شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"تقضي على ملايين الأشجار كل عام"... كيف نفكّر في صناعة أثاث صديقة للبيئة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 7 مايو 202311:09 ص

هل فكرت يوماً وأنت تجلس على الأريكة وتحتسي مشروبك المفضل، في طريقة صناعة هذه الأريكة والخامات المستخدمة ضمنها، وهل هي مُضرة للبيئة وتلوث الهواء أم لا؟ وهل لديك خطط مستقبلية لما يمكن أن تفعله لو أصبحت الأريكة غير صالحة للاستخدام وتحول قماشها لخرقة بالية وهيكلها الخشبي يرقص من تحتك، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وتضاعف الأسعار عشرات المرات؟

هذا التساؤل له العديد من الإجابات طبقاً لقدرتك المادية ومدى استطاعتك شراء أشياء جديدة، كذلك طبقاً لمدى اهتمامك بأزمة تغير المناخ العالمية، ورغبتك في أن تكون جزءاً من حلها.

طبقاً لدراسة نشرت عام 2021، فإن مصر تستورد سنوياً أخشاباً لينة بقيمة 1.4 مليار دولار وأخشاباً صلبة بقيمة 10 مليون دولار، ناهيك باستيراد باقي الخامات، مما يبرر سبب ارتفاع تكلفة صناعة الأثاث بشكل كبير، ويجعل رحلة البحث عن حلول ضرورة حتمية لا مفر منها، سواء من خلال البحث عن بدائل قليلة التكلفة واللجوء للتصنيع المحلي، أو محاولة زيادة عمر قطعة الأثاث وإحيائها وإعادة تدويرها أكثر من مرة، وهذا ما بدأ من خلال العديد من المبادرات المهتمة بمفهوم الأثاث المستدام، أي أن تكون له "دورة حياتية" مغلقة والحرص على ألا يكون مصيره مقلب القمامة.

صناعة الأثاث تعتبر ثالث أكبر مستخدم للموارد الخشبية في العالم.

من جهة أخرى، فإن صناعة الأثاث تعتبر ثالث أكبر مستخدم للموارد الخشبية في العالم، والغابات التي تقطع منها هذه الأخشاب مسؤولة عن امتصاص عُشر الانبعاثات الكربونية على سطح الكوكب، وتشير إحصائيات إلى أنه يتم قطع سبعة مليار شجرة ضخمة الحجم كل عام في مختلف دول العالم دون استبدالها، ويتطلب الأمر سنين طويلة حتى تتجدد هذه الأشجار وتعود للحياة مرة أخرى، ورغم أن صناعة الأثاث بحد ذاتها ليست من أكبر الملوثات وأشدها خطراً، لكن تأثيرها ليس بالقليل ويفرض التفكير ببعض الحلول البيئية التي يمكن أن تحد منه.

"قمت بطلاء الأثاث بنفسي"

الرغبة في التغيير بما يخص الأثاث وإعادة استخدامه بدأت عند البعض بهدف توفير النفقات من دون أن يعلموا أنهم بذلك ينقذون البيئة أيضاً.

تقول بسمة السيد (35 عاماً) التي تعيش في محافظة المنوفية، إنها تحب إعادة التدوير منذ الصغر، وكانت تجمع الإكسسوارات من الملابس القديمة وتصنع منها عقداً تتزين به أو سواراً، كذلك بعد زواجها دائماً ما تستفيد من العبوات الفارغة وتصنع منها مثلاً طقم توابل، سواء بتلوينها أو لزق الرسوم المبهجة عليها بدلاً من شرائها بتكلفة عالية قد تصل لمئات الجنيهات. وفي إحدى المرات عملت على تغيير لون بعض قطع الأثاث بنفسها بدلاً من الاستعانة بمختص.

أما سامية سالم فقد تحدثت لرصيف22 عن طرقها لتجديد بعض الأشياء في منزلها، فعندما استغنى والدها عن بعض كراسي السفرة بمنزله رغبة في التجديد، نجحت هي في الاستيلاء عليها وإعادة تدويرها، واستغلت فرصة وجود بعض دهانات الحائط المتبقية من دهن شقتها، فلوّنت الكراسي بنفسها ووضعتها في صالة الاستقبال، واكتشفت أنها في غاية النفع خاصة عندما يأتي إليها عدد كبير من الضيوف.

هذه التغييرات التي قامت بها سامية وبسمة لا تقل أهمية عما فعلته عزة محمود (35 عاماً) وهي تعيش في محافظة الشرقية، عندما جددت أثاث منزل والدها بعد أن أراد بيعه وشراء آخر جديد، لكنها رأت بحكم حبها لهواية إعادة التدوير ومشاهدة الكثير من الفيديوهات على يوتيوب، أن الأثاث القديم يمكن تجديده وسيصبح أفضل من الجديد أيضاً.

بدلاً من شراء صالون تصل تكلفته إلى 50 ألف جنيه، يمكن تجديد القديم بتكلفة 15 ألف جنيه، كما أن غرفة النوم الجديدة يراوح سعرها حالياً بين 30 و80 ألف جنيه وهو رقم يعجز الكثيرون عن تحمله، وهنا يكون تجديد القديم هو الحل بتكلفة لن تتجاوز 15 ألف جنيه، وبالشكل الذي يرغبه العميل

تقول عزة لرصيف22: ""ذهبت لشراء فرش طلاء كبيرة وكميات لا بأس بها من الدهانات الفاتحة اللون، واعتمدت ألوان الباستيل حتى أعطي للمنزل حياة ورونقاً جديداً، ثم بدأت في معجنة الخشب بوضع طبقة أساسية من اللون الأبيض عليه وتركها تجف، ثم طلاء اللون الأخير"، وتضيف أن والدها حينها كان يشعر بالفخر مما قامت به.

via GIPHY


تحويل الأثاث القديم لتحف فنية

تحدث رصيف22 مع المهندس أيمن عبد الجليل، صاحب مشروع "بيكيا" الذي بدأ كهواية منذ عشر سنوات، ثم تطور ليصبح من أهم مشاريع تدوير الأثاث على مستوى مصر عامة ومحافظة المنوفية خاصة.

كانت بداية المشروع بتجديد الكنبات القديمة الموجودة في معظم بيوت المصريين وتحويلها لما يشبه "رُكنة"، أي زاوية تشبه "الأنتريه" لكنها أكبر في الحجم ومُريحة أكثر، ويقول عبد الجليل إن هذا الكنبات ربما تكون موجودة منذ 50 عاماً لدى العميل وعفا عليه الزمن، لكن الفريق ينجح في تحويلها إلى تحفة فنية جديدة من خلال إضافة القماش والأسفنج.

ويلفت إلى استجابة العملاء لعملية تجديد الأثاث في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة، فبدلاً من شراء صالون تصل تكلفته إلى 50 ألف جنيه (1600 دولار)، يمكن تجديد القديم بتكلفة لا تزيد عن 15 ألف جنيه، كما أن غرفة النوم الجديدة يراوح سعرها حالياً بين 30 و80 ألف جنيه وهو رقم يعجز الكثيرون عن تحمله، وهنا يكون تجديد القديم هو الحل بتكلفة لن تتجاوز 15 ألف جنيه، وبالشكل الذي يرغبه العميل تماماً، وبالتالي يمكن توفير مبالغ مالية كبيرة وأيضاً المحافظة على البيئة من خلال التقليل من استخدام الأخشاب.

غالباً ما نفكر بالتخلص من قطع الأثاث عندما تصبح قديمة، لكن لا بأس من التوجه نحو ممارسات أخرى اقتصادية ومفيدة للبيئة.

في السياق ذاته، أكد صاحب مشروع "بيكيا" على انتشار الفكرة وتقبلها لدرجة أنه لم يكن يتوقع النجاح الهائل لمشروعه خلال مدة زمنية قصيرة، وقد ساعده الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك. هذا القبول ليس من قبل الفئات ذات الدخل القليل أو المحدود فقط، بل أيضاً بين الأوساط الغنية والعرسان الجدد، فالجميع تأثروا بالواقع الاقتصادي الحالي في مصر، ويضيف: "عملنا على أكثر من مشروع لعرسان جدد اشتروا غرفاً قديمة وأعطوها لنا لإعادة تدويرها حتى يستطيعوا الزواج، فالأزمة الاقتصادية أثرت كثيراً على أسعار الخامات المستخدمة في صناعة الأثاث وبعضها ارتفع بنسبة 150%".

الأثاث المستدام

انتشرت الثقافة البيئية في العديد من مجالات الحياة وظهرت الكثير من المؤسسات التوعوية التي تحاول ترسيخ مفهوم الوعي البيئي ومحاربة التغير المناخي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومنها مؤسسة "بناء" التي بدأت عملها عام 2015 هادفة لبناء قدرات الشباب والسيدات والأطفال وتشجيعهم على عمل مشروعات تنموية، لكسب المال من ناحية والحفاظ على البيئة من ناحية أخرى.

ومن أهم أهداف مؤسسة بناء ما يسمى "العمارة البيئية المستدامة" التي تروج لفكرة الأثاث المستدام، أي الذي يصنع بطرق غير مضرة للبيئة، عن طريق إعادة تدوير قطع الأثاث القديمة، والاستفادة من الأخشاب والمواد المهملة، أو تلك التي ليس لها تأثير كبير على البيئة، كأخشاب الأشجار التي لا تحتاج كميات كبيرة من المياه للنمو على سبيل المثال، وكذلك التصنيع بطرق صديقة للبيئة ولا تسبب الكثير من التلوث والضرر، والحرص على أن تكون المنتجات النهائية بجودة عالية ومتانة كبيرة، مما يضمن إمكانية إعادة تدويرها بفعالية لاحقاً.

عندما استغنى والد سامية عن بعض كراسي السفرة بمنزله، نجحت هي في الاستيلاء عليها وإعادة تدويرها، واستغلت فرصة وجود بعض دهانات الحائط المتبقية من دهن شقتها، فلوّنت الكراسي بنفسها ووضعتها في صالة الاستقبال، واكتشفت أنها في غاية النفع

تحدث رصيف22 مع المهندسة رشا عماد الدين، وهي من الأعضاء المؤسسين في "بناء"، وأوضحت محاور مشروع تطوير البيئة الريفية بالاعتماد على فكرة الأثاث المستدام، من خلال إعادة تجديد أثاث الأشخاص الراغبين بذلك، وجعله صالحاً للاستخدام بطريقة مبتكرة وجديدة، مما يقلل من الهدر واستخدام الأخشاب وتالياً قطع الأشجار.

وهناك طريقة أخرى تتبعها "بناء" لصناعة الأثاث، بالاعتماد على الأخشاب التي تستخدم لنقل المعدات والمواد الخام في المصانع، ثم تصبح غير ذات قيمة، إلا أن المؤسسة استفادت منها في تصنيع أثاث حديث، واعتمدتها كذلك كمشاريع مدرة للدخل، من خلال عمل دورات تدريبية للسيدات والشباب لتعليمهم هذه الحرفة المستدامة والصديقة للبيئة، مشيرة للاقبال الجيد على الفكرة على الرغم من عدم تقبلها في البداية لكونها جديدة وغير مطروقة.

via GIPHY


ماذا أفعل بأثاثي القديم؟

غالباً ما نفكر بالتخلص من قطع الأثاث عندما تصبح قديمة، لكن لا بأس من التوجه نحو ممارسات أخرى اقتصادية ومفيدة للبيئة في آن واحد، ومنها:

- التبرع بهذه القطع لأشخاص أو عائلات تحتاجها فعلاً، أو لجمعيات يمكن أن تستفيد منها بطريقة أفضل من رميها في مكبات القمامة.

- بيعها عن طريق مواقع الانترنت ومجموعات التواصل الاجتماعي المخصصة لذلك، وبالتالي الاستفادة منها وجني بعض المال في الوقت ذاته.

- تفكيكها وإعادة بناء قطع جديدة منها بطرق مبتكرة تلائم أذواقنا وشكل منزلنا، وهناك الكثير من الأفكار المتوفرة عبر الانترنت لكيفية القيام بذلك.

- إعادة استخدامها ضمن مواقع أخرى مما قد يشعرنا بأنها أشبه بالقطع الجديدة، كأن نستخدم سلماً خشبياً قديماً في المطبخ لتعليق الفوط، أو خزانة ملابس قديمة صغيرة لتصبح مكاناً لتخزين الأحذية.

- تبادلها مع أصدقاء يرغبون أيضاً بتبديل قطع الأثاث في منازلهم أو مكاتبهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image