في الوقت الذي أدى فيه نهج الزراعة غير المستدامة، المعتمد على الأسمدة والمبيدات الكيماوية ووسائل الري التقليدية، إلى المساهمة في تفاقم أزمة المناخ، تأتي الزراعة العضوية لتنثر بذور الأمل كحلٍّ أخضر ومستدام يساعد في التخفيف من حدّة تغيّر المناخ.
تعتمد الزراعة العضوية على عدد من المعايير التي يُمنع فيها استخدام الأسمدة الكيميائية، لما لها من تأثيرات سلبية خطيرة على النظم البيئية، مما دفع البعض إلى تخصيص مساحات خضراء لإنتاج محاصيل صحية تعتمد بشكل أساسي على عناصر طبيعية وصديقة للبيئة.
تأتي الزراعة العضوية لتنثر بذور الأمل كحلٍّ أخضر ومستدام يساعد في التخفيف من حدّة تغيّر المناخ.
على بعد 64 كيلومتراً من القاهرة، وعلى مساحة 20 فدّاناً، تتراصّ أشجار البرتقال جنباً إلى جنب مع أصناف الخضروات الأخرى في إحدى المزارع العضوية في محافظة المنوفية. يقول خالد أبو عميرة رئيس الجمعية المصرية للزراعة المستدامة، وصاحب المزرعة: "أنشأناها عام 2009، وكان هدفنا الأول هو أن يأكل الناس طعاماً صحياً ونظيفاً".
ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "نعتمد بشكل أساسي على السماد العضوي المأخوذ من العناصر المتوفرة في الطبيعة، كصخور الجبال التي تحتوي على كميات من عناصر البوتاسيوم والفوسفور والفوسفات والعناصر الأخرى التي يحتاجها النبات، فنحولها باستخدام بكتيريا نافعة من صخور غير ذائبة في الماء إلى مادة يستطيع النبات امتصاصها، وذلك على عكس الزراعة التقليدية التي تعتمد على الأسمدة الكيماوية التي تؤثر على التناغم الطبيعي للكائنات الحية الدقيقة الموجودة في التربة".
ويستكمل أبو عميرة حديثه قائلاً: "تعمل الأسمدة الكيماوية، بجانب تأثيرها على صحة الإنسان وإصابته بالعديد من الأمراض، على زيادة الآثار السلبية لتغير المناخ، لذلك تساعد الزراعة العضوية على تقليل المخاطر".
ويختتم حديثه بالقول: "للزراعة العضوية عائد مادي مميز، فإنتاجها لا يقلّ عن إنتاج الزراعة التقليدية إذا اتّبعت أساليب المكافحة بطريقة صحيحة لزيادة التناغم الطبيعي بين الكائنات الحية وبينها، وخلال السنوات الأولى تزداد نسبة الإنتاج شيئاً فشيئاً، كما أن تكلفتها أقل بنسبة 35% من الزراعة التقليدية وذلك بعد ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الكيماوية خلال السنوات الأخيرة".
من الأراضي المزروعة عضوياً في مصر
ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، تعرَّف الزراعة العضوية بأنها "نظام شامل لإدارة الإنتاج يروج ويعزز سلامة النظام البيئي الزراعي بما في ذلك التنوع البيولوجي، والدورات والنشاط البيولوجي في التربة، مع مراعاة الظروف الإقليمية التي تتطلب نظماً متوائمةً مع الظروف المحلية".
ويساهم قطاع الزراعة التقليدية في ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ولتلبية أهداف اتفاقية باريس المتمثلة في الحد من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، يجب تقليل الانبعاثات الناتجة عن قطاع الزراعة بمقدار 20 إلى 30%، لذلك تكمن أهمية الزراعة العضوية في قدرتها على تقليل تكاليف الضرر، من خلال الحفاظ على خصوبة التربة وتحسينها ومنع تآكلها، مع تقليل تعرض الإنسان والحيوان للضرر.
لا تنتج عنها أي انبعاثات كربونية
يوضح محمد أبو زيد، وهو مهندس زراعي ومشرف على إحدى المزارع العضوية في الساحل الشمالي، تأثير الزراعة التقليدية على البيئة والمناخ، فيقول لرصيف22: "في الزراعة التقليدية يتم الاعتماد على مبيدات الحشائش المحتوية على مادة الغليفوسات ذات التأثيرات الخطيرة على صحة الإنسان والبيئة والتربة، نظراً إلى أن آثارها قد تبقى في التربة قرابة الثلاث سنوات أو يزيد، مما يؤدي إلى تغيير خصائصها، وإصابة المستخدم النهائي للمنتج بالعديد من الأمراض، بالإضافة إلى تأثيرها على المفترسات التي تساعد على مكافحة الآفات الضارة كالمنّ وغيره".
نعتمد بشكل أساسي على السماد العضوي المأخوذ من العناصر المتوفرة في الطبيعة، وذلك على عكس الزراعة التقليدية التي تعتمد على الأسمدة الكيماوية التي تؤثر على التناغم الطبيعي للكائنات الحية الدقيقة الموجودة في التربة
ويشير أبو زيد إلى استخدامه مخلفات المزرعة من أوراق الشجر وغيرها لإنتاج سماد عضوي قادر على مد النبات بالعناصر الغذائية اللازمة لنموّه، عن طريق عملية الكمر والتي لا تنتج عنها أي انبعاثات كربونية تضرّ بالبيئة أو بالمناخ، كما أنه يعتمد على المفترسات في عملية مكافحة الآفات الضارة التي تؤثر بالسلب على المحصول.
في عام 2020، أصدرت الحكومة المصرية قانون الزراعة العضوية، والذي يهدف إلى دعم خطة الدولة لإنتاج غذاء آمن وصحي، وذلك من خلال الحد من استخدام المبيدات الكيميائية، واستبدالها ببدائل صحية كالأسمدة العضوية المنتَجة من بقايا المحاصيل الزراعية. ووفقاً لإحصائيات حديثة فقد ازدادت نسبة المساحات الزراعية المستخدمة للزراعة العضوية في مصر، ففي عام 2020، استُخدمت نحو 116 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، مقارنةً بمساحة 105 ألف هكتار عام 2017.
خلال حديثه إلى رصيف22، قال الدكتور وليد ضياء، أستاذ الميكروبيولوجيا في كلية الزراعة في جامعة القاهرة: "في كثير من الأحيان يوجد خلط بين مصطلح الزراعة العضوية والزراعة النظيفة أو الآمنة، ففي الزراعة العضوية لا تضاف أي مواد كيماوية في أي حال من الأحوال، لكن يتم الاعتماد على المادة العضوية في التسميد والطرق البيولوجية في المكافحة"، مشيراً إلى أن الاستخدام غير الرشيد للأسمدة الكيماوية ينتج عنه الكثير من الانبعاثات الكربونية التي تزيد من تسارع وتيرة التغيرات المناخية، وتالياً ارتفاع درجات الحرارة.
ويضيف ضياء: "تستلزم الزراعة العضوية أن تكون التربة غير ملوثة بالمواد الكيماوية حتى لا يمتصها النبات، ففي أغلب الأحوال تحتاج التربة إلى نحو 5 سنوات حتى تصبح جاهزةً للزراعة العضوية"، مؤكداً على أن تجربة الزراعة العضوية لا يمكن تعميمها في العالم كله نظراً إلى وجود فجوة غذائية، وحاجة هذا النوع من الزراعة إلى وقت أطول من نظيرتها التقليدية.
خالد أبو عميرة في مزرعته في المنوفية
ويتفق حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين مع ضياء، قائلاً لرصيف22: "توجد بعض التحديات التي تواجه صغار المزارعين وتعيقهم عن تطبيق تجربة الزراعة العضوية، ومنها قلة الإنتاجية، وتالياً يلجأ الكثيرون إلى الاعتماد على نهج الزراعة التقليدية"، مشيراً إلى أن قلة المياه وزيادة عدد السكان واتساع الفجوة الغذائية هي من الأسباب التي تعيق تعميم الزراعة العضوية.
صديقة للبيئة
من جانبه، يوضح الدكتور خالد غانم أستاذ الزراعة العضوية، ورئيس قسم البيئة في كلية الزراعة في جامعة الأزهر، مميزات الزراعة العضوية في الحد من تغيرات المناخ فيقول: "جميع ممارسات الزراعة العضوية صديقة للبيئة، فالدورات الزراعية والتسميد الأخضر والبذور المحلية، كلها ممارسات تعمل على زيادة خصوبة التربة طبيعياً وتعزز من كفاءتها في امتصاص المياه".
وأشار غانم لرصيف22، إلى أن عملية إنتاج واستخدام السماد العضوي (الكمبوست)، التي تُعدّ الممارسة الأهم في الزراعة العضوية، وتعمل على تخصيب التربة وتزايد أعداد الميكروبات النافعة، لا تنتج عنها أي ملوثات بيئية تزيد من معدلات الغازات الدفيئة، كما هو الحال في الأسمدة الكيماوية.
ولفت أستاذ الزراعة العضوية إلى أن المزارع العضوية تتطلب أن تكون مرخصةً وتحت إشراف مؤسسات للمتابعة وضمان سلامة المحصول، كالهيئة القومية لسلامة الغذاء والإدارة العامة للزراعة العضوية.
توجد بعض التحديات التي تواجه صغار المزارعين وتعيقهم عن تطبيق تجربة الزراعة العضوية، ومنها قلة الإنتاجية، وتالياً يلجأ الكثيرون إلى الاعتماد على نهج الزراعة التقليدية، كما أن قلة المياه وزيادة عدد السكان واتساع الفجوة الغذائية هي من الأسباب التي تعيق تعميم الزراعة العضوية
أهمية اقتصادية
بدورها، أكدت الدكتورة مايسة لطفي، رئيسة المعمل المركزي للزارعة العضوية في مركز البحوث الزراعية، على أهمية الزراعة العضوية ودورها في المحافظة على البيئة والمناخ، من خلال استخدام السبل الحديثة في إنتاج غذاء صحي وآمن، فتقول: "تحافظ الزراعة العضوية على البيئة بكل عناصرها، فاعتمادها على المنتجات الطبيعية في مقاومة الأمراض يحدّ من الانبعاثات الكربونية التي تعمل على ارتفاع درجة حرارة الجو، على عكس المبيدات لما لها من تأثيرات بعيدة المدى على البيئة وعلى صحة الإنسان والحيوان".
وأشارت لطفي إلى أن للزراعة العضوية أهميةً اقتصاديةً نظراً إلى الطلب المتزايد على المنتجات العضوية في الأسواق الأوروبية والعالمية، وتالياً فهي تعمل على توفير العملة الصعبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...