شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"أرز عرابي"... تجارب لزراعة محاصيل مقاومة للجفاف في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 2 فبراير 202310:56 ص

منذ نعومة أظافري، كان والدي يحكي لي عن زراعة الأرز في مصر، وكان دائم القول: "زمان الناس كانت بتربّي السمك في الأراضي المزروعة بالأرز، نظراً إلى طريقة ريّه، وهي الغمر بالماء، لضمان نجاح المحصول".

هذه الطريقة في الزراعة لم تعد اليوم مجديةً، مع الجفاف الذي تعانيه معظم بلدان العالم. كان لا بد من التفكير في أصناف أرز جديدة لا تحتاج إلى الغمر بالماء، وهو بالفعل ما عمل عليه أستاذ في وراثة النبات في جامعة الزقازيق، إذ استنبط سلالة أرز قادرةً على تحمل الجفاف وفترات الري المتباعدة المدة وبمعدلات إنتاج عالية، وأطلق عليها اسم "أرز عرابي"، للدلالة على منشئه في المنطقة العربية.

بداية الحكاية

يروي سعيد سليمان، تجربته التي تعود بدايتها إلى عام 1988، عندما فاز بحثه "التربية لتحمّل الجفاف في الأرز"، في إحدى المسابقات، وهدف البحث إلى استنباط أصناف أرز مصري مقاوم للجفاف ومبكر في النضج. ويشير إلى وجود تجارب سابقة متفاوتة النتائج والنجاح في الفليبين والصين وكذلك في إفريقيا.

مع الجفاف الذي تعانيه معظم بلدان العالم، كان لا بد من التفكير في أصناف أرز جديدة لا تحتاج إلى الغمر بالماء.

ويشرح سليمان لرصيف22، عن مراحل التجربة: "دُمجت جينات الأرز المقاوم للجفاف، مع جينات الأرز التقليدي عالي المحصول، وتم تهجين الصنفين للوصول إلى نوع جديد يحمل كلا الصفتين. ومع استمرار التجارب حصلت عام 2010، على بذرة صالحة للزراعة تحت ظروف الجفاف، ونتجت عنها قرابة مئة نوع مقاوم للجفاف وعالية الإنتاج ومبكرة في النضج، إذ تصل دورة نموها إلى 120 يوماً في مقابل 145 يوماً للأرز التقليدي".

يشير المتحدث أيضاً إلى أن أرز عرابي يستهلك تقريباً نصف كمية المياه المستخدمة في الأرز العادي، إذ إن فدان أرز عرابي يحتاج إلى 2000 متر مكعب من المياه، بينما يحتاج فدان الأرز العادي إلى 7000 متر مكعب، مما يعني أن المياه المستخدمة لزراعة فدان واحد من الأرز العادي يمكن استخدامها لزراعة فدانين ونصف من أرز عرابي.

وضمن هذا السياق، وحول وضع مصر على خريطة الجفاف، يوضح محمد فهيم مستشار وزير الزراعة للتغيرات المناخية، أن الزراعة في مصر لا تعتمد على الأمطار، وإنما على مياه نهر النيل، لذلك فإن الجفاف يمكن أن يؤثر على الزراعة في حال جفاف الموارد المائية القادمة من خارج الحدود.

وأضاف لرصيف22: "لو ثبت نجاح أي صنف من أصناف الأرز الذي يتحمل قلة المياه وطول فترات الري، فإن ذلك سيزيد من الحزام الزراعي المخصص للأرز، وبدلاً من زراعته في شمال الدلتا فقط، من الممكن أن يمتد إلى باقي محافظات الجمهورية".

تجربة ناجحة

نجحت تجربة زراعة أرز الجفاف عرابي، في محافظة الشرقية عام 2016، مع الشيخ عبد الله عبد اللطيف عبد الرحمن، وهو إمام مسجد بدرجة مدير عام في وزارة الأوقاف، الذي امتهن الزراعة عن طريق الوراثة، ومع الوظيفة الحكومية بحث عن زراعة محصول سهل الرعاية وسريع الإنبات، فخاض تجربة زراعة الأرز التقليدي المتعارفة، ولكن لم يلقَ المردود المنتظر نظراً إلى عدم مقاومته قلة المياه، إذ إن جذوره ليفية وسطحية ولا يتعدى طولها 5 سم، وعند جفاف المياه من هذا العمق يذبل النبات.

بحث عبد الله، عن نوع آخر من أصناف الأرز، فتعرف إلى سعيد سليمان، الذي أعطاه شتلات أرز الجفاف. عن مميزاته يتحدث إلى رصيف22، قائلاً: "كمية المياه المستخدمة لزراعة فدان واحد من الأرز التقليدي يمكن استخدامها لزراعة فدانين ونصف من أرز عرابي، كما أن إنتاجيته تتراوح ما بين 5 إلى 7 أطنان للفدان الواحد، بينما الأرز التقليدي ينتج فقط 4 أطنان للفدان، فهناك توفير على مستوى المياه وكذلك إنتاج كمية أكبر من المحصول".

وتابع: "تتراوح كمية ‘تصافي الأبيض’، أي ما نحصل عليه من الأرز بعد حصاده وتقشيره، ما بين 70 إلى 73 كيلوغراماً لكل مئة كيلوغرام من أرز عرابي، نظراً إلى كثافة الحبة ورقّة القشرة، بينما ينخفض هذا الرقم إلى ما بين 57 و70 كيلوغراماً للأرز التقليدي. كما أن أرز عرابي يتضاعف حجمه في أثناء الطبخ، نتيجة كثافة الحبوب العالية، وارتفاع نسبة البروتين التي تصل إلى 11%".

ويعلّق المهندس الزراعي أحمد دومة، على تلك النقطة قائلاً: "يستهلك أرز الجفاف عرابي كميات مياه أقل من الأرز العادي، كما أن احتياجاته إلى الأسمدة منخفضة، مقارنةً بزراعات أخرى"، مشيراً إلى أن مخلّفات أرز عرابي من القش، تحتوي على كميات بروتين عالية، الأمر الذي يعود بالنفع على الثروة الحيوانية، إذ يمكن استخدام قش الأرز كمصدر من مصادر الأعلاف للحيوانات.

ويروي دومة، هو الآخر، تجربته في زراعة أرز الجفاف، موضحاً أنه زرع أصناف عرابي في أرض رملية معتمداً على مقاومته للجفاف، بجانب زراعته مع محصول الفراولة أو ما يسمى بزراعات التحميل، ويشير إلى أن زراعة محصول ثانوي في ظل وجود محصول أساسي توفر مياه الري والقيمة الإيجارية للأرض.

كمية المياه المستخدمة لزراعة فدان واحد من الأرز التقليدي يمكن استخدامها لزراعة فدانين ونصف من أرز عرابي، كما أن إنتاجيته تتراوح ما بين 5 إلى 7 أطنان للفدان الواحد، بينما الأرز التقليدي ينتج فقط 4 أطنان للفدان، فهناك توفير على مستوى المياه وكذلك إنتاج كمية أكبر من المحصول

في البيوت البلاستيكية

بالإضافة إلى ذلك، يشير سليمان، إلى أن أرز عرابي مقاوم لدرجات الحرارة الشديدة، ويتحدث عن تجربة فريدة لشاب يعيش في المنوفية، أقدم على زراعة هذا الأرز داخل البيوت البلاستيكية أو الصوب الزراعية، والتي وصلت الحرارة فيها إلى 50 درجة مئوية، وبرغم المخاوف من إصابة الأرض بالملوحة إلا أن التجربة نجحت وقاوم الأرز نقص المياه، ولم تُصَب التربة بأي ضرر.

ومن هذه التجربة يأمل سعيد بأن يقدّم أرز عرابي طفرةً زراعيةً في مصر، إذ يمكن استغلال الصوب الزراعية في الصيف بدلاً من تركها من دون استخدام برغم مساحاتها الكبيرة، مما يوفر الوقت والجهد والمال.

وفي هذا أكد دومة، أنه تمت تجربة زراعة أرز الجفاف في الصوب الزراعية في المنوفية، حيث استُغلت تلك المساحات دون المساس بالصوب الزراعية نفسها، وبرغم ارتفاع درجات الحرارة داخل الصوبة إلا أن الأرز أزهر.

التسجيل في وزارة الزراعة

عمل سعيد سليمان، على الحصول على براءة اختراع من لجنة تسجيل الأصناف النباتية لأرز عرابي، وتمثلت الخطوة الثانية في تقدمه بطلب الحصول على شهادة حق المربي من مكتب حماية الأصناف النباتية، وهو الآن في انتظار التسجيل الرسمي من قبل وزارة الزراعة حتى تتم زراعته على مستوى الجمهورية.

وتعترض عملية التسجيل عقبات أهمها "حق المربّي"، أي النسبة التي يحصل عليها مستنبط الصنف، وهي لا تزال في حالة سليمان، محط خلاف بين الجامعة وبين مركز البحوث الزراعية. دفع هذا بأستاذ وراثة النبات للتقدم بشكوى لرئاسة الجمهورية مطلع العام الماضي، بعد رفض وزارة الزراعة تسجيل أصناف عرابي، وحوّلت الرئاسة الشكوى إلى الرقابة الإدارية، والأمر حالياً تحت الدراسة والتدقيق.

"لا يمكن تسجيل أي صنف تُحتمل إصابته باللفحة، وبرغم وجود علاج له، إذ يمكن أن تتكاثر المقاومة وتصبح السلالة مصابةً، وما نخشاه تكرار ما حدث عام 1984، بعد إصابة محصول الأرز من صنف ‘ريرو’ باللفحة، مما اضطر المزارعين إلى حرق محاصيل الأرز للقضاء على المرض"؛ هكذا برر أستاذ الأرز ووكيل معهد البحوث الحقلية عمار مجاهد، سبب عدم تسجيل أصناف عرابي حتى الآن، بالتخوف من إصابة سلالاتها باللفحة.

وأضاف في حديثه إلى رصيف22، أن اللفحة مرض فطري يصيب الأرز في جميع مراحل نموه، وهو عبارة عن بقع صغيرة زيتونية اللون، تسدّ مسار الغذاء القادم من الورقة إلى السنبلة، مما ينتج سنابل فارغة المحصول.

من الممكن مكافحة عدوى اللفحة عن طريق التبكير في زراعة الأرز، والتخلص من القش قبل الزراعة مرةً أخرى، والتخلص من الأعشاب المصاحبة للأرز كالدنيبة والعجيرة، والتي تجعل المحصول أكثر عرضةً للإصابة، بجانب العناية بالتسميد الآزوتي والريّ والصرف وعدم تجفيف الأرض لفترات طويلة

وعن إصابة أصناف أرز عرابي بمرض اللفحة، أوضح المهندس دومة، أن هذا الأرز مقاوم للّفحة، والمقاومة لا تعني عدم الإصابة، ولكنها تقلل من احتماليتها، فتصل نسبة تعرض أرز الجفاف عرابي للّفحة إلى 30% فقط، عكس باقي أصناف الأرز المعروفة في مصر.

من جانبه، نفى الشيخ عبد الله، إصابة أرز عرابي باللفحة، موضحاً أنه من الأصناف المقاومة للمرض، فمنذ زراعته في أرضه لم يُصب أي محصول بالمرض، ويضيف أن هذا الأرز أيضاً مقاوم لنبات الدنيبة الضار الذي يظهر أحياناً في هذا النوع من المحاصيل.

ويكمل حديثه بالقول: "برغم عدم اعتماد أرز عرابي من قبل مركز البحوث الزراعية ووزارة الزراعة، إلا أن الفلاحين قد اعتمدوه وزرعوه، فإن لم يكن موفراً للجهد والمال، لم يكن لينجح وتستمر زراعته". ويدعو لتكاتف الجهود واستكمال إجراءات التأكد من سلامة الأرز وتسجيله واعتماده بشكل رسمي، فهو من أحد الحلول المطروحة للاكتفاء ذاتياً من المحاصيل المصرية.

الوقاية من اللفحة

عن مرض اللفحة يتحدث محمد فهيم، مشيراً إلى أن هذا المرض تسبب في اندثار أصناف قديمة من الأرز، مما يهدد إنتاج محاصيل بأكملها، موضحاً أنه يظهر في درجات الحرارة العالية على شكل بقع رمادية داكنة أو فاتحة، يصل طولها إلى 3 سنتيمترات وعرضها إلى سنتيمترين، مما يؤدي إلى موت السنبلة.

وعن مصادر العدوى، أشار فهيم إلى أسباب عدة، منها جراثيم الفطر في الهواء، وبقايا المحصول المصاب "القش"، الذي يحمل الفطر في حالة سكون، والبذور المصابة.

ونبّه المتحدث إلى إمكانية مكافحة عدوى اللفحة عن طريق التبكير في زراعة الأرز، والتخلص من القش قبل الزراعة مرةً أخرى، والتخلص من الأعشاب المصاحبة للأرز كالدنيبة والعجيرة، والتي تجعل المحصول أكثر عرضةً للإصابة، بجانب العناية بالتسميد الآزوتي والريّ والصرف وعدم تجفيف الأرض لفترات طويلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image