"كيف يمكن أن أبارك يوم الطالب الجامعي، في حين أن مئات الطلاب منشغلون بالذهاب نحو المحكمة واللجان التأديبية؟ أستطيع القول فقط إنني أشارككم الحزن. عاشت الجامعة وعاشوا الطلاب". تدلنا تغريدة الأستاذ الجامعي والمحامي الشهير محسن بُرهاني على أن الأوضاع الجامعية ليست على ما يرام في اليوم الوطني للطلاب الجامعيين في إيران والذي يصادف اليوم 7 كانون الأول/ديسمبر، إذ يحتفل طلاب الجامعات الإيرانية بذكرى يومهم الوطني، تخليداً لذكرى مقتل 3 من الطلاب في احتجاجات عام 1953.
حدث ذلك بعد 4 أشهر من الانقلاب ضد رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً محمد مصدق، عبر خطة مدبرة من المخابرات الأمريكية والبريطانية. وقد قرر شاه إيران محمد رضا بَهلَوي أن يستقبل نائب الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون في طهران، بينما طلاب الجامعة كانوا واقفين له بالمرصاد.
وبعد احتجاجات عمت جامعة طهران الرئيسية، قامت القوات العسكرية وقبل يوم من وصول نيكسون، بقمع المظاهرة، ما أدى إلى مقتل 3 من الطلاب وإصابة العشرات واعتقال المئات في 16 من شهر آذر الإيراني (المصادف 7 كانون الأول/ديسمبر). وكان من بين القتلى الطالب مهدي شريعتْ رَضَوي، شقيق زوجة المفكر علي شريعتي.
سادت الأجواء الأمنية إثر ذلك القمع، وبعد يوم دخل نائب الرئيس الأمريكي إلى الجامعة وخرج بشهادة دكتوراه فخرية في القانون، ليكون شوكة في أعين الطلاب، لكنهم حولوا ذلك اليوم إلى رمز النضال الطلابي في تاريخ البلاد.
تاريخ الحركة السياسية
تبلور الحراك السياسي في الأوساط الجامعية بعد وصول الشاه محمد رضا إلى العرش خلفاً لوالده رضا بَهلَوي، بعد أن أطاحت به قوى التحالف في الحرب العالمية الثانية في بداية الأربعينيات من القرن المنصرم.
وكان معظم الطلاب ينتمون سياسياً إلى الأحزاب المعارضة للنظام الملكي منها: "حزب توده" أي "حزب الجماهير"، وحركة المقاومة الوطنية، والحزب الشيوعي، في حين أن البعض منهم كان منتمياً إلى التيارات الإسلامية.
"كيف يمكن أن أبارك يوم الطالب الجامعي، في حين أن مئات الطلاب منشغلون بالذهاب نحو المحكمة واللجان التأديبية؟ أستطيع القول فقط إنني أشارككم الحزن. عاشت الجامعة وعاشوا الطلاب"
لم يَنس الطلاب جيلاً بعد جيل لحظات القمع الوحشية التي عاشها زملاؤهم آنذاك، وعند إنشاء اتحاد الطلاب الإيرانيين في المنفى في بداية العقد السادس من القرن العشرين، أطلقوا على تلك الحادثة باليوم الوطني للطلاب الجامعيين، وأصبح هذا اليوم من أبرز الأيام السياسية في التقويم الإيراني.
يوم الطلاب تحت عباءة النظام الإسلامي
بعد انتصار ثورة 1979، سجلت الجمهورية الإسلامية هذا اليوم ضمن تاريخ البلاد لتضم الطلاب تحت عباءتها. لكنهم استمروا بنضالهم حتى بعد الإطاحة بالملكية، وباتت رمزية هذا اليوم قائمة في احتجاجات تظهر مخالفتهم مع أي سياسة داخلية لا يتفقون معها، وأيضاً للتأكيد على حلحلة مشاكلهم الطلابية، كما أنهم شكلوا بين حين وآخر مسيراتٍ للتضامن مع مشاكل باقي فئات المجتمع، وبشكل عام حول الطلاب يومهم الوطني إلى منصة للتنديد بالظلم.
وحتى بعد عقود على رحيل الشاه لم ينقطع العنف ولم تتخلّ قوات الأمن عن قمع النشاط الطلابي، بل باتت قائمة الفصل من التعليم والمعتقلين والجرحى والقتلى تتضاعف في عهد نظام الجمهورية الإسلامية.
في بداية استقرار النظام الإسلامي في ثمانينيات القرن المنصرم، أعلن آية الله الخميني عن ثورة ثقافية هدفها أسلمة النظام التعليمي بشكل تام وتطهير الجامعات من أي أستاذ أو طالب لا ينتمي للإسلاميين. واستمرت تلك الأحداث لنحو عامين.
كانت هذه نقطة البداية ضدّ أي حراك سياسي جامعي في النظام الجديد الذي ساهم بانتصاره مختلفُ الأحزاب السياسية المعارضة وجميع الشرائح والفئات.
بعد صمت دام لعشرين عاماً عاد الحراك الجامعي مع بدء حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي عام 1997، إذ أخذ النشاط السياسي الطلابي يندد بالاستبداد وكتم الأصوات ويطالب بالحرية من أجل حياة طبيعية.
قمعت عناصر الأمن الاحتجاجات الطلابية الإيرانية في يوليو عام 1999، وباتت يعرف هذا الحدث في البلاد بـ"أحداث الحيّ الجامعي"، حيث داهمت القوات بعد انتهاء المظاهرات ضد إغلاق صحيفة "سلام" الإصلاحية، سكنَ الطلاب، وقُتل شخص وجرح العشرات واعتقل المئات واختفى أكثر من سبعين طالباً جراء ذلك.
سياسة الفصل
باشرت وزارة الاستخبارات الإيرانية بسياسة فصل الطلاب من الجامعات، وإثر هذا القرار تمّ منع مئات الطلاب من دخول الجامعات، فبعضهم فرّ من الوطن، والبعض الآخر أذنت له الحكومة بالعودة بعد سنوات، وآخرون ما زالوا يعانون من هذا التمييز حتى اليوم.
بعد نحو 10 سنوات، شهدت جامعات البلاد مظاهراتٍ مليونية عندما التحق بها فئاتٌ مختلفة من المحتجين في 7 كانون الأول/ديسمبر عام 2009، أثناء ما عُرف بـ"الحركة الخضراء"، التي جاءت احتجاجاً على التزوير في الانتخابات الرئاسية التي جدد أحمدي نجاد خلالها حكمه لولاية ثانية.
ووسط صمت السلطات عن أي معلومات تدلّ على عدد الطلاب الذين تعرضوا للفصل التعسفي، تشير بعض الدراسات غير الحكومية إلى 768 طالباً تمّ فصلهم من الجامعات ونظام التعليم أثناء حكم الرئيس أحمدي نجاد، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح إزالة سياسة الفصل الجامعي من شعارات الانتخابات الرئاسية في عام 2013.
كما تناولت السينما الإيرانية هذا الموضوع وأنتجت فيلماً تحت عنوان "أنا لست غاضباً!"، تدور قصته حول المعاناة التي يواجهها طالب جامعي بعد خضوعه لسياسة الفصل من الجامعة وطرده من الجامعة.
على الرغم من كل ذلك لم يتخلّ الطلاب من مساندة الحراك الشعبي في احتجاجات البنزين عام 2019، وبعد سقوط الطائرة المدنية الأوكرانية في طهران عام 2020، وكذلك في احتجاجات الحرية عام 2022.
عند إنشاء اتحاد الطلاب الإيرانيين في المنفى في بداية العقد السادس من القرن العشرين، أطلقوا على تلك الحادثة باليوم الوطني للطلاب الجامعيين، وأصبح هذا اليوم من أبرز الأيام السياسية في التقويم الإيراني
خرج الطلاب الجامعيون منذ بداية الاحتجاجات بمسيرات عفوية غاضبة في أكثر من 20 جامعة حكومية في مختلف مدن البلاد، منددين بسلوك النظام الذي يقوض حريات الشباب، وحضور العناصر الأمنية في حرم الجامعة، واحترام مطالب المتظاهرين. كما حاولت قواتُ حرس الجامعة بمساعدة الطلاب المنتمين لمکاتب البَسيج في الجامعات والتي تتبع الحرس الثوري، الحدَّ من احتجاجات الطلاب.
تحدّ في مطاعم الجامعة
وبينما استمر بعض الطلاب في مظاهرات شبه يومية داخل الحرم الجامعي، بات تحدي النظام يأخذ شكلاً آخر لنيل الحرية، متمثلاً في كسر قواعد الحكومة وجلوس الطلاب والطالبات معاً في قاعات مطاعم الجامعة لتناول وجبة الغداء، ما هو ممنوع وفق القانون.
تنفذ الجمهورية الإسلامية قواعد في الفصل بين الجنسين في قاعات تناول الطعام في الجامعة، ولكن بعد أزمة الحجاب القائمة، أزال الطلاب والطالبات الستار القائم بينهم، وجلسوا جنباً إلى جنب ليتناولوا وجبة الغداء، ليعودوا بعد ذلك لصفوفهم الدراسية المختلطة.
ولم تحبذ السلطات الأمنية داخل الجامعة والتي تسمى "حراسة"، هذا القرارَ، وبدأت المواجهة بالقوة بين الطلاب والعناصر المعنية، واستمرت هذه العملية خلال الأيام الأخيرة إلى أن غير الطلابُ "التكتيك" في المواجهة فباتوا يأخذون وجباتهم، ويذهبون إلى باحة الجامعة يجلسون مع بعضهم بعضاً لتناول الطعام.
وبينما يجلس هؤلاء الطلاب والطالبات في صفوف التعليم جنباً إلى جنب دون أي منع، لم تتوقف تدخلات الجامعة في التأكيد على الفصل بين الجنسين في وقت تناول الطعام في الجامعة فحسب، بل وتعتبر ذلك إشاعةً للفحشاء.
تنوع النضال الطلابي خلال الأشهر الثلاثة من احتجاجات العام الجاري، بين المظاهرات الصامتة، والإضراب عن التعلم، وفعاليات فنية نالت إعجاب رواد منصات التواصل، وترديد أغاني الاحتجاجات بشكل جماعي، وإصدار بيانات رسمية تطالب بالحرية.
دفع الطلاب ثمناً باهظاً لنضالهم خلال الأشهر الماضية، وبأبشع صور ممكنة من اقتحام قوات الأمن بالزيّ المدني، والحرمان من دخول الحي السكني والجامعة إلى اعتقال المئات منهم.
وقد حرص اليوم رؤساء السلطات الثلاث والوزراء والبرلمانيون وغيرهم على التواجد بين الطلاب والتحدث معهم لامتصاص غضبهم العارم وتهنئتهم في يومهم الوطني، لكن الحركة مستمرة والغضب ما زال ملتهباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين