"أعمل في هذه المهنة منذ نحو عشر سنوات"، يقول مصطفى محمد، وهو صاحب إحدى مناحل نحل العسل في محافظة الأقصر لرصيف22، ويضيف أن طبيعة عمله تغيرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، والسبب وفق رأيه تأثير التغيرات المناخية الواضحة من ارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها.
ويوضح قائلاً: "في السابق، كان فصل الشتاء معتدلاً نوعاً ما، فكانت إنتاجية العسل مبشرةً للعديد من أصحاب المناحل، لكن حالياً بفعل التقلبات الجوية والانخفاض الحاد في درجات الحرارة، تقلصت أعداد النحل بصورة ملحوظة، ومات الكثير منه، ففي الشتاء الماضي على سبيل المثال فقد مربّو النحل قرابة 60% من عدد الخلايا، مما أثّر على إنتاجية العسل بصورة ملحوظة".
بفعل التقلبات الجوية والانخفاض الحاد في درجات الحرارة، تقلصت أعداد النحل بصورة ملحوظة، ومات الكثير منه.
ويستكمل محمد حديثه: "خلال الفترات التي تتخللها البرودة أو الصقيع، يقوم النحل بدوره بتدفئة الخلية، وخلال فترات ارتفاع درجات الحرارة يقوم النحل بنشاط زائد لتبريد الخلية، فيحدث له ما يُسمى بالإجهاد الحراري، وفي كلتا الحالتين يستهلك كميات كبيرةً من العسل المخزّن داخل الخلية"، ويضيف: "نلجأ إلى استخدام التظليل في المناطق التي توجد فيها الخلايا لحمايتها من أشعة الشمس، ونعمل على استخدام الصناديق المعزولة التي لا تتأثر بدرجات الحرارة المختلفة، كما نعمل على توفير مصادر المياه القريبة من أماكن وجود النحل".
ويختتم حديثه قائلاً: "الكثيرون من أصحاب المناحل مهددون بغلقها، بسبب الخسارة التي يتعرضون لها طوال الوقت".
ووفقاً لمركز المعلومات الصوتية والمرئية في وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، تعمل قرابة 25 ألف أسرة في مجال تربية نحل العسل في مصر، وتمتلك مصر ما يقارب مليوني خلية نحل.
وعلى مستوى العالم، تُعدّ تربية النحل نشاطاً واسع الانتشار، إذ يعتمد الملايين من مربّي النحل عليها لكسب سبل عيشهم ورفاهيتهم، وإلى جانب وظيفته كملقح للنباتات، يؤدي النحل دوراً رئيسياً في صيانة التنوع البيولوجي، وضمان بقاء النباتات وتكاثرها، ودعم تجديد الغابات، وتحسين كمية الإنتاج الزراعي وجودته.
مصطفى محمد أحد مربي النحل في مصر - خاص رصيف22
انخفاض الإنتاجية
حسام إبراهيم، خبير في تربية النحل، وصاحب إحدى مناحل نحل العسل في محافظة الغربية، يؤكد لرصيف22، هو الآخر، أن للتغيرات المناخية تأثيرها السلبي على النحل، فيقول: "على مدار عشرات السنوات الماضية، والنحّال المصري يقوم بالعديد من الإجراءات خلال فصلي الشتاء والصيف، خاصةً منذ العمل بنظام الخلايا الخشبية، والتي تهدف إلى تنشيط النحل وتوجيهه نحو التوسع في زيادة رقعة البيض، من خلال إعطائه دفعات من التغذية السكرية أو البروتينية، وخاصةً مع بداية شهر شباط/ فبراير التي يتم خلالها إنتاج طرود النحل الجديدة التي تُعدّ للتصدير".
نلجأ إلى استخدام التظليل في المناطق التي توجد فيها الخلايا لحمايتها من أشعة الشمس، ونعمل على استخدام الصناديق المعزولة التي لا تتأثر بدرجات الحرارة المختلفة، كما نعمل على توفير مصادر المياه القريبة من أماكن وجود النحل
ويشرح إبراهيم التأثيرات السلبية لتقلبات المناخ على أحوال النحل: "التغيرات المناخية التي حدثت خلال الفترة الأخيرة، كنوبات الصقيع، جعلت الخطوات التي يقوم بها النحال لتنشيط النحل وإخراجه من بياته الشتوي ضارةً به، نظراً إلى أن عملية التنشيط إذا حدث بعدها انخفاض فى درجات الحرارة ينكمش النحل على نفسه وتموت اليرقات، وتحدث العديد من الأمراض الفطرية التي تصيب الخلية".
"تغيير مواعيد إزهار بعض المحاصيل، أو انخفاض معدل إزهارها بسبب التغيرات المناخية، أديا إلى تأخر نشاط النحل، بالإضافة إلى تغير مواسم حصاد النحل الثلاثة، وهي موسم الموالح، والذي يبدأ من منتصف آذار/ مارس إلى منتصف نيسان/ أبريل، وموسم البرسيم والذي يبدأ من منتصف أيار/ مايو حتى منتصف حزيران/ يونيو، وموسم السدر والذي يبدأ من شهر آب/ أغسطس وحتى شهر تشرين الثاني/ أكتوبر"، يضيف إبراهيم، ويشير إلى أن متوسط إنتاج الخلية كان ما بين 3 إلى 4 كيلوغرامات للطائفة الواحدة، لكن حالياً أصبح متوسط إنتاج الخلية نحو كيلوغرامين، أي انخفضت الإنتاجية بنسبة 50%.
أما أحمد المهدي، وهو صاحب إحدى مناحل العسل في محافظة البحيرة، فله رأي آخر، إذ يشير في حديثه إلى رصيف22، إلى أن التغيرات المناخية ليست وحدها التي أثرت على نحل العسل، بل توجد العديد من العوامل الأخرى التي أدت إلى انخفاض أعداده، كتلوث مياه الشرب، والإفراط في استخدام المبيدات الزراعية.
ويضيف المهدي: "التكاليف التي يتحملها مربو النحل أصبحت باهظةً، مما أدى إلى إضافة العديد من التحديات أمام منتجي العسل لإيجاد السعر المناسب لتحمل تكاليف الإنتاج".
حسام إبراهيم أحد مربي النحل في مصر - خاص رصيف22
ملقّح حشري
خلال حديثه إلى رصيف22، قال الدكتور حاتم شرف الدين، أستاذ تربية النحل المساعد في كلية الزراعة في جامعة القاهرة: "إن فائدة النحل الأساسية ليست في إنتاج العسل فقط، بل تكمن في دوره كملقّح حشري أيضاً، وهو أمر بالغ الأهمية لإنتاج المحاصيل، إذ إن نحل العسل مسؤول عن زيادة المحاصيل بنسبة 40%"، مشيراً إلى أن التغيرات المناخية أدت إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية، فالتذبذب في درجات الحرارة من حيث الارتفاع والانخفاض أدى إلى اختلاف مواعيد إزهار النباتات، مما تسبب بقلة إقبال النحل عليه، وتالياً قلّت الإنتاجية.
ويضيف شرف الدين: "بعض السلالات يحدث لها ما يُسمّى بالإجهاد الحراري نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة إصابتها بالأمراض، وتالياً تقلّص عمر النحلة، فخلال فصل الشتاء من الممكن أن تعيش النحلة لفترة 4 أو 5 أشهر، أما في فصل الصيف فينخفض عمرها بمعدل النصف".
التغيرات المناخية التي حدثت خلال الفترة الأخيرة، كنوبات الصقيع، جعلت الخطوات التي يقوم بها النحال لتنشيط النحل وإخراجه من بياته الشتوي ضارةً به، نظراً إلى أن عملية التنشيط إذا حدث بعدها انخفاض فى درجات الحرارة ينكمش النحل على نفسه وتموت اليرقات
وتوقع أستاذ تربية النحل أن تقلّ إنتاجية العسل خلال الفترة المقبلة، إذ تتوقع العديد من التقارير العلمية أن ترتفع حرارة الجو بمقدار درجة واحدة مئوية خلال عام 2030، ما سيؤثر بدوره على نحل العسل.
ووفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن ثلث إنتاج الغذاء في العالم يعتمد على النحل، وبذلك تساهم الملقحات بشكل مباشر في الأمن الغذائي.
بدوره، يؤكد الدكتور ياسر يحيى، الأستاذ المساعد والمشرف العلمي في وحدة تربية النحل في كلية الزراعة في جامعة القاهرة، على أن تأثير درجات الحرارة وتغيراتها عامل شديد الخطورة على نحل العسل، الذي يحتاج إلى درجات حرارة متوازنة، تصل إلى 34 درجةً مئويةً حتى يستطيع القيام بعملية التكاثر.
وأشار يحيى إلى أنه كلما ازدادت درجات الحرارة ازداد معها المجهود الذي يبذله النحل لكي يستطيع أن يكيّف درجة حرارة الخلية، كما أن ارتفاع درجات الحرارة إلى حدّ معيّن من الممكن أن يعمل على تعقيم الملكات، وتالياً عدم إنتاج طوائف جديدة من النحل.
أحمد مهدي أحد مربي النحل في مصر - خاص رصيف22
عزل الخلايا وتصميمات صديقة للبيئة
ويتفق الدكتور أيمن غنية، الأستاذ المساعد في قسم بحوث النحل، في مركز البحوث الزراعية، مع يحيى، قائلاً لرصيف22: "التداعيات الناجمة عن تغير المناخ أثرت بشكل واضح على نحل العسل، فخلال العام الماضي فقدنا أعداداً كثيرةً بسبب موجات الطقس الباردة التي أصابت العديد من البلدان العربية كمصر والمغرب والجزائر. يحول ارتفاع درجات الحرارة دون عملية تلقيح الملكات، وتالياً يقلّ عدد الطوائف".
ولمواجهة التغيرات المناخية يعطي غنية، بعض التوصيات، وعلى رأسها تصنيع خلايا على درجة عالية من العزل تقلل من شدة التأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية، ووضع الخلايا فوق أسطح المنازل في الأماكن القريبة من الحقول بشرط أن تكون بعيدةً عن الأماكن المكشوفة، وعمل تصميمات هندسية صديقة للبيئة خاصةً في المناحل، بحيث تكون مناسبةً لتربية النحل في درجات الحرارة المختلفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...