شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هكذا تُكرّس الأزمة الاقتصادية في مصر عادات

هكذا تُكرّس الأزمة الاقتصادية في مصر عادات "صديقة للبيئة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 9 مارس 202311:57 ص

رغم وقعها السلبي على معظم السكان، كان للأزمة الاقتصادية في مصر بعض "الآثار الإيجابية" إن صح التعبير، بشأن نشر الوعي البيئي بين المواطنين، وكذلك أنسنة القضايا البيئية. أمور هي غالباً ليست في حسبان أو اهتمام كثيرين.

ومع محاولة المصريين التكيف مع ارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار الثياب، باتت أسواق الملابس المستعملة تجذب عملاء من شرائح جديدة من المجتمع.

اللافت أن الأزمة طالت أيضاً فئات "آمنة اقتصادياً"، كانت أبعد ما يكون عن التأثر، فبعد تجاوز سعر شراء الدولار 30 جنيهاً مصرياً، بتحرير سعر الصرف الأخير مطلع العام الجاري، وفرض الحكومة قيوداً على الواردات للسيطرة على تسرب العملة الصعبة، أصبح رواد محال الملابس العالمية يجدون صعوبة في التردد الدائم عليها والاقتناء من علاماتها التجارية المفضلة، ويبحثون عن البديل، الأمر الذي حاول مهتمون بالشأن البيئي استغلاله في نشر الوعي بخطورة صناعة الملابس والموضة السريعة على البيئة.

رغم وقعها السلبي، كان للأزمة الاقتصادية في مصر بعض "الآثار الإيجابية" بشأن نشر الوعي البيئي وأنسنة القضايا البيئية.

النفور من المستعمل

تحاول نوران البنان (32 سنة)، وهي فنانة وصانعة محتوى مهتمة بتدوير الملابس المستعملة، توظيف تبعات الأزمة الاقتصادية في نشر الوعي البيئي المتعلق بخطورة ما يعرف "بالموضة السريعة"، وذلك بعدما لاحظت أن المهتمين بالملابس المستعملة في ازدياد.

تقول لرصيف22: "لاحظت في الفترة الأخيرة أن فيديوهات قديمة نشرتها قبل أكثر من عام يزداد عدد مشاهديها، وخاصة في الأشهر القليلة السابقة بالتزامن مع الأزمة الإقتصادية الأخيرة، مثل فيديو بعنوان ‘ازاي يبان لبسك غالي وهو مستعمل’".

وقد أنشأت البنان قناة يوتيوب خاصة بها بالتزامن مع جائحة كورونا عام 2020، تنشر فيها فيديوهات توعوية عن أفكار الموضة المستدامة، ونصائح عند شراء المستعمل وأفضل الأماكن لذلك، كما تقدم ورش عمل عن الرسم على الملابس، وأفكاراً لإخفاء عيوب الملابس القديمة أو المستعملة.

وترى البنان أن أزمة مصر الحالية قد تدفع الناس إلى تبني قيم بيئية جديدة من خلال ترشيد الاستهلاك ومراجعة العادات الشرائية.

وأوضحت الشابة أن المشكلة في قبول شراء الملابس المستعملة سببها ارتباطها بالفقر والحاجة، بالإضافة إلى وجود بعض الأفكار المغلوطة التي تسبب النفور منها مثل اعتبارها تنقل الأمراض، أو أن بها طاقات سلبية، حتى أن هناك من يتنكر لزملاء قابلهم في أسواق الملابس المستعملة حتى لا يتعرفوا عليه، حسب قولها.

وهذا ما أكدته تجربة أمينة أونسي (30 عاماً) من القاهرة. تقول لرصيف22: "بعد أن انهيت دراستي وتخصصت في فنون المسرح، واجهت مشكلة أني لا أملك دخلاً ثابتاً وأنا أعشق تجديد الملابس، ووجدت في سوق المستعمل بديلاً جيداً لتحقيق ذلك، لكن واجهتني مشقة البحث عن ذلك البديل الجيد وسط أكوام من الملابس المستعملة، ومع زيادة وعيي بخطورة الملابس على البيئة، وهي من أكبر الملوثات عالمياً، أردت نشر هذا الوعي بين أفراد عائلتي، لكني وجدت استنكاراً ورفضاً قاطعين لما أفعل من قبل الجيل الأكبر سناً".

من جانبها أكدت نوران أن ما تستهدفه من محتواها التوعوي على الإنترنت وما تقدمه من تدريبات رسم على الملابس، هو تغير هذا الارتباط بين المستعمل والفقر، قائلة: "أحاول كسر الربط بين الفقر وشراء المستعمل، وبدأت أشعر أن ما أقدمه يحقق هذا الهدف من خلال رصدي للتعليقات والرسائل التي تصلني، وتنوع المتابعين والشرائح التي ينتمون إليها".

وأردفت: "بدأت سلسلة جديدة على صفحتي الخاصة تحت اسم ‘مين لابس ايه’، أظهرت أن هناك أشخاصاً كثراً يقبلون على المستعمل باختلاف ثقافاتهم ووظائفهم ومستوياتهم المادية".

لا أملك دخلاً ثابتاً وأنا أعشق تجديد الملابس، ووجدت في سوق المستعمل بديلاً جيداً لتحقيق ذلك. ومع زيادة وعيي بخطورة الملابس على البيئة، وهي من أكبر الملوثات عالمياً، أردت نشر هذا الوعي بين أفراد عائلتي، لكني وجدت استنكاراً ورفضاً قاطعين لما أفعل من قبل الجيل الأكبر سناً

صناعة الملابس بأهداف بيئية

في سياق مشابه يعمل مشروع "ألما" على نشر الوعي المستدام بين المصريين، وحثّهم على تعديل عاداتهم الشرائية. أسس بنك الكساء المصري المشروع عام 2020 بهدف المشاركة في تمويله مادياً من جهة، وعدم إهدار موارد تم التبرع بها من جهة أخرى، والبنك هو مؤسسة خيرية متخصصة في إعادة استخدام الملابس والأقمشة وتوزيعها مجاناً على المحتاجين.

تقول لرصيف22 يسر عبد القادر (28 سنة)، وهي المديرة الإبداعية للمشروع: "تأتي لبنك الكساء تبرعات من أفراد وشركات أو مصانع. بعد فرزها، يصنف قسم كبير منها باعتباره تالفاً أو لا يصلح للفئات التي يستهدفها البنك عند توزيع مساعداته. هنا يأتي دورنا، فنأخذ هذه الموارد ونعيد تدويرها بطرق مختلفة حسب حالتها".

يعمل مشروع "ألما" على أكثر من مسار، الأول هو إعادة تصنيع الملابس والأقمشة، وتحويلها إلى تصميمات جديدة، وهنا توضح يسر: "نستقبل من بنك الكساء قرابة 50 نوعاً من الأقمشة، ونعمل على ابتكار أنواع جديدة من الأقمشة الصديقة للبيئة مثل قماش من قطع الأقمشة الصغيرة (القصاقيص)، كذلك نوع قماش أشبه بالفرو الحيواني، لكنه غير مضر بالنظام البيئي".

وتضيف: "يضم خط الإنتاج الواحد من التصميمات الجديدة من 15 الى 30 قطعة، وتُعرض المجموعة بشكل موسمي في إطار هدف بيئي توعوي محدد يشمل قصة معينة، مثل أضرار مادة من مخلفات الملابس على البيئة، أو قصص ضحايا الموضة من عمال المصانع حول العالم".

المسار الثاني هو إعادة بيع الملابس المستعملة القيمة من ماركات عالمية. تقول عبد القادر: "يأتينا أيضاً عدد كبير من الموارد بحالة جيدة جداً وخامات غنية، ولا يحتاج سوى تعديلات بسيطة، ويباع للعملاء مباشرة في متجرنا، وهو يستهدف فئة مختلفة عن تلك التي تستهدفها الملابس المعاد تدويرها".

أما المسار الثالث فهو التوعية بأفكار الاستدامة، وخطورة الموضة السريعة على البيئة العالمية والمجتمع المحلي. وترى يسر أن من مهام "ألما" نشر الوعي حول القضايا البيئية وسبب تبني المشروع لها، وذلك من خلال ندوات ومناقشات في الجامعات والمدارس وأماكن أخرى.

المستقبل هو المستعمل ونحن في طريقنا إليه لا محالة، وربما كانت الأزمة الاقتصادية مسرعاً لهذا التحول.

وتتابع: "وجدنا أن الغالبية تربط بين الملابس المستعملة والفقر، وهو ما نحاول تغييره بتناول زاوية جديدة وإبراز الأضرار المجتمعية للموضة السريعة، فنشرح فأن الموضة تمحو شخصية الفرد، فعندما يرتدي الجميع ملابس متشابهة، لن تكون هناك فرصة للفرد أن يعبر عن شخصه وأفكاره من خلال ملابسه".

وأخيراً تؤكد أن "الشريحة العمرية المتقبلة للمستعمل زادت، فمنذ سنوات قليلة كان المقبلون على شراء الملابس المستعملة هم من الشباب وطلاب الجامعات، أما الآن فهناك زيادة ملحوظة".

المستقبل هو المستعمل

يرى حكيم يوسف (27 عاماً)، وهو منسق ملابس مستقل للمشاهير، أن "ألما" كانت خياراً مميزاً بالنسبة له، ويقول لرصيف22: "أنا رابح من جميع الجهات: أجد ما أبحث عنه، وأحافظ على البيئة، وأعمل خيراً، وأوفر في النفقات. مشروع ألما وفر عليّ بنسبة كبيرة، بوجود مكان فيه هذا الكمّ من القطع المميزة ويتيح لي الخيار، أشتري أو استأجر، فهذا هو المكسب الحقيقي".

ويكمل: "إلى جانب شرائي احتياجات العمل، كثيراً ما تعجبني لديهم قطع ملابس شخصية فأشتري منها وأرتديها".

وتشير أمينة أونسي إلى أنها بعد تعاملها مع "ألما" حلت المشاكل التي كانت تعطل عملية التحول لاعتماد الملابس المستعملة كعادة شرائية بالنسبة لها ولعائلتها. تقول: "المشروع وفر لي كل ما أبحث عنه، كوني سأرتدي ملابس لا يرتدي مثلها أحد، وحافظت معه على البيئة، وأنا واثقة من أنني أشارك في عمل خيري، بأسعار اقتصادية وجودة عالية".

وجدنا أن الغالبية تربط بين الملابس المستعملة والفقر، وهو ما نحاول تغييره بتناول زاوية جديدة وإبراز الأضرار المجتمعية للموضة السريعة، فنشرح فأن الموضة تمحو شخصية الفرد، فعندما يرتدي الجميع ملابس متشابهة، لن تكون هناك فرصة للفرد أن يعبر عن شخصه وأفكاره من خلال ملابسه

وأردفت: "كانت أمي وخالتي وجميع أفراد العائلة يرفضون فكرة شراء المستعمل، ولكن ألما تقدم هذه الملابس بطريقة مناسبة وجذابة. بدأت أشجعهم على الشراء من هناك بدلاً من الشراء من المتاجر والعلامات التجارية الجديدة. مؤخراً بدأوا يتقبلون الفكرة، تحديداً خالتي التي كانت دائماً ترفض قائلة: ‘لن أرتدي ملابس مستعملة أو تم التبرع بها’. كانت تبحث عن معطف جديد مؤكدة أن ‘الأسعار نار’ حسب وصفها، وعندما رأتني أطالع صفحة ألما أعجبتها بعض المعروض وقررت النزول للشراء منهم".

وترى أمينة أن الأزمة الاقتصادية دفعت فئات كانت ترفض المستعمل إلى تقبل الفكرة قائلة: "أنا أتحدث عن الجيل الأكبر سناً، من غير المهتمين بقضايا البيئة، الأزمة الاقتصادية جعلتهم يتحولون عن آرائهم بتجريب المستعمل، ما دامت جودته عالية وأسعاره معقولة أيضاً".

وترفع نوران البنان شعار "المستقبل هو المستعمل"، مؤكدة "أننا في طريقنا إليه لا محالة، وربما كانت الأزمة الاقتصادية دافعاً ومسرعاً لهذا التحول".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard