"قطاع عريض من المزارعين اقتلعوا أشجار الحمضيات من جذورها وتخلوا عن هذه الزراعة واتجهوا نحو غرس فاكهة أخرى تقاوم الجفاف". بهذه العبارة بدأ هلال إبراهيم صاحب مشتل لبيع الأشجار المثمرة والفواكه في مدينة بوفاريك جنوب العاصمة الجزائرية، حديثه إلى رصيف22، مضيفاً أن موجة الجفاف التي تشهدها البلاد في ظل انخفاض منسوب المياه بسبب الارتفاع الشديد للحرارة، أثرت بشكل كبير على المحاصيل.
ويقول إبراهيم إنه واحد من الذين هجروا المهنة وبحثوا عن بديل آخر رغم أن عمر أشجاره يقدر بأربعة عشر عاماً، بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدها، فالشجرة الواحدة كانت تعطي في السنوات الماضية 40 كيلوغراماً من هذه الفاكهة، بينما تراوح مردودها في العامين الأخيرين بين كيلوغرام وكيلوغرامين فقط، وهناك أشجار لم تثمر حبة واحدة.
قطاع عريض من المزارعين اقتلعوا أشجار الحمضيات من جذورها وتخلوا عن هذه الزراعة.
تراجع الإنتاج
ويشرح المزارع ما حدث الموسم الماضي وكيف أثر على عملية التزهير: "في العام الماضي، ضربت رياح عاتية مجموعة سهول متيجة الواقعة شمال الجزائر خلال موسم تزهير البرتقال، وهنا وقعت الكارثة بعد سقوط الزهر، ومعلوم أن الزهرة هي الثمرة، مما أدى إلى فشل الموسم الحالي بعد تسجيل تراجع كبير في الإنتاج، فالهكتار الواحد أصبح يعطي 120 قنطاراً فقط من الحمضيات (يعادل القنطار قرابة 140 كيلوغراماً)، بدل 800 كان يدرها خلال السنوات التي كانت تشهد تساقطاً غزيراً للأمطار".
ويبدو أن هناك مجموعة من العوامل التي تهدد هذه الزراعة، من بينها الرطوبة، فانخفاضها يؤدي إلى تراجع وتيرة النمو في أجزاء الشجرة، بالأخص في الثمار، كما أنها تؤثر بشكل كبير على جذع الأشجار والأوراق التي يتساقط عدد كبير منها.
وقد انعكست ضآلة الإنتاج على الأسعار، ويخبرنا إبراهيم أن "ارتفاع الأسعار مرتبط بقلة العرض مقارنة بحجم الطلب، فكمية البرتقال واليوسفي المعروضة في السوق هذه الأيام قليلة جداً مقارنة بموسم العام الماضي".
أما أيمن بوطيبي، وهو صاحب مشتلة أيضاً في مدينة بوفاريك، فله قراءة أخرى، يقول لرصيف22: "إضافة إلى تغير فصول السنة وانزياحها وما لهما من تداعيات حول تغير معدلات الحرارة والتساقطات المطرية، هناك عامل آخر يتمثل في استيراد أصناف من الحمضيات لا تتلاءم مع خصائص المناخ في البلاد، وغالباً ما تستورد من إسبانيا أو من مصر والصين".
ومن الأسباب الأخرى التي تقف وراء انخفاض منتوج الحوامض خلال هذا الموسم، يذكر "عدم مكافحة المزارعين للآفات التي تهاجم أشجار الحمضيات"، وهنا شبه أيمن "الأشجار بالإنسان الذي يحتاج لعلاج لمجرد إصابته بمرض معين".
ويضيف: "هناك نوعان من الفيروسات التي تشكل حالياً خطورة على بساتين الحمضيات. الأول فيروس تريستيزا وهو قاتل ومدمر، ويحتاج إلى نهج متكامل من التدابير الوقائية المتمثلة في فرض حجر صحي لتجنب انتقال المرض، كما تجب إزالة وتدمير الأشجار المصابة. ومن الحشرات والفيروسات الأخرى التي تهدد الحمضيات، نجد أيضاً لاكوموز وحشرة المن الأسود".
إضافة إلى هذه العوامل، أشار المزارع أيمن إلى سبب آخر يتمثل في "ارتفاع الملوحة، الذي بات يسبب خسائر هائلة في الأراضي الزراعية، بسبب عدم توفر نظام صرف صحي مناسب، وهو ما يتطلب حرث الأرض والاكتفاء بزراعة نباتات تحتمل نسبة الملوحة، وأيضاً تستوجب هذه الظاهرة معالجة التربة ببقايا النباتات حتى تمتص تلك الملوحة".
في العام الماضي، ضربت رياح عاتية سهول متيجة شمال الجزائر خلال موسم تزهير البرتقال، مما أدى إلى فشل الموسم الحالي بعد تسجيل تراجع كبير في الإنتاج، فالهكتار الواحد أصبح يعطي 120 قنطاراً فقط من الحمضيات بدل 800 كان يدرها خلال السنوات التي كانت تشهد تساقطاً غزيراً للأمطار
خسائر كبيرة للمزارعين
أما مروان وهو مزارع حمضيات بمحافظة تيبازة الساحلية غرب الجزائر، ويقع حقله في سهل متيجة الغربية وبالتحديد في بلدة سيدي اعمر، فقد اشتكى من تراجع كبير في الإنتاج إلى حدود أربعة كيلوغرامات في الشجرة الواحدة هذه السنة، بعد أن كان الإنتاج في السنوات الماضية أضعاف هذا الرقم.
وبسبب موجة الجفاف التي ضربت البلاد العام الماضي في ظل تراجع منسوب المياه والارتفاع الشديد في درجات الحرارة، يقول مروان إن "العاملين في هذه الزراعة اضطروا إلى سقي بساتينهم بالصهاريج التي تكلفهم غالياً وتكبدهم خسائر كبيرة، لكن لم تكلل هذه الجهود بالنجاح بسبب عدم الوفرة، ونوعية البرتقال واليوسفي المعروضة في الأسواق، لأن هناك قواعد متعارف عليها في العناية بأشجار البرتقال، أولاها ري التربة كلما كانت جافة حتى تصبح رطبة، أما القاعدة الثاني فتؤكد أن الأشجار تحتاج إلى ري متكرر حتى تكون الثمار مليئة بالماء والألياف".
ولذلك يقترح المزارع اتباع آلية الري بالتنقيط، وهو النظام الذي تضاف فيه المياه للبستان، وعادة تكون بكميات تقترب كثيراً من السعة الحقلية أي درجة إشباع التربة بالمياه دون أي إسراف، ومن مميزات هذا النظام إضافة المياه في منطقة جذور النباتات فقط، أما المنطقة التي ليس لها جذور فلا تضاف لها المياه.
وفي محافظة البليدة التي تعتبر المنتج الأول للحمضيات على المستوى الوطني بإنتاج يتجاوز 33 بالمائة من مجمل الإنتاج المحلي، قرع فلاحو الحمضيات جرس الإنذار بسبب تضرر محاصيلهم الموسمية من ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات الحاصلة في الفصول، وهي تحذيرات لم تلق آذاناً صاغية حسبما أدلى به رئيس الغرفة الفلاحية في مدينة البليدة، رشيد جبار، في مؤتمر صحفي سابق نهاية العام الماضي.
تحتل الجزائر المركز الثاني عربياً في إنتاج الحمضيات بأكثر من مليون طن سنوياً.
ضرورة استغلال المياه
تكشف الأرقام التي قدمها جبار عن تراجع الإنتاج خلال الموسم الفلاحي الحالي إلى مليوني قنطار من الحمضيات خلال الموسم الحالي (2022/ 2023)، مع العلم أن مدينة البليدة تنتج غالباً حوالى 4.5 مليون قنطار سنوياً، أي بنسبة تفوق 40 بالمائة من الإنتاج المحلي.
وتحتل الجزائر المركز الثاني عربياً في إنتاج الحمضيات بأكثر من مليون طن سنوياً، وتنتشر المزارع في 32 محافظة بمساحة تناهز 75 ألف هكتار حسب تصريحات سابقة لوزير الفلاحة الجزائري محمد عبد الحفيظ هني.
ومن وجهة نظر عطوشي سعيد، مهندس فلاحي يعمل في شركة سريد المحلية المتخصصة في الأشجار المثمرة، فإن "الآبار الارتوازية هي الملاذ الوحيد حالياً للمزارعين في الجزائر مع الانحسار في الأمطار". وحسب المهندس الفلاحي فإن "المزارعين يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على تراخيص من أجل حفر الآبار الارتوازية".
هناك قواعد متعارف عليها في العناية بأشجار البرتقال، أولاها ري التربة كلما كانت جافة حتى تصبح رطبة، أما القاعدة الثاني فتؤكد أن الأشجار تحتاج إلى ري متكرر حتى تكون الثمار مليئة بالماء والألياف
ورغم أهمية هذا الحل وضرورته في المرحلة الحالية لكثير من المزارعين، إلا أن كون الجزائر واحدة من البلدان الفقيرة مائياً، يستوجب التعامل بحرص ودراية مع موارد المياه الجوفية فيها. وكان مسؤول في وزارة البيئة قد صرح سابقاً بأن "المياه الجوفية في الجنوب الجزائري الكبير تنطوي على إمكانيات تموين كبيرة للنشاطات الاجتماعية والاقتصادية إلا أنه يجب استغلالها بحذر شديد".
ويقترح سعيد أيضاً تنظيم أيام توعوية للمزارعين، لأن التغييرات المناخية الحالية تمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لهم، فأغلبهم لا يتقنون طريقة التعامل مع الإجهاد البيئي على النبات، والذي يتسبب في ضرر كبير له أو حتى موته، وطرح مجموعة من الإجراءات التي يمكن تنفيذها لكي يبقى النبات حياً، على غرار استعمال الأحماض الأمينية ورش النباتات بها وهي تساهم بالتغلب على آثار تفاوت درجات الحرارة الكبير بين الليل والنهار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون