شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مَهَسْتي كَنجَوي... شاعرة إيرانية وقاتلة في الأفلام الأمريكية

مَهَسْتي كَنجَوي... شاعرة إيرانية وقاتلة في الأفلام الأمريكية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

1 – المرأة القاتلة والسينما السوداء

مصطلح "femme Fatale"، مصطلح فرنسي يعني "المرأة القاتلة"، وهو معروف بهذا اللفظ الفرنسي في جميع لغات العالم تقريباً. "فام فاتال" هي امرأة جميلة وساحرة ومغرية تستدرج الرجال الأذكياء إلى الموت، وذلك بسحر جمالها الذي لا مثيل له، ولا يستطيع أي رجل الهروب من إغوائها، إذ تكتسب الثروة والقوة بجمالها، كما يمكنها السيطرة على أي رجل إن رغبت في ذلك.

وفي الثقافة الغربية، ترتبط أسماء هؤلاء النساء بسينما "النوار" (noir)، وسينما "النوار" مصطلح استُخدم لأول مرة من قبل الناقد السينمائي الفرنسي نينو فرانك، في عام 1946، وتعني هذه العبارة "السينما المظلمة" أو "السينما السوداء"، وهي إشارة مباشرة إلى الأفلام ذات المضامين المماثلة والغامضة التي أُنتجت في أمريكا بين أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته.

ويُعدّ فيلم "الصقر المالطي"، للمخرج جون هيوستن، أول فيلم "نوار" في تاريخ السينما، وطبعاً كانت هناك قبل هذا الفيلم، أفلام ذات أوجه شبه موضوعية وأسلوبية، لكن فيلم هيوستن هذا، يُعدّ أول فيلم "نوار" متميز وكامل، إذ يحمل كل الخصائص الرئيسية للسينما المظلمة (النوار).

مَهَسْتي كَنجَوي، التي وصفت نفسها بأنها امرأة جميلة وجذابة وواسعة المعرفة، تذكر في إحدى قصائدها بشكل مباشر أن النساء اللواتي مثلها، لا يمكن إبقاؤهن في المنزل وحرمانهن من الحياة الاجتماعية

لكن فيلم "النوار" والشخصية الأنثوية الساحرة أو المرأة القاتلة، لا يقتصران على حدود أمريكا، ففي السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، صُدّرت تدريجياً نظرة الأمريكيين المريرة والقاتمة إلى هويتهم ومكانتهم الشخصية والاجتماعية، والتي عرّفوها بأسلوب "النوار" إلى العالم أجمع.

مَهَسْتي كَنجَوي

وتتميز هذه الأفلام بسمات بارزة عدة، إذ تُصوَّرُ في الغالب باللونين الأبيض والأسود، وتمتلئ مشاهدها بالظلال الساطعة، وتعود جذور الأسلوب البصري لفيلم "النوار" إلى السينما التعبيرية الألمانية، كما أن وجود البطلة الفاتنة أو المرأة القاتلة يُعد من أهم خصائص هذه الأفلام، ويعود ظهور شخصية المرأة الجذابة والمغرية لأول مرة في روايات الجريمة، التي صدرت في أوائل القرن العشرين.

وفي الواقع، العديد من روايات الجريمة والأدب البوليسي، بدت مناسبةً لتحويلها إلى أفلام، حيث أنها لاقت إقبالاً واسعاً من قبل الجمهور، وعلى الرغم من أن الشخصية الأنثوية المغرية قد شوهدت أيضاً في الأعمال الصامتة، إلا أنه يمكن القول إن شخصية المرأة القاتلة خلقت شخصيتها المستقلة والمتميزة في أفلام "النوار"، إذ أصبحت شخصيةً أساسيةً في كل عمل "نوار".

وما جعل دور المرأة المغرية والقاتلة أكثر بروزاً على الشاشة، هو أن ظهور هذه الشخصية في السينما، تزامن مع تطورات كبيرة مثل هجرة القرويين إلى المدن، والركود الاقتصادي وتواجد النساء بشكل أوسع في المجتمع، ولذلك يُعدّ وجود النساء في أفلام "النوار"، انعكاساً لوجود المرأة الجديدة في المجتمع.

ومن ناحية أخرى، فإن نحو عقدين من إنتاج السينما "النوار" المؤثرة، خلق اتجاهاً ثقافياً جديداً أثّر على نساء العالم، كما أن جاذبية المرأة الفاتنة وانجذابها الجنسي، يظهران بطريقة أو بأخرى، نظرة المجتمع الغربي إلى المرأة في ذلك الوقت.

2 – الشاعرة القاتلة الإيرانية

شخصية المرأة المغرية أو الأنثى القاتلة، تعود في الواقع إلى أقدم العصور البشرية، إلى حواء زوجة آدم في الديانات الإبراهيمية، التي خدعت آدم ليُطرد من الجنة، وإلى ميدوسا في الأساطير اليونانية القديمة التي أغوت بجمالها إله البحار بوسيدون، ونامت معه في قصر الإلهة أثينا، وحولت أثينا شعره إلى ثعابين مقززة، حتى أصبح أقبح مخلوق على وجه الأرض، وتعود أيضاً إلى هيلين التي خاضت طروادة حرباً بسببها، وإلى النساء الساحرات اللواتي ظهرن في قصص "ألف ليلة وليلة".

وفي الأدب الفارسي، يطلَق على الشخصية الأنثوية الساحرة اسم "امرأة مدينة الفوضى"، تأثراً بشعر الشاعر الإيراني الكبير حافظ، وعلى سبيل المثال، يصف هذا الشاعر في إحدى قصائده "امرأة مدينة الفوضى" على النحو التالي:

"لقد جاءت الليلة الماضية بوجه محمر

احترقت قلوب حزينة عقبها بالجمر

القتل لعبة لدى امرأة مدينة الفوضى

فالقتل لباس لها مبطن بالخنجر".

لكن قبل نحو قرنين من حافظ، بدأت شاعرة تُدعى مَهَسْتي كَنجَوي، بوصف مثل هذه الشخصيات في شعرها، حتى أنها لُقبت بـ"شاعرة مدينة الفوضى الشعر الفارسية". وُلدت مَهَسْتي كَنجَوي، في السابع من أيار/مايو 1089، في مدينة "كنجة" التي تقع في أذربيجان اليوم، وكانت ضمن إيران آنذاك.

من أشعار مَهَسْتي كَنجَوي

يتكون اسم مَهَسْتي من كلمتين "مَه"، وتعني عظيمة، و"سَتي" أي السيدة، وتعنيان مجتمعتين "السيدة العظيمة"، كما يعتقد البعض أن كلمة "مَه" هنا تعني "القمر" وتجب ترجمة هذا الاسم إلى "سيدة القمر". وبالرغم من ذلك كله، هناك اختلافات في الرأي حول اسم مَهَسْتي كَنجَوي، الحقيقي، فالبعض يعدّ اسمها الحقيقي هو "مَنيجه".

أرسلها والدها الذي كان فقيهاً، إلى المدرسة في سن الرابعة، فتعلمت القراءة والكتابة في وقت مبكر جداً. كانت لمَهَسْتي مهارات خاصة في العزف على القيثارة والعود والقطران، كما جلبت رباعياتها شهرةً كبيرةً لها، وفي قصائدها صورت نفسها على أنها امرأة مغرية وجميلة، حيث أنها سرقت قلوب الكثير من الرجال في ذلك الوقت.

بقيت مَهَسْتي في مدينة كنجة لبعض الوقت، ثم اضطرت إلى الهجرة من هناك وذهبت إلى مدينة زنجان غرب إيران، ثم إلى مدينة مرو شمال شرق إيران، حيث أصبحت من المقربين للسلطان أحمد سنجر السلجوقي (1085-1157)، الذي كان حاكم خراسان من 1097 إلى 1118، وأصبح السلطان التاسع للإمبراطورية السلجوقية وحكم حتى وفاته عام 1157، وهناك التقت مَهَسْتي بالشاعر والفيلسوف وعالم الرياضيات الحكيم عمر الخيام. وبحسب بعض الأقاويل، يبدو أن مَهَسْتي كَنجَوي كانت إحدى كاتبات بلاط السلطان سنجر، لأنها كانت تُعرف باسم "مَهَسْتي دبير".

3 – مَهَسْتي وزوجها

مَهَسْتي كَنجَوي، التي وصفت نفسها بأنها امرأة جميلة وجذابة وواسعة المعرفة، تذكر في إحدى قصائدها بشكل مباشر أن النساء اللواتي مثلها، لا يمكن إبقاؤهن في المنزل وحرمانهن من الحياة الاجتماعية، لكن مع ذلك، لا توجد معلومات وتفاصيل كاملةً عن حياتها، وما هو متاح هو مجرد اقتباسات من سيرتها الذاتية، كما نقل المؤرخون قصصاً عنها.

وأقدم مرجع يقدّم معلومات عن حياة مَهَسْتي، هو كتاب الرحالة والأديب الإيراني حمد الله المستوفي "التاريخ المختار"، الذي ألّفه عام 730 هجري، إذ يشير في هذا الكتاب إلى ابن الخطيب كنجة، وزوجته مَهَسْتي، كالتالي: "عاش ابن الخطيب كنجة الذي يكون اسمه تاج الدين أحمد، في عهد السلطان محمود الغزنوي، ولديه أشعار جيدة، خاصةً تلك الأشعار التي ناقش من خلالها زوجته مَهَسْتي".

على الرغم من قلة قصائدها الموجودة، إلا أن مَهَسْتي كَنجَوي تُعدّ حاملة لواء نوع خاص من الشعر بسبب الابتكار الذي كانت تتمتع به في اختيار موضوعات قصائدها، التي بسببها أصبحت تُعرف بـ"شاعرة مدينة الفوضى الإيرانية"

لكن للأسف الديوان الكامل لقصائد مَهَسْتي غير متوافر، ولم ترد سوى الرباعيات التي تحمل اسمها في كتب "نزهة المجالس" و"مؤنس الأحرار" وغيرهما من المجموعات القديمة، بينما كان لها ديوان في مدينة هرات الأفغانية حتى بداية القرن العاشر، لكن دُمّر هذا الديوان في الهجوم الرهيب لعبيد الله خان الأوزبكي، على هذه المدينة، ولم تبقَ منه سوى قصائد متفرقة في الكتب القديمة.

وذُكرت 61 رباعيةً لمَهَسْتي في كتاب "نزهة المجالس"، الذي يُعدّ أقدم مجموعة أعمال مَهَسْتي كَنجَوي، وأكثرها موثوقيةً، فهذا الكتاب يحتوي على مجموعة تزيد على أربعة آلاف رباعية ألّفها نحو ثلاثمئة شاعر إيراني من القرن الخامس إلى القرن السابع الهجري، وقام بتجميعها جمال الدين خليل شرواني، في منتصف القرن السابع الهجري.

ديوان أشعار مَهَسْتي كَنجَوي

وعلى الرغم من قلة قصائدها الموجودة، إلا أن مَهَسْتي كَنجَوي تُعدّ حاملة لواء نوع خاص من الشعر بسبب الابتكار الذي كانت تتمتع به في اختيار موضوعات قصائدها، التي بسببها أصبحت تُعرف بـ"شاعرة مدينة الفوضى الإيرانية".

لم ترد في أي من المصادر القديمة معلومات دقيقة وواضحة عن وقت وطريقة وفاة مَهَسْتي، لكن يخمن بعض المؤرخين أنها توفيت عام 577 هجرية.

هناك كتاب موجود في مكتبة تبريز الوطنية، يعود على ما يبدو للقرن السابع الهجري، ويحتوي على مناظرات ومناقشات مَهَسْتي مع زوجها الأمير أحمد، بما في ذلك 185 بيتاً للأمير أحمد و110 أبيات لمَهَسْتي، وبناءً على هذه القصائد، أصدر المستشرق السويسري فريتز ماير، عام 1963، كتاباً باللغة الألمانية، تحت عنوان "مَهَسْتي الجميلة"، عن حياتها وشعرها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard