شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المكان الفارغ لهؤلاء… هذا

المكان الفارغ لهؤلاء… هذا "أقل عقاب" للأساتذة الجامعيين في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 5 سبتمبر 202304:01 م
Read in English:

From lecture halls to exile: Iran's alarming purge of university professors

خلال العام المنصرم فصلت إدارة الجامعات الإيرانية 58 أستاذ/ة، بينما في الأسبوع الماضي فصلت 52 آخرين. هؤلاء يتم فصلهم أو تعليقهم أو إحالتهم إلى التقاعد لعدة أسباب، ولربما القائمة تطول بالأسماء والأعداد. وعلى ما يبدو إن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي تقع حالياً على مفترق طرق بهذه الخطة المتخذة نحو التعليم العالي، إما من شأنها أن ترفع من مستوى التعليم والتطوير العلمي في إيران، أو أنها ستكون بمثابة الضربة التي تقصم ظهر البعير!

وبرغم تأكيد المسؤولين والجهات المعنية في إيران، على أن عزل أو فصل هؤلاء الأساتذة لم يكن لأسباب سياسية، إلا أن تلك الممارسات وتصريحات الأساتذة المفصولين تظهر حقيقة عكس ذلك؛ فأغلب من فُصل قد تضامن أو شارك بشكل أو بآخر في احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، التي اندلعت في خريف عام 2022 في إيران، إثر مقتل الفتاة مهسا أميني بعد اعتقالها من قبل شرطة الحجاب في طهران.

تلك التصفيات لم تكن جديدة على نظام التعليم العالي الإيراني، فالحكومات السابقة مارست أعمالاً مماثلة، بذرائع عدة، منها السياسية والأمنية والعلمية، ولكن كما هو واضح، فإن حكومة إبراهيم رئيسي، تبدو لها اليد الطولى عن سابقاتها في عزل وطرد الأكاديميين.

تاريخ الحكومات الإيرانية الثلاث الأخيرة في طرد الأساتذة الجامعيين

إذا تحدثنا بلغة الأرقام سنجد أن حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد عزلت 85 أستاذاً خلال 8 سنوات. بينما فصلت وعلقت حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، خلال الدورتين الرئاسيتين من آب/أغسطس2013 حتى آب/أغسطس 2021، نحو 14 أستاذاً فحسب، في وقت أن خلال العامين الأولين من فترة رئاسة ابراهيم رئيسي وحدها شهدت طرد 110 أستاذاً جامعياً.

أغلب من فُصل قد تضامن أو شارك بشكل أو بآخر في احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، التي اندلعت في خريف عام 2022 في إيران، إثر مقتل الفتاة مهسا أميني

مما لا شك فيه إن تجاذبات التيارين السياسيين الأساسيين في إيران هما أساس وضع لعبة تصفية الأساتذة في الجامعات الإيرانية، حيث كان يعلق أو يعزل الأستاذ المخالف لفكر التيار الذي تنتمي الحكومة إليه؛ فحكومة أحمدي نجاد المنتمية لتيار المحافظين فصلت الأساتذة الموالين للتيار الإصلاحي، لتأتي بعدها حكومة روحاني الإصلاحية، وتعيد جميع الأساتذة الإصلاحين المفصولين في الحكومة الأصولية، وهي بدورها قامت بعزل وتعليق الأساتذة المحافظين، وهكذا دواليك.

لكن موجة عزل الأساتذة الجديدة هذه، لها دواع أخرى، حيث يتم فصل كل أستاذ شارك في الاحتجاجات الأخيرة أو تضامن مع الطلاب المشاركين، وذلك بعيداً عن انتمائه وولائه للتيارين، إذ كان بين المعزولين أساتذة ينتمون إلى التيار الأصولي.

الجامعات التي تواجه أكثر تصفيات في العزل

الجامعات التي لديها أكبر عدد من الأساتذة المفصولين، هي جامعات "آزاد" (الحرة-الأهلية) والجامعات الحكومية بما فيها جامعات "طهران" و"طهران للعلوم الطبية" و"العلامة الطباطبائي" و"شهيد بِهِشْتي"، حيث تلقت هذه الجامعات أوامر متعددة بإيقاف بعض الأساتذة والعزل المؤقت عن التدريس وحظر الدخول إلى الجامعات وعدم دفع الرواتب وإنهاء التعاون والتقاعد القسري في ما يتعلق بأساتذتها.

الإحصائيات تشير إلى أن عدد 110 للأساتذة المعزولين في هذه الجامعات توزع على النحو التالي: الجامعة الحرة 29 حالة، جامعة طهران 27 حالة، جامعة طهران للعلوم الطبية 11 حالة، جامعة العلامة الطباطبائي 8 حالات، جامعة شهيد بهشتي 7 حالات، جامعة إيران للعلوم الطبية 5 حالات، جامعة فردوسي في مشهد وشهيد باهنر في كرمان شهدتا 3 حالات لعزل الأساتذة، كما أن جامعات كردستان وأصفهان وشريف للتكنولوجيا وبابل للعلوم الطبية كان لكل منها حالتان، وحالة وحيدة في كل من جامعات كيلان وشيراز ومازندران وكرمنشاه للعلوم الطبية وجهروم وحكيم سبزواري وتبريز للعلوم الطبية والخليج الفارسي والزهراء.

توضيحات المسؤولين 

رفض عدد من المسؤولين المعنيين أي صلة بين العوامل السياسة وعمليات العزل هذه، وفي هذا السياق صرح رئيس لجنة توظيف المدرسين بوزارة التعليم العالي الإيرانية محمد خلج أمير حسيني، أن السبب الرئيسي لحدوث هذا الأمر هو التراجع العلمي وتدني مستوى التعليم لدى هؤلاء الأساتذة، حيث برر طردهم أن يصل بصالح الطلاب والجامعة.

كما أكد رئيس الجامعة الحرة محمد مهدي طهرانتشي، أن "عمليات الفصل والتعليق هذه، جميعها بسبب تقاعد الأساتذة وتوظيف أساتذة شباب ذوي مستوى علمي رفيع، لكن الفصل لأسباب سياسية، فهو أمر غير صحيح وبعيد كل البعد عن الحقيقة".

صور الأساتذة الجامعيين المعزولين في صحيفة إيرانية

بينما لمح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عن دعمه لهذه الخطة بعزل الأساتذة ولم ينفي وجود علاقة بين هذه العملية وبين مشاركة الأساتذة المفصولين في احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، قائلا: "إن أعمال الشغب التي وقعت العام الماضي، ضللت بعض الأكاديميين والأساتذة، وكان يجب تنويرهم. واستلهاما من العفو العام لقائد الثورة الإسلامية، طبقنا هذا العفو على الأكاديميين الذين أخطأوا". في إشارة إلى عدم اعتقالهم ومحاكمتهم سياسيا والاكتفاء بمنعهم عن التدريس في الجامعات.

كما أصدرت وزارة الداخلية الإيرانية بياناً زاد من شبهات الدوافع السياسية لعملية فصل أساتذة الجامعات في البلاد، حيث قالت: "ما قامت به وزارة التعليم العالي تجاه عدد من الأساتذة الذين عانوا من تراجع مستواهم العلمي، ولكنهم لعبوا دوراً مهماً في العروض الإعلامية، يستند إلى المعايير القانونية وبالطبع المهمة الثورية للوزارة". 

ورحبت صحيفة "كيهان" التابعة لمكتب المرشد علي خامنئي، بفصل الأساتذة، وبقرار استبدال هؤلاء بأساتذة "موالين" للنظام. وقالت إن فصل الأساتذة المنتقدين للنظام هو "أقل عقاب" لهم.

ردة فعل الأساتذة والطلاب

ورفضاً لهذه الإجراءات أصدرت نقابة أساتذة الجامعات الإيرانية برئاسة الدكتور محمد رضا عارف، بياناً انتقد فيه بشدة التدخلات الواسعة للمؤسسات الأمنية في الشؤون الداخلية للجامعات، وفرض نهج سياسي محدد على شؤونها، وكذلك توظيف أشخاص محسوبين على تيار سياسي مناصر للحكومة في هيئة التدريس للجامعات الإيرانية، فيما طالب المؤسسات "غير المعنية" بالجامعات مثل وزارة الداخلية القيام بواجباتها القانونية، بما في ذلك تحسين أمن البلاد، بدلا من التدخل في شؤون الجامعات.

وفي هذا السياق، أصدر طلاب جامعات الفنون والشهيد بهشتي وكيلان بيانات احتجاجية على موجة طرد الأساتذة، حيث ندد الطلاب في هذه البيانات فصل أساتذتهم الجيدين، وجلب أساتذة بديلين لهم، معتبرين هذه الخطوة إهانة لشأن العلم والجامعات والطلاب.

وجاء في بيان طلاب جامعة الفنون: "نحن لا نحضر الفصول الدراسية. الأساتذة البدلاء إهانة لكرامة الصفوف والمعرفة والجامعات، ولن نكن شركاء لكم في هذه الإهانة، وإلى أن تعود الدكتورة "عليا" والدكتور "مازيار" إلى قاعة الدراسة، فالرد سيكون (لا) لكم ولصفوفكم الفارغة ".

يخشى البعض في إيران أن تكون التطورات الأخيرة كـ "الثورة الثقافية" أو عملية "تطهير" في الأوساط والمراكز العلمية والتعليمية بعد انتصار الثورة في إيران عام 1979

كما عبروا طلاب جامعة شهيد بهشتي، عن رفضهم لفصل الأساتذة من خلال البيان التالي: "لم نعتقد يوما أننا سنصبح غير مرغوبين لدرجة أن الجامعة تخرجنا من أساورها الآمنة أو يتم طرد أساتذتنا الكرام في جميع أنحاء البلاد، كون أننا نختلف معهم، لقد خططوا لغد لا وجود لنا فيه…، لكن لم يعلموا إننا في كل ثانية ودقيقة، نخطط لغد بدونهم" (أي بدون النظام الحالي).

ودفاعاً عن الأساتذة المنفصلين في جميع أنحاء إيران، أصدر اتحاد طلبة جامعة كيلان بيناً جاء فيه: "اتخاذ قرارات غير صحيحة بعزل ووقف التعاون مع بعض أعضاء هيئة التدريس في مختلف جامعات البلاد، يكون بمثابة تحذيراً مهماً لاستمرار تدفق الفكر الحر والمستقل، لأن هؤلاء الأساتذة لديهم وجهات نظر ومبادئ لا تتوافق مع الحكوميين والمسؤولين".

ما بعد عزل الأساتذة

هناك احتمالات كثيرة بتوظيف أساتذة موالين ومناصرين للحكومة في هيئة تدريس الجامعات، وإخلاء الجامعات من الأساتذة المخالفين، حيث باتت تأخذ هذه التكهنات طابعاً جدياً أكثر، بعد انتشار نسخة لرسالة توظيف 15 ألف شخص في هيئات التدريس في الجامعات، عبر المنصات التواصل الاجتماعي في إيران، بينما نفت السلطات صحة هذه الرسالة، في وقت لم يكن هناك أي تصريح من مسؤول أو جهة معنية بعدم توظيف أساتذة جدد، بينما تؤكد السلطات على توظيف أساتذة شباب لرفع المستوى العلمي في البلاد.

ويخشى البعض في إيران أن تكون التطورات الأخيرة كـ "الثورة الثقافية" أو عملية "تطهير" في الأوساط والمراكز العلمية والتعليمية بعد انتصار الثورة في إيران عام 1979، والتي بموجبها تم فصل آلاف المعلمين وأساتذة الجامعات، بسبب ولائهم لنظام الشاه أو توجهاتهم اليسارية.

وبحسب المراقبين والخبراء الإيرانيين فإن طرد الأساتذة من الجامعات، سيترك أثراً سلبياً على أداء الجامعات والطلاب، وبالتالي سيقلص من المستوى العلمي على المدى الطويل والقصير في البلاد، مما يجعل هجرة النخب من العلماء والأساتذة والطلاب إلى خارج البلاد، أمراً حتمياً والمحصلة فقدان مكانة إيران العلمية في العالم، وذلك إلى جانب اتساع موجة الغضب الشعبي في البلاد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard