شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"حوّلتُ غرفتي الصغيرة إلى حديقة خاصة"... مبادرات لزراعة الأسطح والشرفات في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 27 يوليو 202201:11 م

كان الزرع رفيقه في الغربة، فبعد أن ترك محمد السيد (35 عاماً)، منزله في عزبة سبع في محافظة المنيا جنوب مصر، كان يبحث عما يذكّره بوالده الذي يعمل فلاحاً، وقريته التي نشأ وترعرع فيها، فكان الزرع هو الوسيط الروحي الذي يربطه بهما. ولم يكتفِ بالزراعة داخل منزله، بل قرر نقل خبرته التي اكتسبها من والده ومن دراسته في مدرسة الزراعة في قريته، لمساعدة محبّي الزراعات المنزلية والأسطح، فأنشأ صفحةً على فيسبوك وقناةً على يوتيوب، تفاعل معها عشرات الآلاف من محبّي الزراعات المنزلية داخل مصر وخارجها.

يروي محمد: "تركت الزراعة وعملت سائقاً عقب إنهاء دراستي في إحدى الشركات التابعة لهيئة قناة السويس، وانتقلت على إثرها للعيش في مدينة بورسعيد شمال شرق مصر، فالزراعة لا تكفي وحدها للعيش الجيد، ولكن حبي لها جعلني أحول غرفتي الصغيرة في محل سكني الجديد إلى حديقة خاصة أزرع فيها أغلب أنواع الفاكهة والخضروات، ونمت الحديقة مع الوقت، حتى أن أغلب الخضروات والفواكه التي أتناولها وزملائي في السكن هي مما أزرعه، ما وفر لنا جزءاً كبيراً من مصاريف الطعام".

حبي للزراعة جعلني أحول غرفتي الصغيرة إلى حديقة خاصة أزرع فيها أغلب أنواع الفاكهة والخضروات.

محاصيل عضوية بتكلفة زهيدة

شغف محمد بالزراعة بدأ منذ الصغر، فقد ترعرع وسط الأراضي الزراعية، وحصد أول زرع من يديه عندما كان في الرابعة عشر من عمره، وكانت ذرةً شاميةً، وضع بذرتها في أصيص صغير في غرفته، وظل يرعاها حتى نضجت وحصد الذرة منها وأكلها.

يقول في حديثه إلى رصيف22: "كان مجال دراستي مرتبطاً بالزراعة، فتخرجت من مدرسة بني مزار الثانوية الزراعية، وحصلت على دبلوم زراعي"، ويضيف: "قسّمت وقتي بين عملي الصباحي سائقاً، ورعايتي في المساء لحديقتي الخاصة داخل غرفتي وفي الشرفة، وكنت أعطي نصائح للمترددين على المجموعات الخاصة بالزراعة المنزلية على فيسبوك، حتى قررت تدشين صفحة خاصة بي تحت اسم ‘زراعة الأسطح والبلكونات للمبتدئين’، وصل أعداد المنضمين إليها إلى 73 ألف عضو خلال عامين فقط، والعام الماضي دشّنت قناةً على يوتيوب لأن بعض الزراعات لا يمكن شرحها في نص كتابي أو صورة فقط".

في غرفة محمد أشجار للزينة ونباتات عطرية وبعض الخضروات كالبصل والشبت والبقدونس والجرجير، وبعض الفواكه الموسمية كالشمام والفراولة، وأكثر الأسئلة التي يتلقاها من محبي الزراعة المنزلية، هي عن توقيت ريّ الزرع، والمعادن التي يجب توفيرها له من مواد طبيعية، فحسب محمد، أغلب المتجهين نحو الزراعات المنزلية فضّلوها لأنها توفر محاصيل عضويةً بعيدةً عن الأسمدة والكيماويات، وبتكلفة بسيطة، خاصةً أن أسعار المحاصيل العضوية في الأسواق مرتفعة جداً.

الاكتفاء الذاتي وجودة المحاصيل الزراعية

يرى جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة القاهرة، أن الزراعات المنزلية قد تكون ذات منافع اقتصادية كبيرة وتحقق الاكتفاء الذاتي لمزارعيها، ولكن لا بد من عمل دراسة جدوى بمساحة الأسطح والشرفات، وتوفير الأرض اللازمة للزراعة والبذور وحساب تكلفتها، ويشرح: "متوسط مساحة العمارات في مصر 300 متر مربع، ومن الممكن أن تعادل إنتاجيتها إنتاجية قيراطين من الأراضي الزراعية، فالقيراط الواحد (175 متراً مربعاً)، ينتج في المتوسط نصف طن من أغلب المحاصيل، أي أن كل عمارة تستطيع إنتاج طن كامل من مجموع المحاصيل.

صيام في حديثه إلى رصيف22، أشار إلى أن تطبيق هذه التجربة على أسطح العمارات وداخل الشرفات في جميع أنحاء مصر سيوفر محاصيل عضويةً بوفرة، ولكن لتطبيقها بطريقة صحيحة وتحقيق عائد اقتصادي منها لا بد أن يكون للدولة دور في ذلك، عبر توفير إشراف من مهندسين زراعيين لمساعدة المواطنين وحل المشكلات التي تواجه المزروعات، بغرض الحصول على إنتاج وفير وتحقيق عائد اقتصادي.

أعلّمهم من خلال المجموعة كيفية استخراج البذور القابلة للزراعة من الثمار المتوفرة لديهم في المنزل، بدلاً من شرائها، وكيفية زراعة المحاصيل اعتماداً على الشتلات، وكيفية تسميد الزرع بمكونات طبيعية حتى نحصل على محاصيل عضوية بأسعار زهيدة

ويتابع: "في ظل الغلاء الاقتصادي الذي نعيشه، تستطيع زراعة الأسطح توفير جزء كبير من احتياجات المنزل من الخضروات والفواكه، وتوفير هذا البند في ميزانية الأسرة لاستثماره في بنود أخرى".

مبادرة "حياة كريمة" وزراعة الأسطح

انصبّ اهتمام الحكومة المصرية على زراعة الأسطح منذ سنوات عدة، وفي شباط/ فبراير الفائت، وضمن مبادرة "حياة كريمة" التي تسعى إلى تطوير القرى الأكثر فقراً من خلال مجموعة من الأنشطة الخدماتية والتنموية، أطلقت مديرية التضامن الاجتماعي مبادرةً لزراعة الأسطح، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي للأسر الأَولى بالرعاية، من خلال بدء زراعة 10 أسطح كمرحلة تجريبية، في مركز زفتى، أحد مراكز محافظة الغربية في دلتا مصر.

وتساعد المبادرة المواطنين في تسويق الفائض وتحقيق ربح لخلق مصادر دخل إضافية للأسرة، وتوفير المادة الطازجة الخالية من الكيماويات، وتقليل التلوث، والحد من زيادة ثاني أكسيد الكربون والحد من استهلاك المياه، إذ يجرى الري بالتنقيط.

من ناحية أخرى، وفي عام 2018، أطلقت مديرية الزراعة في محافظة بني سويف جنوب مصر، نموذجاً إرشادياً لتدريب الراغبين على طرق زراعة الأسطح ونُظُم الري والإنتاج والتربية، كما دشنت مديرية التربية والتعليم في المحافظة مشروع زراعة الأسطح في مدرسة الثانوية الزراعية في قفطان الغربية التابعة لمركز سمسطا جنوب غرب بني سويف. واستمر المشروع في التطور حتى العام الجاري، وخصصت البوابة الإلكترونية لمحافظة بني سويف جزءاً منها لعرض كافة التفاصيل التي تساعد المواطنين في زراعة الأسطح الخاصة بهم.

في ظل الغلاء الاقتصادي، تستطيع زراعة الأسطح توفير جزء كبير من احتياجات المنزل من الخضروات والفواكه.

تقليل للملوثات وإنتاج للأكسجين

أثبتت دراسة بيئية قام بها فريق بحثي من شعبة البحوث الزراعية والبيولوجية في المركز القومي للبحوث، أن زراعة الأسطح تؤدي إلى تقليل كمية الملوثات الموجودة في الهواء، ووجدت أن زراعة متر مربع من السطح طوال العام تزيل 100 غرام من الملوثات الموجودة في الهواء سنوياً، مما يساهم في تنقية هواء المدن، كما أثبتت أن زراعة 1.5 متر مربع من السطح طوال العام تنتج كميةً من الأكسجين تكفي لتغطية الاحتياجات التنفسية لشخص بالغ واحد لمدة عام، فضلاً عن أنها تساعد في تنظيف أسطح المباني والمنشآت المختلفة والتخلص من المهملات والقاذورات.

كما وجدت الدراسة أن زراعات الأسطح، تقلل التأثيرات الضارة لمحطات الهاتف المحمول، إذ إن النباتات تمتص الموجات الإلكترو مغناطيسية، وجزءاً كبيراً من الصوت.

"أكلك من بيتك"

عام 2015، دشّن المهندسان الزراعيان شريف حافظ ومحمد طارق، مجموعةً خاصةً بزراعة الأسطح على موقع فيسبوك، تحت عنوان "زراعة الأسطح: مشروع أكلك من بيتك"، لمساعدة محبّي الزراعة في استغلال أسطح منازلهم لزراعة محاصيل تساعدهم في توفير احتياجاتهم من الخضروات والفواكه، ووصل عدد المشتركين في المجموعة إلى 53 ألف عضو.

يتحدث محمد طارق إلى رصيف22، قائلاً: "أعمل في مجال زراعة الأسطح منذ 9 سنوات. أساعد محبّي الزراعة في الاهتمام بمزروعاتهم من خلال خبرتي، كون الزراعة شغفي ومهنتي، ودرستها في المدرسة الزراعية في القاهرة، وأصبحت أملك مزرعةً خاصةً بي لزراعة العنب".

حوّل محمد (45 عاماً)، اهتمامه وخبرته إلى طريقة لكسب رزقه، فهو يعمل في زراعة الأسطح والحدائق الخاصة، كما يقدّم خبرته المجانية للمشتركين في مجموعته. ويقول: "كثير من الناس أصبح لديهم وعي بأهمية الزراعة، ويسعون إلى استغلال أي مساحة لديهم، سواء الأسطح أو الشرفات، خاصةً أن الزراعة المنزلية غير مكلفة"، ويضيف: "أعلّمهم من خلال المجموعة كيفية استخراج البذور القابلة للزراعة من الثمار المتوفرة لديهم في المنزل، بدلاً من شرائها، وكيفية زراعة المحاصيل اعتماداً على الشتلات، وكيفية تسميد الزرع بمكونات طبيعية حتى نحصل على محاصيل عضوية بأسعار زهيدة".

ويتواصل محمد بصورة شبه يومية مع أعضاء المجموعة، الذين يطرحون أسئلتهم في منشورات يعلّق عليها هو بالتفاصيل الكافية التي يحتاجها الأعضاء.

زراعة متر مربع من السطح طوال العام تزيل 100 غرام من الملوثات الموجودة في الهواء سنوياً، مما يساهم في تنقية هواء المدن، كما أن زراعة 1.5 متر مربع من السطح طوال العام تنتج كميةً من الأكسجين تكفي لتغطية الاحتياجات التنفسية لشخص بالغ واحد لمدة عام

روشتة لرعاية النباتات المنزلية

في دراسة للدكتورة دينا محمد سلامة أحمد، وهي باحثة في شعبة البحوث الزراعية في المركز القومي للبحوث، توضح أن الزراعة المنزلية توفّر لمسةً جماليةً للمنزل، وتساعد في الحصول على منتج آمن وصحي، وتوفر دخلاً لمعيشة الأسرة، وتقلل من الاحتباس الحراري، كما تحسّن الحالة المزاجية وتخفف أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر للمزارعين، وتطوّر عادة تناول الخضار باستمرار لدى الأطفال، وتساعد في عملية تدوير المخلفات لاستخدامها كأوعية في الزراعة.

وتقدّم الباحثة روشتةً لهذا النوع من الزراعة، منها نقل النباتات عندما تكبر إلى وعاء يناسب حجمها حتى لا تلتف الجذور حول نفسها داخل الوعاء وتجف بسرعة أكبر، وريّ النباتات صباحاً أو عند الغروب لكيلا تتبخر مياه الري، واستخدام الأسمدة العضوية كل 10 أيام تقريباً، أما بالنسبة إلى الأسمدة الكيميائية أو طرق مقاومة الأمراض والحشرات فتُستخدم حسب إرشادات كل محصول.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image