"منذ أن بدأ الصيد بالمتفجرّات، حلّت علينا الكارثة؛ أعداد الأسماك التي كنا نصطادها بالسنارة تراجعت كثيراً، والمتفجرات تبيد كل شيء داخل المياه"؛ هكذا يعبّر محمد، ابن بلدة عدلون جنوب لبنان، عن مساوئ الصيد بالمتفجّرات في حديثه إلى رصيف22.
مشكلات جمّة تهدد الثروة السمكية في لبنان، إلا أن أخطرها هو استعمال المواد المتفجرة في صيد السمك، فقد دأب بعض الصيادين خلال القرن الماضي إلى استعمال المتفجرات لقتل الأسماك للحصول على أكبر كميّة ممكنة منها، وبمرور السنوات تراجعت وتيرة هذه الطريقة المخالفة للقانون نظراً إلى إجراءات الأجهزة الأمنية وخفر السواحل. لكن مع دخول لبنان الأزمة السياسية والاقتصادية عادت هذه الظاهرة إلى الواجهة من جديد في العديد من المناطق الساحلية، لتشكل تهديداً حقيقياً على الحياة البحرية والإنسان.
أعداد الأسماك التي كنا نصطادها بالسنارة تراجعت كثيراً، والمتفجرات تبيد كل شيء داخل المياه.
ويشير أحد العارفين بآلية صنع المتفجرات المستخدمة في صيد الأسماك، إلى أن الصيادين يصنعون التوربين (المتفجرات)، بأنفسهم، عبر استخدام مواد السماد الكيماوي، وخلطها وطبخها بطريقة معيّنة (نتحفّظ عن ذكرها)، وعند الانتهاء من تصنيع الأصابع المتفجرة تُربط بالحجارة لتغرق وتصل قدر الإمكان إلى القعر، وعندما تصل وتنفجر تقتل أعداداً هائلةً من الأسماك والحيوانات البحرية، وكلها تطفو فوق سطح المياه، فيجمعها الصيادون بكل سهولة.
المتفجرات خطر داهم
نصت المادة 25 من القانون اللبناني لمراقبة الصيد البحري الساحلي الصادر عام 1929 على منع الصيد بتاتاً باستخدام المواد المتفجرة والمخدرات وجميع أنواع المواد المعدة لتسميم السمك، ما يعني أن القانون اللبناني لحظ صراحةً خطورة هذا النوع من الصيد.
رئيس جمعية صيادي الأسماك في منطقة الجناح والرملة البيضاء في بيروت، إدريس عتريس، وفي حديثه إلى رصيف22، يؤكّد على خطورة استعمال المتفجرات في صيد الأسماك، فهذه العملية تقتل السمك بأحجامه كافة، كما تبيد بويضات السمك التي تتأثر بالتفجير، ويقول: "خطورة هذا الموضوع كبيرة جداً على الثروة السمكية، والصيادون من خلالها يقتلون جميع أنواع وأحجام السمك، الصغيرة والكبيرة، وأيضاً الذي يكون في مرحلة الإباضة والتكاثر".
تصوير بلال قشمر - خاص رصيف22
بدوره، يؤكد مدير محميّة شاطئ صور الطبيعية والباحث في علوم البحار الدكتور علي بدر الدين، على أن استعمال الديناميت أو المتفجرات بأنواعها لصيد الأسماك يُعدّ أمراً خطيراً، إذ يتم القضاء على كل النظام البيئي والتنوع الإيكولوجي في بحر لبنان، ويشير في حديثه لرصيف22، إلى أن ثمانين في المئة من الشاطئ اللبناني صخري، وهذا أمر مميز جداً، لأنه مكان مناسب لتكاثر الثروات البحرية، وباستعمال المتفجرات فإن ذلك سيشكل تهديداً للحياة البحرية واستمراريتها.
وبحسب بدر الدين، المتفجرات أخطر من الشباك الضيقة الممنوعة في صيد السمك بموجب القانون، فهي تقضي على الثروة البحرية والتنوع الإيكولوجي بكامله من أصغر الكائنات الموجودة في البحر إلى أكبرها، كما أنها تؤثر على السلاحف البحرية وتعرّضها للخطر، فضلاً عن القضاء على غذائها الذي تأكله بسبب استعمال المتفجرات.
خسائر كبيرة في الثروة السمكية
ليست المتفجرات وحدها ما يشكل خطراً على الثروة السمكية في لبنان، فهناك العديد من العوامل الأخرى. بحسب عتريس فإن مياه الصرف الصحي التي ترمى في البحر من دون معالجة علمية مع كل ما تحمله من مواد كيميائية وسموم، كلها تصب على شاطئ البحر الصخري وهو المكان الذي تأتي إليه الأسماك لتضع بيوضها، فتتأثر الأسماك والبيوض بهذا التلوث، كذلك فإن غرق كميات كبيرة من المواد البلاستيكية في البحر، خصوصاً مع وجود المكبّات العشوائية على الشاطئ مثل مكب "كوستا برافا" جنوب بيروت، يسبب خطورةً كبيرةً على الحياة البحرية.
الصيد بالمتفجرات أو بغيرها من المواد الممنوعة، عاد إلى الواجهة في السنوات الأخيرة بعد تعذّر تغطية مساحات معيّنة من البحر بسبب ارتفاع سعر المحروقات المخصصة لمراكب المراقبة، وتعذر وصول خفر السواحل والمراقبين إلى مراكب الصيادين في عرض البحر في بعض الحالات
ويضيف عتريس: "لا ننسى كميات الرمل التي تأتي مع مياه الصرف الصحي الصادرة عن مغاسل الرمل والأتربة، كذلك الاعتداءات على الشاطئ من قبل المسابح التي تطمر الصخور بالإسمنت، ومعروف أن السمك لا يضع بيوضه إلا في الصخر الطبيعي. كل هذه الأسباب أدّت إلى خسارة الأسماك موائلها التي تبيض فيها، وتالياً تراجع الثروة السمكية في لبنان".
وفي إشارة إلى مدى هذا التراجع والخسارات في ظل عدم وجود أرقام أو إحصائيات رسمية، يقول الصياد محمد، إنه كان يصطاد في الماضي كيلوغرامات عدة من السمك وكانت تكفي عائلته، واليوم لا يصطاد أكثر من كيلوغرامين في أحسن الأحوال، وعليه يعاني من أزمة معيشية خانقة.
أيضاً هناك مشكلة الصيادين الذين يستخدمون بندقية صيد السمك، وبحسب عتريس فإن هذه البندقية بحاجة كذلك إلى رخصة، لكن بعض الغطاسين يقتلون السمكة في أثناء دخولها إلى وكرها من أجل أن تضع بيوضها، وهذا الأمر خطير جداً على استمرارية السمك، كذلك استعمال شبكة "الجاروفة " اليدوية التي تعلق في حبالها أعداد كبيرة من الأسماك.
التوعية والمحاسبة أمران ملحّان
يؤكّد بدر الدين، أن هناك ضرورةً لتوعية الصيادين وإطلاعهم على القوانين وعلى أهمية التنوع الإيكولوجي والأنظمة البيئية، فمعظم الصيادين حالياً لا يعرفون عن البحر إلا أنه موطن للسمك، ولا يدركون أهمية المخلوقات الأخرى التي تميّز بحرنا، وفي هذا السياق يتحدّث عن أهمية ما قامت به إدارة المحمية بالتعاون مع بلدية صور من حملات توعية للصيادين، ويقول: "نحن نلتمس نتائج هذه الحملات، فالصياد اليوم في صور بات واعياً بأهمية المحافظة على استمرارية الأنواع في البحر عبر اعتماد الطرق القانونية في الصيد، فاتّباع الطرق غير القانونية يهدد هذه الأنواع وبقاءها، وتالياً تتهدد معيشة هؤلاء الصيادين الذين ليس لديهم مصدر رزق آخر غير البحر".
تصوير بلال قشمر - خاص رصيف22
ويضيف: "يجب تطبيق القوانين لأنها تمنع استخدام الديناميت والشباك وغيرها من المبيدات للثروة البحرية، وتمنع صيد بعض الكائنات كالقرش المهدد بالانقراض، وكذلك السلاحف والدلافين، لكن اليوم مع غياب المراقبة والمحاسبة بتنا نرى تجاوزات كثيرةً".
بدروه أكّد عتريس على دور القوى الأمنية وخفر السواحل في مكافحة ظاهرة الصيد بالمتفجرات أو بالسموم، ووفق قوله، يجب تفتيش مراكب الصيد بشكل دوري والتأكّد من خلوّها من هذه المواد الممنوعة، كذلك منع المراكب من حمل مولّدات الهواء، والتي يستعملها الصيادون عبر خرطوم يزوّدهم بالهواء لفترات طويلة تحت الماء، فيصيدون الأسماك بالبندقية من دون أن يبقوا منها شيئاً.
كذلك يدعو إلى معالجة مشكلة الصرف الصحي، إذ لا يجوز أن ترمى بهذا الشكل العشوائي، ويجب تفعيل محطات التكرير الموجودة واستحداث غيرها لمعالجة المياه الآسنة قبل رميها في المياه مباشرةً، كذلك منع إقامة المطامر على الشواطئ لما لها من أضرار كارثية على الثروة السمكية وعلى الإنسان.
المتفجرات أخطر من الشباك الضيقة الممنوعة بموجب القانون، فهي تقضي على الثروة البحرية والتنوع الإيكولوجي من أصغر الكائنات الموجودة في البحر إلى أكبرها، كما أنها تؤثر على السلاحف البحرية وتعرّضها للخطر، فضلاً عن القضاء على غذائها الذي تأكله بسبب استعمال المتفجرات
ويشير مصدر أمني لرصيف22، إلى أن الصيد بالمتفجرات أو بغيرها من المواد الممنوعة، عاد إلى الواجهة في السنوات الأخيرة بعد تعذّر تغطية مساحات معيّنة من البحر بسبب ارتفاع سعر المحروقات المخصصة لمراكب المراقبة، وتعذر وصول خفر السواحل والمراقبين إلى مراكب الصيادين في عرض البحر في بعض الحالات، مما جعل بعضهم يستسهل الصيد بالمتفجرات.
ويضيف المصدر أن الأمور لم تخرج عن السيطرة بعد، وأن القطع الأمنية المكلفة مكافحة هذه المخالفات ستقوم بواجباتها برغم كل ما يمر به لبنان من أزمات، عبر تطبيق القوانين ومعاقبة المخالفين.
خطورة المتفجرات والسموم على الإنسان
المتفجرات والسموم لا تشكل خطراً فقط على الحياة البحرية والتنوّع الإيكولوجي فيها، وإنما على الإنسان أيضاً، فالعشرات من الصيادين قضوا بانفجار أصابع الديناميت والمتفجرات في أثناء إعدادها أو رميها، وبحسب ما أفاد به مصدر خاص لرصيف22، قُتل حتى عام 1992، ثمانية صيادين من مدينة صور، بالإضافة إلى جرح آخرين جرّاء استعمال المتفجرات.
تصوير بلال قشمر - خاص رصيف22
كذلك تشكل المتفجرات خطراً على من يكون في المحيط الذي تُرمى فيه، إذ تؤدّي بحسب المصدر إلى موت الإنسان أو التسبب بأضرار جسدية جسيمة له.
أما السموم فخطورتها أنها تقضي على أعداد كبيرة من الثروة السمكية وباقي المخلوقات، وآثارها تصل إلى الإنسان بمجرد أن يقتات من هذه الأسماك المسمومة، وقد تؤدي به إلى التسمم أو الوفاة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون