يمكن رؤية الكوفية الفلسطينية في كل زاوية تقريباً من أجنحة وأروقة مؤتمر المناخ كوب28 المنعقد في مدينة إكسبو 2020 في دبي. ألغى المتضامنون مع القضية محاضرة نظمتها إسرائيل، وفي المنطقة الزرقاء حيث تجري المفاوضات، هناك مظاهرات بشكل شبه يومي. كما ظهرت لمسات من الإبداع الفني من أجل القضية في كل مكان. ووسط مخاوف متزايدة من قبل الأمم المتحدة، فإن دعم المجتمع المدني لغزة حاضر بقوة.
والسبت الفائت، اليوم العاشر من المؤتمر، دعا مئات المتظاهرين إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة أثناء مسيرة استمرت لمدة ساعتين عبر المنطقة الزرقاء التي تديرها الأمم المتحدة. وجاءت المسيرة بعد يوم من استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار للأمم المتحدة دعمته تقريباً جميع الدول الأخرى في مجلس الأمن، يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، مع اقتراب عدد القتلى من المدنيين في غزة من 18 ألف شخص.
"يحدث كوب28 على بعد 2500 كيلومتر من إبادة جماعية مستمرة، إبادة وحشية وهمجية وبربرية، لا يحاسب مرتكبوها، بل على العكس، يتلقون الدعم من العالم الغربي"، يقول أحمد الدروبي، مدير الحملات الدولية في شبكة العمل المناخي الدولية (CAN)، لرصيف22.
وسط مخاوف متزايدة من قبل الأمم المتحدة، فإن دعم المجتمع المدني لغزة حاضر بقوة.
ويشير إلى أن "إسرائيل انتهكت القانون الدولي على كافة الأصعدة"، ويضيف متسائلاً: "إذا كانت قد انتهكت قرارات مجلس الأمن الدولي الملزمة قانونياً، وانتهكت اتفاقية منع الإبادة الجماعية دون مساءلة، فما هو الهدف من عملية التفاوض على اتفاق غير ملزم قانونياً في مؤتمر المناخ؟".
ويلفت إلى أن الدلائل تشير إلى أنه "عندما تشتد تأثيرات التغير المناخي، فإن دول الغرب تتعامل مع شعوب الجنوب العالمي، ‘الشبيهة بالإنسان’ كما يطلق عليها في فلسطين، بنفس الطريقة. لا قيمة لأي قانون عندما يمس بامتيازات الغرب".
السكان الأصليون متحدون
شارك سكان أصليون من أمريكا الشمالية وأماكن أخرى في مظاهرة يوم السبت، فهتفوا ورقصوا وألقوا خطباً على المسرح حيث تجمعت التظاهرة.
"أنا هنا لأتضامن مع شعب فلسطين الذي يعاني من العنف والاحتلال ومحاولة الإبادة الجماعية، كشخص أصلي من أمريكا الشمالية، حيث شهد شعبي الأمر ذاته من قبل"، تقول لرصيف22 إيريل تشيكوي ديرانجر، المديرة التنفيذية لمنظمة "العمل المناخي للسكان الأصليين".
مستدلة بالتشابه التاريخي بين السكان الأصليين في أمريكا الشمالية والفلسطينيين، تتابع ديرانجر: "في أمريكا الشمالية، عندما جاء المستوطنون إلى أراضينا رحبنا بهم، تماماً كما رحب الفلسطينيون بالمستوطنين اليهود عندما وصلوا لأول مرة. كنا نعتقد أنه يمكننا أن نعيش جنباً إلى جنب بشكل وديّ، ثم جاء هذا الجشع".
"جاء مستعمرو أمريكا الشمالية، وقدموا لنا وعوداً كبيرة، ثم فجأة انتهكوا تلك الوعود وبدأوا بقتل شعبنا. أخذوا أراضينا، وأخذوا أطفالنا، وأخبرونا أن طريقة حياتنا كانت همجية، وأننا وثنيون،" تتابع ديرانجر. كان المستعمرون يعتقدون أن "الهندي الجيد الوحيد هو الهندي الميت، تماماً كما نسمع عندما يصف الإسرائيليون الفلسطينيين".
وترى أن "القادة في أمريكا الشمالية الاستعمارية يقولون بأن ذلك حدث منذ وقت طويل جداً، وأننا تجاوزنا الأمر، وأنهم أصبحوا شعباً مختلفاً الآن. ومع ذلك، هم نفس القادة الذين يعترضون على وقف إطلاق النار في غزة، ويدعمون الاحتلال".
وقد سلط هذا الاحتجاج الضوء على الصراع والنزاع المستمر ومعاناة الشعوب في السودان والكونغو ومناطق أخرى على حد سواء.
إلغاء فعالية "الأمن الغذائي" الإسرائيلية
يوم السبت، استولى نشطاء على مكان كان من المقرر أن تُقام فيه فعالية تنظمها إسرائيل بعنوان "لا تضيعّوا أمننا الغذائي! الحل هو في إنقاذ الغذاء"، وألغي الحدث وسط هتافات وتصفيق حاد.
كانت الفعالية مقررة أن تستضيف لجنة من ممثلي شركة تعمل من إسرائيل، مع إطلاق رسائل حول إهدار الطعام، كما توضح نيكا سلماسي، مؤسسة تحالف المناخ من أجل فلسطين.
"إنها نكتة"، تقول سلماسي لرصيف22. "الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل مع الأراضي الفلسطينية والزراعة والغذاء الفلسطيني مدمرة للغاية، وتذكرنا بإجراءات الفصل العنصري. هم لا يسمحون للفلسطينيين بالحصول على غذاء أو مياه كافية، لذلك لا يمكن أن تتحدث إسرائيل عن هدر الطعام بعد كل ذلك، فهي زرعت أشجار الصنوبر الأوروبية على الأراضي الزراعية الخصبة التي كان يملكها الفلسطينيون".
وبعد شهرين من طوفان الأقصى، يواجه آلاف الفلسطينيين خطر الجوع والعطش مع استمرار الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.
تصعيد من الأمم المتحدة
تصف سلماسي كيف أن أفراد الأمن التابعين للأمم المتحدة "كانوا قلقين للغاية"، عندما دخل النشطاء إلى الغرفة التي كان من المفترض أن تستضيف الفعالية، وطلبوا تعزيزات، وأغلقوا الباب على يد الناشطة المصرية رحمة زين. وتضيف: "هذا ما عشناه طوال الوقت في كوب28. الأمم المتحدة كانت عدوانية تجاهنا بشكل لا يصدق".
من الواضح أن القيود المفروضة على المجتمع المدني تبدو متماشية مع مطالب الهيمنة العالمية في العالم. إنه لأمر مفجع أن نرى أن إرادة الأقلية تتفوق على الأكثرية، وأن نرى ذلك في الأمم المتحدة فهو مؤشر خطير ومقلق
كما استنكر منظمو الحراك إلغاء الأمم المتحدة المظاهرات التي تمت الموافقة عليها مسبقاً، وتغيير المواقع المتفق عليها. وضمن هذا السياق يقول محمد الأمين، من شبكة العمل المناخي: "يتذعرون بأن المكان صغير، لكن السبب الأساسي هو أنها منطقة مزدحمة، وكنا من خلالها سنتمكن من الوصول إلى الكثير من وسائل الإعلام والناس".
وانتقد النشطاء أيضاً منع الأمم المتحدة رفع شعار "من النهر إلى البحر" الذي يدعو إلى تحرير الأراضي المحتلة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، بذريعة أنها تتضمن "لغة مسيئة".
إلى جانب ذلك، يضايق موظفو الأمم المتحدة كل من يرتدي قمصاناً تحمل رسائل ذات صلة، بما في ذلك تلك التي كتب عليها "وقف إطلاق النار – ceasefire"، مهددين بعدم السماح لهم بالدخول إلى المكان أو سحب شاراتهم.
تقول سلماسي: "تتخذ الأمم المتحدة ما يسمى بالموقف المحايد، في حين تسمح لكيان قوي يرتكب الإبادة الجماعية بالكذب. وفي الوقت نفسه، يقولون بأننا نتسبب في ضرر أو انزعاج عندما نحاول قول الحقيقة. ولكن ماذا عن هذا الكيان الذي يكذب؟ لماذا لا يمنع من دخول المؤتمر؟".
ويضيف الدروبي: "من الواضح أن القيود المفروضة على المجتمع المدني تبدو متماشية مع مطالب الهيمنة العالمية في العالم. إنه لأمر مفجع أن نرى أن إرادة الأقلية تتفوق على الأكثرية، وأن نرى ذلك في الأمم المتحدة فهو مؤشر خطير ومقلق".
"إنهاء الاستعمار وإزالة الكربون"
في المجتمع المدني والدوائر الأخرى، تمحورت المحادثات حول أزمة المناخ مع دعوات لإنهاء الاحتلال والتسلح والعسكرة. وكُتب على إحدى اللافتات في احتجاج يوم السبت "إنهاء الاستعمار من أجل إزالة الكربون".
مستنكراً هيمنة الولايات المتحدة على أجندات وأهداف المؤتمر الدولي للتغير المناخي ومواقفها، يؤكد مازن قمصية، مؤسس ومدير معهد فلسطين للتنوع البيولوجي والاستدامة (PIBS)، أن "السياسة الخارجية الأمريكية مدفوعة بأنشطة اللوبي الداخلي والصهاينة والصناعات العسكرية، وهي متجهة الآن نحو أمر واحد فقط: الانخراط في الحروب والعنف العسكري"، مؤكداً أن العسكرة هي مساهم كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة.
من أكبر مستهلكي الوقود في العالم، تمثل القوى العسكرية 5.5٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وفقاً لدراسة أجريت عام 2022. ويقدر بأن الجيش الأمريكي وحده أطلق 51 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2020، مما يمثل أكثر من انبعاثات معظم البلدان.
تمثل القوى العسكرية 5.5٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.
ويقول الدروبي إن النقاش حول المناخ ونزع السلاح "يسلط الضوء أيضاً على نفاق الحكومات الغربية".
في بداية المؤتمر، عندما تمت الموافقة رسمياً على صندوق الخسائر والأضرار، تعهدت الحكومة الأمريكية بمبلغ متدن قدره 17.5 مليون دولار فقط. وفي الوقت نفسه، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية 25% من انبعاثات العالم تاريخياً.
ومع ذلك، "عندما يتعلق الأمر بتمويل الإبادة الجماعية وتسليح أولئك الذين يرتكبون الإبادة وأعلنوا بشكل صريح عن نيتهم لارتكابها، فإن 30 مليار دولار تدفع فجأة ودون حساب"، يقول الدروبي، مضيفاً بأن هذا "يظهر ويوضح أولويات حكومات الغرب. إنه تصرف منافق وعنصري وقمعي واستعماري".
الإبداع لفلسطين في كوب28
يومياً توزّع شبكة العمل المناخي التي تمثل 1,900 منظمة من المجتمع المدني في أكثر من 130 دولة، جائزة "(أسوأ مساهم في) الوقود الأحفوري". وذهبت الجائزة "المخزية" إلى إسرائيل يوم الأحد، الذي صادف الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل مع الأراضي الفلسطينية والزراعة والغذاء الفلسطيني مدمرة للغاية، وتذكرنا بإجراءات الفصل العنصري. هم لا يسمحون للفلسطينيين بالحصول على غذاء أو مياه كافية، لذلك لا يمكن أن تتحدث إسرائيل عن هدر الطعام بعد كل ذلك
في جناح الشباب والمرأة والجندر، نرى عند مدخل الطابق الثاني لوحة كبيرة لنساء ملفوفات بالكوفيات ويقفن وسط الأشجار، يجلس تحتها فنانون لرسم وشم الحناء لأسماء الفلسطينيين القتلى على أيدي الأشخاص المتجهين إلى التظاهرات. وبدلاً من الأشرطة الزرق التي تحمل بطاقات التعريف بالاسم والصفة، والتي وزعتها الأمم المتحدة، علّق مشاركون حول أعناقهم أشرطة بألوان العلم الفلسطيني وكتبت عليها كلمة "تضامن" أو عبارة "إنهاء الاستعمار الاستيطاني". وأفادت شبكة العمل المناخي بأنها وزعت نحو 3000 من هذه الأشرطة والعبارات.
"إذا لم ندافع عن العدالة الآن، فنحن محكوم علينا بالهلاك الجماعي. ولهذا السبب لن نبقى صامتين، وسنواصل المطالبة بالمساءلة التاريخية، والوقف الفوري لإطلاق النار، وإنهاء الاحتلال"، يختم الدروبي حديثه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...