شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
إيران

إيران "المتشمتة" بقمع الطلاب في أمريكا… كيف واجهت حركاتها الطلابية عبر عقود؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

"حرّة حرّة فلسطين"؛ هتاف يعلو فوق جميع الهتافات هذه الأيام في الولايات المتحدة. فبعدما اعتصم طلاب/طالبات جامعة كولومبيا الأمريكية الواقعة في مدينة نيويورك منذ أكثر من أسبوعين، مطالبين بعدم تعاون جامعتهم مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال، توسعت دائرة هذه الاعتصامات والمطالبات حتى شملت عدداً من أبرز الجامعات الأمريكية.

وحتى اليوم انضمت نحو 45 جامعةً من ولايات مختلفة، منها واشنطن وكاليفورنيا وتكساس وجورجيا وفلوريدا وأوهايو ونيوجرسي وغيرها، إلى حركة الاحتجاجات ولم يعتصم في هذه الجامعات الطلاب فحسب، بل انضم إليهم كبار الأساتذة وهيئة المدرّسين.

حركة الطلاب هذه لم تكن الأولى من نوعها في أمريكا، إذ كانت بدايتها في نيسان/أبريل 1968، عندما احتج طلاب/طالبات جامعة كولومبيا على حرب فيتنام آنذاك.

الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية

صدى هذه الاعتصامات توسع بشكل كبير. بلدان كثيرة غطّت أحداثها إعلامياً، ومنها البلدان الصديقة والمعادية للولايات المتحدة وفي طليعتها إسرائيل. أما  إيران التي لها باع طويل في معاداة إسرائيل والولايات المتحدة، فضجت وسائل الإعلام فيها ولا سيما المقربة من الحكم، بمتابعة هذه الأحداث وتغطيتها بشكل مستمر.

انتقد المسؤولون الإيرانيون تعامل الشرطة الأمريكية واستخدامها "العنف" ضد الاحتجاجات الطلابية، ما أثار ردود فعل واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، التي ذكّرت السلطات الإيرانية بتعاملها مع الاحتجاجات والأنشطة الطلابية في البلاد، وقمعها

حول هذا كتبت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا" في تقرير: "دعم شعب غزة والاحتجاجات ضد سياسات حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الدعم الشامل للكيان الإسرائيلي، بدأت هذه المرة من قبل مجموعات مختلفة من الطلاب في الجامعات الأمريكية، وبحسب وكالة رويترز، تم اعتقال نحو 550 شخصاً من جامعة كولومبيا في نيويورك، وامتدت الاعتقالات إلى جامعات أمريكية أخرى، منذ بداية هذه الاحتجاجات التي أقيمت تحت اسم 'حركة التضامن مع غزة'... إن استخدام العنف وأدوات الشرطة لمواجهة وقمع التجمعات والاحتجاجات السلمية للطلاب والشباب الأمريكيين ودخول الشرطة إلى حرم الجامعات يتعارض مع ادعاءات ذلك البلد بشأن مبدأ حرية التعبير. وتُعدّ هذه الأعمال القمعية العنيفة، جزءاً من سياسة الدعم العلني لعمليات القتل وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، وهذا الأمر سيشجع الكيان الصهيوني على مواصلة خلق التوتر وشنّ الحرب والإبادة الجماعية".

تجمع احتجاجي لطالبات في إيران

كما جاء في تقرير لوكالة مهر شبه الرسمیة: "الطلاب الأمريكيون يقدّمون احتجاجاتهم على أنها ’مناهضة للحرب’، إذ طالبوا الجامعات بالامتناع عن استثمار أصولها الجامعية في شركات الأسلحة أو غيرها من الصناعات التي تدعم آلة حرب الكيان الصهيوني في غزة، آملين أن يمنع هذا الأمر ’الإبادة الجماعية في غزة’، ومن أهم مطالب الطلاب تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة... ويعود جزء مهم من دعم واشنطن لتل أبيب إلى وجود لوبي كبير وثري يدعم الصهاينة في أمريكا، وتأتي قدرة هذا اللوبي من الجالية اليهودية الأمريكية، المدعومة من المجتمع المسيحي الإنجيلي الأمريكي".

احتجاجات طلابية في إيران

لم تكتفِ إيران بتغطية هذه الأخبار فحسب، بل أعلن نائب الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية محمد حسيني، أن جامعات إيرانيةً عدة مستعدة لقبول الأساتذة والطلاب الموقوفين والمفصولين من جامعات أمريكا، قائلاً: "إن هذه المبادرة من قبل الجامعات الإيرانية، تُعدّ خطوةً مرحباً بها، إذ تعمل على تعزيز العدالة ومكافحة انتهاك حرية التعبير، وهذا الأمر سيكون له صدى إيجابي وكبير في العالمين الإسلامي والغربي".

كما انتقد المسؤولون الإيرانيون تعامل الشرطة الأمريكية واستخدامها "العنف" ضد الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة، ما أثار ردود فعل واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، التي ذكّرت السلطات الإيرانية بتعاملها مع الاحتجاجات والأنشطة الطلابية في البلاد، وقمعها. ففي إيران حدثت حركات طلابية واسعة وعديدة قبل انتصار الثورة الإسلامية وفي أثنائها وبعدها، وسنذكر أبرزها في هذه المادة، وكيف ووجهت في هذا البلد.

بداية الحركات الطلابية في إيران

بدأت الحركات الطلابية في إيران، في خمسينيات القرن الماضي، تحديداً بعد سقوط حكومة رضا شاه بهلوي، حيث نشأت بيئة أكثر انفتاحاً في البلاد، ازدادت خلالها الأنشطة السياسية بشكل كبير بين طلاب جامعة طهران (المؤسسة الحديثة الوحيدة للتعليم العالي في البلاد آنذاك)، وفي أثناء تلك الفترة، كان لحزب "توده" اليساري تأثير كبير بين الطلاب، حيث تشير تقارير مختلفة إلى أن أكثر من نصف طلاب جامعة طهران كانوا أعضاء أو مؤيدين لهذا الحزب، لكن خلال فترة رئاسة محمد مصدق لمجلس الوزراء وتزايد شعبية الجبهة الوطنية، تعرض ثقل حزب توده في الجامعة لتحدٍّ قوي.

احتجاجات طلابية قبل الثورة الإسلامية في إيران

بعد انقلاب 19 آب/أغسطس 1953، انخرطت التنظيمات السياسية التي شكلت الجبهة الوطنية، لفترة قصيرة، في ائتلاف ضعيف، تحت اسم حركة المقاومة الوطنية، وقامت بمظاهرات وإضرابات متفرقة في خريف العام نفسه، وتشكلت احتجاجات واسعة في جامعة طهران وفي السوق (البازار) وشوارع المدينة، تنديداً بالحكم الصادر ضد مصدق.

وبعد أسابيع قليلة من هذه الأحداث، أُعلن عن استئناف العلاقات بين إيران وبريطانيا (التي انقطعت في أثناء رئاسة مصدق)، كما أن زيارة نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، ريتشارد نيكسون، جلبت جميع الحجج والأسباب اللازمة للاحتجاج، وفي السابع من كانون الأول/ديسمبر 1953، وبناءً على طلب حركة المقاومة الوطنية، ألقى الطلاب الناشطون خطابات في الفصول الدراسية، وبهذا انتشرت الاضطرابات في جميع أنحاء حرم جامعة طهران.

عندما توسعت الاحتجاجات بشكل كبير، قررت الحكومة في ذلك الوقت قمعها لمنع نشوب أي حركة طلابية أخرى، وحينها هاجم الجنود والقوات الخاصة الصفوف الدراسية واعتقلوا وأصابوا مئات الطلاب، كما أطلقت القوات الأمنية أعيرةً ناريةً، ما أدى إلى مقتل ثلاثة طلاب.

الطلاب والثورة الإسلامية

بعد ذلك توسعت هذه الحركات بشكل كبير، وأصبح عقد الستينيات عقداً للتطور الفكري عند الحركة الطلابية الإسلامية، التي كانت بمثابة المعارضة الأساسية لنظام محمد رضا بهلوي، ومن المؤكد أن حادثة اعتقال العالم الديني روح الله الخميني ونشوب احتجاجات 5 حزيران/يونيو 1963، لعبت دوراً مهماً في خلق الحركة الطلابية والثورة الإسلامية.

الطلاب المتأثرون بالمفكرين الإسلاميين، شيّدوا مراكز فكريةً جديدةً في المساجد والأماكن الدينية، مثل "حسينية إرشاد"، وبذلوا جهوداً مضنيةً لتزويد الحركات الطلابية الإسلامية، ومن خلال ذلك ومنذ عامَي 1972 و1973، توسع نطاق القوى الدينية في الحركة الطلابية، وحينها تزايدت قدرة التيار الديني في نهاية عام 1976، كما ارتفع مستوى تأثير رجال الدين في المحاضرات والفضاءات الجامعية، وتزامنت هذه الأحداث مع ذروة الثورة ضد الشاه وظهور رجل الدين روح الله خميني كقائد للثورة الإسلامية. في عام 1979، أصبحت الجامعةُ القلبَ النابض للنضال ضد نظام بهلوي، وأصبحت الحركة الطلابية حركةً اجتماعيةً ذات وزنٍ ثقيل.

بعد الثورة

بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، بقيت الحركات الطلابية مستمرةً وكانت أبرز محطاتها حادثة احتجاز الرهائن في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في طهران، في ما يُسمى من قبل التيار الإسلامي في إيران "الاستيلاء على وكر الجواسيس"، وتُعرف في الإعلام الغربي بـ"أزمة الرهائن في إيران".

تسببت هذه الحادثة بالجمود الدبلوماسي بين طهران وواشنطن، الذي بدأ في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1979، عندما قام عدد من الطلاب الناشطين المعروفين بـ"الطلاب التابعين لخط الإمام (الخميني)"، بمهاجمة السفارة الأمريكية، إذ تحولت هذه الخطوة إلى واحدة من أهم الأزمات الدولية، واحتُجز 66 دبلوماسياً أمريكياً كرهائن. انتهت تلك الأزمة بعد 444 يوماً في 20 كانون الثاني/يناير 1981، وذلك بقبول "اتفاقية الجزائر" من قبل حكومتَي إيران والولايات المتحدة.

اقتحام السفارة الأمريكية في طهران

بعد ذلك بفترة، نشبت الحرب الإيرانية العراقية، ودامت نحو ثمانية أعوام، وقلّت في هذه الفترة جميع الحركات السياسية والاجتماعية في إيران.

بعد الحرب لم تقُم حركات طلابية مهمة حتى الاحتجاجات الكبيرة التي اندلعت في 7 كانون الأول/ديسمبر 2009، بين عشرات الآلاف من الطلاب والعامة داخل إيران.

بدأت الحركات الطلابية في إيران، في خمسينيات القرن الماضي، تحديداً بعد سقوط حكومة رضا شاه بهلوي، حيث نشأت بيئة أكثر انفتاحاً في البلاد، ازدادت خلالها الأنشطة السياسية بشكل كبير بين طلاب جامعة طهران

خلال هذه الاحتجاجات اشتبكت قوات الأمن مع الآلاف من المتظاهرين الذين كانوا يهتفون "الموت للديكتاتور" خارج جامعة طهران، إذ قامت القوات بضرب الناس بالهراوات، كما أطلقت الغاز المسيل للدموع.

كانت هذه الاحتجاجات أكبر مظاهرة شهدتها البلاد منذ فترة طويلة، إذ شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص في أكثر من اثنتي عشرة جامعةً في جميع أنحاء البلاد، وفي العديد من ساحات طهران.

الحركة الطلابية والحركة النسوية

"الحركة الطلابية الإيرانية لعام 2022"، هي حركة طلابية واسعة شملت طلاب 144 جامعةً إيرانيةً، وبدأت خلال احتجاجات 2022 في إيران، وجاءت لمساندة الحركة النسوية التي تُسمّى بـ"المرأة، الحياة، الحرية"، بعد مقتل الفتاة مهسا أميني في أحد مراكز شرطة الحجاب في طهران.

وكانت أساليب هذه الاحتجاجات هي المسيرات والتجمعات والاعتصامات ورفض الحضور في الفصول الدراسية وترديد الشعارات والهتافات المناهضة، وخلال هذه الاحتجاجات، اعتقلت قوات الأمن عدداً كبيراً من الطلاب، كما تم فصل وتعليق عضوية عدد من الطلاب/الطالبات والأساتذة/الأستاذات المشاركين/ات في الاحتجاجات.

تداعيات تلك الاحتجاجات والعقوبات التي أتت بعدها ما زالت كبيرة في إيران، يعيشها الطلاب والشباب عامة من نساء ورجال حتى اليوم، من أحكام بالسجن ضد المحتجين إلى أحكام الإعدام التي تهزّ البلد بين حين وآخر.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard