ما تزال نهى محمد، وهي سيدة تسكن في مدينة الإسكندرية، نادمةً حتى اليوم على ما حدث في حفل زفافها العام الفائت، إذ ترى أنهم تسرعوا في عقد القران في شهر آب/ أغسطس الماضي، في إحدى القاعات المفتوحة في المدينة.
تضيف السيدة ذات الأعوام الثمانية والعشرين موضحةً لرصيف22: "كنت أعتقد أن اختياري لهذا النوع من القاعات يعطيني قدراً من الوجاهة الاجتماعية أمام أصدقائي وأقاربي، والعرض كان مغرياً جداً إذ كان هناك حسم ييلغ 50% على سعر القاعة خلال هذا الشهر، ولم أعرف لماذا إلا بعد أن انتهى الحفل؛ فمن سيقيم زفافه في مثل هذا الجو الحارق؟".
بدأ الحفل عند الساعة الرابعة عصراً، وعانى المدعوون من التعرق الشديد، وهناك من الفتيات من فسد مكياجهن بشكل مزعج، أما الموقف الذي لفت انتباه نهى بالفعل، وجعلها تضحك كثيراً، فهو أن شقيقها ذهب إلى غرفة الفندق وغيّر ملابسه، وبدلاً من البدلة ارتدى ملابس السباحة وكنزةً قطنيةً، كما شعرت هي الأخرى بالحرّ الشديد وأصبحت هيئتها في حالة يُرثى لها، خاصةً أنها محجبة، مما اضطرهم إلى إنهاء الحفل قبل موعده بساعة ونصف الساعة.
من سيقيم زفافه في مثل هذا الجو الحارق؟
هذا الحر "غير المتوقع"، هو واحد من آثار التغيرات المناخية التي باتت خطراً محدقاً بكل جوانب حياتنا، لكن هل كنا نتخيل أن يؤثر حتى على حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية؟
أمطار غير متوقعة
أما الشاب العشريني حسيني عزب، ويسكن في محافظة الشرقية، فقد اختار أن يكون حفل زفافه في فصل الخريف قبل قرابة شهر، وهو لا يقل متعةً عن فصل الربيع في ما يتعلق بالطقس المعتدل، ولأنه من أسرة ريفية ميسورة الحال، عزم على إقامة حفل زفاف على الطريقة الشعبية في أكبر شارع في القرية التي يعيش فيها، فالفرح في الشارع بالنسبة إلى أهل الريف أكثر فخامةً وأكبر كلفةً من إقامته داخل قاعة أفراح.
تحدث حسيني إلى رصيف22، عن الاستعدادات التي تمت قبل يوم من الفرح بخلاف تحضير الطعام، فقد نظفوا الطريق ونصبوا خيمةً كبيرةً "فراشة" بطول الشارع تتسع لأكثر من مئة شخص لإضفاء بهجة على المكان، وبينما هو سعيد مع زملائه الذين أتوا له بالبدلة لكي يرتديها ويذهب لجلب العروس من محل تصفيف الشعر، انقلب الطقس رأساً على عقب وتحول إلى شتوي بامتياز "كأننا في شهر ‘طوبة’، أي بداية العام ومواسم الأمطار الغزيرة"، على حد وصفه.
"هطلت الأمطار بغزارة لساعة متواصلة، لتتحول شوارع القرية بأكملها إلى بركة من الوحل، فهي غير مرصوفة، ولم يكن هناك من حل سوى تأجيل الفرح أو إقامته في مكان آخر، فاخترنا الحل الأخير واتجهنا نحو إحدى القاعات في مركز القرية ونقلنا كل الاستعدادات إلى هناك"، يضيف الشاب شارحاً.
شعر الضيوف بالضجر الشديد، ما دفع بوالدي إلى إحضار عربة مثلجات من الشارع ليوزع على جميع الحضور حتى يهوّن عليهم حرارة الجو، كما أن المظلات لم تكن كافيةً لتقي الجميع من حرارة الشمس وأحضرنا المزيد منها. كنا في غاية الارتباك، ولا أنصح بأفراح القاعات المفتوحة في الصيف إطلاقاً
ما حدث مع حسيني عزب، لا يختلف كثيراً عن حكاية مروة محمود (32 عاماً)، وتعيش في محافظة الشرقية. تقول إنها لم تكن تتوقع أن يكون حفل زفافها بهذه "الإثارة".
"تزوجت في كانون الثاني/ يناير 2020، وفي العامين السابقين لم تمطر هنا خلال هذا الشهر، لذلك عقدنا العزم على الزواج بدلاً من الانتظار حتى الربيع أو الصيف، كي لا تطول الخطبة أكثر، وبالفعل حجزنا قاعةً داخليةً مسقوفةً. وبالرغم من أن الشمس كانت مشرقةً صباح ذلك اليوم، إلا أن الأمطار هطلت بغزارة قبل الموعد المحدد بساعتين ولم تتوقف، وعندما أتى العريس لاصطحابي كانت سيارة الزفة في حالة يُرثى لها وملطخة بالطين من كافة الجوانب"، تحكي لرصيف22.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعرضت مروة هي الأخرى لموقف لن تنساه طوال حياتها، إذ واجهت صعوبةً كبيرةً في السير بالكعب العالي، وتلطخت أطراف فستانها بالمياه الموحلة، بالرغم من أن صديقاتها وضعن فوق رأسها مظلةً، كما أنهم واجهوا صعوبةً في التقاط صور الزفاف، والتي كان من المقرر أن تكون في الحديقة الخارجية للقاعة، لكنها تحولت إلى بركة من الطين بعد هطول المطر، واكتفوا بالتصوير الداخلي، ناهيك عن أن عدداً كبيراً من المدعوين لم يتمكنوا من الحضور.
مواقف حرجة
رحاب علي (27 عاماً)، تقيم في مدينة طنطا ومتزوجة منذ عام تقريباً، تقول لرصيف22، إن حفل زفافها كان في شهر تموز/ يوليو من العام الفائت، في الصالة الخارجية لنادي المعلمين الشهير في المدينة، ولسوء الحظ كان الطقس شديد الحرارة، وسال المكياج على وجهها وتولّت صديقاتها مهمة إصلاحه.
وأضافت في حديثها: "شعر الضيوف بالضجر الشديد، ما دفع بوالدي إلى إحضار عربة مثلجات من الشارع ليوزع على جميع الحضور حتى يهوّن عليهم حرارة الجو، كما أن المظلات لم تكن كافيةً لتقي الجميع من حرارة الشمس وأحضرنا المزيد منها. كنا في غاية الارتباك، ولا أنصح بأفراح القاعات المفتوحة في الصيف إطلاقاً".
وختمت حديثها مشيرةً إلى أن شهر العسل أيضاً لم يكن في منأى عن حرارة الجو المرتفعة، إذ ذهب الزوجان إلى شرم الشيخ، وكانت الشمس حارقةً، ولم يتمكنا من الاستمتاع بالبحر معظم اليوم، واكتفيا بالجلوس داخل الفندق.
تنظيم المناسبات يصبح أصعب، عاماً بعد آخر، بسبب التحولات الكبيرة في الطقس.
تنظيم من نوع آخر
تقول مُنظِّمة الحفلات، رؤى علي، إن تنظيم المناسبات يصبح أصعب، عاماً بعد آخر، بسبب التحولات الكبيرة في الطقس، سواء من حيث ارتفاع درجات الحرارة أو الرياح أو الأمطار غير المتوقعة، لا سيما إن كانت الحفلات تقام في قاعات مفتوحة.
وروت رؤى لرصيف22، ما حدث في إحدى حفلات الزفاف التي أقامتها في قاعة مفتوحة على شاطئ الإسكندرية، وهاج البحر فجأةً على الحضور، مما دفع بعضهم إلى ترك الحفل مبكراً بعد أن ابتلت ملابسهم، وفي إحدى الحفلات أيضاً أصابتها ضربة شمس بسبب ارتفاع الحرارة، ولم تستطع إكمال التنظيم بنفسها وتركته لمساعديها، بالإضافة إلى تكرار تعرّض بشرتها للاحتراق بالرغم من أنها تضع كريماً واقياً ضد الشمس.
"أصبحنا الآن نختار زهوراً تتحمل ارتفاع الحرارة حتى لا تذبل، كما نختار ديكورات ووروداً ذات ألوان مبهجة، ونوعاً من الكراسي المريحة للعريس والعروس والضيوف أيضاً. لكننا أصبحنا نجد صعوبةً خلال العامين الماضيين في الحصول على معظم أنواع الورود، بعد أن تضررت الأشجار في المشاتل بفعل ارتفاع الحرارة وارتفع سعرها بالفعل"، تقول رؤى شارحةً.
هطلت الأمطار بغزارة لساعة متواصلة، لتتحول شوارع القرية بأكملها إلى بركة من الوحل، فهي غير مرصوفة، ولم يكن هناك من حل سوى تأجيل الفرح أو إقامته في مكان آخر، فاخترنا الحل الأخير واتجهنا نحو إحدى القاعات في مركز القرية ونقلنا كل الاستعدادات إلى هناك
وفي ما يتعلق بالطعام، نبّهت إلى أن البوفيهات التي تحتوي على اللحوم والنشويات اختفت إلى حد ما، واستُبدلت بالأطعمة الخفيفة والسندويشات، مثل البانيه والكفتة وقطع الخيار، عوضاً عن الدجاج المشوي أو اللحوم الحمراء والديوك الرومية، فالأطعمة الثقيلة تزيد من الشعور بالحر، بالإضافة إلى اللجوء إلى العصائر وزجاجات المياه الباردة.
ومن خلال خبرتها الطويلة في تنظيم المناسبات، سواء حفلات التخرج الجامعية أو الأفراح أو حفلات التكريم، فإن كبار السن هم الأشد معاناةً، لذلك تأخذ هي وفريق عملها احتياطات ويكون في حوزتهم بعض الأدوية التي يمكن من خلالها إسعاف هذه الفئة، وبالنسبة إلى العروس يتم اتخاذ احتياطات عدة، فإن كانت مريضة ضغط مثلاً، يتجنب منظم الحفل إقامة العرس في فصل الصيف، أما عند إقامة حفل في المدن الساحلية، فإن أول شيء يفعلونه هو دراسة حركة الرياح وهيجان البحر، لأن الرياح تؤثر على الديكور ويمكن أن يسقط بسببها.
ونصحت سكان المحافظات الحارة في مصر، مثل الصعيد، بعدم إقامة حفلات الزفاف في فصل الصيف، وبشكل عام فقد أصبحت الأغلبية تبتعد عن الأشهر الصيفية، مثل تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، وتفضل أشهر الربيع والخريف والشتاء أكثر، على حد قولها.
وفي ما يتعلق بالموسم الشتوي، تقول مُنظِمة الحفلات إن الأمطار تمثل عائقاً كبيراً أمامهم، ويحاولون بقدر الإمكان متابعة حالة الطقس والابتعاد عن الأيام الممطرة، لكن توقعات هيئة الأرصاد الجوية لا تُصيب دائماً، ويتفاجؤون بهطول الأمطار بغزارة، كذلك الرياح العاصفة التي تُطيح بكل الديكور إن كان الحفل في الهواء الطلق. ويكون من الصعب أيضاً تنظيم حفل في وقت متأخر من الليل، إذ يعتذر عدد كبير من المدعوين عن الحضور خاصةً من لديهم أطفال صغار، كما أن فصل الشتاء اشتهر بكونه الفصل الذي تنشط فيه الفيروسات وتقلّ التجمعات منذ ظهور جائحة كورونا، مشيرةً إلى أن ديكور الشتاء له أزهار خاصة مختلفة تماماً عن المستخدمة في ديكور الصيف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين