شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الصمود البيئيّ في فلسطين والجولان في مواجهة الغسل الأخضر الإسرائيلي

الصمود البيئيّ في فلسطين والجولان في مواجهة الغسل الأخضر الإسرائيلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 18 أبريل 202409:30 ص

على مدار عقود طويلة، سعى الكيان الإسرائيلي ليقدم رواية ويسوّقها على الصعيد العالمي، بكونه قوة متفوقة بيئياً في المنطقة، وكرّس للأمر جهوداً على مستوى الزراعة والتشجير والحلول المائية وتكنولوجيا الطاقة المتجددة، وهي جهود تندرج تحت إطار "الغسل الأخضر" الذي يهدف لتلميع صورة الاحتلال وتسهيل التطبيع البيئي بينه وبين الدول العربية، لكنه يرسخ ممارساته الاستعمارية والعنصرية، ويساعد في استمرار جملة من الممارسات البيئية الجائرة داخل المنطقة العربية وخارجها.

تبحث الناشطة والباحثة الفلسطينية منال شقير، ضمن الفصل الثالث من كتاب "تحدي الرأسمالية الخضراء" الصادر عن دار صفصافة المصرية في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في أشكال التطبيع البيئي في فلسطين والجولان، منطلقة من جملة أسئلة حول الكيفية التي يقوّض بها هذا التطبيع كأداة للغسل الأخضر النضال الفلسطيني، ودور الصمود البيئي في هذا السياق. في ما يلي ملخص لهذا الفصل.

تنهب إسرائيل حصص المياه الفلسطينية والسورية باستمرار ودون أي رادع، لصالح المستوطنين والأراضي التي تحتلها.

مشاريع التطبيع البيئي

نهاية عام 2022 وفي مؤتمر المناخ كوب27 في شرم الشيخ المصرية، وقع الأردن وإسرائيل بعد وساطة إماراتية مذكرة تفاهم لدرس جدوى "مشروع الازدهار"، وبموجبه تُنشأ محطة طاقة شمسية في الأردن من قبل شركة "مصدر" الإماراتية وتستخدم الطاقة الناتجة منها في محطة تحلية مياه إسرائيلية على البحر المتوسط، سيشتري منها الأردن المياه المحلاة. وقد اقترحت هذه الفكرة من منظمة "إيكوبيس الشرق الأوسط" التي تدفع نحو التطبيع البيئي بين الأردن وفلسطين وإسرائيل.

ويعاني الأردن أزمة مياه مستمرة منذ عقود، تقف وراءها أسباب عدة، منها التغير المناخي والكثافة السكانية مع ازدياد أعداد اللاجئين، وهي الأسباب التي يتم التركيز عليها عادة في إغفال للدور الجوهري الذي تمارسه إسرائيل في جعل الأردن عطشاناً، إذ استنزفت على عقود موارده المائية لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، ونهبت حصته من نهري الأردن واليرموك، ولم تعطه أي إمدادات مائية عكس ما يروج له في وسائل إعلام إسرائيلية وغربية. كما أن إسرائيل تنهب حصص المياه الفلسطينية والسورية باستمرار ودون أي رادع، لصالح المستوطنين والأراضي التي تحتلها.

وفي منتصف 2022 انضم الأردن إلى المغرب والإمارات والسعودية ومصر والبحرين وعُمان لتوقيع مذكرة تفاهم مع شركتي طاقة إسرائيليتين لتنفيذ مشاريع طاقة متجددة على الأراضي العربية، هما "إينلايت غرين إينيرجي ENLT" و"نيوماد إينيرجي".

تروج إسرائيل لهذه الاتفاقيات على أنها "المنقذ" و"الفرصة" للدول العربية الموقعة عليها، ما يعكس جوهر سرديتها عن "الإحسان والرعاية والكرم البيئيين"، وبأنها تضع التقنيات التي طورتها في مجال إدارة الموارد المائية والتخفيف من آثار أزمة المناخ في خدمة جيرانها، مصورة نفسها كراعية بيئية وقوة مائية إقليمية.

إلى جانب ذلك برزت شركة ميكوروت الإسرائيلية كلاعب رئيسي في قطاع تحلية المياه ولعبت دوراً في جهود الغسل الأخضر، فهي مسؤولة مثلاً عن 40% من تحلية مياه البحر في قبرص، في حين أن أرباحها تموّل ممارسة الفصل العنصري المائي ضد الفلسطينيين، فهي تسيطر على معظم موارد المياه في الضفة الغربية وتحولها نحو المستوطنات غير الشرعية، ولها دور في سرقة مياه نهر الأردن. ويهدد هذا قطاع الزراعة الفلسطيني ويجبر كثيرين على ترك أراضيهم وتالياً التخلي عن جزء من حياتهم وهويتهم.

لسنوات طويلة احتج الفلسطينيون والجولانيون على مشاريع الطاقة الاستعمارية المنفذة على أراضيهم، مثل مزارع الرياح في هضبة الجولان المحتلة، والتي تفرض قيوداً على وصول المزارعين إلى أراضيهم إذ تقام على آلاف الدونمات من بساتين التفاح والعنب والكرز

استعمار الطاقة الخضراء

يشير هذا المصطلح إلى الدول والشركات الأجنبية التي تنهب موارد وأراضي البلدان والمجتمعات في الجنوب العالمي وتستغلها لتوليد الطاقة لاستخدامها والانتفاع منها، ما يتسبب أيضاً في تدمير الحياة الاجتماعية والاقتصادية للسكان المحليين.

ويعد استعمار الطاقة في فلسطين والجولان أحد أوجه الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إذ تستخدمه إسرائيل لنزع ملكية الفلسطينيين والجولانيين وضمان عزلهم في جيوب أصغر وإتاحة المزيد من الهيمنة على أراضيهم، وهو ما تقوم به من خلال مشاريع الطاقة الاستعمارية السابق ذكرها. وفقاً لهذه المشاريع، سيبيع الأردن مثلاً كل الكهرباء المولدة من مزرعة الطاقة الشمسية المزمع بناؤها لإسرائيل، ما سيوفر زيادة وصولها إلى مصادر بديلة للطاقة ليس بالضرورة أن تستخدمها كلها لتشغيل محطة تحلية المياه المذكورة.

كما أن الصفقة لن تسمح للأردن بالحصول على الطاقة من المشروع رغم أنه يستورد معظم ما يحتاجه من الغاز، فيبقى رهينة لواردات الغاز وجزء منها من إسرائيل، في حين يصدّر طاقته الخضراء للحصول على المياه المحلاة من إسرائيل أيضاً، التي تروج للأمر على أنه "معروف تقدمه للأردن بتحويل الأراضي القاحلة غير المنتجة إلى أراضٍ منتجة".

أما شركتا الطاقة المذكورتان "ENLT ونيوماد" فتسعيان إلى زيادة اندماج إسرائيل في مجالات الاقتصاد والطاقة في المنطقة العربية من موقع مهيمِن، وخلق تبعيات جديدة عبر الوصول إلى الطاقة والتحكم بها. وتنخرط الشركتان بعمق في مشاريع الطاقة الإسرائيلية سواء في الجولان أو في مستوطنات الضفة الغربية أو في البحر المتوسط من خلال استخراج الغاز، وإلى جانب الاستعمار الطاقيّ فإن هاتين الشركتين متورطتان في ممارسات عنيفة وغير قانونية مثل الهجمات على الصيادين الفلسطينيين للسيطرة على المنطقة الاقتصادية الفلسطينية الخالصة.

التطبيع البيئي غير عادل وغير مستدام.

هذه الممارسات تبدو واضحة أيضاً في قطاع غزة حيث تتفاقم أزمة المياه ويُمنع الفلاحون من الوصول إلى أراضيهم، ويغرق القطاع في الظلام رغم أنه لا يبعد كثيراً عن حقول الغاز، لكن سكانه يحرمون من الكهرباء ويعزلون كجزء من الآليات الاستعمارية والاستيطانية والفصل العنصري. وفي الضفة الغربية ترفض إسرائيل منح تصاريح لتركيب ألواح الطاقة الشمسية وتحرم مئات الآلاف من حقهم في الطاقة بهدف تهجيرهم.

النضال البيئي في فلسطين والجولان

يجمع الصمود البيئي كمصطلح يقدمه كتاب "تحدي الرأسمالية الخضراء"ممارسات الصمود اليومية للفلسطينيين والأدوات الصديقة للبيئة لضمان ارتباط قوي بالأرض.

لسنوات طويلة احتج الفلسطينيون والجولانيون على العديد من مشاريع الطاقة الاستعمارية المنفذة على أراضيهم، مثل مزارع الرياح في هضبة الجولان المحتلة، والتي تفرض قيوداً على وصول المزارعين إلى أراضيهم إذ تقام على آلاف الدونمات من بساتين التفاح والعنب والكرز التابعة للجولانيين، فتنهب مواردهم وتنكر سيادتهم على أراضيهم.

كما أن المجتمع المدني الفلسطيني في المنطقة (ج) في الضفة عمل على إنشاء قطاع للطاقة الشمسية لتعزيز صمود المجتمعات المحلية، رغم تكرار مصادرة وهدم الألواح من قبل إسرائيل بحجة عدم ترخيصها.

ومن الممارسات التي يمكن تسليط الضوء عليها ما فعله سكان قرية دير بلوط وسط الضفة الغربية التي تواجه سياسات استيطانية لا تعد ولا تحصى لإبعاد القرويين عن أراضيهم. يكافح سكان القرية من خلال الالتزام بممارسة الزراعة المطرية أو البعلية التي تستغل رطوبة التربة لزراعة المحاصيل دون الحاجة إلى ريها، وتقنيات تجميع مياه الأمطار، وتنويع المحاصيل، والاعتماد على أشجار الزيتون القادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، مع دور محوري تمارسه النساء بهذا المجال من خلال إدخال محاصيل جديدة والاستمرار بالاحتفال بمواسم الحصاد.

تروج إسرائيل لهذه الاتفاقيات على أنها "المنقذ" و"الفرصة" للدول العربية الموقعة عليها، ما يعكس جوهر سرديتها عن "الإحسان والرعاية والكرم البيئيين"، وبأنها تضع التقنيات التي طورتها في مجال إدارة الموارد المائية والتخفيف من آثار أزمة المناخ في خدمة جيرانها

يخلص الفصل إلى أن التطبيع البيئي غير عادل وغير مستدام، إذ يعوق أي انتقال عادل للطاقة والزراعة في فلسطين والجولان، وفي المقابل تزداد المقاومة وإحباط محاولات عزل فلسطين.

وهنا على الحركات الاجتماعية والجماعات البيئية تكثيف الاحتجاجات ضد حكوماتها لإنهاء كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، وعلى وسائل الإعلام البديل تحدي الوسائل الرسمية التي تجعل فلسطين غير مرئية، وعلى الأفراد والمؤسسات الانتباه قبل الانخراط في مشاريع ومبادرات ثقافية وبيئية دون التأكد من مصادر تمويلها والمشاركين فيها، إلى جانب أهمية دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image