يخوض الأستاذ الجامعي أسامة السلات تجربته الأولى في زراعة الزعفران شمال سوريا، ساعياً لإثبات أن زراعة هذه النبتة يمكنها أن تتحدى الإمكانيات المتاحة في بقعة تعيش أسوأ ظروفها في كل القطاعات، ولا سيما الزراعي منها.
في أرضه في مدينة بنش شرق إدلب على خطوط التماس مع قوات النظام السوري، وبعناية وجهد كبيرين، يتتبع مراحل زراعة وإنتاج الزعفران، بعد أن تحول نظره إلى هذه النبتة وهي من أشهر وأقدم أنواع البهارات في العالم، وتباع بالغرامات، ويطلق عليها اسم "الذهب الأحمر".
فكرة الزعفران موجودة منذ زمن، لكن بسبب عدم الاستقرار الأمني في المنطقة تأجلت.
يشير السلات خلال حديثه لرصيف22 إلى أن فكرة الزعفران موجودة منذ زمن، لكن بسبب عدم الاستقرار الأمني النسبي في المنطقة تأجلت. ومع ملاحظة وجود زراعات متنوعة وضعف تصريفها، كان لا بد من زراعات جديدة ومختلفة تضمن دخلاً مستقراً للمزارع وتزيد النشاط الاقتصادي للمنطقة، لا سيما أن المشروع كان مدروساً من حيث المساحة والإنتاج والتكلفة واحتياجات السوق المحلية وتوافر مستلزمات زراعته.
وقد بدأ الاتجاه نحو الزراعات البديلة بسبب نقص الدعم وارتفاع تكاليف الإنتاج بالنسبة للزراعات التقليدية، إضافة إلى أن هذه الزراعات تعد مدرة للدخل الجيد، فبات المزارع يفضلها لهذا السبب، إلى جانب عدم حاجتها لمساحات شاسعة، أو إلى كميات كبيرة من المياه، مع شح الماء في المنطقة.
ولم تخلُ زراعة الزعفران من صعوبات عدة تواجه السلات، من ارتفاع أسعار البصيلات مقارنة بدخل مزارعي الشمال السوري بشكل عام، فبات من الصعب زراعة المساحات الواسعة إلا لأصحاب رؤوس الأموال كون الزراعة مكلفة في بداياتها، إضافة لكثرة الغش في بصيلات الزعفران من المصادر الخارجية، والقوانين المطلوبة للشراء الأعمى من دون إمكانية انتقاء البصيلات المناسبة والسليمة.
ويختم السلات: "قمنا بتجربة محفزة لدفع المزارعين على الاهتمام بالمجال الزراعي، وتبنّي مثل هكذا نوع من المشاريع التي تدعم الأسواق وتشغل اليد العاملة".
تاريخ الزعفران
تُزرع أفضل أنواع الزعفران في محافظة خراسان في إيران، الدولة الأولى عالمياً بإنتاجه، إذ تصدّر قرابة 300 طنّ من الزعفران سنوياً إلى معظم البلدان، وتوفر أكثر من 90 في المئة من الزعفران في الأسواق العالمية.
بدأ الاتجاه نحو الزراعات البديلة بسبب نقص الدعم وارتفاع تكاليف الإنتاج بالنسبة للزراعات التقليدية، إضافة إلى أن هذه الزراعات تعد مدرة للدخل الجيد، فبات المزارع يفضلها لهذا السبب، إلى جانب عدم حاجتها لمساحات شاسعة، أو إلى كميات كبيرة من المياه
ويُعتبر الزعفران من التوابل الخاصة والمرغوبة فيها لطبخ الطعام، ويستخدم في بعض الحالات مع مشروبات مثل الشاي، أو مشروب الزعفران والحليب بالزعفران وغيرها، إضافة إلى دخوله في صناعة الصابون والبخور ومستحضرات التجميل.
ويتميز الزعفران بأنه أحمر فاتح وقسمه العلوي شبيه بالبوق، ويتطلب إنتاج كيلوغرام واحد وجود نحو 200 ألف زهرة، تنحصر طريقة قطفها بشكل يدوي، إذ إن الزهرة والميسم حساسان إلى حد كبير.
وهناك طريقة للكشف عن الزعفران الطبيعي الأصلي من غير الطبيعي، وذلك عبر إضافة بعض الخيوط في كوب من الماء، فالحقيقي يحتاج ما بين 10 إلى 15 دقيقة لتحرير لونه بالكامل، والمغشوش يبدأ في التلوين بمجرد ملامسته للماء.
بات من الضروري على الجهات الحكومية والمنظمات الفاعلة تشجيع زراعة الزعفران ودعمها بالخبرات والتقنيات.
مناخ مناسب
يعد الزعفران من النباتات المعمرة في الطبيعة، إذ من الممكن أن يبقى في الأرض لست سنوات، وتبدأ زراعته في منتصف آب/ أغسطس، في ترب ملائمة كالطينية والحمراء والرملية ذات المحتوى العضوي، ويستفيد مزارعو الشمال السوري من أن طبيعة المنطقة وتنوع مناخها يساعدان على خوض تجارب زراعية مختلفة ومناسبة، ويمكن أن تصمد هذه الزراعة أمام قسوة المناخ وأزمة الأسمدة وغلائها، كما أن السقاية يجب أن تكون خفيفة وبنظام التنقيط المائي لحفظها من الجفاف.
في حديثه لرصيف22، يقول المهندس الزراعي المقيم في إدلب والمشرف على المشروع، موسى البكر، إن الدونم الواحد يستوعب ما بين 100 و 125 كيلوغراماً من البصل، بتكلفة وسطية تصل إلى 3 آلاف دولار.
ويضيف أن إنتاج الدونم لا يحدد من السنة الأولى، فقد يكون من 50 إلى 100 غرام، أما في السنة الثانية والثالثة فإنتاج الدونم يمكن أن يصل إلى كيلو غرام واحد، فإزهار بصل الزعفران في السنة الأولى من الزراعة يكون ضعيفاً، وعلى المزارع العمل بجد لإكثاره وتكبير حجمه، حتى يبدأ الإزهار الجيد في السنة الثانية، ويكون موعد الحصاد في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر للأزهار والمياسم.
ومن الأمراض التي يمكن أن تواجه هذه الزراعة الفطريات كالتي تصيب البصل والثوم، إلا أنه من حسن الحظ أن كل الأدوية والأسمدة والمبيدات المكافحة موجودة ومتوفرة في الصيدليات الزراعية، حسب حديث البكر.
دوافع المزارعين
من الممكن أن تكون زراعة الزعفران زراعة رائدة في الشمال حسب البكر، لأنها تشكل مورداً مادياً مناسباً لأصحاب الدخل المحدود والأسر الفقيرة، إضافة إلى كونها ستحرك الأيادي العاملة بشكل مستدام، متوقعاً أن الزراعة ستتوسع وسيكون هناك تسويق واسع للمنتج لأنه منتج عالمي وليس محلياً، خاصة أن أسعاره غالية تبدأ من 4 آلاف دولار وصولاً إلى أكثر من 10 آلاف دولار للكيلوغرام الواحد، حسب النوعية والجودة.
ويأتي المردود المادي للزعفران بشكل أساسي من مصدرين: الأول من البصل الذي يباع للمزارعين والطلب كبير عليه، والثاني من الزهر الذي يحتاج صبراً وجهداً كبيرين.
وبدأت زراعة الزعفران حالياً على مساحات ضيقة وفي حدائق المنازل، إلا أنه من المتوقع أن ترى الزراعة رواجاً كبيراً هذا العام من خلال التوسع في مساحات أكبر، مع ملاحظة إقبال المزارعين على معرفة معلومات دقيقة عن المشروع، من أصحاب التجربة والخبرة.
من الممكن أن تكون زراعة الزعفران زراعة رائدة في الشمال، لأنها تشكل مورداً مادياً مناسباً لأصحاب الدخل المحدود والأسر الفقيرة، إضافة إلى كونها ستحرك الأيادي العاملة بشكل مستدام، ومن المتوقع أن الزراعة ستتوسع وسيكون هناك تسويق واسع للمنتج عالمياً وليس محلياً
"إقبال المزارعين على زراعة الزعفران تجسد من خلال تواصلهم معنا، والسؤال عن تفاصيل المشروع وتكاليفه وإنتاجه، خاصة وأنه يفضّل شراء بصل الزعفران قبل زراعته بأسبوعين"، يقول المهندس البكر.
هل يكسب الزعفران الرهان؟
بنجاح تجربة السلات يبدو أن الرهان قد ينجح على الزراعة المحلية الأولى في الشمال، وأنه بات من الضروري على الجهات الحكومية والمنظمات الفاعلة تشجيع زراعتها كنباتات واعدة، ودعمها بالخبرات المتوافرة والتقنيات، خاصة وأن الأبصال حالياً تستورد من تركيا، وقسم منها -وهو قليل- تمت زراعته في المنطقة العام الماضي كتجربة.
ومن الضروري أيضاً منح أصحاب المشروعات المساحات المطلوبة، ودعمها بالأسمدة والأدوية، لا سيما أنها ستشغل أعداداً جيدة من اليد العاملة، ويمكن الاستفادة منها في المستقبل بصناعات الصابون والأدوية والمأكولات.
ينفي السلات تلقيه أي دعم من المنظمات الزراعية أو من الجهات الحكومية، باستثناء زيارة يتيمة لوفد من وزارة الزراعة التابعة لحكومة الإنقاذ -الجناح المدني لهيئة تحرير الشام في إدلب-، فيما يؤكد على خطته لتوسيع المساحات المزروعة العام المقبل، خاصة أن التسويق متوفر والإقبال واسع.
من جهته، اكتفى تمام الحمود، المدير العام للزراعة في إدلب، بالإشارة لوجود تشجيع من وزارة الزراعة والري على زراعة الزعفران، مع التنويه إلى أن هذا التشجيع ما يزال مقتصراً على الدعم الفني وتقديم المعلومات والنصح والإرشاد، لافتاً في حديثه لرصيف22، إلى وجود صعوبات تتمثل بتأمين الأبصال اللازمة للزراعة، وتصريف الإنتاج وتأميم مياه الري.
ويبدو أنه من الممكن للزراعات البديلة ومنها الزعفران، لو انتشرت في الشمال السوري، أن تكون عامل ارتقاء وإنعاش مهم للزراعة عموماً، لكنها لن تكون قادرة على إنقاذ القطاع الزراعي بأكمله، فهو يواجه جملة من التحديات، كشحّ المياه والكوارث الطبيعية من قلة الأمطار والجفاف الذي اجتاح المنطقة بالعموم، وعزوف مئات المزارعين عن زراعة أراضيهم بسبب ارتفاع أجور الريّ والأسمدة والمبيدات والأدوات الزراعية المختلفة وأسعار البذور، فضلاً عن ارتفاع تكاليف النقل والتخزين والمحروقات والطاقة البديلة الشمسية، وضعف القدرة التسويقية والشرائية عموماً في منطقة تعاني أتون الحرب منذ أكثر من عقد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين