الغرف والصّالات بالکراسي التي تضمّ الأرائك والسجّاد والستائر الفخمة التي تشکّل تدرّجات لونية جميلة.

السجّاد المنسوج بأیدي نساجین محترفین من إصفهان وکاشان وغیرها من المدن الإیرانیة، والأرائك والستائر الفرنسیة الفخمة، بالإضافة إلی اللوحات الفنیة والهدایا المقّدمة من مختلف أنحاء العالم، بما فیها التماثیل المعدنیة للنخیل وأثمارها الذهبیة المهداة من أمیر البحرین آنذاك إلی شاه ایران، نراها كلّها في القصر الأبيض.

قصر "نيافَران" هو المكان الذی احتفل به الرئیس الأمریکی "جیمي كارتر" في آخر رحلاته الی ایران (1977) بـعید رأس السنة الميلادية برفقة الشاه، وهناك وصَف کارتر إیران بـ"جزیرة الاستقرار".
قبل مغادرته القصرَ دعا الشاهُ الصحفيّين الأجانب لتفقّد القصر من الداخل والخارج ليُشهدهم على أنه لن یأخذ معه أيّ شيء من القصر، وقد زار الصحفیّون أماکن خاصة کـداخل خزانات الألبسة، وذلك لأوّل مرّة.
ویمکن للزائر مشاهدة جمیع الغرف والصّالات بما فیها غرفة الانتظار، وغرفة العمل، وغرفة الاستقبال، وقاعة الطعام، وغرف النوم، وغرف أخرى كانت متعلقة بعائلة الشاه. تضمّ مجموعة سعدآباد للقصور العدید من القصور التي تحوّلت جمیعها إلی متاحف بما فیها مطبخ القصر الذي تحوّل إلی متحف "المطبخ الملکي"، وهو لم یکن سوی بناء صغیر في وسط الحديقة. وفي متحف المطبخ الملکي یمکن مشاهدة قائمة طعام الشاه وأفراد أسرته الیومیة، کما یمکن مشاهدة جهازيْن ألمانيَّي الصناعة لفرم اللّحم وتقطیع البطاطا، بالإضافة إلی عدد کبیر من الصحون النحاسیة وأواني تقدیم الشاي من الفناجین والصحون والمعالق والسّماورات وأباریق الشای بمختلف الأحجام، والمزینة بنقوشٍ تقلیدیة. وقد تحوّلت جمیع القصور بما فیها قصور "الملکة الأم" و"القصر الأخضر" و"قصر وليّ العهد" إلی متاحف مستقلّة. علی سبیل المثال ملابس أفراد الأسرة الملکیة معروضة في "متحف الأزیاء الملکیة"، والصور الفوتوغرافیة وألبومات صور حفل زواج محمد رضا شاه من "فوزية"، شقیقة الملك المصري آنذاك، معروضة في "متحف الصّور الملکیة"، والهدایا والمعالم الفنیة التي كانت قد أُهديت للشاه أو قد جلبها بنفسه فمعروضة في متاحف مستقلة تحمل العنوان نفسه.

وقد تمّ تحویل أحد القصور إلی متحف لعرض المعدّات التاریخیة والقدیمة التابعة للجیش الإیراني، وقصر آخر لعرض لوحات الرّسم للفنان الإیرانی الشهیر "فرشجِیان". كما تمّ تخصیص جزء من قصر سعدآباد إلی رئاسة الجمهوریة حیث یعمل الرئیس بعضًا من لقاءاته في هذا القصر. وجزء آخر من القصر قد تمّ تخصیصه لاستقرار الضّیوف الأجانب من المستویات العلیا بما فیهم زعماء الدول. قصر نيافَران ومن القصور الملكية الأخرى التي قد تحوّلت إلی متحف هو قصر نيافَران الواقع في شمال شرق طهران، حیث تقع حديقة کبیرة في نهاية شارع نيافَران، وهو الشارع الذي قد تغيّر اسمه بعد الثورة، فصار یُعرف اليوم باسم شارع باهنر؛ وهو قصر یبدو وكأنه بیتٌ لرجلٍ غنيّ، ولیس قصرًا ملکیًّا.

وهو المكان الذی احتفل به الرئیس الأمریکی "جیمي كارتر" في آخر رحلاته الی ایران (1977) بـعید رأس السنة الميلادية برفقة الشاه في الطابق الأرضي للقصر، وهناك وصف کارتر إیران بـ"جزیرة الاستقرار"؛ القول الذی تبین في أقل من عام أنه غیر صحیح، حیث سقط الحکم البهلوي الذي کان يعدّ الأقرب إلی واشنطن، وحلّ مکانه أشدّ حکومات الشّرق الأوسط عداءً لأمریکا. وهناك معالم ثقافیة وفنیة تکسو جمیع أنحاء القصر مصمّمة كما كان يروق لـِفَرح، زوجة الشاه الثالثة والأخيرة، والتي كانت قد درست فرع الهندسة المعمارية في باريس، وكانت مهتمّة بالفنّ والثقافة.  وقد تمّ استخدام تقنیة ألمانیة فی سقف القصر المتحرّك الذي یمکن فتحه وإغلاقه. كما یمکن مشاهدة النقوش الإیرانیة في جمیع زوایا القصر. ومن الأماکن الأکثر جاذبیة هي مکتبة القصر، حیث تضمّ کمًّا کبیرًا من الکتب ذات المواضیع المتنوعة بما فیها الکتب التي قدّمها الأمريكي "والت دیزنی" لأبناء محمّد رضا شاه خلال رحلتهم إلی أمریکا. وکان قصر نیافَران المأوی الأخیر للأسرة الملکیة، حیث أقامت الأیام الأخیرة قبل مغادرتها إیران في هذا المكان. وكان الشاه وزوجته وأبناؤهما يسمعون صوت المتظاهرین والشعارات المناهضة للشاه کـ"الموت للشاه"، وهم داخل القصر، كما كان یمکنهم تخمین عدد المتظاهرین.

وإلى جانب قصر نیافَران تقع قصورٌ أخری منها قصر "جَهان نَما". وفي هذا القصر توجد مجموعة من اللوحات الفنّیة الخاصة بزوجة الشاه سواء تلك التي حصلت علیها كهدیة أو التي قامت بشرائها، وتضمّ هذه المجموعة لوحاتٍ وتماثیل لفنّانین إیرانیین وعالمیین من أمثال بیکاسو.

ومتحف السّیارات أیضًا هو من الأماکن السیاحیة في قصر نیافَران، ویضمّ هذا المتحفُ أنواعَ السّیارات بما فیها تلك التي صنعتْها شرکة "رولز رویس" خصيصًا للشاه، والسّیارات الکهربائیة التي کان يلعب بها أبناء الشاه عند طفولتهم، والعربات التي یبدو أن أفراد الأسرة الملکیة کانوا یستخدمونها عند سفرهم إلی شمال البلاد، وللتجوال في ساحلِ البحر بحسب ما تظهره الصور. قصر "كُلستان" وقصر "مَرمر" يقع قصر "کُلستان" بالقرب من السّوق الكبير (البازار) فی طهران، ویضمّ مبنى "شمس العمارة" الذي يعود إلی العهد القاجاري، وکانت يعدّ كأعلی عمارة في طهران، ورمزًا للمدينة آنذاك، حیث یبلغ طولها 35 مترًا. وقد شُیّد قصر "کلستان" قبل 440 عامًا، وقد تمّ تسجيله من قبل لجنة التراث العالمي للیونسکو. کان قصر "کلستان" محلّ تتویج محمد رضا شاه، حیث أقیم حفل التتویج في صالة "آئینه" (المرآة)، الصالة الرئیسیة للقصر والمغطاة جدرانها بقطعٍ زجاجیة، وهو فنٌّ إیراني قدیم یستخدم لتزیین الأماکن. وکان غالبًا ما یتمّ استخدام قصر "کلستان" من قبل الملوك القاجاریین، ومازال یحتفظ القصر ببعض معالم الحکم القاجاري. ویقع قصر "مرمر" بالقرب من قصر "کلستان"، وقد تمّ تغییر اسمه إلی "عمارة قدْس" بعد الثورة الإسلامية. وکان یستخدمه الرئیس الإیراني السابق، أکبر هاشمي رفسنجاني، مکتبًا له حتی وفاتِه. کان قصر "مرمر" محطةً للعدید من الأحداث التاریخیة؛ حیث تعرّض شاه إیران فی هذا القصر إلی محاولة اغتيال فاشلة في ابریل 1965. کما أنه کان قصرًا لرضا شاه (الشاه الأب) قبل أن یعتلي ابنه العرش، وقد کتب رضا شاه نصّ استقالته في هذا القصر، وذلك بعد تعرّضه إلی هجوم من قبل قوّات الاتحاد السوفیتي شمالاً والقوات البریطانیة جنوبًا، خلال الحرب العالمیة الثانیة. ویعدّ قصر "مرمر" الذي یتمیز بقبّته الجمیلة جزءًا من العمارات المستخدمة حکومیًّا، ولذلك لا یمکن زیارته، ولم یتحوّل إلی متحف کما حال القصور الأخری. وهكذا تحوّلت قصور الملوك الإيرانيين إلى متاحف في طهران، وأصبحت محطّة للاطلاع على تاریخ الحکم في إیران على مدى قرون.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image