مع ازدياد خطورة التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية في مختلف البلدان، أصبح العالم يبحث عن حلول تحدّ من الخسائر في الأرواح والممتلكات، والتي تحدث بسبب السيول والفيضانات وغيرها، ومن أهم هذه الطرق آلية الإنذار المبكر التي تقوم على مد الجهات المختصة بالمعلومات الضرورية للتصرف وفقاً لها، قبل وقوع الكارثة.
وتُعرّف الأمم المتحدة نظم الإنذار المبكر بأنها إجراء تكيفي لتغير المناخ، باستخدام أنظمة الاتصال المتكاملة، لمساعدة المجتمعات على الاستعداد للأحداث الخطرة المتعلقة بالمناخ. ينقذ نظام الإنذار المبكر الناجح الأرواح والوظائف والأراضي والبنى التحتية ويدعم الاستدامة على المدى الطويل، ويساعد المسؤولين والإداريين الحكوميين في تخطيطهم، ويوفر الأموال على المدى الطويل ويحمي اقتصادات الدول.
وتستشهد المنظمة، في أثناء الحديث عن أهمية هذا النظام، بما حدث في كمبوديا عام 2013، حين تضرر أكثر من 1.7 ملايين شخص بالفيضانات ووقعت خسائر قُدّرت بـ365 مليون دولار، وارتفع الرقم إلى 2.5 ملايين عام 2016، مع ازدياد حدة الفيضانات المرتبطة بالتغيرات المناخية. ونفذت المنظمة برنامجاً مع الحكومة وشركاء آخرين لتركيب وإعادة تنشيط محطات الطقس والأرصاد الجوية الزراعية لتجنب العواقب المرتبطة بالعوامل الجوية غير المخطط لها.
ينقذ نظام الإنذار المبكر الناجح الأرواح والوظائف والأراضي والبنى التحتية.
فهل تعمل الدول النامية بنظم الإنذار المبكر، أم أن الأمر ما زال مقتصراً على الدول المتقدمة لما لديها من إمكانات ما زالت تفتقدها الدول الأقل حظاً وغنى؟
اهتمام عالمي
يحظى الإنذار المبكر باهتمام في الدول المتقدمة، عكس الدول النامية التي ما زالت لا تملك الآليات والإمكانيات التي تمكنها من اتخاذ إجراءات عملية تجاه أي معلومة، وهذا ما يوضحه الخبير البيئي الدكتور نادر نور الدين.
ويقول في حديثه إلى رصيف22: "يشارك الإنذار المبكر في جميع التخصصات الإنتاجية زراعةً وصناعةً وبيئةً، وهو فعل عاجل للتعامل مع التغيرات المناخية، فمثلاً يمكن التنبؤ بالسيول المطرية والأعاصير قبل حدوثها بفترة تتراوح من خمسة إلى سبعة أيام، وهنا يأتي دور الفعل العاجل لإجلاء السكان وتجهيز الصرف الزراعي والصحي، وهو أمر لو حصل قبل سيول باكستان والهند والسودان والسعودية والإمارات، لوفرت مليارات الدولارات، فالسيول أهلكت المحاصيل والأراضي الزراعية".
الأمر ذاته يمكن تطبيقه في حالات ارتفاع درجات الحرارة والموجات الحارة، بالتنبؤ المبكر بها وتالياً إنقاذ المحاصيل والغذاء، بتقريب فترات الري مثلاً، وتظليل أماكن الثروة الحيوانية، وإمدادها بالماء والغذاء وكذلك إنقاذ كافة أنواع الحيوانات والحشرات مثل النحل وغيرها، "وتالياً فالإنذار المبكر سواء للسيول المطرية والنهرية أو الجفاف والقحط، ثم سرعة التحرك والفعل العاجل من أساسيات إنقاذ الدول خاصةً النامية منها والفقيرة"، يضيف شارحاً.
نور الدين، وهو خبير في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يقول أيضاً: "نظام الإنذار المبكر يُطبَّق في الدول المتقدمة فقط، ويتم بالتنسيق بين هيئات الأرصاد الجوية، والتنبؤ المناخي، ومختلف الهيئات الاقتصادية والصناعية والزراعية والبيئية، وجهات الحكم المحلي والسكان والصحة، وتذهب البيانات إلى هيئات إدارة الأزمات التي تبلّغها فوراً إلى مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية في كل بلد، ثم يبدأ التحرك فوراً قبل وقوع الأزمة، وتجهيز استعدادات لتجاوزها. ما لدينا في الدول النامية هو فقط تنبؤات مناخية، ولكن نظم الإنذار المبكر والتحرك العاجل غير مطبقة".
مثلاً يمكن التنبؤ بالسيول المطرية والأعاصير قبل حدوثها بفترة تتراوح من خمسة إلى سبعة أيام، وهنا يأتي دور الفعل العاجل لإجلاء السكان وتجهيز الصرف الزراعي والصحي، وهو أمر لو حصل قبل سيول باكستان والهند والسودان والسعودية والإمارات، لوفرت مليارات الدولارات
نظم على مستويات محلية وإقليمية
بدورها، تشير خبيرة الشؤون البيئية الدكتورة نيللي كمال أمير، خلال حديثها مع رصيف22، إلى أن العديد من الدول ضمنت تبنيها لإنشاء وتطوير نظم الإنذار المبكر في خططها التنموية بالرغم من تكلفتها الضخمة، إلا أنها في المقابل تسهم في توفير النفقات وحماية الاقتصاد على المدى الطويل.
وتضيف: "هذا الأمر لا يحدث على المستوى المحلي فقط، ولكن يدعم عمل النظام الدولي عموماً، ولذلك قدّمت منظمة الأمم المتحدة العديد من مبادرات أنظمة الإنذار المبكر المبتكرة في المناطق المعرضة للخطر حول العالم، وعلى رأسها برنامج تعزيز المعلومات المناخية وأنظمة الإنذار المبكر من أجل التنمية القادرة على التكيف مع تغير المناخ"، والتكيف مع تغير المناخ هو برنامج ذو نطاق واسع، يسعى إلى مساعدة الدول الصغيرة والمتوسطة على التكيف ويغطي مناطق في إفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ.
وتضمن النظم المطبقة على المستويين الإقليمي الفرعي والإقليمي، وفق المتحدثة، التأهب والاستجابة السريعة للكوارث الطبيعية، باستخدام نموذج يدمج مكونات المعرفة بالمخاطر، والرصد والتنبؤ، ونشر المعلومات والاستجابة للتحذيرات.
الخبيرة البيئية أضافت: "اهتمت قمة تغير المناخ الأخيرة التي عُقدت في شرم الشيخ المصرية، بهذا الموضوع المهم والأساسي ضمن العمل المناخي، وأعلن أمين عام الأمم المتحدة عن خطة العمل التنفيذية لمبادرة الإنذارات المبكرة، وتسعى الخطة إلى استثمارات أولية مستهدفة وجديدة بين عامي 2023 و2027، بقيمة 3.1 مليار دولار أمريكي من مبلغ 50 مليار دولار أمريكي مطلوب لتمويل التكيف".
وعن مصر قالت: "نفذت مصر العديد من المشاريع في هذا المجال، من بينها مشاريع الحماية من الفيضانات، والتي تهدف إلى حماية المواطنين والمباني من الآثار المدمرة للأمطار الغزيرة، ومشاريع حماية الشواطئ، وتسعى إلى التكيف مع ارتفاع منسوب مياه البحر، وتدعم وجود خطة مماثلة على المستوى الإقليمي توفر نظم الإنذار المبكر بشأن المياه والمناخ".
وحدة الإنذار المبكر لا ترصد التوقعات الجوية الزراعية فقط، ولكنها تقدّم للفلاحين التوصيات الواجبة.
الإنذار المبكر والزراعة في مصر
يشير الدكتور بلال علي عبد الحميد، مساعد رئيس مركز معلومات تغير المناخ التابع لمركز البحوث الزراعية في وزارة الزراعة، إلى إنشاء وحدة إنذار مبكر قبل عامين تابعة للمركز، لما لها من أهمية كبيرة في إمداد المزارعين بالمعلومات الضرورية لاتخاذ إجراءات استباقية في الوقت المناسب، ويقول في حديثه إلى رصيف22: "الإنذار المبكر له أهمية كبيرة، من أجل تقليل الخسائر الناتجة عن الظواهر المناخية الجامحة. وفي مجال الزراعة خصيصاً يتأثر النبات بكل ظاهرة، فارتفاع الحرارة له تأثير يختلف عن الصقيع أو عن الأمطار والرياح وغيرها، وفي حين يستطيع المزارعون التحكم في كميات المياه أو الأسمدة وغير ذلك، لا يمكنهم التحكم في الظواهر المناخية".
الخبير المناخي شرح مفسراً: "على سبيل المثال، فإن هبات الرياح في أثناء ري القمح تتسبب في ظاهرة الرقاد، وفيها ينام القمح على الأرض، فتضعف السنابل وتنتج عن ذلك خسارة لا تقل عن 30% من الإنتاجية، لكن لو عرف المزارع قبلها بأن هناك رياحاً، لن يقوم بالري. بشكل مشابه، يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في فقدان المياه، وفي حال عدم تعويضها تتدمر الخلايا، كما تسبب الأمطار الزائدة تعفناً في الجذور وموت النبات لو لم يكن هناك صرف جيد".
يقول المتحدث إن وحدة الإنذار المبكر لا تنشر التأثيرات المتوقعة ولا ترصد التوقعات الجوية الزراعية فقط، ولكنها تقدّم للفلاحين التوصيات الواجبة، وتخبرهم بما يجب أن يفعلوه، وتقدّم هذه المعلومات قبل 10 أيام من وقوع الظاهرة. ويشير إلى أنه يتم الوصول إلى المزارعين من قبل مواقع التواصل الاجتماعي يومياً.
"أتابع المعلومات أولاً بأول، مثلاً ينصحوننا بعد الري في أسبوع معيّن بسبب المطر، وأنفّذ ما يقولونه. في أحد الأيام كنت أنوي ري المحصول صباحاً، ثم عرفت بأننا نتوقع هطول الأمطار وأجّلت الري، وكان ذلك مفيداً جداً لي"
ومن خلال الصفحة الرسمية الخاصة برئيس مركز معلومات تغير المناخ في وزارة الزراعة، يتم نشر الكثير من التوصيات للمزارعين، وتبادل المعلومات معهم من خلالها. مثلاً في منشور سابق تحدث الباحث إلى مزارعي القمح عن الرقاد الذي يصيب المحصول بسبب المطر والرياح ووجه إليهم عدداً من الإرشادات.
وحول أهمية هذه المعلومات يقول محمد، وهو مزارع من محافظة كفر الشيخ، لرصيف22: "حصلت عندي مشكلة مع محصول القمح، زرعته في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، وخصصت 60 كيلوغراماً من البذور للفدّان الواحد، ووضعت السماد، ورويت أول رية بعد 19 يوماً، وبذرت بعدها بأسبوع، لكن لاحظت أن تفريغ المياه سريع، ثم هطلت الأمطار وحصل للمحصول رقاد، وحينها نفعتني نصائح مركز المعلومات. مشيت عليها وربّنا يسهّل".
كما يتحدث حسن من محافظة القليوبية عن هذه النصائح ويقول لرصيف22: "أتابع المعلومات أولاً بأول، مثلاً ينصحوننا بعد الري في أسبوع معيّن بسبب المطر، وأنفّذ ما يقولونه. في أحد الأيام كنت أنوي ري المحصول صباحاً، ثم عرفت بأننا نتوقع هطول الأمطار وأجّلت الري، وكان ذلك مفيداً جداً لي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 10 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 10 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت