شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
القمح والشعير في الجزائر يواجهان التغيّر المناخي وارتفاع تكاليف الزراعة

القمح والشعير في الجزائر يواجهان التغيّر المناخي وارتفاع تكاليف الزراعة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الثلاثاء 8 نوفمبر 202201:23 م
Read in English:

A hefty toll to pay: Algeria feels the impact of climate change on wheat and barley

أفكار كثيرة مقلقة ومخيفة باتت تسيطر على تفكير المزارعين في الجزائر، وتنغص يومياتهم، بسبب التغير المناخي الذي بات يؤثر بقوة على نشاطهم الفلاحي، فالعديد من المحاصيل الغذائية الرئيسية أصبحت مهددةً بالندرة وارتفاع الأسعار.

ويُعدّ ضياع موسم حرث الأراضي المخصصة للقمح والشعير، أبرز هاجس يلاحق عبد الغني بغو، صاحب مستثمرة فلاحية للأشجار المثمرة والحبوب في بلدة عين بابوش في محافظة أم البواقي في شرق البلاد.

يقول بغو لرصيف22: "حال نقص المياه بسبب عدم تساقط الأمطار حتى الآن، دون انطلاق موسم الحرث الأولي، الذي يكتسب أهميةً كبيرةً بالنسبة إلى المزارع، لأنه يساعد على تهيئة الأرض والتربة لوضع الحبوب".

يؤثر التغير المناخي على فلاحي الجزائر، فالعديد من المحاصيل الغذائية الرئيسية أصبحت مهددةً بالندرة وارتفاع الأسعار.

وعادةً ينطلق موسم الحرث والبذر في الجزائر خلال الفترة الممتدة بين منتصف تشرين الأول/ أكتوبر ونهاية تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام.

تكاليف باهظة

ويشير المزارع إلى أن "منسوب المياه انخفض بنسبة كبيرة منذ بداية فصل الصيف في المناطق الداخلية والهضاب العليا وسط البلاد، والتي تمتاز بشتاء بارد تصل أدنى درجة حرارة فيه إلى درجة مئوية واحدة، بينما التساقط يكون ما بين 250 إلى 400 ميليمتر سنوياً".

وما يؤرق المزارعين أيضاً في هذه المناطق، تكاليف الري المرتفعة، ويقول بغو إنه "يمتلك أراضي شاسعةً مساحتها 50 هكتاراً، وتمكن هذا العام من سقي 20 هكتاراً فقط".

ومن أجل سقي المساحات المتبقية، يذكر عبد الغني أن "عدم ربط مستثمرته الفلاحية بالكهرباء حال دون حفره بئراً ارتوازيةً، كما أن معدات وأدوات الري المحوري تكلف أموالاً طائلةً".

من الحقول المزروعة بالحبوب في الجزائر - خاص رصيف22

ولعل أبرز المحاصيل الزراعية التي تحتاج حالياً إلى كميات كبيرة من مياه السقي، هي الحبوب، وفق ما أكد المزارع، قبل أن يشرح: "نحن اليوم في مرحلة البذر، التي تحتاج إلى كميات كبيرة من مياه السقي لضمان انطلاقة جيدة وتحقيق مردود وفير".

ولا تقتصر المشكلات التي تواجه المزارعين في زراعة القمح والشعير، على بلدات محافظة أم البواقي فقط، بل تمتد أيضاً إلى محافظات أخرى من الوطن، على غرار محافظة النعامة في الجنوب الغربي، وتشمل أنواعاً أخرى من المواد التي تُستهلك على نطاق واسع.

وهناك يشير عبد القادر، وهو فلاح في إحدى قرى النعامة، لرصيف22، إلى أن "كل هكتار يلزمه طاقم رش محوري كامل قابل للحركة والتحويل، سعره أكثر من 80 ألف دينار، أي ما يعادل 900 دولار أمريكي، باحتساب تكلفة الشحن وأشغال تحضير التربة من حرث ومعالجة بغبرة الحيوانات ومواد كيمياوية، بالإضافة إلى الكهرباء".

ويشير عبد القادر إلى أن "تكلفة الكهرباء متوقفة على نوعية التربة، فالتربة في محافظة النعامة شبه رملية نفاذة، أي أنها تستهلك المياه بدرجة كبيرة، وهو ما يعني ارتفاع فاتورة الكهرباء، وقد تكون تكلفة الكهرباء منخفضةً في مناطق أخرى، وأيضاً إن كان موسم الزارعة في الربيع، وبالتحديد خلال الفترة الممتدة بين آذار/ مارس وأيار/ مايو".

تراجع كبير في مخزونات المياه

أمام هذا الوضع المقلق والمخيف، اهتدت وزارة الشؤون الدينية في الجزائر نهاية الشهر الفائت، إلى دعوة أئمة المساجد لإقامة صلاة الاستسقاء عبر مساجد الجمهورية، بعد تسجيل نقص فادح في مياه السقي الموجهة إلى النشاط الفلاحي.

منسوب المياه انخفض بنسبة كبيرة منذ بداية فصل الصيف في المناطق الداخلية والهضاب العليا وسط البلاد، والتي تمتاز بشتاء بارد تصل أدنى درجة حرارة فيه إلى درجة مئوية واحدة، بينما التساقط يكون ما بين 250 إلى 400 ميليمتر سنوياً

وتكشف آخر الإحصائيات المقدمة من وزارة الموارد المائية والثروة المائية، في شهر أيار/ مايو الماضي، عن بلوغ نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني 44.52 في المئة، وهي نسبة وصفتها الوزارة بـ"المقبولة"، سمحت بتحسين نظام توزيع المياه الصالحة للشرب خلال الأشهر الماضية، خصوصاً مع الاعتماد على تحلية مياه البحر.

لكن الوضع اليوم أصبح مُقلقاً بسبب تأخر هطول أمطار الخريف، أو ما يُعرف محلياً بمصطلح "صلاحة النوادر"، وتُعرف في مناطق أخرى بـ"غسالة النوادر"، وهو مصطلح قديم جداً، يطلقه الفلاحون على الأمطار الموسمية التي تنزل في أول فصل الخريف من كل سنة، فتغسل الأرض، وتهطل عادةً في أواخر شهر آب/ أغسطس وبداية شهر أيلول/ سبتمبر، وغالباً لا تستمر أكثر من يوم أو يومين، وتنزل بغزارة شديدة، وفي بعض القرى في أعالي الجبال وحتى في المدن تخلّف أضراراً ماديةً تكون كبيرةً في معظم الأحيان.

ويُقصد بـ"النوادر"، ذلك المكان المستدير الذي نعثر عليه في كل منزل ويخصَّص لجمع الحبوب ودرسها، ويستبشر الفلاحون خيراً بهذه الأمطار لأنها تأتي في نهاية موسم الحصاد فتغسل "النوادر" وتبشّر عموماً بخريف ممطر.

وفي الموروث الشعبي يكون الموسم الفلاحي المقبل خصباً وذا مردودية كبيرة إذا هطلت هذه الأمطار بغزارة كبيرة، واستمرت ليومين أو ثلاثة أيام كاملة، وعادةً يتبادل الفلاحون خلال هذه الفترة التهاني بالقول "يهنيك الروى"، فتكون الإجابة "الربّ واحد والهناء واحد"، و"إحنا وياك في الحال واحد".

من الحقول المزروعة بالحبوب في الجزائر - خاص رصيف22

حل مستدام

يشير راشدي معاذ، وهو مهندس زراعي مختص بأمراض النبات، خلال حديثه إلى رصيف22، إلى أن الإنتاج الوطني للحبوب يشهد تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، والمشكلة لا تكمن في كمية تساقط الأمطار فقط، بل في التغيّر المناخي الذي يُحدث تغييراً في منظومة التوزيعات الضغطية نتيجة الارتفاع الكبير في درجات الحرارة".

وشهدت الجزائر منذ بداية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، موجة حر شديدةً ارتفعت فيها درجات الحرارة أكثر من 7 درجات مئوية عن المعدل الفصلي، بالأخص في المناطق الغربية والوسطى للبلاد.

المطلوب حالياً تشجيع الفلاحين على زراعة الحبوب وذلك عن طريق تقديم مجموعة من التسهيلات، بالإضافة إلى التخلص من الزراعات التقليدية التي تعتمد على مياه الأمطار والأساليب المتوارثة عن الأجداد والمعدات القديمة

ونتيجةً لكل هذه العوامل، تتراوح نسبة تراجع إنتاج الحبوب وفقاً لمعاذ بين 40 و50 في المئة، ويقول في هذا المضمار إن "الإنتاج خلال 2017/2018، كان في حدود 60 مليون قنطار (يعادل القنطار قرابة 143 كيلوغراماً)، بينما أصبح في الأعوام الأخيرة بين 30 و35 مليون قنطار". وفي هذا السياق، صرّح وزير الزراعة الجزائري العام الفائت، بأن "البلاد حققت عام 2019، اكتفاءها الذاتي من القمح الصلب، لكن إنتاجها من القمح الليّن، وهو الأكثر استهلاكاً في البلاد، لا يزال ضعيفاً".

والمطلوب حالياً كما يقول، تشجيع الفلاحين على زراعة الحبوب وذلك عن طريق تقديم مجموعة من التسهيلات، بالإضافة إلى التخلص من الزراعات التقليدية التي تعتمد على مياه الأمطار والأساليب المتوارثة عن الأجداد والمعدات القديمة، كالحرث بالثور أو الحصان، لأن الزراعة الحديثة تعتمد على الرش المحوري الذي يقدّم مردوداً ممتازاً يصل حتى 80 قنطاراً في الهكتار الواحد.

من الحقول المزروعة بالحبوب في الجزائر - خاص رصيف22

ويشير المتحدث إلى الإمكانات الأخرى التي تزخر بها الجزائر، والتي قد تمكّنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي وإنتاج جميع الاحتياجات الغذائية، كالمياه الجوفية والمناخ الذي تمتاز به المدن الجنوبية. ويشرح قائلاً: "إذا أحسنّا استغلال الإمكانات التي تتمتع بها المناطق الجنوبية، تستطيع الجزائر أن تطلق عمليتي حصاد في العام الواحد، وأن تحقق اكتفاءها الذاتي من القمح".

وتعود أسباب تأخر الجزائر في تحقيق هذا الاكتفاء، إلى أسباب عدة، من بينها التأخّر من الناحية التقنية، فآليات البذر والحصاد لم تتغير منذ 20 سنةً، حسب تصريحات سابقة للرئيس عبد المجيد تبون، أشار فيها أيضاً إلى أن الدولة باشرت في إعادة هيكلة الفلاحة، وقد بدأت تتحسن الأمور نوعاً ما نحو تحقيق اكتفاء ذاتي في ما يخص الأمن الغذائي، بالرغم من أنه لن يكون كلياً بحسب تعبيره.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard
Popup Image