شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
استصلاح الأراضي المتضررة من الزلزال... صعوبات تواجه مزارعي إدلب

استصلاح الأراضي المتضررة من الزلزال... صعوبات تواجه مزارعي إدلب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 9 أغسطس 202310:17 ص

بعد مضي ستة أشهر على الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا في السادس من شباط/ فبراير الفائت، لا تزال مساحات واسعة من الأراضي الزراعية خارجة عن الخدمة في محافظة إدلب وتحديداً المناطق القريبة من مجرى نهر العاصي بالقرب من الحدود السورية التركية، نتيجة التشققات التي تسبب بها الزلزال.

وحتى اليوم، تعتبر هذه الأراضي غير صالحة للزراعة، وبانتظار استصلاحها الغائب عن "حكومة الإنقاذ"، التي تعتبر الواجهة المدنية لهيئة تحرير الشام المسيطرة على إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي واللاذقية، في وقت يقتصر عملها إلى اليوم على إحصاء الأضرار وحساب التكلفة عبر تخصيصها للجنة جيوفيزيائية تستطلع الأراضي المتضررة دون أي تعويض لأربابها.

وأدى الزلزال وما أعقبه من هزات ارتدادية إلى حدوث تشققات في الأراضي تراوح عرضها بين مترين وستة أمتار، وتشكيل حفر كبيرة، إضافة إلى خروج مواد رملية بيضاء اللون ذات طبيعة بركانية من جوف الأرض، إلى جانب فيضان نهر العاصي بعد أيام من الزلزال، إذ يمر المجرى في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية بطول 120 كيلومتراً، وتبلغ المسافة التي تضررت على ضفافه قرابة 55 كيلومتراً، وفقاً لما أكده أحد المختصين لرصيف22.

لا تزال مساحات واسعة من الأراضي الزراعية خارجة عن الخدمة نتيجة التشققات التي تسبب بها الزلزال.

المساحات المتضررة

يشير المهندس الزراعي موسى البكر العامل في مؤسسة "كرييتيف" الإعلامية في حديثه لرصيف22، إلى أن الأراضي الزراعية التي تضررت إثر الزلزال تشمل مناطق التلول والجسر المكسور والمشرفية والعلاني وجكارة ودلبيا والحمزية والحمرة وبتيا في ريف إدلب الشمالي والغربي، لافتاً إلى أن المساحة تُقدر بـ22 ألف دونم، وأن معظم المتضررين تركزت أراضيهم في قرية العلاني التابعة لمنطقة حارم قرب الحدود التركية شمالي إدلب، إذ غمرت مياه العاصي معظم أراضي المزارعين، ومنهم من تشققت أراضيهم وبلغ عرض الشقوق قرابة 6 أمتار.

وأوضح أن قضية استصلاح الأراضي ليست بالأمر السهل، باعتبار أن الضرر شمل آلاف الهكتارات، وهي تحتاج إلى دراسة لفهم طبيعة التربة والنباتات والأشجار الموجودة، لافتاً إلى أن استصلاحها بالشكل المطلوب يتطلب مبالغ مادية كبيرة تعجز عنها حكومات الشمال السوري.

وبحسب البكر فإن هناك طرقاً عدّة يمكن أن تحل جزءاً من مشكلة هذه الأراضي، ومنها تحويل انخفاضات الأراضي التي تزيد عن مترين إلى مدرجات أو مصاطب، وأما الانخفاضات اللي لا تتعدى النصف متر أو أكثر بقليل فيمكن إغلاقها بشكل كامل عبر ملئها بالطين.

وأما الأراضي الزراعية الكبيرة التي انخفضت بشكل كامل وهجرها أصحابها، فيمكن بحسب وصفه أن تُزرع من جديد، دون النظر إلى فكرة تعويض الأرض بالتراب لتصل إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الزلزال، مشيراً إلى أن الأشجار الكبيرة لم تتأثر فقد بقيت على حالها ولكنها انخفضت مع التربة وبقيت جذورها ثابتة، وأن التأثير طال الأشجار الصغيرة التي تملك جذوراً ضعيفة، فهي بحاجة إلى الزراعة مرة أخرى.

ويعتمد أهالي ريف إدلب الغربي وتحديداً سكان المناطق المحيطة بنهر العاصي على الزراعة بشكل أساسي، ووفقاً لاستطلاع أجراه رصيف22 مع عدد من الفلاحين، فإن آثار الزلزال وفيضان مياه النهر على الأراضي الزراعية المحيطة به، كانت واضحة من خلال تغيّر مستويات الأرض وانخفاضها مقارنة بنظيراتها في أراضٍ مجاورة، إضافة إلى التشققات التي مزّقت هذه المساحات.

رمال بركانية وتشققات

يروي المزارع مهند الأسود من قرية العلاني في ريف منطقة سلقين غربي إدلب الواقعة على الحدود السورية التركية، بأن المساحات الزراعية اللي تضررت إثر زلزال شباط/ فبراير تركزت على الأراضي الواقعة على ضفاف نهر العاصي على مسافة تراوحت 50 متراً على يمين النهر، و70 متراً على شماله المقابل لتركيا.

وأوضح في حديثه لرصيف22 بأن الأضرار اختلفت من مكان إلى آخر، فبعض الأراضي الزراعية تشققت تربتها والبعض الآخر ارتفع مستوى التراب فيها، وهناك أراضٍ تغيرت ملامحها وارتفعت في أقسامها التربة لما يزيد عن متر أو متر ونصف، وبعضها أيضاً خرج من باطنها رمل أشبه بالرمل البحري لكنه أسود اللون، فيما تضررت أراضٍ أخرى بارتفاع نسبة المياه في باطنها ووصولها إلى مستوى التربة ما أدّى إلى تلف المزروعات بالكامل، وهذا ما حصل في بستانه الخاص.

أدى الزلزال وما أعقبه من هزات ارتدادية إلى حدوث تشققات في الأراضي تراوح عرضها بين مترين وستة أمتار، وتشكيل حفر كبيرة، إضافة إلى خروج مواد رملية بيضاء اللون ذات طبيعة بركانية من جوف الأرض، إلى جانب فيضان نهر العاصي بعد أيام من الزلزال

واسترسل قائلاً إن بعض الأراضي الزراعية تشكلت بداخلها فتحات من باطن الأرض تعلوها رمال، وتركزت معظم هذه الفتحات قرب جذور الأشجار، ما أسفر عن تلفها تدريجياً لعدم وصول المياه إلى جذور الشجرة وصعوبة سقايتها.

وتعليقاً على ذلك، نفى الجيوفيزيائي علي الشاهر والذي يشغل رئيس لجنة الجيولوجيين والجيوفيزيائيين السوريين الأحرار المكلفة بدراسة الآثار المرافقة للزلزال شمال سوريا، أن تكون للرمال التي طرحتها الأرض من باطنها أي تأثير سلبي على النباتات، مشيراً إلى أن تأثيرها بالعكس إيجابي على الأراضي.

وطالب في حديثه مع رصيف22 الفلاحين بالابتعاد عن العيون الرملية وعدم الاقتراب منها، بهدف إجراء دراسات عليها من قبل فرق مختصّة، باعتبار أنها ظاهرة لا تحدث في أي مكان.

كيفيّة الاستصلاح وتكلفته

يحدثنا الأسود بأن أبرز الأضرار التي واجهها في بستانه هي الفراغات التي شكلها الزلزال، إذ لم يعد يستطيع الوصول إلى أشجاره ورعايتها والنظر إلى حالها، وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وحاجة الأشجار الملحّة للمياه.

وأوضح أن المزارعين خسروا هذا العام موسمهم الصيفي بالكامل، كما أنهم خسروا مساحات واسعة من أراضيهم الزراعية نتيجة انتشار الرمل الكثيف، وكذلك تغير مجرى نهر العاصي إثر تشكل التشققات التي غيّرت من مجرى سقاية أراضيهم من النهر، ومعظمهم عاجز عن استصلاح الأرض وتأهيلها بسبب التكلفة الباهظة.

ويشير المزارع إلى وجود ثلاث طرق لاستصلاح هذه الأراضي، الأولى وهي جلب تراب صالح للزراعة وملء الفراغات في الشقوق، والثانية هي فلاحة الأرض بشكل كامل وتسويتها، لافتاً إلى أن هذه الطريقة ستسفر عن خلع جميع الأشجار المثمرة في الأرض، وأما الطريقة الثالثة فهي إنشاء مصاطب تدريجية على ضفاف النهر تسهل عليهم استجرار المياه، ومشكلة هذه الطريقة أنها مكلفة جداً.

خسر المزارعون موسمهم الصيفي بالكامل ومساحات واسعة من أراضيهم الزراعية نتيجة انتشار الرمل الكثيف، وكذلك تغير مجرى نهر العاصي إثر تشكل التشققات التي غيّرت من مجرى سقاية أراضيهم من النهر، ومعظمهم عاجز عن استصلاح الأرض وتأهيلها بسبب التكلفة الباهظة

وحول تكلفة الاستصلاح يقول: "الرقم ليس ثابتاً ويختلف من أرضٍ إلى أخرى، بالإضافة إلى عدد الآليات المشاركة، فتكلفة نقل سيارة التراب على مسافة كيلومترين تصل إلى 13 دولاراً، وآلية تحميل التراب إلى الشاحنة تكلف 50 دولاراً لكل ساعة عمل، والمشكلة أن الأراضي الزراعية المتضررة تحتاج إلى آلاف سيارات الشحن المحملة بالتراب".

وبخصوص دور وزارة الزراعة في إدلب يشير الشاهر إلى أن الوزارة كلفته بتشكيل فريق أخصائي مهامه دراسة الظاهرة الجيولوجية التي تمثلت بالفوالق والانخفاضات التي أصابت الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى دراسة الانبعاثات الرملية المتواجدة، مبيناً أن جولتهم الاستطلاعية بينت تضرر المحاصيل الورقية التي غمرتها المياه وتعفّنت.

ويشير معظم أهالي قرى العاصي في محافظة إدلب والذين قابلهم رصيف22، إلى أنهم يعيشون اليوم أزمة حقيقية، في ظل غياب المنظمات الدولية والمؤسسات التي من شأنها أن تتكفل استصلاح اراضيهم، وأكد معظمهم أن المساعدات التي حصلوا عليها تركزت على المواد الغذائية في الأيام الأولى من وقوع الزلزال فقط.

تصوير أحمد المصطفى


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image