"المزارعون يفكرون في اقتلاع أشجار الزيتون من جذورها"؛ بهذه الكلمات بدأ ع. م.، أحد أصحاب أراضي الزيتون في مدينة طنطا المصرية، حديثه إلى رصيف22، موضحاً أن تغيرات المناخ التي لم تكن في الحسبان أثرت بشكل كبير على المحاصيل، وهو يرى أن العام الحالي لن يكون أفضل من الأعوام السابقة.
ويشرح المزارع ما حدث وأثره على عملية التزهير: "في العام الماضي، لم يكن الجو بارداً كفاية للتزهير، مما أدى إلى فشل الموسم وعدم وجود إنتاجية، على النقيض من هذا العام فقد كان الجو بارداً وأزهرت الأشجار، وتفاءل المزارعون بعد أن أصبح الجو دافئاً في شهر شباط/ فبراير، ولكن كانت الكارثة في آذار/ مارس عندما انقلب الجو مرةً أخرى، وأصبح بارداً لمدة أسبوعين، تلاهما أسبوعان شديدا الحرارة، مما تسبب في فشل التلقيح وسقوط الزهر، وهناك شجر بالفعل احترق ومات، والشجر الذي لم يمت يتساقط الآن".
وأوضح أنها المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر بهذه الحدة، وأكثر المناطق تضرراً وفق قوله هي غرب المنيا لأنها منطقة استصلاح حديثة، وسرعة الرياح فيها أعلى لأنها مساحات صحراوية واسعة والأشجار لا زالت صغيرةً.
هناك شجر بالفعل احترق ومات، والشجر الذي لم يمت يتساقط الآن.
وألقى في ختام حديثه باللوم على وزارة الزراعة التي لم تحذر المزارعين أو تقدم لهم أي إرشادات للتعامل مع الظاهرة، أو أي منتجات تساعدهم على حماية المحصول.
خيبة أمل
أما خبير الزيتون وصاحب إحدى المزارع في مدينة المنصورة، أمجد قاسم، فيقول لرصيف22، إن سنة 2020 كانت سنة "معاومة"، وهي السنة التي لا يطرح فيها الشجر أي ثمار، وكذلك سنة 2021 التي بدلاً من أن تكون كثيفة الإنتاج، لم يصل إنتاج أشجار الزيتون فيها إلى أكثر من 20 في المئة، ومن المتوقع أن يكون محصول هذا العام قليلاً أيضاً.
"على الرغم من أن معدل التزهير كان مرتفعاً جداً بشكل يوحي بنسبة إنتاج تتجاوز التسعين في المئة، بعد أن استمدت الشجرة المباركة احتياجاتها من ساعات البرودة خلال كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير، وإذ بالمناخ المتقلب يعصف بتلك الزهور كلها"، يضيف قاسم، ويتوقع أن يكون سعر الزيتون مرتفعاً هذا العام، وألا يقلّ سعر الكيلوغرام منه وهو ما زال على الشجر 40 جنيهاً (2.1 دولاراً)، حتى يعوّض المزارعون خسائرهم، مقارنةً بعام 2020، حين لم يكن السعر يتعدى 10 جنيهات للكيلو الواحد.
أما محمد محسن، وهو مزارع زيتون أيضاً في محافظة الشرقية، فله رأي آخر، إذ يشير لرصيف22، إلى أن التغيرات المناخية ليست مستجدةً على مصر، ولكن الأعوام الثلاثة الأخيرة أظهرت الأمر بصورة واضحة لدى مزارعي الزيتون في العالم كله، وليس في مصر فحسب.
ويضيف محسن: "أغلب مزارع الزيتون تقع في قلب الصحراء، والطقس هناك دائماً شديد الحرارة، وكذلك التربة مختلفة ولا بد أن تكون لها أسمدة ومقويات خاصة، ولا بد لنا كفلاحين من التعامل مع الأمر على هذا الأساس".
إجراءات حكومية
خلال حديثه إلى رصيف22، قال مستشار وزير الزراعة ومدير مركز تغير المناخ الدكتور محمد علي فهيم، إن الزيتون محصول حساس مع التقلبات الجوية في شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، وهي فترة التزهير والعقد، والتغيرات المناخية الأخيرة طارئة على مصر، التي يعرف مناخها بأنه معتدل صيفاً وشتاءً مقارنةً بدول أخرى، ما شكّل معضلةً كبيرةً لأشجار الزيتون. "الجو يكون حاراً طوال النهار، وفجأةً تأتي موجة باردة ليلاً وهو أمر غير معتاد هنا"، يضيف.
على الرغم من أن معدل التزهير كان مرتفعاً جداً بشكل يوحي بنسبة إنتاج تتجاوز التسعين في المئة، بعد أن استمدت الشجرة المباركة احتياجاتها من ساعات البرودة خلال كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني/ يناير، وإذ بالمناخ المتقلب يعصف بتلك الزهور كلها
وحول استعدادت الحكومة لهذه الظاهرة من أجل حماية المحاصيل، خاصةً الزيتون، أشار فهيم إلى أن هناك بعض الاستعدادات التي سيقوم بها مركز التنبؤ بالمناخ والإنذار المبكر، حتى يأخذ المزارع أو الفلاح بعض الاحتياطات للحفاظ على المحصول، منبهاً إلى أن هذه الإجراءات ستقلل فقط من تأثير التغيرات المناخية ولن تمنعها.
الخطوة الثانية التي تحدّث عنها هي استيراد أصناف جديدة من الزيتون الإسباني واليوناني والإيطالي، قادرة على التكيف مع المناخ الجديد، وينبّه إلى أن هذه الأصناف موجودة في معهد البساتين، لكن لم توزَّع على الفلاحين حتى الآن، وهي أصناف أجنبية عالية القيمة مثل الكالاماتا وغيره من أصناف زيتون المائدة والعصر، موضحاً أن تغيير المزارعين لأنماط الزراعة هو من أهم وسائل محاربة تغير المناخ في الوقت الحالي.
وتزرع مصر قرابة 240 ألف فدان من الزيتون كل عام، وتملك 65 مليون شجرة، ما يمثّل 13 في المئة من مجمل إنتاج أشجار الفاكهة في البلاد، وتنتج نحو 700 ألف طن من الزيتون سنوياً، ومن أهم المحافظات التي تزرع هذا المحصول، جنوب سيناء والجيزة والفيوم وأسيوط والمنيا والإسماعيلية، ويصدّر جزء من الإنتاج إلى دول أوروبية عدة، مع كون مصر الأولى عالمياً في تصدير أنواع زيتون المائدة المختلفة، مثل التفاحي والعجيزي والشامي والكلاماتا.
حلول مقترحة
ومع المأزق الكبير الذي وقع فيه مزارعو الزيتون للعام الثالث على التوالي، وتفكير بعضهم بجدية في هجر المهنة والبحث عن بديل، هناك فريق آخر يسعى إلى التقليل من الخسائر وتحسين دخله أو مكسبه من خلال تخليل الزيتون وتسويقه وبيعه للسوق الداخلي أو ربما تصديره إلى الخارج، وتعني عملية التخليل وضع الزيتون في محلول ماء وملح وتوابل لمدة معيّنة يحددها مهندسو الجودة في المصانع، ويصبح بعدها صالحاً للأكل.
وضمن هذا السياق، تم تفعيل مبادرة ودية بين أصحاب أراضي الزيتون، وقرروا التواصل مع أصحاب مصانع التخليل لبيع المحصول لهم مباشرة من دون وسيط، مما سيساعدهم على تحقيق هامش ربح مقبول، وهناك رأي آخر يدعو المزارعين لتخليل المحصول بأنفسهم وتسويقه. لكن طبقاً لتوصيات المهندس الزراعي والمدير السابق في مزارع دينا، وليد عزب، فإن هذه الفكرة محفوفة بالمخاطر في ظل عدم وجود أي خبرة للمزارعين في مجال التخليل وخباياه، مما قد يتسبب في فساد المحصول، وتالياً المزيد من الخسائر.
هناك فريق يسعى إلى التقليل من الخسائر وتحسين دخله أو مكسبه من خلال تخليل الزيتون وتسويقه وبيعه للسوق الداخلي أو ربما تصديره إلى الخارج، وتم تفعيل مبادرة ودية بين أصحاب أراضي الزيتون، وقرروا التواصل مع أصحاب مصانع التخليل لبيع المحصول لهم مباشرة من دون وسيط
أما على المستوى الرسمي، وإلى جانب استيراد أنواع جديدة قادرة على التكيف مع المناخ، يشير فهيم إلى أنه سيتم تغيير الخريطة الخاصة بزراعة الزيتون في مصر، واختيار المحافظات الأقل عرضةً للتغيرات المناخية وزراعته فيها، وسيتم أيضاً استحداث مركبات جديدة لرش الأشجار خلال فترات معينة للحفاظ على عملية التزهير والعقد.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك بعض الاحتياطات التي يمكن للمزارع أخذها في عين الاعتبار، مثل الاهتمام بالحالة الصحية للشجرة والتعامل معها على أنها شخص في حاجة إلى الغذاء والفيتامينات، وينصح الخبراء برش الشجر بالزنك والحديد وغيرها من محفزات النمو قبل حدوث الموجة الحارة، وبعدها، كما أن عنصر الكالسيوم مهم جداً في فترة عقد الثمار والتزهير، ولا بد من الاهتمام بنترات البوتاسيوم والأحماض الأمينية. وهناك طريقة فعالة أيضاً وهي الري على فترات قصيرة ومتتالية وعدم الري وقت الظهيرة الحارة، وعلى المزارع التي تعتمد على الري بالتنقيط أن تلتزم بالأسمدة ومحفزات النمو المتلائمة مع هذا النوع من الري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 22 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت