لم تمضِ أيام قليلة على زلزال 6 فبراير/ شباط، الذي ضرب أجزاء واسعة من الجنوب التركي وشمال سوريا، حتى وجّه أهالي قرية التلول بريف إدلب شمال غربي سوريا نداءات استغاثة، لإنقاذهم من انهيار السد الترابي الذي يفصل القرية عن نهر العاصي النابع من لبنان والعابر الأراضي السورية شمالاً وصولاً إلى تركيا. الانهيار أدى لتدفق المياه من الردم وغرق القرية بعد إجلاء أهلها إلى مناطق مرتفعة منتظرين انحسار المياه.
وفق شهود عيان، فإن شقوقاً وتصدعات ظهرت في السد الترابي عقب الزلزال، وحاول السكان تحصينه بأكياس رملية، إلا أن الأمطار الغزيرة التي هطلت على مدى اليومين التاليين ساهمت برفع منسوب مياه العاصي فانهدم السد.
لم تمضِ أيام قليلة على زلزال 6 شباط، حتى انتشرت مقاطع تظهر شقوقاً وتصدعات في سدود سورية وتركية.
على الطرف الآخر في ريف حلب، وتحديداً في ميدانكي التابعة لمنطقة عفرين، انتشرت في نفس اليوم مقاطع تظهر تصدعاً كبيراً وشقوقاً طولية وعرضية في الجزء العلوي لسد ميدانكي جراء الزلزال المدمر، ما يعني تهديد المدينة ومعظم القرى المحيطة فيها إضافة لعشرات مخيمات بالغمر والغرق في حال انهيار السد الركامي، الذي يبلغ ارتفاعه 73 متراً، وعرض قاعدته 385 متراً، وطول قمته 980 متراً وعرضها 10 أمتار، وله بحيرة صناعية مساحتها 14 كيلومتراً مربعاً، وبحجم تخزين إجمالي يبلغ 190 مليون متر مكعب. بالمقابل كان المجلس المحلي لعفرين قد أكد سلامة السد بعد تقييمات خبراء من نقابة المهندسين السوريين الأحرار.
وفي تركيا أفادت وسائل إعلام عن الكشف على تشققات خطيرة في سد ملاطية شمال كهرمان مرعش مركز الزلزال، وعن توجيه تعليمات لمن يقطنون عند الجزء السفلي منه باتخاذ حذرهم، مع عدم وجود مشاكل في بقية السدود في أنحاء البلاد.
المياه وهي تغمر قرية التلول شمال سوريا بعد انهيار السد - المصدر: مواقع التواصل
ما مدى تسبب الزلازل بانفجارات السدود؟
تنقسم السدود بحسب موقع البناء وطبوغرافيته وجيولوجيته لثلاثة أنواع هي:
- سدود ثقالية خراسانية: ذات حواجز إسمنتية مسلحة سميكة جداً ومدعّمة مع تأمين كامل وعالٍ للتربة لتحمل الضغط الهائل.
- سدود قوسية خرسانية: ينحصر استعمالها في الوديان الضيقة ذات الجدران الصخرية العالية المقاومة، ولا تكاد تشكل أربعة في المئة من إجمالي السدود الضخمة حول العالم.
- سدود ردمية ترابية أو صخرية ركامية: تنشأ من الحصى والرمال مع تدعيم جسم السد بالإسمنت، وهي أرخص من الخرسانية وأكثر انتشاراً، وتشكل قرابة 80 في المئة من السدود الضخمة حول العالم، كما أنها أكثر عرضة للانهيار والتصدع خاصة مع الكوارث الطبيعية.
ويرى خبراء أن السد يجب أن يكون قادراً على تحمل اهتزاز الأرض حتى أثناء الزلزال الشديد، وهو ما يطلق عليه "السلامة الزلزالية للسدود"، وتعد السدود الكبيرة آمنة بشكل عام إذا استمرت سليمة لعدة مئات من الأعوام دون تأثر. وتشير دراسات إلى أن العديد من السدود حول العالم انهارت بفعل الزلازل، منها سد فوجينوما في اليابان الذي انهار بعد زلزال عام 2011، وفي جنوب الصين تخرب جسم سد هيسينجفي نجكيانك بعد زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 1972.
التصدعات في سد ميدانكي في عفرين بعد زلزال تركيا - المصدر: مواقع التواصل
وتملك تركيا شبكة هائلة من السدود يبلغ عددها 860 سداً، أكبرها سد أتاتورك الذي تبلغ سعته الإجمالية 48.7 مليار متر مكعب، وبمساحة تبلغ 817 كيلومتراً مربعاً، محققاً بذلك المركز الخامس كأكبر سد في العالم من حيث حجم خزان المياه، إلى جانب سدود كيبان وإيليصو وكاراكايا وهرفانلي. وتضم هذه الشبكة 208 سدود كبيرة خلفها عدد من البحيرات الاصطناعية، ما يعني تحويل منطقة الأناضول الناشطة زلزالياً إلى بحيرة هائلة قلقة، بل إلى بحر من المياه المعلقة بين الجبال والمرتفعات، يمكن أن يبتلع مدناً كاملة في حال انهيار سد واحد.
يقول الخبير في السدود والموارد المائية عبد الرزاق العليوي، في حديثه لرصيف22 إنه من الممكن تدمير السدود بالزلازل، ولكن هذا يحكمه توافر عدة شروط، منها قرب السد وبعده عن مركز الزلزال، وشدة الزلزال ونوعه وشكله وطول فترة الهزة الزلزالية، إلى جانب طريقة تصميم السد كثقلي أو ركامي أو ترابي هرمي، والشدة الزلزالية التي أنشئ السد عليها ويمكن أن يتحملها.
ويضيف العليوي أن سد أتاتورك بعيد عن توافر هذه الشروط، فهو ليس في مركز الزلزال، والشدة الزلزالية أقل من العتبة التي أنشئ عندها، وكذلك دوام الزلزال ومدته غير كفيلتين على الإطلاق بانهياره.
نهر الفرات لم يشهد ارتفاعاً في منسوبه بعد حدوث الزلزال الأخير، بل على العكس فهو يشهد انخفاضاً ملحوظاً يوماً بعد يوم، فضلاً عن تلوث مياهه، ولم تفك تركيا احتباس المياه في سدودها إذ إنها لم تتضرر ولا زالت بحالة جيدة
مشاريع تهدد ملايين السوريين
تهتم تركيا بمنظومة السدود وتعتبر الحفاظ على الموارد المالية وإدارتها ضرورة إستراتيجية اقتصادية وتنموية، وهي تملك اقتصاداً يقع في المرتبة التاسعة عشرة على مستوى العالم، ومع ارتفاع عدد سكانها باتت بحاجة للمزيد من مشاريع الطاقة، ففي العام 1977 على سبيل المثال، أطلقت مشروع جنوب شرقي الأناضول والذي يتضمن بناء 22 سداً على نهري دجلة والفرات، فضلاً عن 19 محطة توليد هيدروكهربائية.
وأمام كثرة مشاريع تركيا المائية انخفضت حصة الأراضي السورية بنسبة 40 في المئة والعراقية بنسبة 80 في المئة من المياه، وخسرت دول المصب 70 بالمئة من التدفق الطبيعي لنهر الفرات و50 بالمئة من تدفق لنهر دجلة، رغم وجود اتفاقية المياه الموقعة عام 1987 بين العراق وسوريا وتركيا، والتي تحدد حصصها المائية بدقة.
وما زاد الطين بلة إكمال تركيا تنفيذ مشروع قنوات مياه شانلي-أورفا عام 2012، التي تسمح باستخدام المياه المحتجزة في سد أتاتورك لري السهول الحدودية مع سوريا في حرّان وماردين وجيلان بينار، إضافة لاكتمال حجز المياه في سد سيلفان عام 2011، أي مع بداية النزاع في سوريا.
انخفاض منسوب نهر الفرات في سوريا
وحسب تقديرات خبراء فإنه مع حلول عام 2011 وصل استهلاك المياه السنوي في سوريا كنسبة مئوية من وارداتها من المياه المتجددة الداخلية إلى 160 في المئة مقارنة بـ 80 في المئة بالعراق و20 في المئة في تركيا، ما يعني استنزاف هذه الموارد، وكانت الأمم المتحدة منتصف 2021، قد حذرت من آثار على ملايين السوريين إزاء انخفاض منسوب المياه، مشيرة إلى أن أكثر من خمسة ملايين شخص شمال شرقي سوريا يعتمدون على نهر الفرات للحصول على مياه الشرب، ونحو ثلاثة ملايين يعتمدون عليه في الكهرباء.
الخابور والفرات... جفاف وانخفاض المنسوب
انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد الزلزال مقاطع تظهر تدفق المياه في نهر الخابور الجاف منذ سنوات شمال شرقي سوريا، إلا أنه عاد إلى الجفاف بعد قرابة الأسبوع على ارتفاع منسوبه الذي تزامن مع ارتفاع معدلات الأمطار.
في حديثه لرصيف22، يقول أبو صدام العواد، وهو مزارع مقيم في تل حمدي جنوب القامشلي، إنه أعاد مضخات المياه إلى النهر بعد أن أزالها قبل سنوات من أرضه الزراعية، أملاً منه في عودة الحياة للنهر، إلا أنه حسب وصفه فإن "الفرحة لم تتم"، فقد عاد الخابور جافاً كما كان، مضيفاً أن الخسائر فادحة جداً في القطاع الزراعي، فكثيرٌ من المزارعين هجروا أراضيهم بعد أن كانت تشكل لهم مصدر رزق هاماً.
جفاف نهر الخابور في سوريا - المصدر: مواقع التواصل
تواصل رصيف22 مع الناشط الصحافي في ريف دير الزور الشرقي، إبراهيم الحسين، الذي أكد أن "نهر الفرات لم يشهد ارتفاعاً في منسوبه بعد حدوث الزلزال الأخير، بل على العكس فهو يشهد انخفاضاً ملحوظاً يوماً بعد يوم، فضلاً عن تلوث مياهه".
ويؤكد قول الحسين تصريح مكتب الطاقة والإدارة العامة للسدود التابع للإدارة الذاتية الجناح المدني لقوات "قسد" شمال شرقي سوريا، إذ نفى المكتب فك تركيا احتباس المياه، لافتاً إلى أن سد تشرين مهدد بالتوقف التام بسبب الانخفاض إلى ما يوصف بـ "المنسوب الميت"، ما يعني التأثير على بنية السد وانعدام الضاغط المائي الذي يسمح بتشغيل آمن للعنفات، كما أن سدي تشرين والفرات ينتجان كمتوسط يومي 125 ميغاواطاً من الكهرباء تتوزع بمعدل ساعتين في كل مناطق شمال شرق سوريا، وهذا أيضاً يبين الواقع المأسوي.
وكانت الإدارة الذاتية قد أعلنت منذ اليوم الأول لكارثة الزلزال،أن السدود سليمة وتعمل بشكلها الطبيعي بعد الكشف الأولي على السدود الثلاثة في المنطقة وهي الفرات وتشرين والحرية.
من الممكن تدمير السدود بالزلازل، ولكن هذا يحكمه توافر عدة شروط، منها قرب السد وبعده عن مركز الزلزال، وشدة الزلزال ونوعه وشكله وطول فترة الهزة الزلزالية، إلى جانب طريقة تصميم السد كثقلي أو ركامي أو ترابي هرمي، والشدة الزلزالية التي أنشئ السد عليها ويمكن أن يتحملها
هل حقاً تسببت سدود تركيا بحدوث الزلزال؟
عام 2011 صدرت دراسة بحثية تناولت الزلازل الناجمة عن المياه التي يخزنها سد أتاتورك، وأشارت إلى أن الزلازل زادت بنسبة كبيرة بعد ملء السد، وأن وجود السد ربما ساهم بوقوع زلزالين بقوة 5.5 و5.2 درجة عامي 2017 و2018 ببلدة سامسات القريبة، إلا أنه لا يوجد حالياً أي دليل يؤكد ارتباط الزلزال الأخير بسد أتاتورك.
ويرى خبراء أن الزلازل يمكن أن تحدث بسبب سدود التخزين في حال وجود خطأ ما أو انهيار أو تشوه في منطقة الخزان، إضافة لوجود ضغوط عالية لا يمكن تحملها، فقد يؤدي الخزان الذي بني في منطقة نشطة تكتونياً إلى حدوث زلازل في أي وقت، وقد لوحظ أن الخزانات التي يزيد عمقها عن 100 متر تسبب زلازل، إلا أن هذا السيناريو متعلق بالأخطاء التصميمية في بناء السدود ونوعية التربة والخرسانة وعمليات الحفر الباطنية القريبة من موقع السد.
ويذهب إلى هذا الرأي أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية بالأردن، أحمد ملاعبة، ففي حديث متلفز اعتبر أن السدود التي بنتها تركيا لها دور في الزلزال الكبير، ورغم عدم تسببها المباشر به إلا أنها ساعدت في وقوعه من الناحية الجيولوجية.
ويلفت إلى أن مخزون مياه السدود التركية تؤثر على القشرة الأرضية، حيث تتسرّب عبر الشقوق والكسور والفواصل الأرضية إلى الأحواض الجوفية المشبعة بالمياه في الأساس، وبالتالي فإن تمدد الأحواض الناتج عن زيادة المياه، وارتفاع كمية الماء المخزنة، وحدوث تمدد أو توسُّع للكسور الموجودة في الأحواض الجوفية، ينتج عنها خلخلة أو تكسير للفوالق (الصدوع) تساعد في وقوع الزلازل.
التصدعات في سد ملاطية في تركيا - المصدر: مواقع التواصل
لكن حسب رأي الخبير العليوي، فإن من يروّج لفكرة حدوث الزلازل بإنشاء السدود يسعى لتحقيق مكاسب سياسية، فالعلم لم يثبت حتى الآن علاقة وثيقة بأثر السدود على الزلازل، والدراسات كلها تدور في فلك الاحتمالية، ولم تصدر أي دراسة معتمدة بهذا الشأن من مراكز الأبحاث العلمية أو الجامعات.
بالنظر إلى ما سلف يظهر أن الحكومة التركية لم تضطر لفتح أي من سدودها بعد زلزال شباط/فبراير لتخفيف الضغط المائي عليها أو كإجراء احترازي، ما يعني أن سدودها بحالة جيدة، إلا أن ذلك لا يمنع وجود تجاهل واضح للأضرار البالغة على ملايين البشر شمال سوريا نتيجة التحكم في مصادر المياه، وكثرة المشاريع المائية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 18 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...